فيلم الأوسكار 2016 «العائد»: العدالة الأمريكية «المُنحازة» والمتوحشة

الاثنين 2 مايو 2016 09:05 ص

خطأ ضخم يقع فيه مشاهدو وناقدو فيلم «The Revenant» أو «العائد» للمخرج المكسيكي «أليخاندرو غونزاليز إيناريتو»، إذ يظنون العمل يدور حول دراما «الانتقام»، فيما هو يتمحور، في الحقيقة، حول وصف وحشية الحضارة الأمريكية في قيامها، ويعبر في نفس الوقت على وشك انهيارها.

حاز الفيلم 3 من جوائز الأوسكار لهذا العام، من أصل 12 جائزة تم ترشيحه لها، جائزة أفضل ممثل لبطله «ليوناردو دي كابريو»، وأفضل تصوير لـ«وبزكي»، وأفضل إخراج، كما اكتسح الفيلم جوائز الأكاديمية البريطانية لفنون السينما والتليفزيون «بافتا» لهذا العام.

بدأ عرض الفيلم في «الولايات المتحدة الأمريكية» في 25 من ديسمبر/كانون أول الماضي، ثم توالى عرضه في بقية دول العالم ببداية يناير/كانون ثانٍ، وتكلف إنتاجه قرابة 135 دولارًا، غير أنه حصد 224 مليون دولاراً في الأسابيع الثلاثة الأولى لعرضه عالمياً، و519 مليون دولار بعد أربعة أشهر من عرضه.

وتدور أحداث الفيلم في 156 دقيقة، أكثر من ساعتين ونصف الساعة، ولا يُقدم تيمة جديدة، فقط تناولاً سينمائياً معاصراً بكاميرا، هي بالفعل، ماهرة، وإخراج يستخدم تقنيات الحاسب الآلي، الكمبيوتر، من الجرافيك وغيرها من فنون الحيل والخدع، ويوظف الطبيعة الساحرة الخلابة لغابات وجبال كندا، ويجعلنا نشاهد معارك طاحنة بين البشر والطبيعة والحيوانات، وأحيانا الرب، من وجهة نظر صُنّاع الفيلم، «ليس من أجل» أن يعيد إلينا، فقط، قصة الانتقام الشهيرة المعروفة مصرياً في أفلام، دائرة الانتقام، وفيلميّ أمير الدهاء، وامير الانتقام والأخير تم إنتاجه عام 1950م، بل إن بعضاً من نقاد الفيلم إذ يصدرونه إلى العالم بهذه الرؤية، مثل «نيكولاس باربر» بموقع «بي بي سي»، وكذلك مراسل الشؤون الفنية بالموقع السابق «تيم ماسترز»، وحتى الجزائري «عبد الجبار يحيي» بموقع العربية نت.. جميعهم يتناول الزاويا الخطأ في عرض الفيلم ربما بحسن ظن!

الأمريكي الخالد

تكاد أغلب أحداث الفيلم تنحصر في نصف الساعة الأولى منه، حيث تدور أجواؤه عام 1832م على الحدود الأمريكية الغربية، والقصة عن رواية حقيقية لـ«مارك إل سميث» شاركه إعدادها للسينما المخرج «إيناريتو»، لزيادة الإبهار بها، ولتكون صالحة سينمائياً.

البطل «جون غلاس»، ليوناردو دي كابريو، مرشد طريق لمجموعة من الامريكيين خرجوا لصيد الدببة، لكن قبيلة من المعروفين باسم الهنود الحمر، أهل أمريكيا الحقيقيين، المُظلومين بهذا الاسم، تهاجمهم وتقتل منهم ثلثيهم، ولا يبقى إلا 9 من الأمريكيين، منهم البطل وابنه «هوك».

ولأننا في أجواء محتقنة من التاريخ الأمريكي بل الأوروبي البالغ التوحش والهمجية، فإن «هوك»، «فوريست غودلاك»، ابن البطل من أم هندية حمراء، أو من أهالي أمريكا الحقيقيين، وبسبب لون بشرته المختلف عن اللون الأبيض الفاشي يتم قتله من الساخط دائماً «جون فيتزغرالد»، «توم هاردي»، أمام عينيّ أبيه المصاب في هجوم لأنثى الدببة العملاقة التي تركته بعد أن مزقت جسده .. شبه ميت.

وخوفاً من عودة قبيلة «إريكا» الهندية ثانية لمهاجمة الأمريكيين الباحثين عن لقمة العيش خارج «الكمبوند» الأمريكي المغلق يتم ترك «غلاس» في الغابة ويمضي الأمريكيون عنه. تاركينه للهنود الحمر المتوحشينن مصاصي الدماء، بحسب الفيلم، والجنود الأمريكان المقاومين لهم الأكثر وحشية، بحسب الفيلم أيضاً، ليقطع البطل 320 كيلومتر في الغابات زحفاً على بطنه، وأحياناً خائطاً في الشلالات ليعود إلى «الكمبوند» الأمريكي، لينتقم لابنه، تاركاً مئات «الهنود الحمر» يقتلون أمام عينيه طوال الفيلم، ومنهم الذي كان سبباً في إعادة الحياة إليه ويمزقون دون مجرد أسىً عليهم، وتاتي النهاية الرائعة بمرور قائد القبيلة الهندية التي كانت منذ البداية تطارده وقافلته، بعد أن مزق «غلاس» جسد غريمه «فيتزغرالد»، لينظر قائد قبيلة «أريكارا» إليه، وتنظر ابنته باحتقار شديد، فيما يتردد في أذنيه مقولة الهندي، الذي لم يكن له اسم، وهو منقذه:

ـ أنا سأساعدك لكني سأترك الانتقام من جنسك الذي قتل أسرتي لله!

في اللحظة التي تتركه فيها «روح» زوجته الهندية المحبة للسلام، وكانت تراعيه طوال الفيلم، رغم قتلها على يد أمريكيين هي الأخرى، أما الكلمات فكانت لـ«فيتزغرالد» قاتل ابنه نفسه، وهو يلفظ أنفاسه:

ـ وهل قتلي سيعيد إليك ابنك؟!

العدالة المتوحشة

مزقت الدببة الحبال الصوتية للبطل، «ليوناردو دي كابريو»، فلا ينطق طوال الفيلم إلا بعدد قليل من الجمل، لكنه يسير ويسير ثم يسير بحسب الناقد «نيكولاس باربر»، الذي قال إنه لا يصدق أن البطل قطع المسافة على بطنه، فيما سار، ناسيّاً، على الشاشة بقدمين مشلولتين في منتصف مشاهد الفيلم، وليس الأمر كما قال الناقد الأمريكي تعظيماً في «دي كابريو»، وعمله طوال قرابة ثلثي الفيلم في مشاهد منفردة، بل الأمر لا يزيد على أن يكون تحدياً كبيراً هائلاً يواجه البطل الأمريكي، يتقطع ويتعفن جسده، ويقاتل الأمريكيين الخونة، مع الهنود الحمر، والطبيعة العملاقة التي أبدع مدير التصوير في تجسيدها عبر «كادرات» تبرز اتساع وعملقة الأشجار والشلالات والأنهار، واستواء وانحدار الجليد، ومع هذا يجب أن يفوز الامريكي في النهاية على كل القيم والتحديات. حتى إن الناقد الامريكي «باربر»، وقد فُتِنَ بأداء ليوناردو دي كابريو يدعو على لجنة تحكيم «الأوسكار» أن تأكلهم الدببة إن لم تعطه جائزتها لأحسن ممثل، منتهى الانحياز السياسي في صورة فيلم.

هنا نجد الهنود، أصحاب البلاد الحقيقيين الذين قدموا كل الدعم للمحتلين، وعلى مدار 400 عام من «1492 حتى 1905م » تقريباً أباد الأمريكيون والأوربيون منهم قرابة 200 مليون في جرائم صمت عنها الشرف الامريكي وضمير العالم حتى اليوم ولم يعتذر عنها أحد، وكذلك نجد الرب على لسان «فيتزغرالد» «جرذاً» استطاع إطلاق النار عليه، بل إن البطل نفسه لا يأبه لمقتل زوجته من قبل لأنها هندية حمراء.. فهي في نظره ليست من «صلبه».

أما العَلم الأمريكي والطبيب والدولار والقانون فلا وجود لهم في الفيلم إلا داخل «الكردون» أو «الكمبوند الأمريكي»، ولا انتقام من المجموع المُمثل في «قائد الكمبوند» إلا من قاتل الابن الأمريكي، ولكن أمه لا وجود لها في قاموس العدالة الأمريكية المتوحشة التي لخصتْ نفسها جيداً في الفيلم، وقدمت صورة بالغة الدموية لمجتمعات قامت على التفرقة بجميع أنواعها، ويُنتظر ان تنهار بناء عليا .

مشاهد الصمت البالغة الطول في الفيلم مثلت تحدياً للمشاهد لإكماله، رغم جمالياتها وروعة التصوير فيها، ولكن وشك تجدد مشاهد التوحش في القتال مع الحيوان والإنسان من قبل البطل أعاد للمشاهد بخاصة الغربي الاتزان، وإن أظهر الفيلم «ليوناردو دي كابريو» في ملحمة طويلة من الأداء التمثيلي الصامت في المضمون المعبر عن صراع البقاء للأقوى في عالم اليوم لا الأكثر شفافية أو عدلاً.

ذلك حتى حين عودة قريبة لعدالة حضارية وليدة منتظرة!

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

دي كابيري أوسكار 2016 أفضل ممثل أفضل تصوير أفضل إخراج العدالة الغربية التوحش الأمريكي والأوربي الهنود الحمر

«انفصال» .. حينما تبيع السينما الإيرانية «القضية» لصالح الجوائز الغربية

فيلم «معسكر أشعة إكس» .. الحضارة المادية الغربية تحاصر البراءة

حكايات طائشة: 6 أفلام سوداء تكثف ضياع الإنسان الغربي

فيلم «غرفة»: هل يعيد «الطفل» الغرب اليوم إلى أحضان «الإنسانية»؟

«بلال» ينتزع جائزة أفضل «فيلم مُلهم» في مهرجان «كان»

«المتدرب» .. فيلم أمريكي «ينصحك» بإكمال المتاهة للبحث عن حل «حضاري» لحياتك!

فيلم «السر في عيونهم»: العدالة الأمريكية .. اقتل واتهم المسلمين بأثر «رجعي»!

فيلم «سويسايد سكواد» الأسوأ لهذا العام ..يحطم الأرقام القياسية الأمريكية