صنعاء عاصمه اليمن، أفقر وربما أكثر الدول غير المستقره بشكل مزمن في العالم العربى، لديها ساده جدد. فالمتمردون الشيعة (الحوثيون) المناهضون للولايات المتحده يحرسون نقاط تفتيش ويجوبون الشوارع في شاحنات صغيره مزوده بمدافع مضاده للطائرات. ويسيطر المقاتلون علي جميع المباني الحكوميه تقريبا، من المطار والبنك المركزي وحتي وزارة الدفاع.
عدد قليل من ضباط الشرطه والجنود تركوا في الشوارع. ولصق المقاتلون الحوثيون في المدينه منشورات تعلن شعارهم - “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنه علي اليهود، والنصر للإسلام” - وهو أحد أشكال شعار إيراني شعبي غالبا ما يهتف به المسلحون الشيعه في العراق وأنصار حزب الله اللبناني.
وبينما انصب تركيز العالم علي محاربه متشددي تنظيم «الدولة الإسلامية» في سوريا والعراق، شهدت اليمن في الطرف الجنوبي من شبه الجزيره العربيه ثورانها المفاجئ الزلزالي الخاص بها، وذلك عندما اجتاح الحوثيون صنعاء قبل أسبوعين.
الآن الحوثيون، الذين يعتقد الكثيرون أنهم مدعومين من إيران، يستعدون ليصبحوا النسخة اليمنيه من حزب الله الشيعي في لبنان، سماسره السلطه الكبار المهيمنين علي الحكومة ويديرون بشكل فعلي دولة داخل الدولة.
ويهدد استيلائهم علي العاصمه أيضا بجلب رد فعل عنيف من السُنة، ما يخلق معركه طائفية من شأنها تعزيز فرع تنظيم القاعدة في اليمن، والذي تقاتله الولايات المتحده منذ سنوات بالطائرات دون طيار بالتنسيق مع الجيش اليمني.
ويمكن لصيحة استنفار للقتال ضد القوة الشيعية أن تحول اليمن إلى نقطه جذب للجهاديين السنة من مختلف أنحاء المنطقة، مثل سوريا والعراق.
في الأسبوع الماضي، صدم انتحاري تابع لتنظيم القاعدة سياره مفخخة في مستشفي يستخدمها الحوثيون في محافظة مأرب، ما أسفر عن مقتل شخص واحد.
وتعهدت الجماعة، المعروفة باسم تنظيم «القاعدة في شبه الجزيرة العربية»، بمحاربة الحوثيين، ودعت السنه الآخرين لتقديم الدعم لها.
وقال تنظيم القاعدة في بيان مخاطبا الحوثيين «إننا نقول للرافضة، جئناكم بما لا طاقة لكم به، نحمل أرواحنا علي أكفنا، والله الذي لا يحلف إلا به، لنجعلن ليلكم نهارا وصبحكم نارا، ولترون أشلاءكم تتناثر ورؤوسكم تتطاير«.
أما الرئيس «عبد ربه منصور هادي» المدعوم من الولايات المتحده فهو عاجز إلي حد كبير، ويكافح من أجل تشكيل حكومة جديده لتلبيه مطالب الحوثيين.
وتشعر المملكة العربية السعودية المجاوره بالقلق باحتمال وجود قوة محتملة موالية لايران علي حدودها.
«جمال بن عمر»، مبعوث الأمم المتحده الخاص الذي يتوسط بين الحكومه والحوثيين والفصائل الأخري، حذر من أن «الاستيلاء علي صنعاء من قبل الحوثيين سيتردد صداه علي نطاق واسع في اليمن والمنطقة».
وقال «سيتم الآن النظر لليمن علي أنها مرتبطة بالأوضاع الأخري في المنطقة، بمشاركة إقليمية ودولية».
الحوثيون، الذين يسمون أنفسهم «أنصار الله»، هم اتباع الطائفة الزيدية، وهي فرع من الإسلام الشيعي التي يكاد ينحصر وجودها في اليمن وتشكل نحو 30% من سكان البلاد. وحكم الزيديون مساحه كبيره من شمال اليمن لقرون. وسعى الحوثيون إلي إحياء الهوية الزيدية. والحوثيون هم داعموا «آل الحوثي»، وهي عشيره تدعي النسب إلي النبي «محمد» (صلي الله عليه وسلم).
والمتمردون، الذين يقودهم حاليا «عبد الملك الحوثي» (33 عاما) ، خاضوا سلسله من الحروب الأهليه منذ منتصف العقد قبل الماضي في معقلهم في صعده شمال صنعاء. وفي عام 2011، سيطروا بشكل كامل علي محافظة صعده.
ولكن التقدم هذا العام كان مذهلا. فقد اجتاحوا الجنوب، وهزموا رجال القبائل السنية الموالية لحزب الإصلاح السني المحافظ، وفي يوليو/تموز استولوا علي محافظة عمران، التي تحد العاصمة. وبعد ذلك اجتاحوا العاصمة نفسها في الحادي والعشرين من سبتمبر/أيلول الماضي، حيث انهار الجيش إلي حد كبير.
ويقدم الحوثيون أنفسهم علي أنهم يسعون إلي تحقيق أهداف انتفاضة الربيع العربي عام 2011 التي أدت للاطاحه بالمستبد «علي عبد الله صالح». كما أنهم يرفضون اتفاقا توسطت فيه دول خليجيه أسفر عن تنحي «صالح» وأخذ «هادي» مكانه، وذلك لأنه يقسم إلي حد كبير السلطة بين أنصار «صالح» وحزب التجمع اليمني للإصلاح، وهو فرع جماعه الإخوان المسلمين في اليمن.
وبدلا من ذلك، كما يقولون، يريدون حكومة موسعة تضم حركتهم واليمنيين الجنوبيين، الذين سعوا طويلا للاستقلال. ويريدون تنفيذ خطة توصلت إليها الأحزاب السياسية في يناير/كانون الثاني لمنح مزيد من الحكم الذاتي لمناطق اليمن.
وقال «أبو علي الحاكم»، القائد الذي قاد هجوم الحوثيين علي صنعاء «نحن لسنا جماعه معزوله عن بقيه البلاد. نحن جزء من النسيج الاجتماعي»، متحدثا بينما كان يزور مقر الفرقه المدرعه الأولي الذي استولوا عليه والتابع الجيش، وهو سلاح للنخبه ذو صلات وثيقه مع حزب الإصلاح. وقادت الفرقه حملات الجيش ضد الحوثيين.
وقال الحاكم صغير الحجم بعدما استقبله مقاتلوه استقبال الأبطال «ليس فقط الحوثيين الذين يسيطرون علي صنعاء الآن، إنهم اليمنيون من كل مكان».
وسارع الحوثيون لاستغلال المظالم الموجوده علي نطاق واسع لاظهار انفسهم كبديل عملي.
وقال «فرج الرعيني»، وهو مدرس من محافظه عمران ذات الأغلبيه الزيدية «أنا وعائلتي نشعر بأننا أكثر أمنا الآن ... حل الحوثيون العديد من المنازعات وأزالوا العديد من المظالم، إنهم ينفذون النظام بدقة».
ومع ذلك، ليس كل الزيديين يدعمون المتمردين، ومن المرجح أن يؤدي الاستيلاء علي العاصمه فقط إلي استقطاب البلد ذي الحكومة المركزية الضعيفة بشكل مزمن. فجزء كبير من البلاد خارج سيطرة الحكومة، التي تعاني من الانقسامات القبلية وعنف متشددي القاعدة والفساد المتفشي والفقر الشديد الذي يولد الاستياء أو التمرد.
ويتعقد المشهد بشكل أكبر مع وجود الخصومات السياسية. ويتهم أنصار «هادي» منذ فترة طويلة الموالين لـ«صالح» - الذين لا يزالون يشغلون مناصب رئيسية في الجيش وقوات الأمن والحكومة- بتقويض سلطة «هادي» في محاولة للعودة الي السلطة.
ويعتقد علي نطاق واسع أن «صالح» والموالين له في الجيش ساعدوا الحوثيين بالتنحي جانبا عندما اجتاح المقاتلون صنعاء.
ونفي «علي العماد»، وهو مسؤول حوثي كبير، وجود أية “تفاهمات” جرت مع معسكر «صالح»، لكنه اعترف في مقابلة مع «الأسوشيتد برس» أن الجانبين - وهما خصمان لدودان في ست حروب بين عامي 2004 و 2010 - تشاركا «مصالح متبادلة مؤقتة».■