نتائج «الخروج» البريطاني على لندن كمركز مالي

الأحد 14 أغسطس 2016 08:08 ص

عقب التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، تجسد فقدان الثقة بالنمو الاقتصادي لكل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بشكل واضح في تراجع الأسواق المالية العالمية، خصوصا في أوروبا، وانعكس أيضا في ضعف الجنيه الإسترليني واليورو مقابل الدولار الأمريكي. وكانت أكبر البنوك البريطانية أكثر من تأثر بذلك على صعيد سوق الأوراق المالية، إذ إنها خسرت، مجتمعة، مبلغ 40 مليار جنيه إسترليني من قيمتها السوقية في اليومين التاليين للتصويت. لن تتمتع بعد الآن البنوك البريطانية بامتيازات «جواز السفر» المالي الخاصة بالمعاملات المالية مع الاتحاد الأوروبي. 

بالإضافة إلى ذلك، سوف تتأثر أرباحها كثيرا بسبب تراجع قيمة الجنيه الاسترليني والنمو الاقتصادي الناتج عن الخروج، إن «حقوق جواز السفر» هي بمثابة ترخيص يعطى للشركات المالية الأجنبية لتقدم خدماتها في المنطقة الاقتصادية الأوروبية، ما يعني أن البنوك البريطانية والبنوك الأمريكية وغيرها من البنوك التي ليست تابعة للاتحاد الأوروبي، والعاملة في المملكة المتحدة، سوف تحتاج إلى ترخيص جديد لتقديم الخدمات في دول الاتحاد الأوروبي.

إذا، ومن منظار عملي، فحتى لو تمكنت المملكة المتحدة من التوصل إلى اتفاق حول جواز جديد يسمح بالنفاذ إلى الاتحاد الأوروبي، سيتأكد هذا الأخير من عدم حصول بريطانيا على أي معاملة تفضيلية وسيبذل جهده لسحب جزء كبير من الأعمال إلى الدول الأعضاء فيه.

ونتيجة مغادرة المملكة المتحدة للسوق الموحدة، بدأت تتجلى انعكاسات مباشرة أخرى على صعيد الأزمة في النظام المالي الإيطالي، حيث بلغت القروض المتعثرة للبنوك 18% من إجمالي القروض، أي ما يعادل 360 مليار يورو، وهو مبلغ كبير يثير القلق. ويظهر ذلك كيف يمكن لفقدان الثقة في سوق معينة أن يكشف سريعا عن الشوائب التي تسود نظاما اقتصاديا مرتبطا به والتأثير على استدامته.

تتجه الأنظار اليوم نحو لندن كمركز مالي، خصوصا أنها كانت قد تفوقت على نيويورك في أيلول 2015 لتصبح أول مركز مالي في العالم. ولكن من المرجح أن يتغير ذلك الآن، فالمملكة المتحدة تصدر ما يوازي 30 مليار جنيه استرليني من الخدمات المالية إلى الاتحاد الأوروبي سنويا، ومن المتوقع أن ينخفض ذلك الرقم.

وبعد مرور فترة وجيزة على التصويت على خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، طلب الرئيس الفرنسي من وزير المالية الفرنسي، مانويل فالس، أن يعلن عن مجموعة من الإعفاءات الضريبية لحث البنوك على مغادرة لندن والاستقرار في باريس. وتشمل هذه الإعفاءات تخفيضات خاصة بضريبة الدخل تبلغ 50 في المئة.

شكلت هذه المبادرة صدمة، إذ إنها جاءت من قبل حكومة كانت قد أطلقت، غداة انتخابها، شريحة ضريبية بلغت الـ75% على ذوي الدخل المرتفع، ودفعت برئيس الوزراء البريطاني في ذلك الوقت، ديفيد كاميرون، إلى حث المزيد من المصرفيين الفرنسيين على الانتقال إلى لندن!

بالإضافة إلى باريس، على الأرجح أن مراكز مالية إقليمية أخرى ستحاول جذب المصرفيين إلى مدنها، مثل فرانكفورت ولوكسمبورغ ودبلن، وبرغم أنه يصعب التنافس مع البنية التحتية الخاصة بلندن ولغتها وأسلوب الحياة فيها وحجمها، غير أنه في ظل غياب «حقوق جواز السفر»، يتوقع الخبراء أن يتراجع دور لندن كمركز مالي لصالح العديد من المدن الأوروبية الأخرى، ما سيولد سوقا مجزأة بدلا من أن تؤدي مدينة واحدة الدور الذي كانت تلعبه لندن.

لقد تناول تحليل حديث صدر في صحيفة « فاينانشال تايمز» موضوع الخطر الرئيسي الذي تواجهه لندن، بصفتها مركزا ماليا، والذي يهدد موقعها كمركز تبادل رئيسي للصفقات التي تحصل باليورو، وهذا ما كان صرح عنه علنا الرئيس الفرنسي. ووفقا لمركز الأبحاث في بروكسل، «بروغل»، يتم التداول، يوميا، بحوالي التريليون (ألف مليار) يورو من العملة و279 مليار يورو من العقود الاشتقاقية في المملكة المتحدة.

وفي حال تحققت أمنية الرئيس هولاند وقام البنك المركزي الأوروبي بانتزاع تلك الامتيازات من المملكة المتحدة، ستنتقل جميع هذه المعاملات إلى القارة الأوروبية، وصحيح أن هذا لن يؤثر كثيرا على أرباح القطاع المصرفي، غير أنه سيؤثر بالتأكيد على لندن كمركز مالي. ونتيجة لذلك، قد يؤثر ذلك على رغبة الشركات الأوروبية بالقيام باستثمارات أجنبية مباشرة في المملكة المتحدة، علما أن هذه الشركات تستثمر حوالي 500 مليار جنيه استرليني سنويا في الاقتصاد البريطاني، أي ما يقارب 50% من إجمالي الاستثمارات التي تتلقاها المملكة المتحدة.

من بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، سيتوقف الدور العالمي الذي يؤديه كل من اقتصاد المملكة المتحدة ولندن ليتحول إلى دور محلي وإقليمي، ومما لا شك فيه أن كلا من قوة الشركات البريطانية وتأثير بريطانيا على صنع السياسات المالية في أوروبا والعالم ستتأثر على المدى القصير والمتوسط، وربما أيضا على المدى الطويل.

إلا في حال سامح الزعماء الأوروبيون الشعب البريطاني على خياره، وتمكنت الحكومة الجديدة، بقيادة تيريزا ماي، من تذليل الكثير من العقبات التجارية مع الاتحاد الأوروبي، وغيرها من الاقتصادات الكبرى مثل الولايات المتحدة، والناجمة عن خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.

* د. طلال فيصل سلمان - خبير اقتصاد وتنمية بالأمم المتحدة

  كلمات مفتاحية

بريطانيا الاتحاد الأوروبي النظام المالي

بريطانيا تخطر المطالبين بإعادة استفتاء الخروج من الاتحاد الأوروبي برفض طلبهم

ارتفاع حاد بجرائم الكراهية ضد الأقليات في بريطانيا بعد خروجها من ⁧‫الاتحاد الأوروبي‬⁩

بريطانيا الصغرى والعودة للخليج الدافئ

كيف تستفيد دول الخليج من مغادرة بريطانيا لأوروبا عسكريا واقتصاديا؟!

ما مدى تأثير خروج بريطانيا من الاتحاد على السعودية شريكها التجاري الأكبر بالشرق الأوسط؟