استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

«شارلي إيبدو» وفشل الليبرالية الغربية

الثلاثاء 13 يناير 2015 07:01 ص

ضربت مأساة مروعة عاصمة غربية أخرى في صورة قتل عنيف لصحفيين ورسامي كاريكاتير فرنسيين في مجلة «شارلي إيبدو» الساخرة. ويبدو أن الجناة فعلوا ذلك ردًا على نشر المجلة لرسوم اعتُبرت مسيئة للمسلمين، بالإضافة إلى سريان اعتقاد قوي أيضًا بأن مرتكبي هذه الجريمة انتهجوا التطرف نتيجة الغزو الذي قادته الولايات المتحدة ضد أفغانستان والعراق.

وتوحّد رد المجتمع الفرنسي - في الواقع ليس وحده بل رد الفعل العالمي - في إدانة الهجوم، وحشدت السلطات الفرنسية كامل قوتها من وكالات إنفاذ القانون في الدولة لتعقب المهاجمين الذين لقوا حتفهم بعد مواجهة مع الشرطة يوم الجمعة.

وكما هو الحال مع معظم حوادث العنف التي يُشار فيها بالبنان إلى مسلمين فقد دارت مناقشة عامة على نطاق واسع أعقبت هذا الهجوم حول وعود حازمة بدعم قيمة الحضارة الغربية الأساسية - حرية التعبير - والتي ما لبثت أن تحولت إلى تبادل اتهامات حول الاعتداء المزعوم للإسلام على تلك الحرية المُطلقة. ونتيجة لذلك؛ فإن التعبيرات الطبيعية من الحزن والتعاطف تجاه الضحايا اتخذ نوعية تُضاف إلى الدعم الليبرالي السامي لمحتوى رسوم «شارلي إيبدو» بغض النظر عن تاريخ إعلام العنصرية تجاه المسلمين والمُلونين.

قصة هيمنة

ولا يحدث ذلك إلا من خلال قبول فوري بدون تفكير لقصة هيمنة الليبرالية الغربية التي تفضي إلى نتيجة مفادها أن أكبر التهديدات لحرية التعبير في العالم اليوم هي الإسلام وكوريا الشمالية. ولتأطير هذه الأحداث دون تفسير لعلاقات الخلفية والسلطة الواسعة في الوقت الراهن عليك أن تتجنب أي فهم معقول للصراعات العميقة التي يعاني منها عالمنا في الوقت الحاضر.

ولنأخذ بعين الاعتبار أن الدعوات الليبرالية الغربية المطالبة بالحرية ضد موقف الإسلام الذي يُوصف بأنه غير متسامح تجاه ما يُوجّه له من انتقادات، غير متسمة بالاحترام أو خطيرة وربما تتجاهل تمامًا التاريخ الكامن وراء التوترات الحالية.

وتكمن الحقيقة في أنه طالما كانت هناك قيما ليبرالية تدعم مطالبتهم بمختلف الحريات التي تقدسها المجتمعات الغربية، فإن هناك أيضا مجتمعات تعاني من الاستغلال والقهر على أيدي أولائك الذين يعتنقون هذه المبادئ السامية.

وفي اللحظة التي كانوا يُرسون فيها القواعد الكلية للمجتمعات الليبرالية الحديثة من مبادئ حرية التعبير وحرية ممارسة الشعائر الدينية وحتى أسس أشكال الحكم الديمقراطي، بدا أن مفكري وفلاسفة عصر التنوير أكثر شمولية في التعبير عن دعمهم لعالم مبنيٍ على التسلسل الهرمي العنصري والتوسع في الإمبراطوريات الأوروبية الجديدة التي تعتمد إلى حد كبير على استخدام العنف للسيطرة على مستعمراتها. وطوّر هؤلاء الفلاسفة لرؤيتهم العنصرية تجاه اليهود والمسلمين والسود على أساس ”السبب“ و”العقلانية“ مثل هذه الآراء أكثر اشمئزازًا من تلك المُستمَدة من طرق تفكير ما قبل الحداثة.

وسواءً أكانت تلك تعبيرات عنصرية من فلاسفة عصر التنوير أو رسوم كارتونية لـ«شارلي إبدو»، فإن هذه الآراء الاستفزازية لا يمكن فصلها عن مشاريع سياسية قائمة بشكل أوسع. وفي نفس الوقت الذي أدت فيه الليبرالية الغربية إلى ظهور دول حديثة مُلتزمة بالحرية والديمقراطية وسيادة القانون، كانت هناك أيضًا مشاهد من استمرار العبودية والاستعمار والقهر لقطاعات واسعة في آسيا وإفريقيا وأستراليا والأمريكتين والاستغلال الاقتصادي العالمي والتدهور البيئي.

إساءات ”الإمبراطورية“

لقد كان من الصعب في أوروبا - حيث القيم الليبرالية الغربية التي لم يُخفِ مؤيدوها أبدًا رؤيتهم العنصرية والإقصائية - تفادي صعود الحركة الفاشية التي انتهجت إبادة الملايين من البشر في منتصف القرن العشرين.

وحتى بعد الدمار الذي خلفته الحرب العالمية الثانية كانت الشهية الأوروبية للتدمير والخراب لم تُشبع نهمها، وتميزت العشرين عاما التالية بنضال الشعوب المُستعمَرة في جنوب الكرة الأرضية للحصول على استقلالها من القوى الأوروبية الاستعمارية.

وأمام احتمالية دعم حرية الشعب الجزائري، انبرى العديد من المثقفين الليبراليين الفرنسيين مُعلنين دعمهم الشديد للقمع الوحشي ضد النضال الجزائري في حرب ظهر فيها استخدام أبشع أساليب التعذيب على نطاق واسع وموت أكثر من 150 ألف مواطن جزائري.

«وُلد كل منهم بقلب مملوء بالتعصب تماما كما وُلد البريتونيون والألمان بشعر أشقر. لن تكون هناك أي مفاجأة على الإطلاق إذا ما أصبح هؤلاء الأفراد في يوم من الأيام قاتلين للجنس البشري».

ولو نظرنا إلى الكتابة عن يهود القارة الأوروبية لوجدنا أن هذا الاستشهاد لم يأت من داعية أو مؤيد في ألمانيا النازية، ولكنه جاء من «فولتير» - فيلسوف فرنسي عاش في القرن الـ18 - والذي تردد اسمه كثيرا في الأيام الأخيرة باعتباره بطلاً تاريخيا لحرية التعبير.

ولم تكن وجهات نظر «فولتير» عن الإسلام أقل حدّة؛ حيث إنه قام بتأليف مسرحية خُصصت بكاملها للسخرية من «النبي محمد» (صلى الله عليه وسلم) باعتباره «مؤسس طائفة كاذبة وبربرية» و«دجال قوي».

وفي الوقت الذي يمكن لأي شخص أن يدافع عن حق الساخرين والمسئولين الحكوميين والفلاسفة في تبني مثل هذه المعتقدات - لقد أصبح الهاشتاج «#أنا_تشارلي» وسيلة عامة للتعبير عن التضامن مع ضحايا «شارلي إبدو» خلال ساعات من الهجوم - في مواجهة هذا التاريخ، فينبغي بوضوح إدراك أنه في حالة الإنتاج الثقافي فالسياق دائما يكون مهما. ولا يمكن للسياسات الهدامة أن تواصل نجاحها من دون المفردات والصور العنصرية وكراهية الآخر.

انتشار الإسلاموفوبيا

ويمكن للمرء ألا يُعمل عقله لفهم تصرفات «أندريس بريفيك» - ذلك القاتل الذي ارتكب جريمة القتل الجماعي - أو التقرير الذي صدر مؤخرًا يدين حكومة الولايات المتحدة بتعذيب السجناء المسلمين فقط على خلفية القيم الليبرالية الغربية. ومع ذلك؛ فإنه عندما ينظر المرء إلى هيمنة أجواء من الإسلاموفوبيا كما رأينا في الخطابات الشهيرة في أنحاء الولايات المتحدة وأوروبا، يمكن عندئذ للمرء أن يدرك أن سبب هذا العنف أصبح قائما، فضلا عن أنه أصبح طبيعيا.

وتذهب أهمية مسألة ما يمكن اعتباره خطابا مناسبا إلى ما هو أبعد من ميلها نحو الإساءة للأقليات المُسلمة؛ نظرًا لما يكمن داخلها من آثار مزعجة على المجتمع الأوسع.

وبنفس الطريقة التي تُولي بها الحكومات الغربية عناية كبيرة للحيلولة دون انتشار الأفكار والرسائل التي يعتبرونها سبب تطرف المسلمين (جميع المطالب بشأن حرية التعبير مُدانة)، ينبغي على تلك الحكومات أن تنظر إلى الدور الذي يلعبه الإنتاج الثقافي المعادي للمسلمين في فتح المجال أمام الانتهاكات الخاصة بحقوق الإنسان وإيصال مواطنيهم إلى مرحلة التشدد، كما رأينا ذلك جليًا في موجة الإرهاب ضد المسلمين التي شهدت ارتفاعًا ملحوظًا خلال السنوات العشر الماضية.

وتعليقًا على سلسلة التصريحات الأخيرة المعادية للإسلام التي خرجت من لسان «بيل ماهر» و«سام هاريس»، أشار الباحث الديني «كارين أرمسترونج»: «هذا نوع من الكلام الذي قاد إلى معسكرات الاعتقال».

ما نشاهده في الوقت الراهن من إطلاق واستخدام التعبيرات اللا إنسانية ضد المسلمين ليس وليد الظرف الحالي، لكنه إرث موجود في العبارات المعادية للسامية قبل قرن من الزمان. كلاهما ينبع من نفس المنطق البغيض للإقصاء.

ولا تتورع البلدان الغربية - في واقع الأمر - عن وضع قيمها الليبرالية جانبا لتقديم الدعم الكامل للأنظمة الاستبدادية في منطقة الشرق الأوسط؛ تلك الأنظمة وسياساتها - بالمناسبة - هي التي تخلق مناخا قمعيا أثبت الواقع أنه يؤدي إلى التطرف. وحتى المجتمعات الغربية لم تبرهن على عدم رغبتها بالتخلي عن المطالبات بشأن دعم حرية التعبير عند طرح السؤال الذي يتحدث عن التماسك الاجتماعي.

وحظرت فرنسا المسيرات المتضامنة مع غزة خلال حرب الصيف الماضي، وتُحاكم الدولة باستمرار الكتّاب والكوميديا وحتى رسامي الكاريكاتير الذين تُصنّف أعمالهم على أنها تجازف بـ«تمزيق أواصر النظام الاجتماعي». وعلق رئيس الوزراء الفرنسي «مانويل فالس» على الرقم القياسي لملاحقة الفنانين من قبل الدولة قائلاً: «أمام هذا الإبداع من الكراهية؛ هل ينبغي علينا ألا نُحرك ساكنا؟ بالتأكيد لا. لن نقف مكتوفي الأيدي».

وفي عام 2008م طردت مجلة «شارلي إبدو» رسام وكاتب اعتبر المحررون عمودا له يعادي السامية.

وفي الوقت الحالي؛ لا يزال المسلمون في الغرب مُستبعدون من الحوارات الوطنية بشأن قضية التماسك الاجتماعي التي تُطرح في بلدان عديدة. الاستمرارية التاريخية للتمييز العنصري التي امتزجت بالسعي الحثيث لتحقيق أهداف استراتيجية في عدد من الدول الإسلامية خلال العقدين الماضيين أظهرت أن هناك أجواء من الشك والعداء تسرّبت إلى المجال العام في الولايات المتحدة وأحيت تراث التعصب في أوروبا.

ولفهم السلوك العنيف للمتطرفين ومن ثمّ الشروع في مواجهته؛ ينبغي دراسة هذه الأحداث المأساوية في ضوء هذا السياق، وليس من خلال عدسة حرية التعبير. فبدءً من «فولتير» - في القرن الـ18- وحركة التنوير (في القرن الـ17) حتى الوقت الحاضر تزخر الخطابات الغربية الحديثة بانتقادات للإسلام.

وعلى النقيض من ذلك؛ فإن العنف البغيض من قبل بعض المسلمين ليس سوى ظاهرة حديثة، وينبغي مواجهته من خلال معالجة فشل الليبرالية الغربية في الرقي بمستوى المثل والقيم العليا التي تُعلنها، وليس من خلال الاستمرار الغريزي في التغني بها.

 

* د. عبد الله العريان، أستاذ التاريخ بجامعة جورج تاون

المصدر | الجزيرة الإنجليزية

  كلمات مفتاحية

شارلي إيبدو الليبرالية فولتير فلاسفة عصر التنوير العنصرية رسوم مسيئة الإسلاموفوبيا

«أنا لست شارلي» .. شقوق في وحدة الصف بعد هجمات باريس

في كل الأحوال .. «أنا لست شارلي إبدو»

رئيس الرابطة الكاثوليكية الأمريكية: رسامو «شارلي إبدو» تصرفوا كبلطجية فاجرين

مسلمون ردا علي هاشتاج «اقتلوا جميع المسلمين»: من قتل الأبرياء منذ الاستعمار حتي الآن؟

«الدولة الإسلامية» يشيد بهجوم «شارلي إيبدو» ويصف منفذوه بـ«الجهاديين الأبطال»

«شارلي إيبدو»: مغالطات كارثية

ردا علي هجوم «شارلي إيبدو»: وقوع اعتداءات مسلحة على مساجد ومطاعم في فرنسا

12 قتيلا في هجوم على صحيفة «شارلي إيبدو» الفرنسية .. ومخاوف من تصاعد «الإسلاموفوبيا»

الإفتاء المصرية تحذر «شارلي إيبدو» من نشر رسوم مسيئة للنبي ﷺ في عددها الجديد

محلل أمريكي يعتبر حادثة «شارلي إيبدو» خدعة صهيونية فرنسية

محرر سابق في «شارلي إيبدو» يفتح النار على «سلوكها الديكتاتوري وممارساتها الفاسدة»

«أولوند» يدافع عن ”حرية التعبير“ بعد احتجاجات بالخارج ضد رسوم «شارلي إبدو»

مردوخ .. أفكار عقيمة لها 1000 قدم!

«ديفيد كاميرون» يدافع عن حرية التعبير ”والحق في الإساءة للدين“

النيابة الفرنسية تتهم أب بالتحريض على الإرهاب لجعل أطفاله «يشاهدون صورا تمجّد الجهاد»

جذور وأسباب العنف الإسلامي في الغرب

«شارلي إيبدو» توقف إصدار طبعاتها لأجل غير مسمى

هل يتصدع الغرب الرأسمالي ويتفكك؟