نيويورك تايمز: الحوثيون يمدون صلاتهم بالخارج بينما يكرسون سلطتهم في اليمن

الأحد 1 فبراير 2015 06:02 ص

كان «أبو رعد» يسير في شوارع العاصمة اليمنية صنعاء كما لو كان يملكها. وتدل فرحته الواضحة - رغم الأزمة التي تمر بها البلاد - على سذاجته وغروره. ولكن لديه من الأسباب ما تجعله يبدو في تلك النشوة والسعادة.

نشأ كأحد أفراد جماعة الحوثيين في محافظة «صعدة» شمال اليمن، وعانى سنوات من الحرب والوحشية أثناء القتال ضد الحكومة من أجل الحصول على حقوق أتباع المذهب الزيدي الذي ينتمي إليه. وتحدث «أبو رعد» عن كيفية تعرضه للتعذيب على يد خاطفيه من الجيش الذين سحبوا يديه على شظايا من الخشب وأدخلوا شظايا مُدببة داخل بين جلده وأظافره. كان في تلك الأثناء لا يزال في سن المراهقة.

ولكن «أبو رعد» الآن في السلطة يؤيده الكثير من رجال الجيش الذي كانوا يُقدمون ولاءهم للدولة في السابق.

«أبو رعد»، البالغ من العمر 21 عاما والذي رفض الكشف عن هويته لأسباب أمنية، قال: «نحن معا في هذا». وأشار إلى «فتحي علي» - جندي يقوم بحراسة خارج البرلمان - قائلاً إن «عليّ» أمضى 30 عاما في خدمة القوات المسلحة اليمنية دون أن يحصل على ترقية تزيد على درجة جندي. وكرر «علي» - مسلم سني - نفس كلام «أبو رعد» قائلا: «نعم .. حتى الآن نحن معا في هذا».

ويرى الحوثيون - الذين كانوا في الماضي حزبا يُمثل مطالب طائفة الزيديين المعزولة الذين يشكلون نحو ثلث عدد سكان البلاد البالغ عددهم 26 مليون نسمة - أنفسهم حاليا وقد تحولوا إلى صوت مسموع ضد قمع الحكومة وفسادها ونقص كفاءتها.

ومن غير الممكن في الوقت الراهن الحكم على مدى نجاح تجربة الحوثيين في توحيد البلاد أو التغلب على التوترات الطائفية. فلم تتوحد اليمن - التي ظلت منقسمة لفترة طويلة بين شمالها وجنوبها - إلا في عام 1990م، وهي الآن تواجه دعوات مُتصاعدة من الانفصاليين في الجنوب الذي يرتكز فيه تنظيم القاعدة في شبة الجزيرة العربية.

ولا يزال الحوثيون حتى الآن يشعرون بنشوة الانتصار بعد أن شعروا أن بيدهم كل شيء ويمكنهم فعل ما يريدون. 

وبدعم من إيران قفز الحوثيون على السلطة في الخريف الماضي عندما اجتاح متشددون تابعون لهم العاصمة اليمنية صنعاء وسيطروا على المنشآت الرئيسية وجعلوا أنفسهم القوة المسيطرة على أرض الواقع. وفرضوا خلال الأسبوع الماضي حصارا على القصر الرئاسي، وأملوا شروطهم التي تضمن لهم زيادة النفوذ في خطوة دفعت الرئيس «عبد ربه منصور هادي» المدعوم من الولايات المتحدة إلى تقديم استقالته.

وأدى هذا - على ما يبدو - إلى قيام واشنطن بإشراك الحوثيين في القضايا الأمنية على الأقل، وكذلك بعض القضايا السياسية حسبما أوضح المتحدث باسم وزارة الخارجية الأربعاء الماضي. (المناطق البيضاء في الخريطة تشير لأماكن يتمتع الحوثيون فيها بالنفوذ، أو يعملون على ذلك)

وقال «إدجر فاسكويز» - المتحدث باسم الخارجية الأمريكية - إنه «نظرا لأن الحوثيين أحد الأطراف المشاركة في النقاشات حول الاتجاه السياسي في اليمن فسيكون هناك الكثير من الأسباب التي تفتح لهم بابا مع المجتمع الدولي. وتشمل هذه الأسباب الضمانات الأمنية للدبلوماسيين، وتوضيح خططهم الخاصة بالمضي قدما كجزء من العملية الانتقالية في اليمن».

وصرح مسئول أمريكي عسكري بارز بأن التعاون يمتد ليشمل المسائل العسكرية، وأضاف «لم أحصل على أي تفاصيل تتعلق بآلية القيام بهذا. لكني على دراية أن هناك بعض الاتصالات غير المباشرة التي لم ترق إلى الإطار الرسمي. كلا ما نحتاجه هو عدم التصادم أثناء تعاوننا للقضاء على تنظيم القاعدة في شبه جزيرة العرب».

ولكن في الوقت الذي يواصل فيه قادة الحزب معركتهم وإبرامهم صفقات من وراء الجدران العالية، فإن الشباب أمثال «أبو رعد» أصبحوا - وبدون قصد - جزءا من واقع جديد يُشكل نفسه على الأرض، مُحولِين كثيرين من أقرانهم إلى متمردين يدافعون عن قضية، ويحملون مسدسا، وينالون وظيفة مكافأة.

وبعد أشهر من القتال؛ وصل «أبو رعد» إلى تحمل مسئولية تدريب المجندين الجدد. ويدور حاليا بين وحدات دوريات الحوثي التي يسمونها باسم «اللجان الشعبية» المنتشرة عبر المدينة للحفاظ على النظام وتوطيد السيطرة. وتُوكل مهمة حراسة الأحياء إلى مجموعات من الشباب المقيمين بها. وينتمي معظمهم إلى الزيديين، لكنهم جدد في صفوف حركة الحوثي.

وقال أبو رعد «طلبت منهم أن يبتسموا»؛ مُوضحًا أن الجيل الجديد لا يشاركهم الماضي المضطرب الذي علم المقاتلين القادمين من الشمال الصبر وتحمل المسئولية.

وفي الوقت الذي وسعت فيه المجموعة صفوفها ونمت قوتها، جاءت مجموعة متطوعة من الرجال من مختلف الأعمار والخلفيات لإدارة المدينة مع سلطة لا ينازعها أحد. لقد أظهروا بعض التواضع الذي وراءه هدف بعيد، وتعاملوا مع السائقين والمُشاة بأدب، لكن آخرين بدوا متهورين بعقدهم سباقات باستخدام شاحنات الجيش في الشوارع المزدحمة.

معاملة أعدائهم بكل احترام كان تكتيكا في خاصة في المراحل الأولى بُغية كسب تأييد القبائل التي انحازت إلى صف الدولة وتصدّت لهم. «عندما نُلقي القبض على عدو مصاب خلال الحرب، نحرص على علاجه قبل أن نطلق سراحه»؛ هكذا قال «أبو رعد».

وكانت هذه تعاليم «حسين بدر الدين الحوثي»، شقيق زعيم الحركة الحالي «عبد الملك الحوثي» الذي رسم مسارا أكثر تطرفا لمكافحة آثار انتشار الإسلام السني القائم على الطريقة السعودية الوهابية، كما سعى إلى مزيد من الحقوق للأقلية التي ينتمي إليها.

وكان الخطاب الناري للثورة الإيرانية وسياسات حزب الله اللبناني هي المُلهِم لـ«حسين بدر الدين الحوثي»؛ والذي ألّف الشعار المحفّز للقتال: (الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود، النصر للإسلام).

وأطلق الحوثيون عليها اسم الصرخة. وإذا تأملت تلك الصرخة أو هذا النداء وجدته في ظاهره يزدري الغرب، لكنه في طياته يحمل رفضا ضمنيا للمستبدين العرب المدعومين من الولايات المتحدة الأمريكية الذين ينظرون إليهم على أنهم ضعفاء وخائنون. وفهم «علي عبد الله صالح» - رئيس الجمهورية اليمنية منذ فترة طويلة – ذلك جيدا، ومن ثمّ خطط لاحتواء الحوثيين حتى جاءت انتفاضة الربيع العربي وأطاحت به من السلطة في عام 2012. (والخصمان السابقان الآن في تحالف غير مستقر).

وقال «محمد المداري» - البالغ من العمر 21 عاما - بينما يتكيء على شاحنة تابعة للجيش: «نحن أبناء الثورة». وكان «المداري» يقف مع مجموعة من الرجال يقومون بدوريات في شارع تصطف فيه المباني الحكومة والتجارية الرئيسية في وسط صنعاء. 

كان يرتدي سترة خضراء مموهة، وسراويل بُنّية مموهة، ورأسه ملفوف في غطاء من وبر الإبل بينما تبدو من شعره الداكن من الأمام. كان يُمسك ببندقية كلاشنيكوف صينية الصنع، والتي بدت في الجو الحالي من الهدوء النسبي أشبه بشيء لا أهمية له أكثر من كونها سلاحا فتاكا.

لقد كان الاسم الجديد الذي أطلقه الحوثيون على أنفسهم «نحن أنصار الله» في حد ذاته بمثابة جاذب لهم ومُشجع على الانضمام إليهم على عكس ما كان في السابق «حركة التمرد الحوثي».

وبالنسبة للكثيرين في اليمن، فقد جلبت الثورة معها لحظة خاطفة من الشعور بالحرية سرعان ما تبددت. أما بالنسبة للحوثيين، فقد كانت مُنعطفاهاما حولهم من مجرد مجموعة من المتمردين تملأ الضغينة قلوبهم إلى حركة جذبت المزيد من دعم وتأييد - أو على الأقل القبول لدى - الأغلبية السنية في البلاد. بل إنهم أيضا عندما بدأوا يُطلقون على أنفسهم «أنصار الله» بدلاً من الحوثيين فقد بدت الحركة وكأنها تسربلت بثوب جديد. (الصورة: متمردون حوثيون يحرسون أحد شوارع صنعاء يوم الجمعة 23 يناير/كانون الأول 2015 - أ.ب)

«لقد اعتادوا الاتصال بأعداء الله»؛ هكذا قال عضو آخر في وحدة «المداري» الذي يتحرك بين الناس باسم مستعار. كان يجلس خلف عجلة القيادة، ويمضغ أوراق القات المخدرة التي يشعر معها بالنشوة. لقد كان ذلك في ظهر يوم الجمعة - اليوم الأول من عطلة نهاية الأسبوع للمسلمين - وكان قد بدأ الاسترخاء مبكرا عن المعتاد.

وأضاف بينما يحدّق إلى رجل يبلغ من العمر 18 عاما على مقربة منه: «لكن هناك المزيد من الناس الآن قد أصبحوا على دراية أكثر بنا». لقد كان منزويا ورفض الكشف عن اسمه، لكنه قال إنه نشأ في قرية على مشارف العاصمة صنعاء في بيت عائلة سنية سلفية انضمت مؤخرا تحت لواء «أنصار الله».

وفي بلد يعيش أكثر من نصف سكانه على أقل من 2 دولار في اليوم، سعت المجموعة إلى توسيع دائرة سيطرتها بالتواجد في المناطق التي تعاني عوزا شديدا ساعية لبناء شبكة أمان لها وتعريف الناس تدريجيًا بمبادئها السياسية ومن ثم تشجيع الناس على الإيمان بها.

وقال «أبو علي» - الذي يعمل عقيدًا بالقوات المسلحة - إنه استولى على سيارة تابعة للجيش بنفسه، ويستخدمها حاليا لانتزاع تنازلات من الدولة.

وفي سبتمبر/أيلول؛ قاوم الحوثيون بنجاح خطة الحكومة لخفض الدعم على الوقود، ما أكسبهم مصداقية وتعاطف.

وتابع: «أُعطي بيعتي لله والبلاد والثورة، وليس لأي زعيم بعينه. بدأت الثورة في عام 2011م، ولكن الثورة الحقيقية هي التي نحن فيها الآن».

وفي الوقت الذي يقوم فيه «أبو رعد» بجولاته، إلا إنه يستقر حاليا مقيما في مبنى يبدو ساحرا لكنه متهالك. وتُشير العلامة على مدخل البيت إلى كونه متحفا هجرته الدولة منذ فترة طويلة على ما يبدو. وقد كان الحوثيون يستخدمونه كمكتب.

لقد قاموا بوضع بضعة حواجز خرسانية طليت باللون الأخضر أمام المدخل. وأضاف أبو رعد «نحن بصدد إعادته. انظروا ... لم نقم أبدا بإزالة العلامة. نحن نريد أن تكون متحفا حقيقيا».

المصدر | منى النجار، نيويورك تايمز

  كلمات مفتاحية

الحوثيون أنصار الله الزيدية اليمن

«الحوثي» يبرر انقلابه بتهاون الرئاسة في محاربة القاعدة ومجلس الأمن يتمسك بشرعية «هادي»

الحرب الأهلية والانهيار الاقتصادي على أبواب صنعاء

اليمن الحزين !

الحوثيون: من المنفى إلى صناعة الملوك

"المتمردون الشيعة" قادة اليمن الجدد

هكذا سقطت صنعاء في يد الثورة المضادة وإيران

الحوثيون أسرى «انتصاراتهم» وحسابات الداخل والخارج

فرنسا تبعث تعزيزات عسكرية إلى سواحل اليمن لـ«حماية مصالحها»

اليمن في انتظار الصراع الطائفي: التمدد «الحوثي» يدفع القبائل إلى احتضان «القاعدة»

نيويورك تايمز: الرجل الثاني في الحوثيين يمد يده للتعاون مع الولايات المتحدة

العزلة السياسية قد لا تجدي نفعا في مواجهة الحوثيين في ظل الدعم الإيراني والروسي