الحاضر في التاريخ .. قصة الإمامة الزيدية في اليمن

الثلاثاء 4 نوفمبر 2014 05:11 ص

والأُباة الذين بالأمس ثاروا  ...  أيقـظـوا حولنا الذئاب ونامـوا

حين قلنا قاموا بثورة شعب  ...  قعدوا قبل أن يروا كيف قاموا 

ربما أحسنوا البدايات لكن  ...  هل يحسون كيف ساء الختامُ؟!

بهذه الكلمات استعاد «البردّوني» شاعر اليمن الكبير الراحل شيئاً من تاريخ اليمن غير المكتوب وعن شوقه المتقد للحكمة مقدماً قراءة غير رسمية للتاريخ غير الرسمي الذي يهتم بالثقافة الشعبية ولا يعتبر سير الحكام وأعمالهم غاية التأريخ. «البردوني» الشاعر والفيلسوف والثائر في وجه حكم الأئمة والحادي لمسار الثورة والتغيير والحرية منذ الثورة السبتمبرية 1962 على حكم الأئمة الذي استمر في اليمن قرابة الألف عام.

يعبر عن فكرة الإمامة في المذهب الزيدي الإمامي باستحقاق البيعة لأبناء الحسين أو للدقة لمن يخرج منهم طالباً البيعة وداعياً لنفسه بخروجه على الظلمة بالسيف يدعوا للحق، ورغم أن اليمن لم يشهد وحده حكم الأئمة لكنه صار بعيدا عن حكم الدولة الإسلامية المركزية منذ بدايات القرن الثالث حين استقل عن بغداد.

إذ شهدت البدايات صراعات محتدمة أضعفت دور الدولة التي يشكك بعض المؤرخين في وجودها فعليا منذ ذلك التاريخ وحتى الآن. استجلبت الإمامة من الحجاز إلى صعدة بعد أن حل بها الإمام «يحيى بن الحسين» في أواخر القرن الثالث الهجري وتلقب بالهادي ودعى لإمامته وللمذهب الزيدي قبل أن يدخل في صراع مع القرامطة الذين كانوا يبحثون عن مأوى لهم في اليمن.

دولتين

قامت دولة الإمامة الجارودية في اليمن مرّتين: الأولى الدولة القاسمية التي أسسها «القاسم بن محمد» ثم أبناؤه من بعده واستمرت منذ العام 1006هـ - 1598م وحتى مجيء العثمانيين للمرة الثانية إلى اليمن في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. 

أما دولة الأئمة الثانية فقد قامت على يد الإمام «يحيى حميدالدين بن محمد» من نسل الأسرة القاسمية واستمرت 44عاماً (إلى قيام الثورة اليمنية السبتمبرية 1962). وهي التي عرفت أيضاً بالمملكة المتوكلية اليمنية ودخلت في صراعات وحروب طويلة مع الإنجليز في الجنوب والغرب والسعوديين في الشمال حتى تفجير «ثورة 26 سبتمبر» ضد الحكم الإمامي بمساعدة من مصر وقتل الإمام «أحمد» وقيام الجمهورية العربية اليمنية برئاسة «عبدالله السلال»، واشتعال حرب أهلية بين الجمهوريين الذين تساندهم مصر والملكيين الذين تساندهم السعودية.

يبدأ تكوُّنُ مشروع الدولة الإمامية، عادة، بحالة من الانتعاش المادي تشهده الأسر الهادوية، يتبعه حلقات من التواصل الحميم فيما بينها، والدعوة إلى التماسك وطيّ ملفات الماضي، ينشأ على إثر ذلك حركة مزدوجة فكرية وسياسية؛ الأولى تعزف على وتر «الزيدية» بمنظورها ”الجارودي“ المفضي إلى حق البيت العلوي في الحكم، والأخرى سياسية تتكفل بمهمة التغلغل في أجهزة ومرافق الدولة المراد إسقاطها والعمل على تفكيكها، في نفس الوقت التركيز على مظاهر الضعف والتحلل في أوصالها والتبشير بسقوطها، والدعاية المستمرة عن انحراف الدولة أخلاقياً وفساد رجالها، وعن ”محاربتهم للدين والصلاة وشربهم الخمر جهاراً نهاراً وحبهم الغلمان“ إلى آخر ما هنالك.

هذا الإعداد لا يكتب له النجاح وحده ما لم يكن ثمة عزف على وتر تهديد خارجي محدق بالأمة، وبالتالي يتم حشد القبائل الغيورة على أساس من التحرك الوطني، سواء كما حدث مع العثمانيين أو كما هو الحاصل الآن من قبل الحركة الحوثية عبر رفع الشعار المستبطن عمالة الدولة لأمريكا وإسرائيل.

قصة الإمامة المتوكلية الزيدية:

هل كنتُ في عصر بلا دولة  

فوضاه أرقى من نظام المدى

كان يؤدي ما عليه بلا

أمر، ويصبيه تمام الأدا

ولا يصلي، إنما يبتني

من قلبه في قلبه المسجدا

(البردوني)

كان «يحيى حميد الدين المتوكل» إماما على الزيدية في اليمن وبخروج العثمانيين عام 1918، أراد الإمام توسيع نفوذه ليشمل كامل اليمن ويعيد إحياء ملك أجداده القاسميين. ولم يعترف بالمعاهدة الأنجلو العثمانية بترسيم الحدود الذي قسم اليمن لشمال وجنوب. عام 1915، وقع الأدارسة في عسير على معاهدة مع الإنجليز لقتال الأتراك وفي المقابل، تضمن لهم استقلالهم فور انتهاء الحرب العالمية الأولى. قضى الإمام «يحيى حميد الدين» السنين الأولى بعد خروج العثمانيين يحاول التوسع واستعادة «الدولة القاسمية». توجه الإمام جنوباً 1919 واقترب خمسين كيلومتراً من عدن بسهولة فقصف الإنجليز جيش الإمام بالقنابل واضطر للتراجع، وأسرع الإنجليز نحو الساحل التهامي وسيطروا على الحديدة ثم سلموها لحليفهم «الإدريسي» في عسير عام 1920، فكافئوا صديقاً بمعاقبة عدو، وأخذ الإنجليز بالتوسع وضم المشيخات المتعددة المحيطة بعدن لحمايتها، كان إجراء إحترازياً لمنع الأئمة الزيدية من إقتحام عدن. (في الصورة: دار الحجر، بوادي ظهر في صنعاء. بني في القرن الثامن عشر وأعيد ترميمه على يد الإمام يحيى الذي جعله مقر ا لحكمه).

أسس الإمام «يحيى حميد الدين» حكماً ثيوقراطيا زيدياً تجاهل أبناء المذاهب الأخرى مثل الشافعية والإسماعيلية، وتبنى سياسة إنعزالية خوفاً من أن تسقط بلاده لسلطة القوى الإستعمارية المتحاربة عقب الحرب العالمية الأولى وبالذات إيطاليا وبريطانيا وكذلك لإبعاد المملكة عن التيارات القومية التي ظهرت في المنطقة العربية تلك الفترة وساعده في ذلك أن جل المجتمع اليمني على أيامه كانو من المزارعين يعيشون في قرى مكتفية ذاتيا. ولجأ لرفع الضرائب على المزارعين في مناطق أكثر خصوبة زراعياَ لدعم القبائل بالسلع والأموال وهو ماأثار استياء أبناء تلك المناطق ودفعهم لتشكيل تنظيمات تهدف لإسقاط المملكة. ورغم أن الإمام بنى مؤسسة عسكرية حديثة وبعث طلاب الضباط للدراسة بالخارج فقد منع التواصل بالكامل فيما عدا ذلك مع العالم الخارجي ومنع السفارات والبعثات الدبلوماسية بل ومنع أي زائر أجنبي من دخول البلاد إلا بإذن شخصي منه. 

وبعد سلسلة من محاولات الإنقلاب الفاشلة التي قادها في الغالب ضباط مبتعثين للدراسة في الخارج أو مثقفين تأثروا بفكر الإخوان المسلمين الصاعد في بداياته حينها، قام الإمام «أحمد حميد الدين» بإعادة النظر في السياسة الإنعزالية التي تبناها والده فقام بإصلاحات صورية لسحب البساط من تحت أقدام من سماهم بالحداثيين. (في منتصف الصورة الإمام يحي حميد الدين)

هذه المحاولات من الإمام لم تزد رضى الناس عن حكمه بل زادتهم إيمانا وقناعة بضرورة رحيل بيت «حميد الدين» لإن الإمام لم يقم دولة وطنية حيث بقيت الولاءات القبلية والطبقية الإجتماعية سائدة، يتمتع الإمام فيها بسلطات مطلقة لا يحدها شيئ وفي الثورات المتعاقبة ضد حكمه، كان أبناء عائلته يتأمرون ضده (خصوصاً وأن المبدأ النظري المتمثل في كون الإمامة ليست وراثية، وتجوز في حق كل حسني أو حسيني دعا لنفسه وخرج، هذا المبدأ أورث محاذير وأعراضاً عدة انعكست على واقع الحكم وشكل الدولة. فمن حيث واقع الحكم، يجُر تَخَوُّفُ الإمام من هذا المبدأ إلى تعطيل كل جوانب التنمية في نطاق حكمه فيتجنّب إقامة مؤسسات دولة خوفاً من الطمع والانقضاض عليه، ولا يكتفي عند هذا الحد بل يعمد إلى إبراز كل مظاهر التقشف، والعزف المتواصل على اسطوانة التبرم والتذمر والشكوى من ثقل الحمل وإفلاس الدولة وضيق ذات اليد).

كذلك فأحداث هذه الفترة هي استمرارية لتاريخ طويل للأئمة الزيدية للقتال فيما بينهم لإستحقاق الإمامة حتى ابنه «محمد البدر»، خطط لإغتياله. كان الدعم التقليدي للأئمة الزيدية يأتي من المرتفعات الشمالية دائماً فلم يحظى الأئمة بدعم وإحترام مناطق مثل تعز أو البيضاء ومأرب ولكن قبائل المرتفعات الشمالية أكثر تعصباً ونزعة للإستقلال عن السلطات المركزية لفقر هذه المناطق مقارنة بالمناطق الأكثر خصوبة مثل إب وتعز، فرغم ولائهم المذهبي للأئمة الزيدية إلا أنها كانت أشبه بدويلات صغيرة لديها أراضيها، وحلفائها وزعمائها السياسيين (المشايخ) ومصالحها الخاصة.

القبائل قبلت بدور الأئمة كزعماء دينيين لا سياسيين، لذلك فإن محاولات الأئمة الزيدية لإنشاء حقل سياسي لم تستمر طويلاً سواء في القرن السابع عشر خلال ماسمي بالدولة القاسمية أو المملكة المتوكلية في القرن العشرين التي انتهت بثورة سبتمبر والحرب الأهلية اليمنية.

 

في الجزء الثاني: اليمن .. من المتوكلية إلى الحوثية

 

*مصادر:

- ويكيبيديا - الإمامة الزيدية - المملكة المتوكلية

- محمد بن علي الأكوع، حياة عالم وأمير

- علي بن عبدالله الإرياني، سيرة الإمام محمد بن يحيى حميدالدين، المسماة بالدّر المنثور في سيرة الإمام المنصور

- نشوان نيوز، الثورة اليمنية .. خلاصة ألف عام من النضال

 

 

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الإمام أحمد الزيدية المملكة المتوكلية الإمامة المتوكلية اليمن

الحوثيون: من المنفى إلى صناعة الملوك

"المتمردون الشيعة" قادة اليمن الجدد

توسع الحوثيين يضع اليمن على شفا حرب أهلية

«البردوني» .. شاعر اليمن الثائر

«هادي» يتهم الحوثيين بمحاولة فرض المذهب الإثنى عشري في اليمن بقوة السلاح

بوادر «صراع عقائدي» يطفو مجددا داخل العائلة «الحوثية»

اليـمـــن بــين «الزيــدية الديـنية» و«الزيــدية القــبلية»

عن الزيدية السياسية