الحسد النووي السعودي

الاثنين 17 نوفمبر 2014 04:11 ص

بوسعنا أن نفترض أن حكومة المملكة العربية السعودية تشعر بالقلق إزاء التقدم الواضح في المحادثات النووية بين الولايات المتحدة وإيران. وفي الوقت الذي يسعى فيه المنافس الإقليمي للرياض بخطى حثيثة للحصول على اعتراف دولي ببرنامجه النووي، يبدوا أنّ الطموحات النووية للمملكة قد توقفت تمامًا؛ حيث الاتفاق النووي المُقترح بين الولايات المتحدة والسعودية في حالة جمود منذ ست سنوات. وتُعدّ المحادثات المتوقفة بشأن البرنامج النووي ليست سُوى قضية من بين قضايا أخرى أضرت بالعلاقة بين الرياض وواشنطن في السنوات الأخيرة.

ومن الواضح أن القضية النووية على وجه الخصوص تمثل مشكلة بالنسبة للمملكة العربية السعودية التي ترغب في الوقوف على قدم المساواة مع إيران فيما يتعلق بالتطور التكنولوجي والمكانة الإقليمية. ولكنها أيضا مشكلة بالنسبة للولايات المتحدة التي لا يمكنها مجافاة المملكة العربية السعودية في وقت تحتاج فيه مساعدتها لحل النزاعات في العراق وإسرائيل وسوريا. ولحسن الحظ، هناك خطوات يمكن للولايات المتحدة اتخاذها لدفع المحادثات النووية مع المملكة العربية السعودية.. وللدخول في الأمر بجدية يتعين علي واشنطن أن تضع في الحسبان الاتفاق النووي الذي توصلت إليه العقد الماضي مع الهند.

المساعدة مطلوبة

بدأت المحادثات النووية بين الولايات المتحدة والسعودية عام 2008م لتسفر حينها عن توقيع وزيرة الخارجية الامريكية «كوندوليزا رايس» ونظيرها السعودي الأمير «سعود الفيصل» مذكرة تفاهم حول التعاون في مجال الطاقة النووية. وفي تلك الأثناء؛ رأى الكثير من المراقبين أن الحليفتين قد غرسا دعامة جديدة للشراكة الاستراتيجية الطويلة الممتدة عبر 80 عاما. وسرعان ما أعلنت السعودية عن نيتها بناء 16 محطة للطاقة النووية (بتكلفة تقدر بـ 112 مليار دولار)؛ والتي من شأنها أن تجعل منها صاحبة أكبر برنامج نووي مدني في العالم، فضلا عن مساهمتها في توفير عشرات الآلاف من فرص العمل برواتب عالية لسكان المملكة الذين يتزايدون يوما بعد يوم. وبررت الرياض طموحاتها النووية من قبل بالإشارة إلى اعتماد البلاد على صادرات النفط والغاز التي تشكل 80% من الإيرادات الوطنية؛ وإذا كان بإمكان المملكة العربية السعودية تلبية مطالب الطاقة المتزايدة من خلال الطاقة النووية، فإنها لن تضطر إلى تقليص مبيعاتها من النفط في السوق الدولية.

ولكن قبل أن تتمتع المملكة العربية السعودية بأول وحدة كهربية من الطاقة النووية، فإنها تحتاج إلى إيجاد شركاء على استعداد للمساعدة في بناء البنية التحتية النووية - وفي الوقت الراهن، لا يبدو أن الولايات المتحدة على استعداد للعب هذا الدور. وقالت واشنطن إنها ستكون بحاجة أولاً للتوصل إلى اتفاق مع الرياض يقضي بالتزام الأخيرة بقانون الطاقة الذرية لعام 1954م، ذلك القانون الأمريكي الذي ينظم التجارة النووية – وتلك الجهود التي تعثرت حول مسألة ما إذا كانت المملكة العربية السعودية خاضعة لما يسمى بشروط «قاعدة الذهب» التي من شأنها أن تحرم الرياض من تخصيب اليورانيوم أو إعادة معالجة البلوتونيوم.

لا توجد أي غرابة في موقف الرياض الغاضب تجاه أي مقترح من شأنه ألا يمنحها نفس الحق الذي منحته واشنطن لطهران بتخصيب اليورانيوم بموجب اتفاقٍ مؤقت بين البلدين. وذكرت مصادر مطلعة على المفاوضات أن الرياض رأت أن «قاعدة الذهب» تُمثل تعديا غير مقبول على السيادة الوطنية، ومؤكدة على أن معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية - والتي تُعد المملكة العربية السعودية من الدول الموقعة عليها - تنص على أن الدول لديها الحق في تطوير الطاقة النووية السلمية.

البيت الأبيض رافض تمامًا تقديم أي تنازلات حتى الآن. وبحسب تقارير صحفية؛ فقد تجنب الرئيس الأمريكي «باراك أوباما» تناول القضية تمامًا خلال زيارته الأخيرة إلى الرياض. ونبع تردد «أوباما» من الرغبة في تجنب رد فعل عنيف في الكونجرس على غرار ما حدث عام 2006م، بعد أن اقترحت إدارة «بوش» بيع ميناء رئيسي لشركة مقرها الإمارات العربية المتحدة. ومن المحتمل أن السعودية تجنبت الحديث عن اهتماماتها بشكل علني لنفس الأسباب. وتكمن الأمور المعقدة في حقيقة أن إسرائيل على الأرجح ستعارض أي اتفاق نووي مع المملكة العربية السعودية التي لا تلتزم بـ«قاعدة الذهب»، كما أنها سوف تضغط على حلفائها في واشنطن ليسلكوا مسارها. (وافقت إسرائيل ضمنيًا على الاتفاق النووي 2009م بين الولايات المتحدة والإمارات العربية المتحدة، والذي كان متوافقًا مع قاعدة الذهب).

فشل المملكة العربية السعودية في التوصل إلى تفاهم مع واشنطن يجعلها تُيمم وجهها شطر شريك فرنسي أو روسي لتطوير برنامجها النووي. وفي يناير الماضي؛ وخلال زيارة رسمية قام بها الرئيس الفرنسي «فرانسوا هولاند» إلى الرياض، وقعت الشركة الفرنسية «أريفا» - أكبر شركة نووية في العالم - مذكرات تُفاهم مع خمس شركات سعودية بهدف تطوير مهارات الشركات المحلية صناعيًا وفنيًا. كما أعلن الرئيس التنفيذي لشركة «روساتوم» الروسية - سيرجي كيريينكو - في يوليو/تموز الماضي أن روسيا والمملكة العربية السعودية من المتوقع إبرام اتفاق تعاون نووي مدني في وقت لاحق هذا العام. وإذا استمرت السعودية في سعيها لتحقيق هذه الاتفاقيات، فإنذلك سيكون على حساب الشركات الأمريكية، وربما على حساب الشراكة الاستراتيجية الواسعة بين الولايات المتحدة والسعودية.

الهند مثال

ويبدوا من غير المحتمل في الوقت الراهن التوصل لحل وسط بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة. ولكن ليس من الصعب تصور حل وسط من شأنه أن يكون مقبولاً لكلا الجانبين. أحد الحوادث السابقة الواعدة كانت الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وفيتنام عام 2014م؛ والذي سمح لـ«هانوي» بالحصول على أي وقود لمفاعلاتها النووية من السوق الدولية بدلاً من إنتاج المواد لديها – هذا النموذج عُرف باسم «عيار الفضة». هذا الترتيب قد يكون مقبولاً لدى الرياض، كما يتماشى مع الاتفاق الذي وقعته «رايس» و«الفيصل» عام 2008م، لكن يبقى معرفة مدى قبوله لدى الكونجرس. ويبدوا أن الساسة الأمريكيين الذي يعربون عن مخاوفهم من «الأسلحة النووية السعودية»، أو احتمالية سقوط البرنامج النووي السعودي في أيدي الإسلاميين المتطرفين لن يقبلوا أقل من شروط نظام «قاعدة الذهب».

وفي السياق ذاته؛ فإن الاتفاق النووي بين الولايات المتحدة والهند عام 2008 ربما يكون نموذجا أفضل. فقد وافقت نيودلهي بموجب هذا الاتفاق على فصل منشآتها المدنية والعسكرية النووية، وإخضاع جميع منشآتها النووية المدنية لمراقبة الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي المقابل، وافقت الولايات المتحدة على تقديم المساعدة لبرنامج الطاقة النووية المدنية في الهند، وتوسيع التعاون في تكنولوجيا الطاقة والأقمار الصناعية. ربما يكون هدف واشنطن التوصل إلى اتفاق مماثل مع الرياض: ما قد يدفع واشنطن للإعلان أنها سوف تساعد المملكة العربية السعودية في برنامجها النووي في مقابل السماح بمراقبة وكالة الطاقة الذرية لمنشآتها المدنية. (المملكة العربية السعودية لا تعتزم بناء أي منشآت نووية لأغراض عسكرية). وعلى غرار صفقة الهند؛ فإن مثل هذا الاتفاق سيسمح للولايات المتحدة بمشاركة تقنياتها الحديثة، ويمنحها ممارسات سلامة أفضل، حتى ولو تضمن ذلك شروطًا من شأنها أن تحظر نقل المعدات والتكنولوجيات الحساسة على وجه الخصوص.

وتطرق السفير الأمريكي الجديد لدى الرياض، «جوزيف دبليو ويتسفال»، إلى موضوع استئناف المحادثات في يوليو/تموز، ولكن دون نجاح كبير ملموسٍ بحسب مصادر مُطّلعة. ولكن هذا لا يعني أن المملكة العربية السعودية تخطط للمضي قدمًا من دون واشنطن. في الواقع؛ لم تقدم المملكة العربية السعودية أي تعهدات طويلة الأمد لفرنسا أو روسيا، ما يشير إلى أن المملكة ما تزال تشعر بعدم الاتياح تجاه طموحها النووي دون دعم الولايات المتحدة؛ الشريك الاستراتيجي طويل الأمد. (وعلاوة على ذلك؛ فقد تم تأجيل عملية المناقصات التي كان مُقررًا لها بداية الربيع الماضي إلى أجل غير مُسمّى، ما أثار التكهنات حول إمكانية إخراج البرنامج للنور). وبالنسبة لواشنطن؛ فقد يكون نموذج الهند المُعدّل نقطة انطلاق جيدة للمفاوضات، ولكن من أجل وضع اتفاق يؤتي ثماره فإن البيت الأبيض على الأرجح بحاجة إلى وضع الأمر على رأس أجندة ثنائية. ويبقى امتلاك القادة السياسيين داخل المنطقة وخارجها للحكمة والإصرار والقدرة على اغتنام الفرصة مسألة أخرى بكل تأكيد.

المصدر | سيجورد نويباور، فورين بوليسي

  كلمات مفتاحية

النووي الإيراني النووي السعودي الطاقة النووية

"التبذير" في استهلاك النفط السعودي داخليا يأكل ربع الإنتاج ويسرع بناء 4 محطات نووية

السعودية تحدد مواقع بشرق المملكة وغربها لبناء 4 مفاعلات نووية

الاتفاق النووي الإيراني: مسألة حرب أو سلام

«فاينانشيال تايمز»: السعودية تتخذ خطوات لتنفيذ أحد أكبر برامج الطاقة النووية في العالم