مكافحة الفساد بالعراق «محلك سر».. والمتهمون طلقاء بالهروب والعفو العام

السبت 30 ديسمبر 2017 06:12 ص

قالت مصادر إن المتورطين في قضايا فساد في العراق، ينتهي بهم المطاف إلى هاربين خارج البلاد أو خارج القضبان بعد أن يعفى عنهم، على الرغم من وعود السلطات بمحاربتهم بالطريقة ذاتها التي خاضتها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».

وفي بلد يحتل المرتبة العاشرة بين الدول الأكثر فسادا في العالم، تتقاذف كل من السلطة التنفيذية والقضائية والتشريعية وهيئة النزاهة، الكرة في ملعب الآخر في عملية محاربة الفساد، حسب تقرير لـ(أ ف ب).

ويرى المحلل السياسي «هشام الهاشمي»، أن الموضوع ما زال «نظرية بحتة».

 وأكد أن لا شيء سيتغير «ما لم ترفع الحماية عن أغطية الفساد المسيطرة على مفاصل اقتصاد وأمن وعسكر العراق».

بدورها، رأت النائبة في البرلمان العراقي «ماجدة التميمي»، أن «الفساد وصل إلى مرحلة ديناصور بعدما كان نملة» منذ الغزو الأمريكي للعراق لإزاحة نظام صدام حسين عام 2003.

وقالت «من المؤكد أن الموضوع صعب وأشرس من الحرب على تنظيم الدولة».

وأوضحت «كل الأحزاب لديها فاسدون، ولا أتصور يوجد حزب من دون فاسدين، هناك نسب تتراوح حول طبيعة الاستحواذ على السلطة»، مضيفة «إذا كان الفاسدون من داخل حزبك، فالحرب ستكون شعواء، وتحتاج إلى دعم دولي وداخلي من الأحزاب نفسها لمكافحته».

وتسيطر الشكوك حول إمكانية القيام بأي شيء ناجع وحاسم.

وقال أحد السياسيين لمجموعة من الصحفيين ساخرا: إن «المسؤول الذي يسرق مبلغاً أقل من 60 مليون دولار، ينظر إليه على أنه نزيه، عندما يكون الحديث عن فساد على مستوى عال».

عقود وشركات وهمية

وقال النائب «رحيم الدراجي»، عضو لجنة النزاهة في البرلمان: إن «هناك أكثر من خمسة آلاف عقد وهمي، وتسلمت شركات وهمية نسبة تتراوح بين 30 و60% من الأموال استناداً إلى هذه العقود».

وأكد أن كمية الأموال التي أهدرت في مشروعات بناء وبنى تحتية، على الورق فقط، بلغت 228 مليار دولار، مشيراً إلى أن هذه المبالغ «تطايرت مثل الدخان».

وتفوق هذه الأموال بثلاث مرات الموازنة الوطنية وإجمالي الناتج المحلي للبلاد.

ويرى خبراء أن هذا الفساد الهائل يساعد على تفسير النقص الهائل في الخدمات وتدهور البنى التحتية وتدهور التنمية الصناعية والزراعية.

وعلى الرغم من الموازنات الانفجارية التي تحققت من بيع النفط، لا يزال العراق يستورد الكهرباء والمنتجات النفطية، علما بأنه ثاني بلد منتج للنفط في منظمة «أوبك».

وباتت البلاد خالية بشكل شبه كامل من مشروعات الصناعة والزراعة، وتعتمد بغالبية مطلقة على الاستيراد، وهو ما يعتبره مراقبون نتيجة حتمية لاستشراء الفساد. وما أنجز من مشروعات داخل البلاد تم عبر مبالغ طائلة من خزينة الدولة تضمنت كمية ضخمة من الرشى.

وقال النائب «الدراجي»: إن «وزارة الدفاع العراقية تعاقدت مثلاً على شراء 12 طائرة من شركة تشيكية بقيمة تبلغ 11 مليون دولار، لكن دفعت رشوة قيمتها 144 مليوناً»، ويقول ساخراً «أي سَرَقنا»، من دون إعطاء تفاصيل إضافية.

ويقول مصدر حكومي: إن السلطات تستعين بمحققين من مؤسسات غربية ومن بعثة الأمم المتحدة لتتبع عمليات تهريب وغسل الأموال.

العفو العام عن الفاسدين

وأوضح المتحدث باسم السلطة القضائية القاضي «عبدالستار بيرقدار»، أن «هناك فاسدين أدينوا بقرارات قضائية، وصدرت أحكام عقابية بحقهم وفق القانون، لكن شملهم قانون العفو العام الذي شرعه مجلس النواب».

وبين هؤلاء الذين تمكنوا من الفرار من البلاد، محافظ البصرة «ماجد النصراوي» الذي اتهمه «عبدالله عويز»، أحد أبرز المقاولين في البلاد، في لقاء تليفزيوني بالمطالبة بنسبة 15% من قيمة كل مشروع يخصص 5% منها إلى حزبه و10% تذهب إلى جيبه.

ودعت هيئة النزاهة إلى تشديد العقوبة على المتهمين بالفساد، وطالبت بوقف شمول المتهمين بالعفو.

واتهم قاض مختص بالنزاهة السلطة التنفيذية بالوقوف وراء الإخفاق في اعتقال المسؤولين عن الفساد بعد إصدار أوامر قضائية ضدهم.

ويقول «بيرقدار»، إن «التشريع الذي صدر العام الماضي شمل المتهمين بالفساد، في حال أعادوا المبالغ التي سرقوها أو التي تسبب اختلاسها بأضرار».

ويرى مصدر قضائي أن «التشريع غير منصف، فمن سرق مليارين على سبيل المثال قبل عشر سنوات والآن أصبح لديه عشرون ملياراً، يدفع المليارين ويغادر السجن»، ويضيف ساخرا «أنها بمثابة قرض مصرفي».

والعراق من بين أكثر دول العالم فسادا، بموجب مؤشر منظمة الشفافية الدولية على مدى السنوات الماضية، وترد تقارير دولية على الدوام بهدر واختلاس.

وعلى مدى السنوات الماضية أصدر القضاء أحكاما قضائية مختلفة بالسجن بحق مسؤولين بارزين في الحكومات المتعاقبة على العراق بعد عام 2003 بينهم وزراء وقادة ومسؤولون تنفيذيون، لكن لغاية الآن لم تتمكن السلطات العراقية من استردادهم من البلدان التي فروا اليها.

وترتبط هيئة النزاهة، التي تأسست عام 2004 بالبرلمان، ولديها صلاحيات قضائية من قبيل إصدار أوامر اعتقال بحق متهمين، ولديها جهاز مكون من قضاة يتولون التحقيق في ملفات الفساد والمتهمين، لكن الهيئة غير معنية بإصدار الأحكام، ويكتفي قضاة التحقيق بتحويل المتهمين للمحاكم المختصة.

وأعلنت هيئة النزاهة في أغسطس/آب 2015، عن إحالة ألفين و171 مسؤولا رفيعا، بينهم 13 وزيرا ومن هم بدرجته، إلى محاكم الجنح والفساد.

وأشارت الهية آنذاك، إلى أن هيئة النزاهة تحقق بـ 13 ألف و500 قضية فساد، تم حسم أكثر من 6600 قضية منها.

وسبتمبر/آيلول 2015، كشفت الهيئة عن صفقة فساد كبيرة في عهد رئيس الوزراء السابق «نوري المالكي»، بخصوص عقود شراء طائرات صربية.

ويعد «المالكي»، أحد أبرز وجوه الفساد الذي استشرى في القطاع الحكومي، طيلة فترة حكمه الممتدة من 2006 إلى 2014.

وقرر رئيس الوزراء العراقي، «حيدر العبادي»، في شهر أغسطس/ آب 2015 إلغاء جميع مناصب نواب رئيس الجمهورية ونواب رئيس مجلس الوزراء، ما أسفر عن الإطاحة بـ«نوري المالكي» من منصب نائب رئيس الجمهورية.

  كلمات مفتاحية

العراق مكافحة الفساد هيئة النزاهة العراقية الرشوة

عقب اعتقاله ببيروت.. الإنتربول يسلم العراق مسؤولا سابقا مدانا بالفساد

العراق يتصدر قائمة مؤشر الفساد العالمي

العراق يقرر الإعلان عن قائمة المسؤولين الفاسدين