البحرين والتّجربة العراقيّة

الأحد 11 يناير 2015 05:01 ص

قد يكون اعتقال السلطات البحرينيّة زعيم «حركة الوفاق الوطنيّ» الشيعيّة المعارضة الشيخ «علي السّلمان» حدثاً بحرينيّاً داخليّاً، لكنّه يرتبط بدلالاته العميقة بنمط السلوك السياسيّ في الشرق الأوسط عموماً، وهو السلوك الّذي قاد إلى الانهيارات الاجتماعيّة وظهور التطرّف الدينيّ كنتيجة متوقّعة.

ورغم أنّ التّهمة الأساسيّة الّتي وجّهت إلى الشيخ «السّلمان» هي الاتصال بأحزاب عراقيّة شيعيّة، فإنّ الإتّهام لم يكن مقنعاً، ولا يبرّر اعتقال شخصيّة بوزن السّلمان الّذي بات يمثّل رمزاً سياسيّاً، معتبراً لجزء من المجتمع البحرينيّ، ممّا استدعى منظّمة العفو الدوليّة للمطالبة بإطلاق سراحه فوراً ومن دون شروط ، معتبرة أنّ «توقيف الشيخ علي السّلمان وملاحقته من قبل النيابة العامّة يعدّ انتهاكاً سافراً لحريّة التّعبير والتجمّع».

كذلك، طالبت الأمم المتّحدة عبر مفوضيّة حقوق الإنسان بإطلاق سراح زعيم المعارضة البحرينيّة.

وإنّ الجدل حول قانونيّة الاعتقال قد يطول لفترة، ويشكّل جزءاً من الجدل الّذي يسود المنطقة ويتّخذ شكلاً طائفيّاً ويقود إلى المزيد من تعميق الشروخ والخلافات بين شعوب المنطقة نفسها. وما يستحقّ الإشارة إليه في هذه القضية يتعلّق بالدروس التي خلّفتها التّجربة العراقيّة خلال السنوات العشر الماضية على الأقلّ، فاليوم ثمة قناعة عامّة في العراق بأنّ أخطاء حقيقيّة ارتكبت في مناسبات مختلفة، خلّفت لدى جزء من الشعب العراقيّ الّذي يمثّله السنّة، مرارات وشعوراً بالتّهميش وأنتجت مظالم، استثمرت سياسيّاً وتحوّلت إلى منبر للطعن بجوهر الحكم في العراق، وحيكت حولها الروايات والمبالغات واختلطت الحقيقة بالادّعاء.

وفي الحقيقة، ساهمت تلك الأجواء في إنتاج التطرّف، وهي الأجواء الّتي خاض فيها تنظيم إجراميّ مثل «داعش» مشروعه لتدمير الدولة العراقيّة، تحت شعار حماية السنّة من الشيعة.

وبالطّبع، لم يقدّم «داعش» أيّ حماية إلى السنّة، بل مارس ضدّهم القمع والتّنكيل والقتل، وهجّر من مدنهم ومنازلهم، ومعظمهم من السنّة أنفسهم،

لكن التّنظيم أجاد استثمار الوضع السياسيّ العراقيّ المرتبك، والأخطاء التي ارتكبت واحتسبت ضدّ شيعة العراق من دون إرادتهم، لإنتاج بيئة اجتماعيّة حاضنة له. وبالطّبع، فإنّ الأخطاء لم تكن تمثّل الشيعة، بل تتعلّق بنقص الوعي السياسيّ والتاريخيّ لدى الطبقة السياسيّة التي تصدّت للمسؤوليّة، وانتشار الفساد والشخصنة وضعف الإدارة.

وكان على السلطات في البحرين أن تتعامل مع القضايا الّتي تخصّ تمثيل فئة اجتماعيّة بحساسيّة كبيرة، وألاّ تقدم على أيّ خطوة من شأنها تأزيم العلاقات بين مكوّنات الوطن الواحد، الّتي تعدّ متأزّمة أساساً. ويحاول العراقيّون تدارك الأخطاء، وإنّ الحديث الّذي قادته حكومة «حيدر العبادي» عن التّغيير والإصلاح يرتبط بالمسارات الخاطئة التي قادت إلى سقوط ثلث مساحة البلد في يدّ تنظيم إرهابيّ.

وإنّ السؤال الّذي يطرح في العراق اليوم هو: هل كان في الإمكان تثبيت قنوات اتّصال مع السنّة المعتدلين ومنع تشنيج العلاقات السياسيّة مع قيادات تمثّل الشارع السنيّ، بدلاً من تسليم المناطق السنيّة الى تنظيم «داعش»؟.

في الواقع، كان يمكن في وقت مبكر تدارك كلّ ذلك عبر الانفتاح السياسيّ على الوسط السنيّ، سواء أكان السياسيّ أم العشائريّ أم الدينيّ، وعزل التّنظيمات المتطرّفة، ومنع تعملقها وتمكّنها من استدراج المزيد من الأهالي وتضليلهم تحت دعوى حماية السنّة.

لكن ذلك لم يحدث في العراق، ولا يحدث اليوم في البحرين، وفي كلا المثلين لا ضمانة لإعادة لحمة المجتمع ومنع الانهيارات من دون اتّخاذ إجراءات فوريّة ترفع الظلم وتكرّس العدالة وتؤصّل روح المواطنة في المجتمع وتمنع التّمييز على أساس طبقيّ أو عرقيّ أو طائفيّ.

إنّ اعتقال علي السّلمان هو مثال حيّ على أنّ التّجارب الّتي يدرك الجميع أنّها متشابهة ومتشابكة في الشرق الأوسط، لا ينظر إليها الحكّام كذلك، وهم يصرّون، تحت شعار أنّ لكلّ شعب خصوصيّته، على ارتكاب المزيد من الأخطاء الّتي تنتج المزيد من الأزمات. هذا الاعتقال هو خطأ ستكون عقباته وخيمة على مستويات عدّة وقد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار بشكل إضافي.

المصدر | مصطفى الكاظمي، المونيتور

  كلمات مفتاحية

البحرين العراق علي سلمان اعتقال علي سلمان الدولة الإسلامية الطائفية حيدر العبادي جمعية الوفاق

«حسن نصر الله»: البحرينيون تمسكوا بالسلمية رغم أن ”التسليح“ متاح .. واعتقال «علي سلمان» خطيرجدا

البحرين «تستغرب» بيان مفوضية الأمم المتحدة حول اعتقال الشيخ «علي سلمان»

«المنظمة العربية لحقوق الإنسان» تطالب بالإفراج عن المعارض البحريني «علي سلمان»

إيران تدعو لـ”الإفراج الفوري“ عن «علي سلمان» .. وتندد بـ”النهج الأمني الخاطئ“ لحكومة البحرين

مفوضية حقوق الإنسان الدولية تعرب عن ”قلقها البالغ“ إزاء اعتقال الشيخ «علي سلمان»