قوات «الحشد الشعبي» في حاجة إلى رقابة حكومية شاملة

السبت 21 فبراير 2015 03:02 ص

ظلّت قوّات الحشد الشعبيّ مثار جدل واسع بين العراقيّين منذ تأسيسها في حزيران 2014 حتّى الآن، وقد انشغل الرأي العامّ العراقيّ في شكل مستمرّ في الحديث عن شرعيّة تلك القوّات وتقويم عملها والمخالفات الّتي تنسب إليها في مشاركتها في القتال ضدّ تنظيم الدولة الإسلاميّة. ولم يتّفق العراقيّون في شأنها بسبب الحاجة الملحّة لوجودها من جهة وحال عدم الانضباط المسيطرة عليها من جهة أخرى. 

وبين حين وآخر، تخرج أنباء عن انتهاكات تقوم بها تلك القوّات في الميادين العسكريّة أو حتّى في المناطق المدنيّة، ولكن في الوقت نفسه إنّ الدور الإيجابيّ الّذي أدّته تلك القوّات في إيقاف زحف تنظيم الدولة الإسلاميّة نحو مناطق المركز والجنوب، بل التقدّمات الّتي حققتها في الفترة الأخيرة ضدّ التّنظيم، قد جعل موقفها قويّاً لدى الرأي العام وفي الساحة السياسيّة العراقيّة.

لقد تشكّلت قوّات الحشد الشعبيّ، بعد الفتوى الّتي أصدرها السيستاني يطلب فيها القادرين على حمل السلاح للتطوّع في صفوف القوّات الأمنيّة لمكافحة الإرهاب. وقد طالب آنذاك السيستاني بأن تكون تلك القوّات ضمن الأجهزة الأمنيّة الرسميّة للدولة والأطر والممارسات القانونيّة، ولكن ما سارت عليه الأحداث، أدّى بهذه القوّات إلى أن تتّخذ مساراً مستقلاًّ عن القوّات الرسميّة وتعمل بمفردها بعيداً من الرّقابة الحكوميّة والقضائيّة. ولقد اتّخذت تلك القوّات نمط قوّات الباسيج الإيرانيّة الّتي تأسّست في العام 1979 قبيل الحرب الإيرانيّة - العراقيّة بأمر من المرشد الأعلى للجمهوريّة الإسلاميّة في إيران آنذاك روح الله الخميني. وإنّ ما يميّز هذه القوّات عن قوّات الجيش، امتلاكها عقيدة قتاليّة عالية جدّاً تجعلها مستعدّة للتّضحية بأعلى مستوى ممكن لتحقيق الأهداف الحربيّة ضدّ العدو، ولكنّها من جهة أخرى لم تمتلك التّدريب المهنيّ للقوّات الرسميّة ولم تخضع إلى إجراءات قانونيّة ومساءلة في حالات وقوع التخلّفات والانتهاكات.

وتعدّ قوات الحشد الشعبيّ عبارة عن مجموعة من الميليشيّات الّتي سبق تشكيلها في فترة حضور القوّات الأميركيّة لغرض مقاتلتها، وهي غالباً تخضع للحماية والإشراف الإيرانيّ، فمنها ما تشكّل في شكل مستقلّ، ولكن خضع إلى السيطرة الإيرانيّة لاحقاً مثل جيش المهدي المنتسب إلى السيّد مقتدى الصدر أو ما تشكّل في الأساس بإشراف وتحت إدارة إيرانيّة مثل "منظّمة بدر"، "حزب الله العراق" و"جيش المختار". ولقد توسّعت تلك القوّات بالتحاق أعداد كبيرة من المتطوّعين بها، بعد سقوط الموصل في حزيران من العام الماضي. وتوثّقت علاقتها بالجانب الإيرانيّ، بحيث أصبحت تحت إشراف وإدارة مباشرة من القيادات العسكريّة الإيرانيّة. ويعود سبب الاعتماد الفائق على تلك القوّات إلى التّرابط الإيديولوجيّ بينها وبين الجانب الإيرانيّ من جهة، وحال عدم الثقة بمستوى العقيدة القتاليّة للجيش العراقيّ الّذي تحمّل هزائم وخسارات كبيرة بعد سقوط الموصل.

وقد ساهم الوضع الطائفي في العراق في تشديد الإثارة بخصوص أفعال قوّات الحشد الشعبيّ. ولقد نشرت أخبار انتهاكات ضدّ مدنيّين في فترات سابقة عن الخلاف على الفاعل، ففي حين كان ينسب البعض تلك الأفعال إلى تنظيم الدولة الإسلاميّة، أسند البعض الآخر الأفعال إلى الحشد الشعبيّ، ومن أبرز الأمثال على ذلك حادث مسجد مصعب بن عمير في ديالي الّذي راح ضحيّته ما يقارب الـ70 مدنيّاً من أهل السنة في أغسطس من العام الماضي.

وفي أحدث الأخبار عن هذا الموضوع، تمّ الكشف عن مجزرة كبيرة ضدّ المدنيّين في محافظة ديالي، في شمال شرق بغداد، والّتي حدثت في الأسبوع الأخير من كانون الثاني من هذا العام، وذهب ضحيتها أكثر من 70 شخصاً، من بينهم أطفال ونساء. كما تمّ خطف العشرات. ونفى المكتب الإعلاميّ لقوّات الحشد الشعبيّ في ديالي نسبة الجريمة إليها، وأسندها إلى مقاتلي تنظيم الدولة الإسلاميّة، مطالباً بفتح تحقيق قضائيّ شامل في الموضوع لتتجلّى الحقائق.

ودعا المتحدّث باسم السيّد السيستاني، السيّد أحمد الصافي، إلى إجراء تحقيق وإتّخاذ تدابير صارمة ضدّ الفاعلين والمنع من حدوث حالات مشابهة. كما أنّ رئيس الوزراء حيدر العبادي أعلن عن تشكيل لجنة للتّحقيق في الموضوع، معتبراً أنّ من يقومون بهذه الجرائم هم "خارجون عن القانون ويمثّلون أجنداتهم" لتقسيم العراقيّين.

ولم تنحصر الانتهاكات المنسوبة إلى الحشد الشعبيّ في المناطق العسكريّة، بل شملت أيضاً مناطق في بغداد، حيث تفجّرت اشتباكات وحدث تبادل لإطلاق نار كثيف السبت في 31 يناير في منطقة الكرادة بين ميليشيا "كتائب حزب الله" ومسلّحين منتمين إلى جهات أخرى من الحشد الشعبيّ، إثر خلافات داخليّة، أعقبت اختطاف الأمين العام للكتائب عباّس المحمداوي من قبل جهات مجهولة.

وقد أعلن رئيس الوزراء العبادي في اليوم نفسه خمس مناطق من بغداد، الكاظميّة والأعظميّة والمنصور والكرادة والسيديّة مناطق منزوعة السلاح تماماً. كما أمر برفع حظر التّجوال الليليّ المفروض منذ سنوات في عموم مناطق بغداد، وذلك في خطوة لتقليص المظاهر المسلحة في العاصمة.

وما ينقص هذه الإجراءات هو التنظيم الشامل لقوّات الحشد الشعبيّ والميليشيات المشاركة مع الجيش العراقيّ تحت إدارة حكوميّة كاملة، بحيث يمنع التصرّفات غير المسؤولة ويضع تلك القوّات أمام المساءلة القضائيّة مباشرة ومن دون الحاجة إلى تشكيل لجان تحقيق، خصوصاً بعد كلّ حادث.

ورغم أنّ الوضع الحرج العراقيّ في صراعه مع الدولة الإسلاميّة لا يستغني عن القوّات الشعبيّة غير المنتظمة، ولكن استمرار عملها في شكل عشوائيّ سيؤدّي إلى تشديد التّقسيم الطائفيّ وتقوية موقف الدولة الإسلاميّة الّتي تعيش وتتمدّد على البؤر الطائفيّة.

 

  كلمات مفتاحية

العراق قوات الحشد الشعبي تنظيم داعش البؤر الطائفية الانتهاكات الجيش العراقي

قوات «الحشد الشعبي» في حاجة إلى رقابة حكومية شاملة

«السيستاني» يشيد بانتصارات الجيش العراقي وقوات «الحشد الشعبي»

الأنبار تشعر بـ”القلق“ من وجود قوات «الحشد الشعبي» على أرضها

«عشائر الأنبار»: الحكومة توفر كل الدعم لميليشيات «الحشد الشعبي» ودعمها للعشائر ”مخجل“

إيران تعرض دعمها للمناطق العراقية التي انتزعتها ميليشيا «الحشد الشعبي» من «الدولة الإسلامية»

عشائر سنية عراقية تجري مباحثات في واشنطن وتطالب بالتحقيق في انتهاكات «الحشد الشعبي»

العراق.. اتهامات لـ«الحشد الشعبي» الشيعي بهدم مساجد سنية

قوات «الحشد الشعبي» في حاجة إلى رقابة حكومية شاملة

ميليشيات الحشد الشعبي.. القتل والإرهاب