الحملة التي تشنها الإمارات على الديمقراطية حملة قصيرة النظر

الأربعاء 5 نوفمبر 2014 10:11 ص

بدا الربيع العربي في البداية مثل العدوى السياسية التي تنتشر في جميع أنحاء العالم العربي، وأنه الخط الفاصل بين أجيال الشباب الممتلئة بالحيوية، وبين النخب الحاكمة المتحجرة، وأنه قد جاء نتيجة للسخط الاجتماعي والاقتصادي الكامن والمشاعر المكبوتة من الإحباط السياسي العميق. وأشار إلى حدوث تغيير جذري في المنطقة.

ومنذ البداية، كان واحد من أهم الأسئلة التي ثارت، هو كيف سيكون رد فعل الدول الخليجية مثل الإمارات العربية المتحدة على المد المتزايد للانتفاضة الشعبية؟ وهل سوف يدفعها ذلك باتجاه الإصلاح؟ أم أنها سوف تنغلق على نفسها حماية لموقعها المميز؟

وحتى في الأشهر الأولى، كان السؤال كيف سيتم التعامل مع عدوى الثورة، بالنظر إلى تاريخ وبنية البلاد: فهي بلاد غنية جدا، مع عدد صغير من السكان، الذين يعتمدون على الصفقة التي تعقدها معهم الدولة الريعية؛ فالحكومة تضمن الرفاه المالي للناس، والناس لا يفكرون في التمرد أو محاولة التأثير على القرارات السياسية للدولة.

ولكن ماذا سيحدث إذا ما أراد الناس بالتغيير؟ وماذا لو أن فئة متزايدة من المتعلمين، بسبب مجموعة متنوعة من الأسباب، لم يعودوا راضين عن تلك الصفقة؟

هذه هي الأسئلة المحبطة بالنسبة لدولة الإمارات العربية المتحدة، والتي تؤكد التحديات التي تواجهها الآن، والتهديدات التي ستواجهها لتحقيق الاستدامة على المدى الطويل. فهناك تصاعد للضغوط الداخلية والخارجية، ليس أقلها التحديات الناشئة عن النمو السكاني: مثل انخفاض الاحتياطيات النفطية، وعدم القدرة على الاستمرار في تمويل الامتيازات المالية لمواطنيها، وبالطبع المطالب المتزايدة من السكان الشباب؛ المستوحاة من الآمال والتطلعات التي لا يستطيع المال وحده أن يشتريها، وخاصة التحرر السياسي الحقيقي.

وسوف نقوم هنا باستكشاف هذه التحديات، بدءًا من استجابة دولة الإمارات العربية المتحدة للمطالبات بمزيد من الديمقراطية في البلاد.

استغلال الفشل لتغطية المشاكل الحقيقية

لعدة أسباب واضحة، ليس أقلها الحرب الأهلية في سوريا، أصبحت القوى التي ظهرت خلال الربيع العربي مصدر قلق كبير بسبب عدم الاستقرار والعنف والفوضى الذي يلقي بظلاله على المنطقة. وكتبت المقالات بسرعة لتشرح الموت المبكر للربيع العربي والتقليل من أهميته التحويلية السابقة للمنطقة.

فانحراف الربيع العربي عن مساره مكن النظم القائمة من قمع الانتفاضة الشعبية والتغلب على الأزمات التي واجهت شرعيتها من قبل، عبر الإشارة إلى عقود الاستقرار التي تمكنوا من جلبها إلى المنطقة، والتي زعموا أنه بدون تلك الأنظمة، فإن الشرق الأوسط كان سينحدر إلى الفوضى الشاملة. وبدت الإمارات العربية المتحدة جنبا إلى جنب مع البلدان الأخرى في المنطقة كما لو أنها قد استطاعت حماية نفسها بنجاح من عدوى الثورة.

ولكن برغم تلك الصورة العقيمة التي ترسمها تلك الأنظمة، فإن ذلك لا يعني أنهم بعيدون عن التحولات الجذرية التي تجتاح المنطقة. فعدم وجود احتجاجات حاشدة في الشوارع في الإمارات، والتحديات المفتوحة أمام الطبقة الحاكمة، لم تؤدّ إلا إلى تعزيز الخصائص الرئيسة للدولة الريعية اليائسة، ليس بالتنازل عن أي سلطة سياسية، ولكن من خلال شراء السكوت السياسي وقمع مواطنيها.

ففي حين أن الإمارات العربية المتحدة لم تتردد في زيادة الرواتب من أجل تخفيف التهديد الناجم عن الاضطرابات الاجتماعية، بما في ذلك التفاخر بأحجام الإنفاق الهائل في أعقاب الربيع العربي، إلا أنها كانت مصممة أيضًا على اتخاذ ما هو ضروري لمراقبة الحالة المزاجية للسكان، مثل الإعلان عن نظام مراقبة الإنترنت، وتضييق الخناق على حرية التعبير والإعلام، بينما يواجه أولئك الذين لم يعد من الممكن شراء ولائهم بالمال (وهذه هي الحقيقة التي ستواجه الإمارات ودول الخليج الأخرى على نحو متزايد، بسبب عدد من العوامل الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الداخلية والخارجية) الاعتقال والسجن والتعذيب وحتى سحب الجنسية.

الإمارات العربية المتحدة، وحادثة الـ 94 متهما

محنة 94 مواطنا إماراتيا جسدت كل هذه المخاوف، حيث تم إلقاء القبض عليهم كجزء من الحملة التي بدأتها الحكومة في مارس عام 2011 عندما تم إرسال عريضة إلى الرئيس وشيوخ الإمارات تطالب بالإصلاح. وطالبت بمجلس وطني منتخب وبرلمان يتمتع بسلطات تنفيذية كاملة (مع العلم بأن لدى الإمارات مجلسًا وطنيًا بالفعل، ولكن يتم تعيين جميع أعضائه من قبل الحكام).

وجاءت تلك العريضة في الوقت الذي كان الشرق الأوسط يهتز فيه بفعل الانتفاضات الشعبية، لذا فقد أثارت قلقًا عميقًا لدى حكام الإمارات. وردت السلطات الإماراتية عليها بحلّ مؤسسات المجتمع المدني، بما في ذلك نقابة المعلمين والحقوقيين وحركة الإصلاح وهي المنظمة المعروفة التي طالبت بالإصلاح في البلاد لعدة عقود. 

وإذا حكمنا من خلال النظر إلى الفئات التي وقعت هذه العريضة، سنجد أن المشاكل التي تواجه دولة الإمارات العربية المتحدة أكبر بكثير مما يمكنها الاعتراف به، فقد كان المتهمون من جميع فئات المجتمع الإماراتي، فزعيم المؤامرة المزعومة، الشيخ «سلطان بن كايد القاسمي» هو ابن عم الحاكم، وعضو واحدة من سبعة عائلات حاكمة في الإمارات، كما كان هناك ثلاثة قضاة واثنان من المدافعين عن حقوق الإنسان والمحامين والمعلمين والأكاديميين، وكذلك الطلاب. 

لذا، ومع مثل هذا الانتشار في المجتمع الإماراتي، كان التهرب من مطالبهم عبر العنف واتهامهم بتنفيذ «مؤامرة أجنبية» أمرا أضعف من مصداقيتهم. ومع ذلك، فإن السلطات الإماراتية لجأت إلى القمع العنيف ضد أعضاء بارزين في مجتمعها، وهو ما أكد المخاوف العميقة في البلاد والمحاولات الفاشلة للسلطة لمعالجتها بشكل صحيح. (في الصورة: سلطان بن كايد القاسمي)

وألقي القبض على العديد من النشطاء من أعضاء «جمعية الإصلاح» خلال غارات على منازلهم وأماكن عملهم. واختطف بعضهم من الشوارع بدون إشراف قضائي، ويقدر عدد المعتقلين بحوالي 94 شخصا، بينهم 13 امرأة، في البداية لم يكن أحد يعرف أين يحتجز المعتقلون، كما لم يسمح لهم بالحصول على تمثيل قانوني أو لقاء أفراد عائلاتهم، وشنت وسائل الإعلام المملوكة للدولة والشخصيات المؤثرة في الحكومة حملة شرسة ضد المعتقلين دون منحهم أي فرصة للدفاع عن أنفسهم.

وخلص تقرير صدر في نوفمبر/تشرين الثاني 2011 من قبل فريق «الأمم المتحدة» المعني بالاحتجاز التعسفي، إلى أن سجنهم كان تعسفيًا وأنه ينبغي على الحكومة الإماراتية إطلاق سراحهم ودفع تعويضات لهم، وفي عام 2012، قالت منظمة «هيومن رايتس ووتش»: «إن الإمارات العربية المتحدة تواصل تضييق الخناق على حرية التعبير، وتكوين الجمعيات، كما أن السلطات تحتجز تعسفُا العشرات من الأفراد الذين تشتبه في صلتهم بجماعات إسلامية محلية ودولية».

وفي يوليو عام 2014، أعلنت «منظمة العفو الدولية» أن السبب الوحيد لوجود أولئك الأفراد خلف القضبان هو أنهم تجرأوا على الدعوة لإصلاحات ديمقراطية سلمية، والتي تعتبر خرقًا للحدود في دولة الإمارات العربية المتحدة، وأنهم سجناء رأي ويجب الإفراج عنهم فورا دون شروط.

الاختفاء القسري

واحدة من العديد من الاتهامات الموجهة ضد دولة الإمارات العربية المتحدة، منذ عام 2011، هو ما يطلق عليه «الاختفاء القسري»، حيث يتم القبض على إنسان أو حبسه أو اختطافه من قبل الدولة أو وكلاء يعملون لصالح الدولة، ثم ينكرون أن الشخص محتجز أو يخفون مكان وجوده، مما يجعله خارج نطاق حماية القانون، وقد سلطت عدد من المنظمات، بما في ذلك منظمة «هيومن رايتس ووتش» الضوء على أن حالات الاختفاء القسري والتعذيب في دولة الإمارات العربية المتحدة هي مصدر قلق بالغ.

وقد حصلت «المنظمة العربية لحقوق الإنسان»، على شهادات من العديد من المتهمين، في تقريرها بشأن الاختفاء القسري والتعذيب في دولة الإمارات العربية المتحدة، والذين ادعوا أنهم تعرضوا للتعذيب وسوء المعاملة في مراكز الاحتجاز، وشمل التقرير 16 أسلوبا مختلفا من أساليب التعذيب بما في ذلك الضرب المبرح والتهديد والصعق بالكهرباء والحرمان من الحصول على الرعاية الطبية.

بالإضافة إلى سحب الجنسية، وفي بعض الحالات، تجريدهم من أوراق إقامتهم وترحيلهم إلى تايلاند، كما كانت السلطات تستخدم أيضا الإجراءات القمعية ضد غير الإماراتيين لخلق مصداقية لادعائها بأن هناك «مؤامرة دولية» ضد مواطني دولة الإمارات، وأن هناك أجانب يعملون معا لزعزعة استقرار البلاد.

ففي 20 سبتمبر/أيلول 2012، نقلت وكالة «رويترز» عن وسائل الإعلام الإماراتية زعمها أن الإسلاميين المعتقلين قد اعترفوا بإنشاء تنظيم سري وجناح عسكري لقلب نظام الحكم وإقامة دولة إسلامية، وهو الاتهام الذي يسمح في السياق السياسي الحالي باستخدام أي إجراء -قانوني أو غير قانوني- لسحق المطالب السياسية المشروعة.

وقد منع المحامون من الكويت وقطر من الدخول إلى الإمارات العربية المتحدة للدفاع عن موكليهم. كما كان الرعايا الأجانب والمواطنون من الدول المجاورة التي شهدت الإطاحة بأنظمتهم، يتعرضون لإلقاء القبض عليهم أيضا حتى لو كانوا متواجدين في دولة الإمارات لبضع ساعات فقط كعابرين، وتعكس هذه الإجراءات مستوى هائلا من العداء ضد الناشطين المؤيدين للديمقراطية ومستوى الخوف والذعر الذين يسيطران على السلطات هناك. 

كما تعرض الرعايا الأجانب أيضا لحملة ترحيل، حيث وثقت «المنظمة العربية» حالات  لمصريين ورعايا أجانب آخرين الذين أمضوا سنوات في العمل في دولة الإمارات العربية المتحدة، والذين تم منحهم بضعة أيام فقط لمغادرة البلاد. كما ألقي القبض على أكثر من 14 مصريا، بعضهم كان يعمل في دولة الإمارات العربية المتحدة لمدة عقود.

ووفقا لـ«منظمة العفو الدولية»، كان من ضمن الرعايا الأجانب الذين تعرضوا للاختفاء القسري القطريين: «يوسف عبد الصمد عبد الغني علي الملا»، و«حمد علي محمد الحمادي».

وبسبب دعم قطر للربيع العربي والتغيير السياسي السلمي في المنطقة، اعتمدت دولة الإمارات العربية المتحدة موقفا عدائيا جدا تجاهها وصل إلى حد وقف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، ووجد العديد من القطريين الأبرياء أنفسهم يدفعون ثمنا باهظا بسبب الموقف السياسي لبلادهم.

كان من بين الذين اعتقلوا وسجنوا وطردوا، «إياد البغدادي»، وهو مدون شعبي وشخصية معروفة على تويتر الذي برز على الساحة خلال الثورات في مصر وتونس، حيث تم اعتقاله من قبل السلطات الإماراتية، وسجنه ثم طرده من البلاد، حيث يعيش في طي النسيان في ماليزيا منذ ذلك الحين، وعلى الرغم من إقامته طوال حياته في دولة الإمارات العربية المتحدة، كمواطن فلسطيني، لم يلجأ البغدادي إلى الطعن في هذا الأمر، وقال إنه لا يمكن ترحيله إلى فلسطين، وأنه كان عليه الاختيار بين أمرين: الاعتقال إلى أجل غير مسمى أو الترحيل إلى ماليزيا، فاختار ماليزيا.

وقد أنكرت دولة الإمارات العربية المتحدة المساس حقوق مواطنيها في حرية التعبير والاحتجاجات السلمية والتجمع السلمي، واستمرت في اضطهاد وقمع أي شكل من أشكال المعارضة السياسية. ولم تتخذ أبدا أي خطوات جادة نحو دعم مشاركة المواطنين في الحياة الديمقراطية وتعزيز مؤسسات المجتمع المدني.

عندما تم انتخاب دولة الإمارات لعضوية «مجلس حقوق الإنسان» التابع لـ«الأمم المتحدة» وعدت بالالتزام بأعلى المعايير في تعزيز وحماية حقوق الإنسان، ولكن تعامل السلطات مع هذه القضايا تثير أسئلة مقلقة حول التزام دولة الإمارات العربية المتحدة بعقد محاكمات عادلة واحترام المعايير الأساسية لحقوق الإنسان.

المصدر | ميدل إيست مونيتور

  كلمات مفتاحية

الإمارات حقوق الإنسان الإخفاء القسري الربيع العربي العفو الدولية هيومن رايتس ووتش مصر تونس

«الدولي للحقوقيين» يدين الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري بالإمارات

كيف حاولت الإمارات إسكات أحد أكثر نشطاء الربيع العربي شعبيةً؟

الإخفاء القسري والتعذيب في الإمارات وجهان لسلطة قمعية واحدة

الإمارات تمول حملة في صحف بريطانية بملايين الدولارات لتشويه قطر

صحف إماراتية تهاجم «هيومن رايتس» لمحاولتها تشويه سمعة الإمارات «الناصعة»

سجل حافل للإمارات في الإخفاء القسري رغم الانتقادات الدولية

التحالف ”غير المقدس“ في الشرق الأوسط وتكرار أخطاء ملكيات أوروبا

إنها الديموقراطية... لا الإسلام السياسي