علامات توتر في علاقات أمريكا وتركيا مع نفاد صبر واشنطن

الجمعة 24 أكتوبر 2014 07:10 ص

يمثل قرار الولايات المتحدة إسقاط أسلحة جوا للقوات الكردية في سوريا في نفس اليوم الذي وصفهم فيه الرئيس التركي «طيب أردوغان» بأنهم ارهابيون أحدث نغمة نشاز في العزف المتنافر بصورة متزايدة بين واشنطن وأنقرة.

وبصرف النظر عن مدى تأكيد المسؤولين على الجانبين علنا على وجود انسجام تتسبب الخلافات في الاستراتيجية بشأن قتال تنظيم «الدولة الاسلامية» ومصير بلدة «كوباني» السورية الحدودية المحاصرة في توتر العلاقات بين واشنطن وحليفتها الاقليمية المهمة مما يزيد عزلة تركيا بصورة مطردة.

وتحدث «أردوغان» يوم السبت للصحفيين على متن طائرته الرئاسية الجديدة الفاخرة قائلا إنه سيكون من غير الملائم للولايات المتحدة أن تسلح قوات حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي التي تسيطر على كوباني المحاصرة من قوات تنظيم الدولة الاسلامية منذ أكثر من شهر.

وبعد أقل من ساعة على هبوط الطائرة في اسطنبول تحدث الرئيس «باراك اوباما» إلى «أردوغان» عبر الهاتف وأبلغه بأن إسقاط الأسلحة الى المدافعين عن «كوباني» يمضي قدما.

وقال «آرون ستين» الزميل بالمعهد الملكي لدراسات الدفاع والأمن في لندن إن «التحركات الامريكية تهين اردوغان بالتأكيد. واقعة الاسقاط الجوي هي واحدة من وقائع عدم الاعتداد بتركيا».

وأكد مقال نشره مستشار لأردوغان يوم الاثنين بعد عمليات الاسقاط معارضة تركيا لمساعدة حزب الاتحاد الديمقراطي وسلط المقال الضوء على الفجوة الظاهرة بين أنقرة وواشنطن.

وبعد ساعات قال وزير الخارجية التركي «مولود جاويش أوغلو» إن «تركيا ستعمل مع الولايات المتحدة للسماح لمقاتلي البشمركة الكردية العراقية بالوصول الى كوباني للدفاع عنها».

وأعطى مسؤولون أتراك كبار تفسيرا ايجابيا للتغير في الموقف. لكن «أردوغان» واصل هجومه على التكتيكات الأمريكية وعلى التركيز على «كوباني»، وقال يوم الخميس: «الآن يوجد هذا الوضع المسمى كوباني. ما هي أهميته؟ جاء حوالي 200 ألف شخص إلى بلدي ولم يتبق هناك مدنيون ما عدا 2000 من مقاتلي حزب الاتحاد الديمقراطي» ووصف مقاتلي الحزب بأنهم «إرهابيون».

لكن موقف تركيا ليس له تأثير يذكر على اتجاه التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة وعلى تحركات واشنطن حسبما يعتقد «ستين»، ويقول «لا أعتقد أن تركيا تستسلم للضغط (لتفعل المزيد).. أعتقد أن الناس يتجاهلون تركيا ببساطة».

ويعترف مسؤولون أمريكيون كبار بالضيق الذي تشعر به تركيا ازاء عمليات الاسقاط الجوي للأكراد السوريين وقالوا إنهم شرحوا لأنقرة أنه علاج مؤقت لن يكون ضروريا اذا سمحت تركيا بممر آمن لمقاتلي البشمركة العراقيين الى كوباني للمساعدة في الدفاع عن المدينة.

ووصف وزير الخارجية الأمريكي «جون كيري» إسقاط الأسلحة بأنه «جهد لحظي». ووصف «كيري» محادثات «اوباما» مع «اردوغان» ومحادثاته هو نفسه مع كبار المسؤولين الاتراك قائلا «ما قلناه واضح جدا.. (ساعدونا لادخال البشمركة أو غيرها من الجماعات التي ستواصل هذا الأمر هناك ولن نحتاج لعمل ذلك (اعادة التزويد بالسلاح)».

وقال مسؤول أمريكي كبير «لذلك فما فعلنا كان محدودا جدا فعليا لكنه استهدف اساسا اقامة جسر للوصول الى مكان يأتي فيه التموين عبر تركيا من البشمركة الكردية».

واعترف مسؤول امريكي كبير ثالث بالتوترات المتبقية لكنه قال إن الدبلوماسية عالية المستوى بما في ذلك اتصال اوباما هاتفيا بأردوغان منعت على الاقل مزيدا من التدهور في العلاقات بين الدولتين العضوين في حلف شمال الاطلسي.

لكن البلدين سيبقيان على خلاف بشأن طلب واشنطن استخدام قاعدة انجيرليك الجوية لدعم العمليات العسكرية في سوريا في حين يطالب اردوغان بأن ينشئ التحالف المناهض لتنظيم الدولة الاسلامية منطقة حظر جوي فوق سوريا.

وتحتفظ الولايات المتحدة بشكوك بشأن ميول تركيا في سوريا وفي أماكن أخرى في العالم العربي.

وقال مسؤول حكومي أمريكي طالبا عدم نشر اسمه إن الولايات المتحدة تعتقد أن تركيا تلعب لعبة مزدوجة في سوريا فتقدم دعما معنويا خفيا على الأقل للدولة الاسلامية في حين تتجنب عمل ذلك علنا.

ولا يعرف المسؤول ما إن كانت تركيا تقدم دعما ماليا أو عسكريا للدولة الاسلامية لكنه قال إن واشنطن تعتقد أن تركيا تشارك قطر في تقديم الدعم لفصائل اسلامية وجماعات مسلحة في ليبيا، وقال المسؤول إن الولايات المتحدة تعتقد أن حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا لديه سياسة قديمة بالسعي سرا إلى مواءمات مع الجماعات الاسلامية إن لم يكن يحاول فعليا اكتساب حظوة لديها.

مشكلة تصورات

وأصبحت تركيا عضوا على مضض حتى الآن في التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة للتصدي لتنظيم الدولة الاسلامية السني المتشدد الذي استولى على مساحات واسعة من الأراضي في سوريا والعراق.

وتؤكد أنقرة على التزامها تجاه المنطقة بدليل الجهود الإنسانية التي تضمنت تقديمها المأوى لحوالي مليوني سوري منذ بدء الحرب في 2011 ، لكن تركيا أوضحت أيضا أنها تعتبر الرئيس السوري بشار الأسد تهديدا أكبر من تهديد تنظيم الدولة الإسلامية وطالبت بإقامة مناطق آمنة في شمال سوريا ومنطقة حظر جوي قبل قيامها بدور عسكري أنشط.

ورغم الاشادة بمعاملتها للاجئين تعرضت تركيا لانتقادات في وسائل الإعلام الغربية بسبب عدم انضمامها لحملة القصف ضد الدولة الإسلامية، ولم يفلح إنكار المسؤولين الاتراك مرارا وتكرارا في قمع الشائعات عن أن انقرة سمحت بتدفق أسلحة ومقاتلين الى جماعات راديكالية في سوريا في إطار استراتيجية للاطاحة بالأسد.

وفي حادث محرج آخر في وقت سابق هذا الشهر طلب «اردوغان» اعتذارا من نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن عن قوله إن تركيا ودولا أخرى ساندت المتطرفين وأشعلت الصراع الطائفي. واعتذر بايدن عن تصريحاته.

وقال «عثمان بهادير دينجر» من المؤسسة الدولية للبحوث الاستراتيجية ومقرها انقرة إن «تركيا لديها مشكلة تصورات.. والتصورات يمكن أن تكون أهم من الحقيقة».

وعلى الساحة الداخلية لقي موقف الحكومة التركية صدى جيدا بصورة عامة لدى الجماهير الذين لا توجد لديهم رغبة تذكر في مغامرات السياسة الخارجية وسط ركود اقتصادي وفي ظل ضغوط استضافة نصف اللاجئين السوريين إجمالا.

لكن الاحتجاجات المتكررة من الأكراد الغاضبين من عدم مساعدة أنقرة لعشيرتهم في كوباني تشير إلى مخاطر داخلية من امتداد آثار الأحداث الإقليمية. وتخاطر أيضا بعرقلة عملية سلام هشة مع حزب العمال الكردستاني المحظور تهدف لإنهاء تمرد بدأ قبل 30 عاما.

وعلى الصعيد الخارجي تبدو الصورة مختلفة، وفي الأحاديث الخاصة يعبر دبلوماسيون من دول صديقة عن الإحباط مدركين أن موقع تركيا وقوتها العسكرية يجعلانها حليفا إقليميا حيويا وإن كان موضع ارتياب بصورة متزايدة.

وقال «اتيلا يسيلادا» وهو اقتصادي في مؤسسة جلوبال سورس بارتنرز ومقرها نيويورك «لكي أكون صريحا.. قد يكون الساسة الاتراك خبراء بارعين في الادارة السياسية محليا لكنهم ينتمون الى دوري الناشئين حين يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية في حين يهدد تنظيم الدولة الاسلامية بزعزعة استقرار المنطقة».

افتقاد الثقة

ورحب المسؤولون في واشنطن بقرار السماح بعبور مقاتلي البشمركة العراقية إلى سوريا فيما قد يكون أول علامة على أن تركيا تخفف معارضتها للتركيز الاستراتيجي لأمريكا على الدولة الإسلامية، لكن التأخر شهرا في التحرك أضر بتركيا دوليا وعمق الاحساس بأن رغبتها في أن تصبح لاعبا إقليميا كبيرا لا تدعمها قدرتها بحسبما يقول دبلوماسي اوروبي في انقرة.

وقال الدبلوماسي إن رفض تركيا التراجع عن مطالبتها بإبعاد «الأسد» واقامة مناطق آمنة أدى الى ارباك الشركاء واثارة غضبهم رغم أنهم يتفقون مع هذه الأفكار من حيث المبدأ لكن لا يعتبرونها اولويات.

ولم يخش الزعماء الاتراك مطلقا من التشبث بمواقفهم في مواجهة الرأي العام العالمي. وينطلق «اردوغان» ورئيس وزرائه «احمد داود اوغلو» من رؤية لشرق اوسط يوحده النموذج التركي للاسلام السياسي. ويعتقد الاثنان ان سياستهما الخارجية تدعمها التزامات اخلاقية وان موقفهما صحيح بحكم التاريخ.

لكن كثيرا من الخبراء يعتقدون أنه ما لم تنسجم أنقرة بدرجة أكبر مع الرأي العام العالمي فستصبح أكثر عزلة مما هي عليه وستبقى أهدافها بعيدة المنال.

 

المصدر | رويترز

  كلمات مفتاحية

تركيا الولايات المتحدة الأكراد أردوغان أوباما

«أردوغان»: أمريكا أخطأت بإسقاط إمدادات عسكرية جوا للأكراد في «كوباني»

تركيا تسمح للبيشمركة بدعم كوباني والطائرات الأمريكية أسقطت 21 طنا من الأسلحة

تركيا ترفض تحمل مسؤولية التخبط الأمريكي في المشرق

«تدريب المعارضة السورية المسلحة» .. من السعودية إلى تركيا

من أجل «كوباني» أم من أجل «الأسد»؟

تداعيات قتال «الدولة الإسلامية» في «عين العرب» على تركيا

تركيا وأمريكا تُهونان من الخلافات بشأن مكافحة تنظيم «الدولة الإسلامية»