كيف يمكن أن يجلب فشل الانقلاب في تركيا السلام إلى كل من سوريا واليمن؟

السبت 3 سبتمبر 2016 12:09 م

يمكن أن يتسبب التحول الحادث في التحالفات بعد الانقلاب الفاشل، في جلب السلام إلى اليمن وسوريا، ولكن إذا اتفق الزعماء على بعض القواعد.

بعد أن بدأ الغبار ينجلي عن انقلاب تركيا الفاشل، يمكننا الآن البدء في التعرف على بعض الفائزين والخاسرين من وراء ذلك، على الرغم من أنه لا يمكن توقع أي شيء في الشرق الأوسط هذه الأيام. لكن من الواضع أن هناك تغيرات في العديد من التحالفات، وأن هذه التغييرات ربما تؤثر على اثنين من أكثر المناطق سخونة في المنطقة: سوريا واليمن.

الفائز الأول من فشل محاولة الانقلاب هو الرئيس «رجب طيب أردوغان»، الذي خدمه الأمر في تسريع التحول الذي طالما أراده لتركيا من دولة برلمانية ديمقراطية، إلى دولة رئاسية مركزية تنفيذية قوية، وهو على رأسها. وأكبر الخاسرين هم معارضو «أردوغان» في الداخل، والأكراد في تركيا وسوريا والعراق وإيران.

فالوحدة التركية التي حدثت بعد الانقلاب استبعدت تمامًا حزب الشعوب الديمقراطي الكردي، بالرغم من أن الحزب قد أدان انقلاب 15 يوليو/ تموز. وتضمنت دعوات «أردوغان» وحزبه إلى التظاهر حزب الشعب الجمهوري المعارض، لكن حزب الشعوب الديمقراطي لم تتم دعوته.

جاء التجاهل المتعمد لحزب الشعب الديمقراطي، كجزء من حملة «أردوغان» الهادفة للحصول على أكبر عد من الأصوات لعمل استفتاء على النظام الرئاسي. وفي يونيو/ حزيران الماضي، تم رفع الحصانة عن 152 برلمانيًا، تمهيدًا لاتهامهم بدعم الإرهاب. ومنهم 55 عضوًا في حزب الشعب الديمقراطي من أصل 59 عضوًا، وإذا تم إثبات التهم، سيتعين عليهم الاستقالة، وعمل انتخابات جزئية على مقاعدهم الشاغرة.

وبينما أظهرت استطلاعات رأي سابقة أن نسبة مؤيدي التحول الذي يسعى إليه «أردوغان» تبلغ فقط 38.4%، إلا أن شعبية «أردوغان» ارتفعت من 47% قبل الانقلاب لتصبح بعد اليوم 68%. ومع وجود أجهزة الدولة في ظهره، والقومية التي اكتسبها بحربه على الأكراد في الجنوب، ربما يحصل «أردوغان» على الـ 14 مقعدًا المطلوبين لتمكينه من عمل الاستفتاء.

ويعدّ التدخل التركي مؤخرًا في سوريا جبهة أخرى في حرب «أردوغان» ضد الأكراد. وبينما تم الإعلان أن الهدف الرئيسي للقوات التركية هو تطهير مدينة جرابلس من قوات تنظيم الدولة الإسلامية، إلا أن الهدف الحقيقي هوالتدخل ضد حزب الإتحاد الديمقراطي الـ (بي واي دي) الكردي وجناحه المسلح، وحدات الحماية الشعبية الـ (بي واي جي).

ووفقًا لمصادر صحفية، فإن قوات تنظيم الدولة قد انسحبت من المدينة بالفعل منذ أسابيع بفعل هجمات وحدات الحماية الشعبية، وأن الأتراك قد دخلوا المدينة لمنع الأكراد من السيطرة عليها. ولكن السؤال الآن، إلى أي مدى ستذهب الأمور؟ هل ستصل لحرب كاملة مع حلفاء أمريكا من الأكراد؟ لقد دعم الجيش التركي بالفعل الجيش السوري الحر في معارك ضد الأكراد. وبالنظر إلى وجود أسلحة ومعدات هندسية ثقيلة في التدخل التركي الأخير، ربما يخطط الأتراك للبقاء قليلًا.

وبينما تمثل وحدات الحماية الشعبية القوة البرية للولايات المتحدة في قتالها ضد تنظيم الدولة الإسلامية، فقد دعمت واشنطن بشدة التدخل التركي وحذرت الأكراد من التجرك من الضفة الغربية للفرات وإلا سيخسرون الدعم الأمريكي.

الأكراد الآن في موقف لا يحسدون عليه في سوريا، فهم واقعون تحت التهديد المباشر من الجيش التركي، وتم الهجوم عليهم في محافظة الحسكة من قبل النظام السوري، كما تم توبيخهم من قبل حليفهم الرئيسي الولايات المتحدة. وبينما يقعون تحت حصار الجيش التركي، يواجه ممثليهم في البرلمان اتهامات بدعم الإرهاب على أيدي حكومة «أردوغان». وتقصف القوات الجوية التركية أيضًا الأكراد في العراق. وفي مجمل الأمر، لقد كانا أسبوعين عصيبين على الأكراد في كل مكان.

وبالرغم من أن أ«ردوغان» قد ازداد قوة، إلا أن معظم الملاحظين يعتقدون أن تركيا قد فقدت كثيرًا من قوة دورها الإقليمي والدولي.

ويبدو أن اتفاقية اللاجئين بين تركيا والاتحاد الأوروبي في طريقها للانهيار. فالبرلمان الألماني متحفز ضد «أردوغان» وقبضته الثقيلة على المعارضة الداخلية، ودعمه لجماعات متشددة في سوريا.

العلاقات مع روسيا وإيران

ولقد أتى قرار تركيا بإسقاط مقاتلة روسية في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني بنتائج عكسية سيئة. فقد أنهكت العقوبات الروسية الاقتصاد التركي، كما نشرت روسيا أسلحة متطورة مضادة للطائرات في سوريا، وهو ما يمنع تركيا أو الولايات المتحدة من أي إمكانية لفرض منطقة حظر جوي.

كما كان «أردوغان» مضطرا لإبداء أسفه، بالإضافة إلى سفره إلى سان بطرسبرغ ليقابل الرئيس الروسي وجهًا لوجه. كلا الرئيسين كان يبتسم ويصافح الآخر، لكن روسيا قد استغلت التوتر الحادث ومررت خططها بإنشاء خطوط أنابيب للغاز تمر من أوكرانيا. وفوق ذلك، فإن تركيا والإتحاد الأوروبي في معركة مستعرة حول ما إذا كان خط أنابيب الغاز سيمر جنوبًا عبر تركيا والبحر الأسود من خلال مشروعها «تركيش ستريم»، أو سيمر شمالًا عبر بحر البلطيق وألمانيا ومشروعها «نورد ستريم».

وصرح «أردوغان» أن روسيا وإيران قد منعا حلًا عسكريًا للحرب الأهلية السورية، ولمح إلى تراجع عن طلبها بوجوب رحيل «الأسد» قبل التحدث عن أي حل للصراع. وتتحدث تركيا الآن عن إمكانية وجود «الأسد» كجزء من عملية الانتقال الحكومي، وهو رأي لا يختلف كثيرًا عن رأي روسيا. أما إيران، فهي حتى الآن، تدعم إبقاء «الأسد» في موقعه بشكل كبير.

تقع إيران في موقف أقوى هذه المرة، فهي قد منعت الإطاحة بحليفها الرئيسي في المنطقة، «نظام الأسد»، بمساعدة روسيا، كما تعد أسواقها الواعدة مطمعًا لدى تركيا من أجل الاستثمار.

لكن، وعلى الرغم من ذلك، فإنّ أي تحالف ثلاثي بين موسكو وطهران وأنقرة، يتوقع أن يشهد انقسامات كبيرة.

تركيا دولة عضو في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وتملك ثاني أكبر جيش بالتحالف، ويعتمد جيشها بشكل كبير في معداته على الولايات المتحدة. ويحتاج التحالف إلى تركيا، رغم تضارب مشاعر تركيا مؤخرًا تجاه التحالف. وكان استطلاعًا قبل أكثر من عام قد أظهر أن 30% فقط من الأتراك يثقون في حلف الناتو، إلا أن هذه النتيجة ستصبح أسوأ الآن بعد محاولة الانقلاب بسبب تورط العديد من أقسام الجيش القريبة من الناتو في الانقلاب.

ويعتري القلق حكومة إيران الشيعية حول علاقة «أردوغان» بجماعة الإخوان المسلمين السنية، وعلاقات أنقرة الوثيقة بأكبر عدو إقليمي لإيران، المملكة العربية السعودية. لدى إيران علاقات يشوبها التوتر أيضًا بروسيا، على الرغم من أن موسكو قد لعبت دورًا هامًا في إنجاز الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة، وبالرغم من تأكيد إيران على وصف علاقتها بروسيا بـ «الإستراتيجية».

سوريا واليمن

وتبدو السعودية خاسرة في كل هذه الجبهات. فهي ظنت أن الإطاحة بـ«الأسد» ستكون أمرًا سهلًا. لكن الأمر لم يكن كذلك، بعد مرور 5 سنوات بينما لا يزال «الأسد» في موقعه، مع 400 ألف قتلى من السوريين، وثلاثة ملايين لاجئ، وانتشار الحرب في تركيا ولبنان والأردن والعراق والسعودية.

وتحولت حرب اليمن إلى مستنقع، وبدأت الإمارات التي قدمت الدعم البري في الحلف الذي تقوده السعودية بسحب قواتها، وقلصت الولايات المتحدة من مستشاريها الجويين في هذه الحرب، وصرح «آدم ستامب» المتحدث باسم وزارة الدفاع أن مساعدة الرياض لم تكن «شيكًا مفتوحًا». كما يسعى أعضاء بالكونجرس وجماعات سلام لوقف صفقة عسكرية للسعودية بقيمة 1.5 مليار دولار.

ومن منظور عسكري، فإن الحرب في اليمن كما هي عليه في سوريا، غير قابلة للحسم، وقد بدأت واشنطن في إدراك ذلك.

وتعاني السعودية من جبهتها الداخلية أيضًا. فقد تحولت حملتها للإطاحة بـ«الأسد» والحوثيين إلى معركة باهظة الثمن بفعل انخفاض أسعار النفط. وقد اضطرت المملكة للاقتراض، والعمل على برامج تعالج مشكلة البطالة بين الشباب السعوديين. وقد استهدف تنظيم الدولة الإسلامية السعودية بأكثر من 25 هجمة خلال العام الماضي.

ولا يبدو أن إنهاء حرب اليمن بهذه الصعوبة. يمكن أن يبدأ الأم بإيقاف السعودية لحربها الجوية، ثم من الممكن أن تنظم الأمم المتحدة مؤتمرًا يضم كل الأطراف في اليمن باستثناء تنظيم الدولة والقاعدة، للترتيب لانتخاب حكومة وحدة وطنية.

لكن الأمر في سوريا يمثل تحديًا أكبر. ويصف «باتردبيك كوكبارن» الخبير بشئون الشرق الأوسط في الإندبندنت، الأوضاع في سوريا، كلعبة شطرنج ذات ثلاث أبعاد و9 لاعبين بدون قواعد. لكن الحل بالإمكان.

ينبغي أولًا انسحاب اللاعبين الخارجيين من الأمر، الولايات المتحدة وتركيا وروسيا وإيران ودول الخليج، ووقف الدعم المالي والعسكري لحلفائهم داخل سوريا، وعدم التورط في الحرب بشكل مباشر. وينبغي عليهم الاعتراف أيضًا أنه لا يمكن لأحد أن يفرض على السوريين من يحكمهم. فهذا شأن داخلي، يرجع للأطراف المشتركة بالحرب الأهلية (باستثناء تنظيم الدولة، وجبهة النصرة المرتبطة بالقاعدة).

يجب أن يتم حل القضية الكردية قبل كل شيء. ينبغي أن يكون للأكراد مكان على الطاولة بالرغم من معارضة تركيا وإيران. ولأجل إحلال السلام في المنطقة، سيتعين على تركيا أيضًا أن توقف حربها ضد الأكراد في جنوب تركيا.

لقد صنع أردوغان سلامًا مع الأكراد قبل ذلك، لكن أردوغان هو نفسه من أعاد الحرب لإضعاف حزب الشعب الديمقراطي الكردي وليعيد اكتساب الأصوات التي فقدها في انتخابات 2015. وقد نجحت الحبكة، حيث فقد الحزب الكردي مقاعده بعدها بأربعة أشهر، وعادت الغالبية لحزب العدالة والتنمية. لكن الرئيس التركي لم يحصل على ثلثي المقاعدة المطلوبة لعمل الاستفتاء على الدستور.

إنّ «أردوغان» رجل عنيد وذو شعبية، وزادت شعبيته بعد محاولة الانقلاب الفاشلة. لكن تركيا غير حصينة إقليميًا ودوليًا، ويمكن للولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا أن يضغطوا في كلا المنطقتين. وقد لمح الرئيس التركي إلى استعداده للتراجع بالفعل قبل أي مفاوضات جادة مع روسيا عن شرط «رحيل الأسد» قبل بدء إجراء تفاوضات جادة.

وإذا وافق أسياد لعبة الشطرنج على وضع بعض القواعد، يمكنهم حينها وقف هاتين الحربين الداميتين.

المصدر | فوربن بوليسي أون فوكس

  كلمات مفتاحية

السعودية سوريا إيران تركيا انقلاب تركيا الأكراد روسيا

«أردوغان»: تركيا وروسيا مصممتان على إعادة العلاقات إلى سابق عهدها

«بروكنغز»: الجغرافيا السياسية لانقلاب تركيا الفاشل

«الإندبندنت»: فشل انقلاب تركيا أنقذ المنطقة من تداعيات كارثية

صراع الإمبراطوريات: لماذا تتقاتل روسيا وتركيا؟

سوريا.. إلى أين وصلنا؟