«فورين بوليسي»: الاتفاق النووي تسبب في تصعيد الحرب السعودية ضد إيران

السبت 20 أغسطس 2016 10:08 ص

لم تظهر بعد تداعيات الاتفاق النووي لإدارة «أوباما» مع إيران كجزء من خطة العمل المشتركة الشاملة. ويعدّ الكشف عن تسليم واشنطن 400 مليون دولار لإيران في نفس اليوم الذي تم فيه الإفراج عن أربعة أسرى أمريكيين، ما هو إلا أحد التفاصيل المهينة في محاولة «أوباما» لإرضاء الملالي. أضف إلى ذلك تهديدات إيران التي لم تتوقف مع الاتفاق مثل تطوير نظام الصواريخ الباليستية، وشراء المواد النووية بشكل غير مشروع، وتهديد استقرار منطقة الشرق الأوسط.

والشيء الذي لم يتم اعتباره في تداعيات الاتفاق هو تصاعد حدة المواجهة بين السعودية وإيران. وقد حذر البعض من غضب السعودية من مثل هذا الاتفاق والذي أدير من وراء ظهورهم. فالاتفاق أعطى الإيرانيين حرية السيطرة على بنية تحتية نووية عظيمة، ومئات الملايين من الدولارات مع رفع العقوبات مما أعطاها مجالًا أكبر للسيطرة على المنطقة. وترجمت السعودية ذلك على أن الولايات المتحدة تتخلى عن دورها التاريخي كحام للأمن في منطقة الخليج.

وتسببت مبررات «أوباما» في محاولة احتواء تشكك وغضب السعوديين في جعل الأمور أسوأ، حيث صرح بان الاتفاق يهدف لإيجاد توازن بين السعودية وإيران. وجاءت تلك التصريحات لتثير العجب، فالسعودية حليف استراتيجي قديم، وإيران تهاجم الأمريكيين وتدعم حزب الله بآلاف الصواريخ في سوريا والتي سيستخدمها في حربه القادمة ضد (إسرائيل).

ومع تصاعد قوة إيران، واختلاف النهج الأمريكي في المنطقة، فإنّ السعودية تتهيأ لرد الضربة. فهي تؤمن أن سياسات «أوباما» الجديدة قد خلقت فراغًا خطيرًا في المنطقة، والذي ستشغله إيران لتعيث فوضى ودمارًا في المنطقة، مستهدفةً الإطاحة ببيت آل سعود نفسه. ولم تعد السعودية تعتمد على السلام الأمريكي، وأصبحت تهتم بشئونها الخاصة بأيديها منذ صعود الملك «سلمان» رأس السلطة في عام 2015.

أطلق الملك «سلمان» رصاصته الأولى في حملته ضد إيران قبل أن ينتهي فعليًا الاتفاق النووي الإيراني في يوليو/ تموز من العام 2015. ففي مارس/أذار من العام الماضي تدخلت السعودية في اليمن لإيقاف تقدم الحوثيين المدعومين من إيران قبل سيطرتهم على البلاد. وكان «أوباما» قد دعم هذه الجهود بتقديم المساعدة الاستخباراتية، وبالمعدات العسكرية. وعلى الرغم من نجاح تلك الضربة في صد الحوثيين في جنوب اليمن إلا أنهم ظلوا مسيطرين على العاصمة صنعاء، ومناطق أخرى في الشمال بما في ذلك مناطق استراتيجية تمس الحدود السعودية. وتمزقت اليمن بين مناطق للسيطرة بين عدد من الأطراف ومنهم تنظيم القاعدة.

وشارك السعوديون أيضًا في الحرب الأهلية القائمة في سوريا، حيث قامت بإمداد «المتمردين» من السنة سعيًا وراء الإطاحة بنظام «الأسد» المدعوم من إيران. وعملت السعودية عن قرب مع المخابرات الأمريكية المركزية في هذا الشأن، إلا أنها اتخذت خطوات أكثر عدوانية لتسريع عملية إسقاط نظام «الأسد» والقضاء على النفوذ الإيراني داخل سوريا. وقد فعلت ذلك بدعم جماعات متشددة من بينها جماعات ذات صلة قوية بالقاعدة. ومع تدخل واسع النطاق من القوات الجوية الروسية، قامت السعودية بالتعاون مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية بزيادة التسليح لقوات المعارضة التي تقاتل ضد نظام «الأسد» وحلفائه في حزب الله وقوات الحرس الثوري الإيراني. وقد ساعدت مؤخرًا جهود تسليح السعودية لتحالف من «المتمردين» بقيادة جماعة جهادية في إحباط جهود الحكومة السورية في استعادة مدينة حلب حتى الآن.

خارج ساحات القتال

للأهمية، فإن جهود السعودية لاحتواء آثار خطة العمل المشتركة الشاملة تمتد إلى ما وراء ساحات القتال النشطة في اليمن وسوريا. وفي الواقع فإن قائمة المبادرات طويلة ومتنوعة، مع سعي السعوديين لاستعراض عضلاتهم الأمنية والدبلوماسية والاقتصادية وحتى في المجالات الدينية. ونركز مزيدًا من الضوء على هذه المبادرات ببعض التفصيل:

(1) في أغسطس/ آب عام 2015، ألقت السعودية القبض على «أحمد إبراهيم المغسل»، المتهم بتخطيط تفجير الثكنات الأمريكية العسكرية بالخبر عام 1996، وهو شيعي سعودي على صلة بإيران وحزب الله، وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت عن مكافأة 5 مليون دولار لمن يدلي بمعلومات عنه في ذلك الوقت.

(2) في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أعلن الأمير «محمد بن سلمان»، ولي ولي العهد ووزير دفاع المملكة، عن تكوين تحالف من 34 دولة سنية لمحاربة الإرهاب، ولا سيما العدوان الإيراني في الكثير من بقاع المنطقة.

(3) في يناير/ كانون الثاني، أعدمت السعودية رجل الدين الشيعي البارز الشيخ «نمر النمر»، رغم تحذيرات إيران من فعل ذلك.

(4) بعد فشل لبنان منفردة في التصويت على إجراءات ضد إيران في جامعة الدول العربية، أظهرت السعودية غضبها. ففي فبراير/ شباط، أعلنت السعودية إلغاء مساعدات بقيمة 4 مليار دولار للجيش اللبناني، بسبب سيطرة حزب الله والأحزاب المدعومة من إيران على القرار السياسي في لبنان.

(5) في أول مارس/ أذار أعلن مجلس التعاون الخليجي الذي تسيطر عليه السعودية اعتبار حزب الله منظمة إرهابية. ومن بعده اتخذت جامعة الدول العربية نفس القرار.

(6) في الشهر الذي يليه، رفعت السعودية من هجومها الدبلوماسي، واستطاعت في حضور 30 زعيمًا إسلاميًا، من بينهم الرئيس الإيراني «حسن روحاني»، تمرير البيان الختامي الذي ندد بقيام حزب الله بالعديد من الهجمات الإرهابية في المنطقة، كما حصلت على إدانة صريحة لإيران بسبب «دعمها المستمر للإرهاب»، وتدخلها في الشئون الداخلية للدول الأعضاء، ومن بينهم البحرين والصومال وسوريا واليمن.

(7) وشهد أبريل/ نيسان أيضًا استعراض السعوديين لعضلاتهم الاقتصادية ضد الإيرانيين. أفشلت السعودية في اللحظة الأخيرة قرارًا بتجميد إنتاج النفط يهدف لرفع أسعار النفط وجبر اقتصاد الدول المتعثرة، باشتراط دخول إيران في اتفاق التجميد، وهو ما رفضته إيران. ومن الواضح أن السبب الرئيسي لهذا الشرط، كان لإبقاء الأسعار المتدنية للنفط لمنع اقتصاد إيران من التعافي.

(8) في نهاية مايو/ أيار أعلنت إيران منع مواطنيها من السفر للسعودية للحج بسبب «العراقيل التي يضعها المسؤولون السعوديون». ووفقًا لمصادر خليجية، فإن السعودية قد تعمدت وضع شروط وعقبات أمام حج الإيرانيين، بشكل جعل الأمر صعبًا، بل مستحيل الحدوث.

(9) في يونيو/ حزيران، وفي البحرين، الدولة التابعة فعليًا للسعودية، اتخذت الحكومة البحرينية إجراءً عدوانيًا باتجاه رجل الدين الشيعي الذي يحظى بتقدير كبير من الشيعة في البحرين وإيران، «آية الله عيسى القاسم»، بإسقاط جنسيته والتهديد بمحاكمته باتهامات تمويل ودعم الإرهاب، وهو ما جعل «قاسم سليماني» قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني يصرح قائلًا: «سيدفع آل خليفة ثمن أفعالهم». وأضاف: «يجب أن يعلم من يدعمون آل خليفة، أن إهانة آية الله عيسى القاسم، يضغط على الشعب البحريني، وهو بداية انتفاضة دامية».

نقل المواجهة إلى الداخل

لم تقتصر حملة السعودية ضد إيران على مواجهتها خارجيًا فقط، بل امتدت لتزعزع استقرارها الداخلي. ففي وقت مبكر من شهر يوليو/ تموز، ظهر الأمير «تركي الفيصل»، وهو عضو بارز في الأسرة الحاكمة، وترأس الاستخبارات السعودية لفترة طويلة، في المؤتمر السنوي لحركة مجاهدي خلق، وهي حركة إيرانية في المنفى تعتبرها إيران منظمة إرهابية.

عرض الأمير «تركي» في معرض حديثه تأييده الكامل للحركة ولقيادتها وأهدافها الطامحة لحكم إيران. كما هاجم «سرطان الخميني» الذي نشر الفوضى في المنطقة، كما رد على هتافات الجماهير بقوله: «أنا أيضًا أريد إسقاط النظام». ولكن يبقى السؤال إذا ما كان «تركي» يتحدث بلسان نفسه، أم يعبر عن السياسة السعودية.

ومع عدم التأكد أيضًا من ضلوع أكيد للسعودية في الأمر، قتل العديد من الحرس الثوري الإيراني والشرطة الإيرانية وسياسيون إيرانيون على أيدي المتمردين الأكراد في الشمال الغربي، وفي الجنوب الشرقي على أيدي جماعات جهادية، وقام عرب الأحواز أيضًا بعدة هجمات في الجنوب الشرقي لإيران على مرافق هامة للنفط والغاز وخطوط أنابيب بتروكيميائية.

بينما ليس هناك دلائل مؤكدة على ضلوع المملكة في دعم هذه الهجمات من الحركات الانفصالية، فإنّ إيران تبدو مقتنعة أن السعودية متورطة في ذلك. حيث صرح «محسن رضائي»، الرئيس السابق للحرس الثوري الإيراني، بتورط السعودية، وحذر من الدور الذي تلعبه السعودية قائلًا: «إن الحكومة السعودية هي الأكثر شرًا في العالم، ويتسببون بحالة من عدم الاستقرار بأفعالهم المجنونة».

قاد الخوف من الصعود الإيراني السعودية لتقارب غير مسبوق مع (إسرائيل) في سبيل مواجهة إيران، وظهر الأمير «تركي الفيصل» في العديد من المقابلات مع مسؤولين إسرائيليين سابقين رفيعي المستوى في الولايات المتحدة وأوروبا، ومؤخرًا في يوليو/ تموز تعدى الجنرال السعودي المتقاعد «أنور عشقي» كل المحرمات حين قاد وفدًا من رجال الأعمال والأكاديميين في زيارة غير مسبوقة إلى (إسرائيل).

أثارت العلاقات السعودية الإسرائيلية الجديدة أعصاب الإيرانيين. ففي توبيخ قاسٍ عبر تويتر غرد «آية الله علي خامنئي»: «الكشف عن علاقات الحكومة السعودية بالنظام الصهيوني، طعنةً في ظهر المجتمع الإسلامي». كما شن «حسن نصر الله» زعيم حزب الله هجومًا على السعودية، مركزًا على نشاطات الأمير «تركي» وزيارة «عشقي». وأصر «نصر الله» أنه «ما كان ذلك ليحدث دون موافقة من الحكومة السعودية». وحذر «نصر الله» من أن السعودية قد اعترفت بـ(إسرائيل) وكانت على استعداد لتطبيع العلاقات مع (إسرائيل) مجانًا دون أي عائد في المقابل للقضية الفلسطينية.

الفراغ السياسي والدور الجديد

كما هو مفصل بالأعلى، فإن الإتفاق النووي مع كل آثاره، يدفع السعودية لاتخاذ موقفًا أكثر عدوانية تجاه التهديد المتزايد الذي تمثله إيران. وتحت حكم الملك «سلمان، وخصوصًا مع وجود ابنه «محمد بن سلمان»، فإن نهج الأمن القومي السعودي الدفاعي تاريخيًا والمبتعد عن المخاطر يتخذ طريقًا لنهج أكثر جرأة ومواجهة، حتى أن البعض قد وصفه بالتهور.

ولكي نكون منصفين، فإن إدارة «أوباما» من حقها تشجيع السعوديين لشغل هذا الدور الأكبر. فقد جعل «أوباما» جزءًا من مهمته كرئيس في ترك الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة لاتخاذ إجراءات بأنفسهم، بدلًا من انتظار الولايات المتحدة للقيادة ومن ثم الاتباع.

لكن المشكلة بالطبع، أنه لم يجرِ برنامج تقاسم الأعباء مع الحلفاء على أساس التعاون والحوار والاتفاق، ماجعل الأمر يبدو وكأنه تخليًا وخيانة. ولم يؤد انسحاب الولايات المتحدة من دورها التقليدي في حماية السلام والاستقرار في الشرق الأوسط إلى لعب القوى المحلية دورًا أكبر أو تشكيل توازن إقليمي جديد، بل تسبب بدلًا من ذلك في فراغ خطير ترك الساحة لقوى معادية مثل إيران وروسيا. وحتى لو أرادت دول حليفة مثل السعودية لعب دور في جلب الاستقرار للمنطقة فسيكون همها الأول مصالحها، بغض النظر عن مصالح الولايات المتحدة.

سيترك هذا الأمر بالطبع اليمن في حرب ليس لها نهاية، ما ينبئ بكارثة إنسانية ودولة فاشلة في شبه الجزيرة العربية، وقوة أكبر للوجود الجهادي وخصوصًا للقاعدة. وأصبح الحل الوحيد هو العودة لطرق اللعبة القديمة بدعم الجهاديين بالسلاح والمال والحث على الفكر الوهابي لمحاربة الثيوقراطية الشيعية. كما أنه من الممكن أن تضطر المملكة لسلك الخيار النووي الخاص بها لتتمكن من مجابهة الخطر النووي الإيراني الناتج عن الاتفاق النووي وخطة العمل الشاملة المشتركة، والذي يعطي الفرصة لإيران للوصول للقنبلة النووية خلال 10 أو 15 عاما.

ستدفع جهود السعودية الحالية في عزل إيران وحزب الله عن المؤتمرات واللقاءات الإسلامية، ودخولها في تحدٍ ثقافي وإقتصادي وسياسي وأمني ضد إيران وأطماعها، إلى تمزق الشرق الأوسط. لكن من الممكن تعزيز فرص السعودية في لعب الدور الجديد إذا ساندتها الإدارة الأمريكية التي تملك الإمكانيات والرؤية والإرادة الضرورية لعمل تحالفات واسعة لصالح نظام إقليمي أكثر اعتدالًا. وهذا من شأنه ردع الأعداء ودعم الحلفاء بدلًا من التخلي عنهم. وقد يكون من الصعب التغلب على انعدام الثقة الذي طرأ على العلاقة بين السعودية والولايات المتحدة بعد إنفاذ خطة العمل المشتركة الشاملة. ولكن الأصعب هو ترك السعودية وحدها تسير وحيدة على غير هدى بيأس متزايد.

  كلمات مفتاحية

السعودية إيران المواجهة السعودية الإيرانية الاتفاق النووي

«بروكنغز»: 3 حلول لإبعاد شبح الحرب بين السعودية وإيران

«بروكنغز»: التداعيات السياسية للتحول الاقتصادي في السعودية وإيران

«أوباما»: لن تنتهي فوضى الشرق الأوسط إلا بسلام بين السعودية وإيران

«فورين أفيرز»: الحسابات المعقدة للسعودية في حربها الباردة ضد إيران

«الجارديان»: السعودية وإيران تدشنان مستوى جديد من الخطاب العدائي

«إيكونوميست»: الاتفاق النووي الإيراني قد يشعل الصراع السني الشيعي

إيران تزيح الستار عن منظومتها الدفاعية للصواريخ «باور-373»

«و. س. جورنال»: كيف أصبحت إيران الطرف الفائز في صراعات الشرق الأوسط؟

إيران تبني مفاعلين نوويين جديدين بمساعدة روسيا

تواطؤ ومحاباة.. في النووي الإيراني؟!

عندما ينكشف الخداع في صفقة النووي