الإعلام السعودي على مفترق طرق

الخميس 15 يناير 2015 06:01 ص

تبدو التجربة الإعلامية السعودية قديمة نسبياً، فحسب محاضرة ألقاها الإعلامي السعودي «عبدالرحمن الشبيل»ي في منتدى السديري للدراسات، كانت الإذاعة والتلفزيون في المملكة العربية السعودية في الستينات والسبعينات، وفي حدود إمكانات متواضعة، أكثر استجابة لتوفير الترفيه عبر الشاشة الصغيرة والترانزستور، وكان الإعلام الخارجي – عبر الكتب والأفلام الإعلامية عالية الإنتاج - يقوم بدور متواضع إلا في الملمات والطوارئ.

ومع بداية السبعينات شجعت الحكومة رأس المال الخاص على الاستثمار في وسائل إعلام تسجل في الخارج وتتحرر من قيود المملكة، فظهرت قنوات وصحف في لندن والقاهرة ودبي وقبرص استهدفت السعوديين والعرب على السواء، وسرعان ما تفوقت على وسائل الإعلام الرسمية التي عانت من الروتين والرقابة والمعايير المتشددة ، وخاصة مع ظهور فضائيتي الجزيرة القطرية وأبو ظبي الإماراتية اللتين نجحتا في اجتذاب الجمهور الخليجي سريعاً .

بدأ هذا المشهد يتغير عبر العقود القليلة الماضية، فحسب «الشبيلي» أيضاً : خسر الإعلام الرسمي عددا من قياداته الناجحة، وانحسرت مشاركات المثقفين في وسائل الإعلام، وانكمشت برامج التدريب، وتقلص الإنتاج المحلي من الدراما والمنوعات بدخول شركات إنتاج لا تخدم إلا مصالحها، وأخذ الإعلام المسموع والمرئي يقتصر في إنتاجه المحلي على أبسط صيغ الإنتاج وأضعفها وأقلها احترافا ومهنية، وكان من نتائج هذه الأوضاع المتراكمة، سطحية في الأداء المهني، وضعف في العرض، وضحالة في المضمون، وغياب ملحوظ للكفاءة، و عدم تعويض الكفاءات المتسربة بمثلها.

 أدت جميعها بالتالي إلى انحسار المستمع والمشاهد عن وسائل الإعلام المحلية المرئية والمسموعة، مع عجز الوسائل المقروءة عن اجتياز الحدود الجغرافية، وعندما تفقد الوسيلة الإعلامية جاذبيتها وتأثيرها تخسر أهم أسباب البقاء، ألا وهو تعلق المتابع وارتباطه بها، وساعتها لا يمكن أن تستعيد مكانتها إلا عبر جهد أصيل، يسبقه تشخيص واقعي، ورغبة صادقة في إثبات الوجود.

الإعلام الترفيهي .. التسلية على النمط الأمريكي

أجملت مذكرة سربها موقع ويكيليكس وحملت عنوان «الاتجاهات الأيدولوجية والملكية في الصحافة السعودية»، أرسلتها السفارة الأميركية في المملكة العربية السعودية، دور وسائل الإعلام العربية في تحقيق مآرب الدعاية الأميركية، وأظهرت حجم الاهتمام الذي توليه البعثات الأجنبية للصحافة العربية ومتابعة الشأن الثقافي في أدق تفاصيله.
 
وتسرد البرقية التي صنفت تحت خانة «سري» وترجمتها مجلة عكس السير وأرخت في 11 مايو/أيار 2009 مجريات لقاءات بين دبلوماسيين ومسؤولين إعلاميين في السفارة الأميركية من جهة، ومسؤولي تحرير ومديري قنوات تلفزيونية من جهة أخرى، لمناقشة التوجهات الأيدولوجية وإجراءات وزارة الداخلية السعودية ضد الصحفيين الذين لا يلتزمون بالتوجهات الجديدة التي اعتمدها العاهل السعودي الملك «عبد الله بن عبد العزيز».
 
وتحدث في اللقاءات أشخاص -حذفت أسماؤهم وبقيت صفاتهم- عن أهمية الدور الذي تلعبه البرامج والمسلسلات الأميركية المدبلجة التي تبث على قنوات «إم بي سي» في تغيير توجهات وثقافة المجتمع السعودي، بطريقة عجزت عنها الدعاية المباشرة التي تنتهجها قناة الحرة وماكينات الدعاية الأميركية.
 
وبحسب أحد المتحدثين السعوديين، فإن البرامج الأميركية التي تبث على قنوات «أم بي سي» هي الأكثر شعبية بين السعوديين، مشيراً إلى تأثير مسلسلات مترجمة مثل «الأصدقاء» «وربات بيوت يائسات» في تغيير ثقافة المجتمع السعودي، وقال إن الحكومة السعودية تدعم هذا الاتجاه في مسعى لمواجهة المتطرفين، مؤكدا أن ساحة حرب الأفكار لا تزال محتدمة.
 
وقد سجلت البرامج الأميركية في قنوات «إم بي سي» و«روتانا» تفوقا في اجتذاب المواطن السعودي العادي لم تستطع تحقيقه قناة الحرة وكل وسائل الدعاية الأميركية.
 
وبسبب تأثير هذه البرامج القوي فإن هناك اعتقادا سائدا بأن الحكومة الأميركية تقف وراءها، ويعتقد البعض أنه لا بد من أن تكون هناك أيدولوجيا ما تقف وراء هذه البرامج بسبب علاقة الأمير «الوليد بن طلا»ل بنيوز كورب المملوكة للملياردير وقطب الإعلام اليهودي «روبرت مردوخ» مع شقيقتها مجموعة قناة فوكس الشهيرة.

وختمت البرقية بأنه بوجود مبادرات أخرى كحوار الأديان وخطط إصلاح التعليم، يبدو أن الحكومة السعودية قد اتخذت قرارا إستراتيجياً بفتح البلاد للأفكار القادمة من الخارج، لاجتثاث بقايا «الأيدولوجيا المتطرفة» والرؤى التي تهدد الحكم، ويبدو جليا كذلك أنها قد صقلت وطورت أساليب السيطرة على الصحفيين والمحررين للسيطرة على انتشار الأفكار التي تشجع على التمرد.

الصحافة السعودية

وفي جواب لأحد المتحدثين على سؤال لدبلوماسي أميركي عن قناة العربية ومجموعة «إم بي سي»، نشر تقرير المجلة نقلاً عن «ويكيليكس» أيضاً عما إذا كان الأمير السعودي مهتما بالربح فقط أم بالاتجاه الأيدولوجي للقنوات؟، أجاب ضاحكا «بالاثنين».
 
وأضاف أن الحكومة السعودية قلقلة من تعرض الشباب السعودي للتوجهات المتطرفة، ولذا فإن قناة العربية تركز في بثها على الفئة العمرية من 14 إلى 18 سنة، ويؤازرها الموقع الإلكتروني للقناة الذي يجتذب نحو مائة ألف زائر.

وأكد المتحدث أن المسؤولين في «إم بي سي» والعربية يأملون ببرامجهم أن يواجهوا تأثير قناة الجزيرة، ويعززوا«الاعتدال» بين شباب المملكة بحسب وصفه.

ووصفت البرقية المتحدث السعودي بأنه يمثل اتجاها يقوى في الصحافة السعودية، ويتولى مهام تحريرية، وهو الجيل المساند للولايات المتحدة من الذين أكملوا تعليمهم فيها، وحصلوا على درجات جامعية في الصحافة.
 
واستنادا إلى أقواله فإن المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق بكاملها قد وجهت لتبني مقاربة محترفة تعتمد النمط الغربي لتعزيز الأفكار «الحداثية» التي يتمنى القائمون على المجموعة أن تكون رافدا لمواجهة «الأيدولوجيا المتطرفة».
 
كما تطرق اللقاء إلى أسلوب الدعوة الجديد الذي تنتهجه قناة «أي آر تي»، إذ يتولى في أحد برامجها مسؤولية الإرشاد الديني شاب سعودي حليق في ثياب أوروبية، يتحدث بهدوء ويقدم نصائحه بطريقة ودودة

واعتمادا على تقرير شركة مالية فإن الأمير «الوليد بن طلال» يمتلك أكثر من 35% في المجموعة السعودية للأبحاث والتسويق، بالإضافة إلى مستثمرين آخرين منهم «محمد حسين علي العمود»ي الذي يمتلك 57.70% من المجموعة، لكن من تحدثت لهم السفارة قالوا إن المجموعة مملوكة لولي العهد الأمير «سلمان بن عبد العزيز» مع أنه ليس حامل أسهم، ويتحكم في اتجاهاتها عبر ابنه «فيصل».
 
في المقابل أكد المتحدث السعودي أن الأمير «خالد بن سلطان» لا يتدخل في سياسة جريدة الحياة التي يملكها، معتبرا أنها مصدر قوة له، وأضاف أن صحيفة الحياة تتمتع في العالم العربي بمصداقية أعلى من جريدة الشرق الأوسط وتوصف بالجرأة كذلك، مع أنها لا تنتقد العائلة الحاكمة أبدا.

وتضيف البرقية أن معظم وسائل الإعلام في المملكة العربية السعودية –المطبوعة والإلكترونية- مملوكة لأمراء، ويوفر نظام الحكم في المملكة وسيلة للتعامل مع وسائط الإعلام المطبوعة لتعزيز جدول أعماله دون ممارسة الرقابة اليومية، والصحفيون أحرار في كتابة ما يرغبون فيه شريطة عدم انتقاد العائلة الحاكمة أو فضح الفساد الحكومي.

وسائل التواصل الجديدة

ويعبر تصدر السعوديين لقوائم نسب المستخدمين لتويتر ويوتيوب عن سعي السعوديين الحثيث عبر السبل القليلة المتاحة للتعبير عن آرائهم ومناقشتها دون وصاية إذ لا يشكل الإعلام التقليدي السعودي أداة حقيقية للتعبير فقنوات التلفزيون مثلاً إما تقرير يشيد بالحكومة أو داعية يمتدحها في خطبة رتيبة، ويرى محللون أن وسائل التواصل الاجتماعي هي أيضاً بديل للسينما المحظورة في السعودية.

فبحسب الدكتور «سعود كاتب»، أستاذ الإعلام رئيس قسم مهارات الاتصال ونائب المشرف العام على المركز الإعلامي بجامعة« الملك عبد العزيز» ، في دراسته «الإعلام الجديد وقضايا المجتمع» بلغ عدد التغريدات عبر «تويتر» في السعودية خلال شهر مارس (آذار) الماضي نحو 49.6 مليون تغريدة حيث جاءت المملكة في المرتبة الثالثة عالميا بعد كل من تركيا والكويت.

وأوضح كاتب لـ«الشرق الأوسط» معلقا على الدراسة أن الهواتف الجوالة بنسب انتشارها العالية جدا وحميميتها للمستخدمين، زادت من نسب المتابعة والتأثير، وأنها تعتبر القادم الأشد تأثيرا والذي ينبغي الانتباه إليه؛ إذ تبلغ نسبة انتشارها في السعودية 189 في المائة؛ بمعنى أن «كل شخص لديه جهازا جوال على الأقل».»

وأضاف: «أحدثت وسائل الإعلام الجديد أيضا ثورة في المحتوى الإعلامي وذلك من خلال خفض مستوى الاحترافية المطلوب للإعداد، حيث أصبح بالإمكان قيام الهواة بإعداد ذلك المحتوى دون حاجة إلى التعقيدات الاحترافية اللازمة في المؤسسات الإعلامية التقليدية، وبتكلفة منخفضة جدا. وقد أدى ذلك إلى تجاوز ما يسمى سيطرة النخب على إعداد المحتوى الإعلامي».

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

الإعلام السعودي وزارة الثقافة والإعلام السعودية

إقالة وزير الإعلام السعودي… وغموض حول أسبابها

التحريض والإرهاب... حول نظريات التأثير الإعلامي

الملك «سلمان» للمثقفين والإعلاميين: المملكة منطلق العرب والكتاب والسنة

«عبدالله المفلح» يتهم وسائل إعلام سعودية بـ«نشر العهر ومناصرة الصهيونية»

3 عقوبات بالسعودية لمن يجتزئ نصا أو مقطعا مصورا بهدف التلفيق والإساءات

«عادل الطريفي»: مدينة إنتاج إعلامي سعودية قريبا