في اليمن .. عدو «القاعدة» الأكبر ليس صديقا أمريكيا

الأحد 7 ديسمبر 2014 06:12 ص

يصف المحليون «ماناسا» بأنها قرية، لكنها أكثر من مجرد مجموعة من البيوت التي تحيط بفناء ترابي في نهاية طريق وعر يستغرق خمس ساعات من العاصمة اليمنية صنعاء.

وبعد ظُهر يوم مُشمس خلال الشهر الماضي، أشار شخص يُدعى «وليد الديلمي» نحو بقعة من الأرض في ذلك الفناء وقال «هذا هو المكان الذي قطعوا فيه عنقه»؛ في إشارة إلى مقتل أحد العناصر الحوثية على يد مسلحي تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، وأضاف: «لقد قطعوا عنقه بسكين كبير، ولم نجد الجثة حتى الآن». وتمّ توثيق عملية الإعدام بتصويرها فيديو وبثها على نطاق واسع في اليمن.

وفي السياق ذاته؛ أشار رجل آخر إلى سلسلة جبلية قريبة تتكون من مجموعة من قمم بركانية صخرية تُعرف محليًا باسم « جبل الثعالب»، وقال «لقد اعتادوا أن يطلقوا على هذا الجبل اسم جبل الذبح»، مُوضحًا سبب إطلاق هذا الاسم على الجبل باعتياد قادة تنظيم القاعدة «اصطحاب السجناء إلى هناك لتنفيذ الإعدام فيهم، وغالبًا ما يجبرونهم على حفر قبورهم بأيديهم مسبقًا».

بالنسبة لكثير من اليمنيين؛ فإن «ماناسا» هو الأسطورة المرعبة. وقد اكتسبت المنطقة حول القرية سُمعة سيئة في السنوات الأخيرة كمركز لتنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، والتي ظلت الولايات المتحدة تنظر إليها على أنها أخطر فروع تنظيم «القاعدة» على مستوى العالم حتى ظهرت «الدولة الإسلامية» في العراق وسوريا.

«لقد كانت مثل حلقة النار»، هكذا قال «وليد الجوثا» - رئيس شعبة المحليين التابعة لقوات الأمن المركزي؛ وهي وحدة أمنية شبه عسكرية - عن تلك السلسلة الجبلية القريبة، مُبينًا: «لقد كان معقلهم، قاعدة للناس من جميع أنحاء اليمن ومن خارجه».

لقد عمل تنظيم «القاعدة في شبة جزيرة العرب» على توسيع نفوذه في محافظة «البيضاء» التي تقع «ماناسا» في نطاقها خلال انتفاضة عام 2011م. ولكن على مدار الأشهر الثلاثة الماضية تدفق المقاتلون الحوثيون من شمال البلاد إلى محافظة «البيضاء» ودخلوا في صراع مع القاعدة هناك في محاولة للسيطرة على المحافظة. وشجعت الثقة في نجاح الحوثيين في سيطرتهم على المنطقة الصحفيين الغربيين على السفر علنًا إلى هناك الشهر الماضي للمرة الأولى منذ أكثر من ثلاث سنوات. وتجدر الإشارة إلى أن (صحفيات أجنبيات تخفين تحت البرقع وسافرن إلى المنطقة في وقت سابق من العام الجاري).

ويبدوا أن الحملة الأخيرة ضد «القاعدة في شبة جزيرة العرب» قد انتزعت بعض الثناء والإطراء في واشنطن. وقد أنفقت الولايات المتحدة في العقد الماضي مئات الملايين من الدولارات في محاولة لاجتثاث جذور المتطرفين الاسلاميين في اليمن. ويُهدد الفرع اليمني لتنظيم القاعدة حاليًا بقتل مواطن أمريكي كان قد اختُطف في عام 2013م. (كتب هذا التقرير قبل مقتل المصور الأمريكي صباح أمس السبت أثناء محاولة تحرير)

لكن الحوثيين في واقع الأمر يمثلون صداعًا مزمنًا في رأس المؤسسة الأمنية في واشنطن، لدرجة أن الحكومة الأمريكية دفعت الأمم المتحدة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي لفرض عقوبات على اثنين من القادة العسكريين البارزين بين صفوف الحوثيين.

وجاءت العقوبات ردًا على الحصار الذي فُرض على العاصمة لمدة أربعة وانتهى بسيطرة أتباع الحوثي الفعلية على صنعاء. سيطرة الحوثيين على العاصمة ترك الرئيس «عبد ربه هادي منصور» - صاحب الشعبية المنخفضة أساسًا والذي أيد حملات الطائرات الأمريكية بدون طيار على بلاده - في موقف ضعيف للغاية. وصعد الحوثيون الذين تدعمهم إيران - على حد وصف واشنطن - كقوة سياسية مؤثرة في صنع القرار داخل اليمن.

ويعارض الحوثيون تنظيم «القاعدة في شبة جزيرة العرب» - الهدف الاستراتيجي الرئيسي للولايات المتحدة في اليمن - لكنهم في الوقت ذاته يعارضون صراحة التدخل الأمريكي في البلاد. ولا يختلف الحوثيون عن معظم اليمنيين في رفضهم الضربات الجوية التي تشنها طائرات أمريكية بدون طيار على بلادهم. ورفض قادة الحركة الحوثية في الوقت ذاته مقابلة مسئولين أمريكيين بحجة أن واشنطن هي السبب الأقوى في تدمير منطقة الشرق الأوسط، ويلقي قادة الحركة - الذين يرفعون شعار ”الموت لأمريكا“ ويقولون إنهم لا يعنون الشعار حرفيًا لكنه في الحقيقة مجرد صياغة أخرى لعبارة ”اللعنة لأمريكا“ - باللائمة على الولايات المتحدة في صعود مسلحي «الدولة الإسلامية».

وأشاد الرئيس «باراك أوباما» في سبتمبر/أيلول الماضي باليمن باعتبارها قصة نجاح في المعركة ضد تنظيم «القاعدة»، قائلاًإنه ينبغي أن تكون بمثابة نموذج للتدخل الأمريكي في العراق وسوريا. وتابع أوباما: «تتمثل هذه الاستراتيجية في إزاحة الإرهابيين الذين يمثلون تهديدًا لناعن طريق دعم شركاء لنا في الخطوط الأمامية، وقد نجحنا فيها إلى حدٍ كبير في اليمن والصومال على مدار سنوات».

وقتلت الولايات المتحدة الكثير من الأشخاص بطريق الخطأ في غاراتها الجوية على اليمن ضد أهداف تنتمي زعمت أنها تعود للقاعدة، ما أوجد حالة من الاستياء ضد الولايات المتحدة والحكومة التي سمحت بذلك ابتداء. وفي الوقت نفسه؛ كثيرًا ما تشدقت الحكومة اليمنية بعبارات توفير الأمن، ولكن لم تقدم شيئًا ملموسًا خارج العاصمة. وبعد عشر سنوات من عمليات مكافحة الإرهاب في اليمن، وصلت «القاعدة في شبة جزيرة العرب» إلى مستوى أقوى مما كانت عليه في أي وقت مضى.

وعندما سألته «فايس نيوز» عن ما إذا كانت الحملات التي تشنها الطائرات بدون طيار قد ساعدت في دحر «القاعدة» في اليمن؛ علّق القاضي «ساري العجيلي» الذي يعيش في مدينة «رادع» على أحد الهجمات التي قامت بها طائرة أمريكية بدون طيار في ديسمبر 2013م وأسفرت عن مقتل 12 مدنيًا كانوا ضمن حفل زفاف يمر بسياراته عبر محافظة «البيضاء». وعلى الرغم من أن تلك العملية أثارت غضبًا شعبيًا في اليمن، إلا إن واشنطن لم تعترف حتى الآن أنها ارتكبت خطأ.

وأضاف «العجيلي»: «لا أحد يؤيد هجمات القاعدة ضد المدنيين، ولكن في الوقت ذاته فإن الطائرات الأمريكية تدفع الكثير من المواطنين للانضمام للتنظيم».

وبالمثل؛ فعندما يتعلق الأمر بـ«شريك أمريكي على الأرض» - حكومة هادي - فإن السكان المحليين في «رادع» بالكاد يمدحون تلك الحكومة في حين أنهم لا يتوقفون عن اتهام المسئولين في صنعاء بعقد الصفقات مع القاعدة بدلاً من التحرك لدحرها. وبحسب «الجوثا» فإنهعندما أعلن هادي حملة ضد «القاعدة في شبة الجزيرة العربية» في المنطقة في عام 2012 كانت الحكومة بالفعل في محاولة للتوصل إلى اتفاق مع قادة تنظيم القاعدة المحليين.

وقال «براء شيبان» - وهو ناشط يمني معنيٌّ بمتابعة عمليات مكافحة الإرهاب في اليمن ويعمل لصالح منظمة «ريبريف» لحقوق الإنسان بالمملكة المتحدة - إن نفس الشيء ينطبق على أجزاء أخرى من البلاد، مُستطردًا: «من الواضح أن هناك صفقات ومفاوضات بين الحكومة والقاعدة بشكل مستمر حتى وإن لم تعلن الحكومة عن ذلك»، مشيرًا إلى نشر حملات عسكرية على نطاق واسع في جنوب البلاد خلال عام 2012 و2014 بموجب اتفاقات تم توقيعها بين الحكومة ومسلحي القاعدة، وقد كانت تلك الاتفاقات بمثابة جواز سفر أتاح لمُسلحي القاعدة التنقل إلى أجزاء أخرى من البلاد.

وقالت «كاثرين زيمرمان» - المحللة الأمريكية البارزة فى معهد أمريكان انتربرايز – إن الاستراتيجية الأمريكية في اليمن لم تحقق سوى «نجاح محدود»، مُضيفة: «حيث تكون الاستراتيجية أكثر فاعلية تكون المليشيات المحلية الأكثر فهمًا للديناميكيات المحلية التي يعرفها الجيش اليمني». وتابعت مُبينة أن الحوثيين استفادوا بنجاح من نفس التكتيكات المُتمثلة في استغلال الشكاوى الشعبية من الأمن، وعدم توفر الخدمات الحكومية الأساسية فنجحوا في جذب القبائل المحلية إلى صفوفهم، ومن ثمّ وسّعوا من نفوذهم على مستوى اليمن وأعطوهم دورًا في محاربة «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»،لافتة أن «شريكًا ناجحًا للولايات المتحدة ضد القاعدة في شبه الجزيرة العربية سيكون قادرًا على القيام بنفس الشيء».

وهكذا يواجه «أوباما» خيارا صعبًا في اليمن: الاستمرار مع الاستراتيجية المنطوية على الكثير من المشكلات والتي لا تؤثر بشكل ملحوظ على القاعدة في شبه الجزيرة العربية، أو دراسة الدخول في شراكة مجموعة انتقدتها واشنطن علانية، بالإضافة إلى اعتبارها وكيلاً إيرانيًا.

ورجحت «كاثرين زيمرمان» أنه «طالما تقوم السياسة الأمريكية اليمنية على مواجهة تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية فإننا لننرى تحولاً من الولايات المتحدةعن ما هي عليه الآن. لكن صعود الحوثيين ينبغي أن يجعل الولايات المتحدة تفكر لوقت قصير في أهداف الحوثيين على المدى الطويل؛والتي قد تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة».

المصدر | بيتر ساليسبري، فايس نيوز

  كلمات مفتاحية

القاعدة الحوثيون أوباما اليمن غارات جوية

مقتل رهينتين أمريكي وجنوب أفريقي في اليمن أثناء محاولة انقاذهما

«FBI» أبلغ عائلة الرهينة الأمريكي بمقتله أثناء محاولة تحريره صباح اليوم في اليمن

«القاعدة» تتوعد «الحوثيين»: نعاهد الله أن ننهش أكبادكم بأظفارنا

اليمن الحزين !

الحوثيون يتلقون ضربات موجعة على يد القاعدة ومسلحي القبائل في وسط اليمن

"المتمردون الشيعة" قادة اليمن الجدد

فرنسا تبعث تعزيزات عسكرية إلى سواحل اليمن لـ«حماية مصالحها»