المشهد السياسي في اليمن ما زال مجهول المعالم

الاثنين 3 نوفمبر 2014 12:11 ص

رغم مرور شهر على غزو الحوثيين للعاصمة صنعاء وبسط نفوذهم عليها، يبقى المشهد السياسي في اليمن بدون ملامح في الوقت الراهن وحتى على المدى القريب. ففي صنعاء؛ تحاول القيادة الحوثية إغراء النخبة السياسية بتشكيل حكومة ائتلافٍ يكون لها مكانٌ فيه، في الوقت الذي تضغط فيه المليشيات الحوثية في جنوب صنعاء لتثبيت سلطتهم العسكرية على الأرض. ورغم أن الحوثيين يسيطرون إلا إنهم حتى اللحظة يعانون في الوصول لهدفهم السياسي في صنعاء والعسك ري الجنوب.

في صنعاء؛ تريد القيادة الحوثية أن تبدأ النخبة السياسية المتباعدة لعبة سياسية جديدة بعد أن قلبت المليشيات الحوثية الطاولة. قدرة أتباع الحوثي على تعزيز سلطتهم السياسية يعتمد على تشكيلهم حكومة وطنية.

ترحيب أمريكا وحلفائها الأوربيين

الفرصة الآن سانحة أمام القيادة الحوثية لتثبيت نجاحها في وقت بدا فيه استعداد النخبة السياسية للتصالح معهم وتقبل وجودهم، فضلاً عن أن الأطراف الغربية الداعمة لا ترى مشكلة في تشكيل تلك الحكومة حتى في ظل السلاح الحوثي؛ الذي يُرى كناقوس خطر لمستقبل اليمن.

وبالفعل؛ ترى الولايات المتحدة والأمم المتحدة والرعاة الأوربيون أن هناك فرصة سانحة لليمن لتشكيل حكومة، ومن ثمّ دعوة القيادة الحوثية لاتفاق سلامٍ وشراكة وطنية يضع شروطًا تنطبق على الجميع بالالتزام بسحب أي مسلحين تابعين لهم من المدن اليمنية بكاملها. ولكن على الرغم من هذه الحقيقة وبالإضافة إلى أن الرئيس «عبد ربه منصور هادي» قد اختار رئيس وزراء جديد، والمفاوضات جارية لتشكيل حكومة جديدة، فإن العديد من القيادة السياسية في صنعاء مترددة في المشاركة في حكومة يسيطر عليها الحوثيون؛ وعلى رأس المترددين "أحزاب اللقاء المُشترك" الذي يتزعمه حزب الإصلاح والجنوبيون.

التوزيع المقترح بشأن وزارات الحكومة الجديدة يعكس توازن السلطة الجديد في اليمن: للحوثيين ست وزارات، والحراك الجنوبي ست، وحزب «علي عبدالله صالح تسع»، وأحزاب اللقاء المشترك تسع. والرئيس «هادي» يقرر ما يراه بشأن الوزارات السيادية الأربعة؛ الدفاع والعلاقات الخارجية والمالية والداخلية.

ومع ذلك فإن أحزاب اللقاء المُشترك لم تقبل الدعوة بعد بالانضمام للحكومة الجديدة، وقد يكون من الجيد عدم المشاركة في تلك الجولة من الحكومة. علاوة على ذلك؛ فإن القيادة الحوثية تعلم أنها بحاجة لدعم الجنوبيين لإحكام سيطرتهم على اليمن، لذا فقد عرضوا على الجنوبيين كل حقائبهم الوزارية. لكن حتى الآن يُبدي الجنوبيون عدم رغبة في المشاركة في أي اتفاقٍ مع القيادة الحوثية. وبالفعل؛ عندما اجتمعت حركة الجنوبيين في مدينة عدن 14 أكتوبر للاحتفال بالذكرى الخمسين لانطلاق الصراع المسلح ضد البريطانيين، وجدوا ممثلين عن الحوثيين معهم، لكنهم قاموا بطردهم، وحرق صور زعيم الحوثيين التي حملوها معهم.

الظروف والأوضاع تقول إنّ أي حكومة جديدة لن تسلم من توترات داخلية تقضّ مضاجعها وتمنعها من تبني خطوات نحو ما يطمح إليه المواطن اليمني.

في مواجهة القاعدة والقبائل

ومن الناحية العسكرية؛ استقرت المليشيات الحوثية في العاصمة صنعاء، ثم تحركوا غربًا إلى "الحُديدة" على ساحل البحر الأحمر، ثم شرقًا إلى "مأرب" في الصحراء، ومنها جنوبًا إلى "إب" و"تعز" و"البيضاء" في المناطق الوسطى بين "عدن" و"صنعاء". لم يواجه الحوثيون سوى قليل من مقاومة حتى وصلوا إلى "تعز" و"رادع". وفي "تعز" - العاصمة اليمنية للمناطق الوسطى - أقنع محافظها الحوثيين بعدم دخول المدينة. وأطلق الجنرال «محمود أحمد الصبيحي» - قائد المنطقة العسكرية الرابعة التي تشمل المدن الرئيسية تعز وعدن- تصريحاته التي حملت لهجة التهديد والتي تفيد بأن الجيش اليمني هو المُكلّف بالأمن، ولن يسمح بوجود أي مليشيات في المنطقة؛ وخاصة الحوثيين. لم يجد الحوثيون بدءًا من احترم كلام الصبيحي بشأن المنطقة التي تحت نفوذه.

وخارج المنطقة التي تحت سيطرة الصبيحي؛ بدا أن الحوثيين عازمون على تأسيس هيمنة عسكرية. وعلى النقيض من أقصى الشمال الذي يحظى فيه القادة الحوثيون بروابط دينية وسياسية وقبلية قوية، توجد هناك المناطق الوسطى حيث لا ترحيب بالحوثيين. المناطق الوسطى تنظر للحوثيين على أنهم غُزاة أكثر من كونهم جاءوا كمحررين ومنقذين. في الحُديدة؛ المتظاهرون من حركة تهامة – حركة أهلية تنادي بالحكم الذاتي للساحل الجنوبي على غرار الحركة الجنوبية – طالبت الحوثيين بالمغادرة، لكن الحوثيين فضّوا تظاهراتهم بالقوة ما خلّف ضحايا بين قتلى ومصابين. وفي الجبال الجنوبية؛ حيث مدينة "إلب" خرجت التظاهرات المطالبة بمغادرة الحوثيين ووقعت اشتباكات عسكرية أيضًا.

أما في الجزء الشرقي من المناطق الوسطى حيث "رادع" واجه المسلحون الحوثيون مقاومة عنيفة من القاعدة والقبائل المحلية. وتُهاجم القاعدة دائمًا الحوثيين على أساس طائفي؛ بالنسبة للقاعدة فإن الشيعة مرتدون. وقتلت القاعدة حوالي 50 حوثيًا في عملية انتحارية في ميدان وسط صنعاء أكتوبر الماضي، كما أن القاعدة مسئولة عن مقتل «عبدالملك الحوثي»؛ والد الزعيم الحالي للمليشيات الحوثية.

ومن جانبها؛ فإن القيادة الحوثية يبدوا أنها عازمة على كسر القاعدة هذه المرة مهما كلفها من ثمن. وهناك شبه توحّدٌ بين المسلحين الحوثيين المدعومين من قبائل محلية، والجيش اليمني، والغارات الأمريكية الجوية ضد معقل القاعدة في شمال "رادع". ورغم أن الحوثيين سيطرواعلى قرية "المناسح"، وأجبروا زعيم قبيلة "الدهب" المتحالف مع القاعدة على الهرب، لكن الاشتباك مع القاعدة لم ينتهِ، وقُتل عشرات الحوثيين فور دخولهم المناسح إثر انفجار شاحنة محملة بالمتفجرات.

وفي الجنوب؛ ونتيجة لسيطرة الحوثيين على صنعاء، تعززت الآمال بانفصال الجنوب، لكن ما زالت القيادة الجنوبية منقسمة حول هذه النقطة. ولم تنجح الحركة الجنوبية في بدء الإضرابٍ الذي لن يتوقف حتى يتمّ الاستقلال، وتسبب ذلك في الدعوة إلى اجتماعٍ لأعضاء البرلمان الجنوبي في عدن لم يحضره سوى النصف تقريبًا نتيجة الضغط الذي بذله حزب الرئيس «صالح» على أعضاء حزبه. وتبقى القيادة الجنوبية منقسمة على نفسها بشأن الاستقلال الذي يراه كثيرون أنه لن يحظى بالدفع المطلوب.

غرباء محتلون

ويواجه الحوثيون عقبات لا طاقة لهم بها تُعيق إحكام سيطرتهم وبسط نفوذهم على المناطق الوسطى والصحراء الشرقية؛ لأن سكان هذه المناطق ينظرون للحوثيين كغرباء محتلين. ولإحكام السيطرة على تلك المناطق يتعين على الحوثيين تحقيق الأمن والاستقرار والعدالة كما فعلوا في الشمال، لكن في هذه المناطق لا يحظون بالثقة التي حظوا بها في أقصى الشمال. بدون حلفاء في أقصى الجنوب لن يكون بناء دولة يمنية بالسهولة. الحوثيون والحركة الجنوبية كانوا ضحايا نظام صالح، ويحاول الحوثيون الاعتماد على تلك النقطة لأخذهم في صفهم، لكن الحركة الجنوبية تعتبر الحوثيين ليسوا سوى نسخة أُخرى من نظام الشمال الذي يحاول بسط نفوذه على الجنوب ردًا على رفض أي تعاون.

هجوم الحوثيين المُسلّح على العاصمة صنعاء أصاب اليمن بالشلل وزاد من تأزم الوضع السياسي. بالنسبة للحوثيين؛ المحافظة على طموحاتهم الوطنية تحتّم عليهم إعادة مُسمّى الدولة إلى اليمن، وتحريك عجلة السياسة في صنعاء. وحتى الوقت الحالي؛ يجد الحوثيون وحلفاؤهم صعوبة بالغة في إقناع باقي فصائل اليمن بالتعاون. ويبقى التحدي الأخطر للحوثيين في قدرتهم على إحلال الاستقرار في المناطق الوسطى حيث المواجهة القوية تنتظرهم مع دخول كل قرية. القادة في صنعاء وخارج اليمن يراقبون الحظوظ العسكرية للحوثيين عن كثب.

المصدر | تشارلز شميتز، ميدل إيست انستتيوت

  كلمات مفتاحية

الحوثيون الحراك الجنوبي علي صالح

القبائل تستعيد «المناسح» بعد معارك عنيفة مع ميليشيات الحوثي

خلافات بين قيادات «الحوثيين»، واستمرار نزيف ميليشياتهم أمام القاعدة والقبائل وسط اليمن

الحوثيون يتلقون ضربات موجعة على يد القاعدة ومسلحي القبائل في وسط اليمن

أسئلة حول صمت السعودية عن سلوك «الحوثيين»

الحوثيون: من المنفى إلى صناعة الملوك

"المتمردون الشيعة" قادة اليمن الجدد

هكذا سقطت صنعاء في يد الثورة المضادة وإيران

الثمن الباهظ للتخلي عن اليمن

الرايات السوداء تغطي صنعاء لأول مرة في ذكرى «عاشوراء»

ارتفاع التضخم في اليمن لأعلى مستوى في عام وتراجع الاحتياطيات النقدية