«ستراتفور»: اليمن لم يعد قادرا على الوجود كدولة دولة بالمعنى التقليدي

الثلاثاء 20 يناير 2015 12:01 ص

هجوم المتمردين المستمر في اليمن بطرق عدّة هو استمرار لما عاشته تلك الدولة العربية منذ تأسيس نظام حكمها الجمهوري في عام 1962م. ويُظهر الانقسام المفرط للمؤسسة السياسية في البلاد منذ أحداث الربيع العربي في عام 2011م أن العشرين عامًا التي تلت الوحدة اليمنية في عام 1990 لم تكن سُوى حالة شاذة. وهاهو اليمن يعود مُجددًا إلى حالته الطبيعية رافضًا التعايش ككيان سياسي متماسكٍ بسبب حصاره داخل بوتقة «توازن الضعف» التي تسببت فيها قوى جغرافية وطائفية وعقائدية مختلفة.

وقامت مليشيات على صلة بحركة التمرد الحوثي - التابعة للطائفة الزيدية الشيعية التي انطلقت من شمال اليمن نحو العاصمة صنعاء وسيطرت عليها العام الماضي - يوم السبت بخطف «أحمد عوض بن مبارك» - رئيس هيئة الأركان الذي عيّنه الرئيس اليمني «عبد ربه منصور هادي». وكان «مبارك» - التكنوقراطي الذي رفضه الحوثيون مرارًا في عام 2014 كمرشح لرئاسة الوزراء بسبب قرابته من «هادي» – على وشك أن يقدم مشروع دستور اليمن الجديد إلى الرئيس. ويعارض الحوثيون الدستور الجديد، ويبدو أنهم أقدموا على خطوة اختطاف مبارك للحيلولة دون المضي قدمًا في تسليم الوثيقة.

ويدعو الدستور الجديد إلى إعادة تنظيم اليمن وتقسيمه إلى ست مناطق إدارية. لكن الحوثيين بقيادة «عبد الملك الحوثي» ورجال القبائل الموالية لهم يطالبون بتقسيم اليمن إلى منطقتين فقط – اليمن الشمالي واليمن الجنوبي - والذي من شأنه أن يمكّن الحركة من تعزيز مكاسبها الإقليمية الأخيرة في منطقة تمتد من معاقلها في الشمال حتى العاصمة صنعاء، بل وتمتد أبعد صوب الجنوب.

إذن ما هي الأجندة الجغرافية السياسية للحوثيين؟ 

يتكون جوهر الحركة الحوثية من تحالف يضم القبائل الزيدية بقيادة عشيرة الحوثي. ورغم أشهر من التوسع انطلاقًا من قاعدة الحركة في محافظة صعدة الشمالية، اتضح أن حدود نفوذ الحوثي رسمتها المقاومة الخطيرة من الجيش اليمني الذي يتصدى للحركة في محافظات مأرب وإب والبيضاء. ويمكن للحوثيين أن يذهبوا بعيدًا صوب الجنوب فقط في الوقت الحالي. كما أنهم على وعي تام بأن الانفصاليين في اليمن الجنوبي - الذين يودون في نهاية المطاف تقاسم السلطة معهم – أضعفتهم الخلافات الداخلية ووجود تنظيم القاعدة فرع شبه الجزيرة العربية في المناطق الجنوبية.

ومن ثمّ؛ فإن الحركة لا تسعى إلى استبدال النظام السياسي الذي يُهيمن عليه الجيش اليمني الذي أنشأه الرئيس السابق «علي عبد الله صالح»، وهي الديناميكية التي تُكافح من أجل المثابرة تحت قيادة خليفة «هادي» الذي خلف «صالح» في الحكم بعد الإطاحة به. وبدلاً من ذلك؛ فإن الحوثيين يسعون إلى أن يكون هناك مَلكَين في نظام تقاسم السلطة الجديد يحكمان مناطق إدارية في الشمال وأخرى في الجنوب، وهو الأمر الذي من شأنه أن يمنح الحركة الشيعية والانفصاليين الجنوبيين أغلبية السلطة، بينما يتم إسكات باقي الفصائل ببعض المناصب والمؤسسات. ولا مانع لدى الحوثيين بالسماح للحرس القديم بقيادة «هادي» أن يحتفظوا ببعض مظاهر من الحكومة المركزية في صنعاء، على الأقل حتى تتمكن الحركة من ترسيخ موقعها بينما يتمكن الجنوبيين من بسط نفوذهم على مزيد من الأراضي في مناطقهم الخاصة بهم.

وبالتأكيد؛ فقد ظهرت الحركة الحوثية كأكبر قوة سياسية في البلاد، لكنها في الوقت ذاته لا تزال محصورة داخل بوتقة توازن الضعف المشتملة على النظام القديم والقبائل المناهضة للحوثي وتنظيم القاعدة والانفصاليين الجنوبيين. ومن غير المرجح أن يخرج الحوثيون من هذا النظام المقيّد والمرتبك في أي وقت قريب. ولكن بالنظر إلى الصراع الطائفي الأوسع جغرافيًا بين المملكة العربية السعودية والجمهورية الإيرانية – والذي أصبحت اليمن ساحة معركته الأساسية -  والعدد الهائل من المعسكرات والفصائل المتنافسة داخل الحركتين الانفصاليتين الرئيستين في اليمن، فإن تلك الدولة على المدى الطويل لن تكون قادرة على الوجود كدولة دولة بالمعنى التقليدي للكلمة.

وتُمثل الحالة اليمنية اتجاهًا عامًا واسعًا في العالم العربي الذي لا يزال يدور في دوامة الانهيار الاستبدادي كما رأينا في ليبيا وسوريا. وتواجه الدول التي لا تزال واقفة على أقدامها – وعلى رأسها المملكة العربية السعودية ومصر - تحديات مماثلة بشأن كيفية الحفاظ على سيادتها في مثل هذه البيئة الفوضوية.

المصدر | ستراتفور

  كلمات مفتاحية

اليمن ميليشيات الحوثيين

«الحوثي» يدعو أنصاره لـ«تطهير» الأمن والجيش .. و«هادي» يعتزم تسليم الشمال للحوثيين

«الحوثي» و«المؤتمر» يحاصران «هادي» وينسحبان من الحكومة الجديدة

"المتمردون الشيعة" قادة اليمن الجدد

"مجلس التعاون" واليمن المنكوب

اليمن: عمليات سطو مسلح واسعة بـ«حضرموت» وإغلاق كافة منافذ «عدن»

«ستراتفور»: حل الدولتين لن يُنهي مشكلات اليمن

اليمن: جزيرة العرب التي لم تعد سعيدة

لماذا فشلت العملية الانتقالية في اليمن؟

«ستراتفور»: الصراع الداخلي على النفوذ في اليمن لن ينتهي مع توقف الحرب

التحالف يتأهب لاستعادة صنعاء لكن المخاطر تتنامى

21 سبتمبـر ... عام عـلى نكبة اليمنيين

صورة 2015