«هاكان فيدان».. يد «أردوغان» الضاربة في الداخل والخارج

السبت 16 يوليو 2016 10:07 ص

عالم المخابرات مبني على الألغاز وعلامات الاستفهام، المهام الصعبة هي أبسط الأفعال، والمستحيلات عندهم لا وجود لها، لا يعرفون التعب ولا يتسرّب إليهم الملل، الغموض عنوانهم، واستقرار الأمم أول مطالبهم.

لكن هذه الأجهزة تُبنى على أيدي رجال جديرين بحماية الأوطان، رجال بمواصفات خاصة، من هؤلاء «هاكان فيدان» أو «حاقان فيدان» رئيس جهاز المخابرات التركي.

تقارير إعلامية، تؤكد أن «فيدان» هو الجندي المجهول الذي تمكن بحكنته من إفشال الانقلاب ضد سلطة الرئيس «رجب طيب أردوغان».

وصفه الرئيس التركي «رجب طيب أردوغان» بحافظ أسراره، ويطلق عليه الأتراك يد «أردوغان» الضاربة، ومعروف عالميا بأنه الرجل الذي تخشاه إسرائيل، شهد جهاز المخابرات التركية في عهدة نقلة نوعية كبيرة، وانتقل من جهاز مترهّل محاط بالخلافات الداخلية من كل اتجاه، إلى جهاز من أقوى وأنجح أجهزة المخابرات في العالم.

رغم غموض شخصية «فيدان»، إلا أننا استطعنا أن نجمع بعض المعلومات عن الثعلب التركي.

من هو «هاكان فيدان»؟

«هاكان فيدان» من مواليد عام 1968، في العاصمة التركية أنقرة، تلقّى تعليمه في الأكاديمية الحربية التابعة للقوات البرية التركية وتخرّج منها عام 1986، وتم تعيينه بعدها رقيبا في القوات المسلحة التركية.

تولّى «فيدان» مهمة فنّي حواسيب في قسم معالجة البيانات التلقائية التابع للقوات البرية التركية، وأثناء تأديته لمهمة في خارج البلد، حاز على درجة البكالوريوس بجامعة ميريلاند في الولايات المتحدة الأمريكية في العلوم السياسية والإدارة.

دراسته الأكاديمية

بعد عودته إلى تركيا، حصل على درجة الماجستير من جامعة بيلكنت في فرع العلاقات الدولية، وقام بتحضير بحث الماجستير بعنوان «مقارنة بين نظام الاستخبارات التركي والأمريكي والبريطاني» في عام 1999، أشار فيه إلى حاجة تركيا لشبكة استخبارات خارجية قوية جداً.

كما حصل على درجة الدكتوراه عام 2006 من جامعة بيلكنت، عن بحث بعنوان «الدبلوماسية في عصر المعلومات: استخدام تكنولوجيا المعلومات في التحقق».

حياته العملية وتنقّله بين المناصب

تم تعيينه مستشارا اقتصاديا وسياسيا في السفارة التركية بأستراليا، بينما تابع دراسته الأكاديمية في معهد الأمم المتحدة لبحوث نزع السلاح، وفي الوكالة الدولية للطاقة الذرية، ومركز المعلومات والتدريب وأبحاث التحقق في لندن.

وفي عام 2003، تولى رئاسة وكالة التنمية والتنسيق التركية، واستمر في المهمة حتى 2007، ولم تبقَ في هذه الفترة دولة في أفريقيا والشرق الأوسط وآسيا الوسطى والقوقاز والبلقان إلا وقام بزيارتها، وفي نفس الوقت كان مستشارا لرئيس الوزراء السابق «أحمد داود أوغلو»، عندما كان وزيرا للخارجية التركية.

وفي عام 2007، عُيّن نائبا لمستشار رئيس الوزراء لشؤون الأمن الدولي والسياسة الخارجية، وكان رئيس الجمهورية الحالي «رجب طيب أردوغان»، وقتها رئيسا للوزراء، وفي نوفمبر/ تشرين الثاني من العام ذاته، أصبح عضوا في المجلس الإداري للوكالة الدولية للطاقة الذرّية.

في 17 أبريل/ نيسان 2009، تم تعيين «فيدان» نائبا لرئيس الاستخبارات «إيمره تانير»، وعقب تقاعد رئيس الاستخبارات «تانير»، قامت حكومة حزب العدالة والتنمية بتعيين «هاكان فيدان» رئيسا للاستخبارات في 27 مايو/ أيار 2010، وكان يبلغ من العمر 42 عاما، وبذلك أصبح أصغر شخص يتولى منصب رئاسة الاستخبارات التركية.

إعادة بناء جهاز المخابرات التركية

استطاع «فيدان» إدخال تعديلات كبيرة في تكوين جهاز المخابرات، وأقنع «أردوغان» بتجميع جميع أجهزة المخابرات في الخارجية والأمن والجيش تحت جهاز المخابرات العامة، وهو الأمر الذي أزعج الأوساط في الأمن والجيش.

في الداخل التركي، يلقّبه الأتراك بيد «أردوغان» الضاربة، ويصفه «أردوغان» بأنه حافظُ أسراره، وقد استطاع «فيدان» عن طريق إدارته لجهاز المخابرات، تنفيذ الأجندة السياسية والإقليمية التي يتبناها «أردوغان»، فقد كان «فيدان» عنصرا أساسيا في معركته ضد «الكيان الموازي».

كما تزعّم «فيدان» جهود «أردوغان»، للتوصّل إلى اتفاق مع حزب العمال الكردستاني، في محاولة لإنهاء عقود من الحرب التي دارت في جنوب شرقي البلاد ذات الأغلبية الكردية.

يقول عنه «جيمس جيفري»، الذي عمل كسفير للولايات المتحدة في تركيا والعراق: «فيدان هو وجه الشرق الأوسط الجديد»، وتابع قائلا: «علينا أن نعمل معه لأنه يستطيع إنهاء المهام، لكن لا يجب افتراض أنه الصديق الساذج للولايات المتحدة، لأنه ليس كذلك».

بينما يصفه «إيمري أوسلو»، الخبير في شؤون الاستخبارات بأنه «أقوى كثيرا من أي وزير».

استقالته وعودته لجهاز المخابرات

في فبراير/ شباط 2015، حدث شيء غير متوقع، حيث تفاجئ الجميع باستقالة «فيدان» من رئاسة جهاز المخابرات التركية، رغبة منه في المشاركة في الحياة السياسية وترشيح نفسه للانتخابات على قوائم حزب العدالة والتنمية، وكان من أكثر المنزعجين من هذا القرار هو الرئيس «أردوغان»، حيث أبدى تأسفه من قرار الاستقالة قائلا: «إذا كان جهاز استخبارات الدولة ضعيفا، فإنه من غير الممكن أن تقف تلك الدولة بشكل ثابت على قدميها».

وأضاف: «نحن نُدير دولة، وقد عبّرت عن قناعتي حيال هذه القضية من قبل.. لقد قمنا بتعيينه في هذا المنصب، وأنا قمت بتعيينه، في هذه الحالة كان عليه أن يبقى في مكانه وأن لا يغادره من دون إذن».

لكن سرعان ما وعى «فيدان» لأهمية الدور المنوط به، وفي أقل من شهر من تاريخ الاستقالة عاد ليرأس جهاز المخابرات مجددا، فلم ينته بعد من حربه ضد الكيان الموازي، ولم تتم عملية سلام كاملة مع حزب العمال الكردستاني، بيد أن هناك آراء تقول بأن عودة «فيدان» لرئاسة جهاز المخابرات، سببها أنه لم يتم الاتفاق على من سيخلفه في المنصب.

لماذا تخشى (إسرائيل) «فيدان»؟

تعود العلاقات بين الاستخبارات التركية والموساد إلى عام 1958، وتعاظمت هذه العلاقات وتطورت في بداية التسعينات لتصبح تعاونا استراتيجيا، حيث تم التوقيع في هذه الفترة على العديد من الاتفاقيات بين تركيا والكيان الصهيوني، حتى وصلت العلاقات لأفضل حال.

في هذه الفترة استطاع الموساد، استخدام الأراضي التركية كمنطقة آمنة، فكان عملاء الموساد يستطيعون دخول تركيا والخروج منها لتنفيذ مهامهم، وأهمها الاغتيالات، ولم يخضعوا وقتها لمراقبة جوازات السفر ولا لمراقبة الأمن ولا لمراقبة جمركية على الحدود، ما سهّل على عملاء الموساد عمليات التجسس.

لكن الوضع تغيّر مع «فيدان»، إذ إن جهاز المخابرات أصبح محترفا، تشهد كبرى أجهزة الاستخبارات في العالم على نجاح عملياته، ولم يعد أداة سهلة أمام عمليات الموساد.

عداء (إسرائيل) لـ«فيدان»

منذ أن بدأ رئيس المخابرات التركية الحالي، «هاكان فيدان» مهام منصبه في 2010، بدأت الحرب بينه وبين جهاز الموساد الصهيوني، فبعد توليه المنصب مباشرة، حصلت المخابرات التركية على تسجيل صوتي يفيد بأن الموساد يناقش خبر تعيين «فيدان» في منصبه الجديد.

وقال وزير الدفاع الصهيوني وقتها، «إيهود أولمرت»: «نخشى من أن يقوم رئيس المخابرات التركي المعيّن بنقل المعلومات لإيران، فهو يعرف الكثير عن أسرارنا، والتفكير بأنه يمكن أن يطلع عليها الإيرانيين، أمر مقلق».

ونشرت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأمريكية، عام 2012، تقريرا يشير إلى أن «فيدان» سرّب معلومات استخباراتية مهمة لإيران، بخصوص شبكة تجسس للموساد تعمل داخل إيران، الأمر الذي دفع طهران لتصفية هذه الشبكة بالكامل، لتصبح أقوى ضربة وجّهتها إيران في حرب الاستخبارات الصهيونية الإيرانية بمساعدة «فيدان».

ويقول مسؤول إسرائيلي كبير: «أصبح واضحا لـ(إسرائيل) أن فيدان لم يكن عدوّا لإيران»، ويقول مسؤولون أمريكيون أن الولايات المتحدة تتجسّس على تركيا، ومن جانبها تقوم الاستخبارات التركية بحملة تجسس مضادة وشرسة ضد «سي آي إيه».

ويقول مسؤولون آخرون أن «فيدان» كان قد أثار مخاوف جمة لدى الأمريكيين، حين سرّب للإيرانيين معلومات حساسة، جمعتها (إسرائيل) والولايات المتحدة في ٢٠١٠.

وكجزء من الرد على الاعتداءات الإسرائيلية على المسجد الأقصى، شن رئيس الوزراء السابق «داود أوغلو» هجوما على الكيان الصهيوني وقادته، خلال مؤتمر صحفي بمقر جهاز المخابرات التركية، حضره رئيس الجهاز «هاكان فيدان»، ويعتبر هذا المؤتمر الأول من نوعه يظهر فيه «فيدان» في مؤتمر أمام الصحفيين، إذ لم يسبق أن ظهر «هاكان فيدان» في مؤتمر صحفي مشترك مع رؤساء الحكومات التركية، ولم يسبق أن أُقيم مؤتمر صحفي لرؤساء الوزراء الأتراك من داخل جهاز الاستخبارات.

وفسّر البعض أن وقوف «هاكان فيدان» بجوار «داود أوغلو» خلال حديثه عن علاقة الاستخبارات بالدولة وعن (إسرائيل) يمكن اعتباره رسالة مبطّنة لـ(إسرائيل) التي تعتبر «هاكان فيدان» أحد أكبر أعدائها وأخطرهم في المنطقة، وكأنما تهدّد تركيا (إسرائيل) بالرجل الذي يخيفها.

براعة أداء «فيدان» في جهاز المخابرات، جعلت البعض يذهب إلى أن شخصية «مراد علمدار»، الشهيرة في مسلسل «وادي الذئاب»، هي تجسيد واقعي لحياة «فيدان».

إن أهمية جهاز المخابرات لأي دولة، لا يقل عن أهمية رئاسة الدولة، إن المخابرات هي التي تتولى حماية الدولة من الداخل والخارج، لذا يتعين أن يرأسها الشخص المناسب من حيث البراعة والأمانة، وهو ما يتوفر في «فيدان»، الذي وصفه رئيس الدولة بكاتم أسراره، وتحتاج تركيا وأي دولة أخرى لأمثال «فيدان» في كل مؤسساتها.

  كلمات مفتاحية

حاكان فيدان انقلاب تركيا أردوغان الاستخبارات

«فتح الله كولن» مهندس انقلاب تركيا الفاشل

مشاركون في انقلاب تركيا يستسلمون.. والسلطات تعتقل متورطين

علماء ومفكرون وسياسيون وإعلاميون يغردون ضد انقلاب تركيا

تقرير إسرائيلي يستبعد عودة التعاون بين الموساد والمخابرات التركية إلى ما كان عليه

12 ثانية غيرت مصير الحياة السياسية في تركيا

سعودي يعرض مليون ريال لشراء هاتف المذيعة الذي بث نداء «أردوغان»

«خلوصي آكار».. الجنرال التركي الذي صان العهد

«و.س. جورنال»: هل فشلت المخابرات التركية في كشف محاولة الانقلاب قبل وقوعها؟