فوق المرض.. معاناة المصريين في رحلة البحث عن «حقنة بنسلين»

الجمعة 15 ديسمبر 2017 08:12 ص

احتدمت أزمة نقص عقار «البنسلين» في صيدليات القاهرة والمحافظات المصرية، ما فاقم معاناة المرضى، ورغم تعهدات سابقة لوزارة الصحة بانتهاء الأزمة كليا خلال الأسبوع الماضي، فإن طوابير الوافدين من مختلف المحافظات أمام كبرى الصيدليات بالقاهرة كشفت أن الأزمة ضربت البلاد بشكل غير مسبوق.

وقالت وزارة الصحة إنها ضخت 200 ألف عبوة من البنسلين في سوق الدواء، الخميس، وكررت تعهداتها بانتهاء الأزمة الأربعاء المقبل.

وشهدت صيدلية الإسعاف (ذات الشهرة الواسعة والتي تتبع الشركة القابضة للأدوية) بوسط القاهرة توافد المرضى وذويهم من شتى مناحي البلاد، الخميس، لصرف جرعات من عقار البنسلين، فيما تعذر الحصول عليه من الصيدليات الخاصة -حسب قولهم- في القاهرة الكبرى والمُحافظات، ما أدى إلى انتقال مواطنين من محافظات الصعيد للحصول على عبوات العقار المُميزة بواقع عبوة واحدة لكل «روشتة»، حسب الجرعة الموصوفة من قبل الطبيب، وفقا لما رصدته صحيفة «المصري اليوم» في عددها الصادر اليوم الجمعة.

وتباينت ملامح ولهجات المواطنين الذين امتدت صفوفهم وطوابيرهم أمام «نافذة البنسلين» بشكل يشي بتباين مواطنهم ومناطقهم كذلك، ما بين جلباب صعيدي تقليدي وحُلة رسمية أو ملابس بسيطة تُرجح قِصر مشوار صاحبها، يتجدد «الطابور» بوجوه هؤلاء كل 10 دقائق على الأكثر إذ يبدو الإقبال على الصيدلية متوسط الشدة لكن ذلك لم ينف معاناة البعض في سبيل الوصول للقاهرة والحصول على موضع قدم أمام النافذة على أمل الحصول على عبوة البنسلين الكرتونية الصغيرة.

الأمبول.. من الصعيد للقاهرة

أثناء انتظاره في الطابور يحمل «حسن محمد صالح» في يده «روشتة» بعقار البنسلين وصفها طبيب بمركز بني مزار في محافظة المنيا لابنته الصغيرة «فاطمة»، حيث تعاني من مرض «الروماتيزم» ويتطلب علاجها الحصول على جرعة بنسلين كل 25 يومًا، ما يُحتم عليه الحضور إلى القاهرة والانتظار في صف صيدلية الإسعاف فيقول: «أنا باحضر كل 25 يوم بالقطار علشان أجيب أمبول واحد، في المنيا البنسلين مش موجود في المركز ولا المحافظة».

الوصول للقاهرة ليس سهلا على «صالح»، إذ يتحتم عليه استخدام القطار في رحلة يقارب زمنها ٣ ساعات كاملة، لكنها تعفيه من دفع أجرة القدوم عبر سيارة وقدرها ٥٠ جُنيهًا (الدولار الأمريكي يساوي 17 جنيها تقريبا) للرحلة، في بعض الأحيان، حسبما يؤكد، يقطع المسافة من المنيا إلى القاهرة لكنه يعجز عن الحصول على جرعة ابنته الدوائية: «أحيانًا نيجي هنا وبرضو مابيدوناش، وبلف على كل صيدليات المنطقة ومش بلاقيه».

«نعمة مصطفى»، أم ثلاثينية، لم تعتد تمامًا على تتبع مواقع تواجد عقار البنسلين، فقد وصفه الطبيب لصغيرتها منذ بضعة أيام مع ضرورة تكرار الجرعة كل 15 يومًا، غير أنها لم تتمكن من العثور على البنسلين في منطقة الهرم، نطاق إقامتها، ما اضطرها لقطع المسافة من الجيزة إلى وسط المدينة للعثور على العقار تقول نعمة: «أنا جاية والبنت والروشتة معايا، المشوار كلفني بالمواصلات 20 جنيهًا، وسعر الحقنة أصلاً 10 جنيهات».

تستنكر «نعمة» نقص العقار، وعدم توافره في الصيدليات الخاصة والنطاقات الجغرافية المختلفة فتقول: «لازم يكون في إتاحة، مستحيل حد يقف في صف وياخد الدواء وهو مش محتاجه أو مش مصاب بمرض، أنا أنفق في الشهر مواصلات بضعف ثمن الدواء».

أزمة المحافظات.. اتهام بالفشل

في المحافظات كانت الأزمة أكثر اشتعالا، إذ استغاث المرضى في كفر الشيخ بالمسؤولين، بعد أن استعرت أزمة أمبولات البنسلين في صيدليات المحافظة، وأكد صاحب صيدلية بمدينة دسوق «حسن الطواب»، اختفاء البنسلين بكل أنواعه رغم حاجة المرضى الملحة له، خاصة الأطفال الذين يحتاجونه للعلاج من الميكروب السبحي.

واتهم نقيب الصيادلة بالمحافظة «محمد فهمي»، وزير الصحة بالفشل في حل الأزمة واعتماده على سياسة المسكنات، رغم اشتعال أزمة البنسلين واختفائه تماما من جميع الصيدليات منذ شهر تقريبا.

وفي المنيا، تجمهر عشرات المرضى أمام مستشفى العدوة المركزي، للحصول على البنسلين المائي «ممتد المفعول»، في أعقاب إعلان مسؤول الصيدلة عدم وجود مخزون ونفاد الكميات.

وقال أهالي من العدوة: «ترددنا على الصيدليات أكثر من مرة دون الحصول على العقار رغم سوء حالة أبنائنا الصحية، ووعدنا المسؤولون بالمستشفى أكثر من مرة بصرف العقار دون جدوى، ما دفعنا للتجمهر أمام وداخل المستشفى للمطالبة بحقوقنا».

وقال الدكتور «محمد سرحان»، نقيب صيادلة المنيا، إن أزمة نقص البنسلين بدأت بسبب ارتفاع سعر المواد الخام اللازمة لإنتاجه، ما أدى إلى توقف الشركة المستوردة والتي كانت تغطي 70% من احتياجات السوق.

وأكدت مديرية الصحة توافر «رصيد استراتيجي» من عقار البنسلين طويل المفعول لدى «المديرية»، حيث يتم الصرف للمستشفيات الحكومية التابعة للمديرية وفقاً لأعداد الحالات المرضية المترددة، إلى جانب توافر العقار داخل صيدليات الشركة المصرية لتجارة الأدوية.

وفي أسوان، قال عضو مجلس النواب عن دائرة إدفو النائب «حسن سيد خليل»، إن وزارة الصحة وفرت 900 ألف عبوة بنسلين لحل أزمة نقص الدواء، وتم توزيع 100 ألف عبوة على الصيدليات.

وفي السويس أرجع رئيس لجنة الصيدليات بنقابة الصيادلة الدكتور «محمد بدوي»، السبب الرئيسي لنقص البنسلين نتيجة «قضية فساد تحقق فيها نيابة الأموال العامة، مع رئيس مجلس إدارة سابق لإحدى شركات قطاع الأعمال المملوكة للدولة لاتهامه ببيع حق استيراد المادة الخام للبنسلين، وتصنيعه لشركة خاصة، لكن الجهات الأمنية اكتشفت أن تلك الشركة الخاصة مملوكة لزوجته».

وأضاف: «بناء على ذلك قامت الشركة الصينية المصدرة للمادة الفعالة للدواء، بالتوقف عن تصدير البنسلين لمصر، إلا بعد حسم القضية، وتحديد الجهة المختصة باستيراد العقار».

وفي بورسعيد، قال نقيب صيادلة المحافظة الدكتور «عبدالوهاب قوطة»، إن حقن البنسلين طويل المفعول متوفرة في المستشفيات العامة وتعطي للمرضى بعد الكشف عليهم، وإنها توزع على الصيدليات من قبل شركة الأدوية الحكومية بمعدل ٤ إلى ٦ حقن شهريا بينما تقوم شركة قطاع خاص بتوزيعها على الصيدليات بشرط أن تحمل عليها الشركة أصنافا أخرى ترغب في ترويجها.

إجراءات صعبة

وقال المتحدث باسم نقابة الصيادلة الدكتور «أحمد أبودومة»: «لا أحد يستطيع أن ينكر أن نقص هذا الدواء يمثل أزمة كبرى، بدليل أن وزارة الصحة لجأت لإجراءات صعبة، منها إصدارها تعليمات محددة للمستشفيات بصرف العقار مرة واحدة لكل مواطن شهريا، وببطاقة الرقم القومي».

وأضاف: «الأزمة ستنتهي مثل غيرها، لكن مصر معرضة لأزمات قادمة في أصناف أخرى، لأن لدينا خطأ في المنظومة نفسها، حيث نعالج المشكلة في وقتها من خلال سرعة استيراد المادة الفعالة، ولكن ملف الدواء يُدار بطريقة عشوائية، والحل في إقرار هيئة الدواء المصرية، وتكون تابعة مباشرة لرئيس الوزراء».

من جانبه، قال المتحدث باسم وزارة الصحة الدكتور «خالد مجاهد»، إن الوزارة ضخت في سوق الدواء 200 ألف عبوة من البنسلين، الخميس، وتعهد بأن يتم الانتهاء من أزمة نقص البنسلين تماما في 20 ديسمبر/كانون الأول الجاري.

وأكد مصدر مسؤول بوزارة الصحة أن ملف أزمة البنسلين يتم التحقيق فيه حاليا من قبل جهات سيادية وأجهزة رقابية بجانب تحقيقات نيابة الأموال العامة.

  كلمات مفتاحية

البنسلين حقنة مرضى المحافظات الصحة الدواء العلاج

صحف مصر تحتفي بعودة السياحة الروسية وترصد أزمة «البنسلين»

الأزمة تتفاقم.. المصريون يبحثون عن «حقنة بنسلين»

نقص «البنسلين» يهدد المصريين.. وسعر الحقنة يصل إلى 150 جنيها