تونس: «النداء» و«النهضة» تعايش أم تحالف؟

الجمعة 5 ديسمبر 2014 07:12 ص

توافق «نداء تونس» و«حركة النهضة» أمس، على توليفة برلمانية تقاسَمَا بمقتضاها رئاسة مجلس النواب الجديد، ليقع انتخاب محمد الناصر (83 عامًا) عن «النداء» رئيسًا للبرلمان، وعبد الفتاح مورو (66 عامًا) نائبًا أوَّلَ له، فيما أسندت النيابة الثانية إلى النائبة عن «حزب الاتحاد الوطني الحر» فوزية بن فضة.

وأدار «نداء تونس» صاحب غالبية المقاعد البرلمانية (86 مقعدًا) أمس الأول، ماراثونًا من المشاورات البرلمانية مع القوى السياسية الأربع المؤسسة للمشهد البرلماني الجديد، وأساسًا مع «النهضة» صاحبة المركز الثاني (69 مقعدًا) و«الاتحاد الوطني الحر» صاحب المركز الثالث (16 مقعدًا،) و«الجبهة الشعبية» المركز الرابع (15 مقعدًا) و«آفاق تونس» الخامس (8 مقاعد). 

«النداء» و«النهضة» دفعا سويًّا خلال افتتاح أعمال البرلمان يوم الثلاثاء الماضي، إلى تأجيل الحسم في مكتب الرئاسة لإبرام توافقات على نار هادئة. فبرغم أن الحزب الأول لم تنقصه الغالبية المطلوبة لتمرير رئيس للبرلمان بغالبية أصوات 109 نواب، كما تنص عليه مواد الدستور، فإنه بحث عن شرعية توافقية واسعة عبر إعطائه الثقة بغالبية مريحة تتجاوز ثلثي البرلمان، لتكون بذلك أرضية صلبة لمستقبل العمل البرلماني.

وانتهى «نداء تونس» إلى توافق مع «النهضة» حول تقاسم رئاسة البرلمان، في حين اسند الموقع الثالث لـ«الوطني الحر»، في انعكاس واضح للتوزيع الطبيعي للمقاعد، فأفضى تصويت 214 نائبًا حاضرًا من جملة 217 إلى انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبيه بـ176 صوتًا لمحمد الناصر، و157 صوتًا لعبد الفتاح مورو، و150 صوتًا لفوزية بن فضة.

نتائج التصويت التي تجاوزت جميعها ثلثَي البرلمان تعكس غالبية مريحة وروحَ توافقٍ بين الأطياف الثلاثة التي تمثل قوى الليبرالية الصاعدة. اتفاقٌ، أخرج قوى اليسار ممثلة في ائتلاف «الجبهة الشعبية» خاوية الوفاض، ويمكن اعتباره بداية اصطفاف اليسار في المعارضة البرلمانية، وشرارة تنافر مع «نداء تونس» الذي اختار التقارب مع منافسه التاريخي «النهضة».

الدكتور فتحي الشامخي، المتحدث باسم «الجبهة الشعبية»، اعتبر أن عدم صعود مرشحة «الجبهة» مباركة عواينية، زوجة الشهيد النائب في المجلس التأسيسي محمد البراهمي الذي اغتيل في العام 2013، يعد «خسارةً لتونس»، مشيرًا إلى أن «المرأة لا تمثل الجبهة بل تمثل كل التونسيين وانتخابها هو انتصار لشهداء الوطن».

وعن علاقة «الجبهة» بـ«نداء تونس»، أكد الشامخي أنه «لا يمكن اعتبار نتيجة التصويت قطعًا للعلاقة بين الجبهة والنداء، فلم تحسم المشاورات بعد، فالمفاوضات الحكومية على الأبواب وعليها يمكن توزيع الأدوار بين أطراف حكومية وأخرى معارِضة لها».

توليفة رئاسة البرلمان، وإن لم تعكس صراحة تحالفًا إستراتيجيًّا بين «نداء تونس» و«النهضة» في الخماسية المقبلة، فإنها تشي بتقارب بين الحزبين، ويبدو أن المحادثاث بين الباجي قائد السبسي وراشد الغنوشي قد تُتَوَّج بتحالف حكومي في حال نجح التوافق البرلماني بين محمد الناصر وعبد الفتاح مورو. 

من جهته، أكد الوزير السابق النائب عن «النهضة» سمير ديلو أن «النهضة تدعم ترشح محمد الناصر لاعتبارات عدة»، مشيرًا إلى أن «هذا لا يعني وجود تحالف بين الحزبَين، ولكنه خيار لتعبيد أرضية توافقية تخدم المصلحة الوطنية وتؤسس لأجواء عمل برلماني بعيدًا عن التجاذبات والضغوطات»، نافيًا أي صفقة بين القطبَين الأكبرين، ولكن النتيجة التي أفرزها التصويت تبشر باستقرار برلماني في المستقبل.

وأكد محمد الناصر رئيس مجلس النواب، أنه سيكون «رجل الوفاق» في المرحلة المقبلة، وسيعمل على تقريب وجهات النظر وإذابة الثلج بين مختلف الفرقاء السياسيين.

وأضاف الناصر أن أولويته المطلقة تتمثل في «إخراج البلاد من المطبات الاقتصادية الخانقة، والسير بها تدريجيًّا نحو الانتعاش الاقتصادي والمالي، بالإضافة إلى العمل على إرساء الأمن وإخراج البلاد من مربع الارهاب، بتسريع المصادقة على قانون مكافحة الإرهاب وتعزيز إمكانيات المؤسسة الأمنية والعسكرية لمحاصرة الإرهاب في مغاوره واجتثاثه من منابعه».

وتعهّد الناصر أن يكون البرلمان «صوت جميع التونسيين» وأن يعمل على تحقيق خير البلاد وأن يكون التواصل مع المواطنين حبلًا لا ينقطع، مشيرًا إلى أن أولوياته في الفترة المقبلة هي «تشكيل لجنة للنظام الداخلي ترتب هياكل البرلمان، وأن التحدي الأكبر هو المصادقة على ميزانية الدولة قبل 10 كانون الأول حتى لا تضطر البلاد إلى اتباع إجراءات استثنائية تكون استتباعاتها سلبية على الاقتصاد الوطني».

وأوضح الناصر أن «انطلاق البرلمان يعد عهدًا جديدًا في بناء الجمهورية الثانية، ولا يقل أهمية عن لحظة بناء الجمهورية الأولى مع الزعيم الراحل الحبيب بورقيبة في العام 1957»، مؤكدًا أنه سيعمل على احترام الدستور وإعادة الهيبة للمؤسسة التشريعية، وسيعمل وفق وفاق برلماني بما تمليه عليه روح المسؤولية الوطنية.

محمد الناصر

محمد الناصر هو نائب رئيس حزب «نداء تونس»، من مواليد العام 1934 في مدينة الجَمّ من ولاية المهدية على الساحل الشرقي التونسي، ويحمل الدكتوراة في القانون الاجتماعي (1976) من جامعة باريس. 

وقد عَيَّن الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة الذي حكم تونس بين العامين 1956 و1987، الناصر، «مندوبًا عامَّا» (مديرًا) لديوان العمال التونسيين في الخارج (1974/1973)، ثم وزيرًا للعمل والشؤون الاجتماعية في مناسبتَين (1974 و1977) و(1979 و1985). 

وفي عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، تم تعيين الناصر رئيسًا للبعثة الدائمة لتونس لدى الأمم المتحدة والهيئات الدولية المختصة بجنيف (1996/1991). 

وبعد «الثورة» التي أطاحت نظام بن علي، تم تعيين الناصر وزيرًا للشؤون الاجتماعية في حكومة الباجي قائد السبسي التي قادت تونس من نهاية شباط العام 2011 وحتى كانون الأول من العام نفسه. 

 

المصدر | حسان الفطحلي، السفير + وكالة فرانس برس

  كلمات مفتاحية

رئيس مجلس النواب محمد الناصر تونس «حركة نداء تونس» «حركة النهضة» عبد الفتاح مورو فوزية بن فضة تعايش أم تحالف «الاتحاد الوطني الحر» و«الجبهة الشعبية» «آفاق تونس»

«حركة النهضة» التونسية... الإنصاف والعبرة

«السبسي» يشيد بقناة الجزيرة ويطالبها بالصبر على تونس فى الفترة الحالية

الأموال الخليجية حاضرة في انتخابات تونس

لماذا تقدم «نداء تونس»؟ ولماذا تراجعت «حركة النهضة»؟

انتخابات تونس تختبر الانتقال من الاستبداد للديمقراطية

حركة النهضة تختار المشاركة في الحكومة الجديدة في تونس

رئيس حركة «مجتمع السلم» بالجزائر: نصحنا النهضة بالمشاركة في الحكومة التونسية

في انتظار الزعيم البطل

«النهضة» يتصدر الكتل البرلمانية بعد تزايد استقالات «نداء تونس»