يشعر المسؤولون في محافظة الأنبار بـ”القلق“ من انفلات عناصر قوّات «الحشد الشعبي» وقيامها بعمليّات انتقام طائفيّة ضدّ سكان المحافظة، الّتي يقع نحو 80% من مساحتها تحت سيطرة تنظيم «الدولة الإسلامية» المعروف بـ«داعش».
وقد تشكّلت قوّات «الحشد الشعبي»، بعد سقوط مدينة الموصل في العاشر من يونيو/حزيران من العام الماضي، بعد صدور فتوى المرجع الدينيّ الأعلى للشيعة علي السيستاني بـ"الجهاد الكفائيّ"، وتضّم القوّات مجموعة من الميلشيات الشيعيّة الّتي يتلقّى بعضها دعماً مباشراً من إيران.
وقد أثار قتل عناصر من «الحشد الشعبي»، في 6 شباط الماضي، لاثنين من أبناء عشائر محافظة الأنبار في منطقة السجاريّة في شرقيّ الرماديّ، ردود فعل غاضبة من حكومة الأنبار المحليّة والعشائر المساندة للقوّات الأمنيّة.
ويقدّر عديد قوّات «الحشد الشعبي» في الأنبار بنحو 3 آلاف مقاتل، ويتركّز وجودهم في ناحية عامريّة الفلّوجة التّابعة لقضاء الفلّوجة، إضافة إلى نقاط عسكريّة عدّة تتمركز فيها القوّات الأمنيّة العراقيّة في الأنبار.
وقال عضو مجلس محافظة الأنبار عذال الفهداوي: "إنّ الكثير من مقاتلي العشائر في الرماديّ ومسؤولي المحافظة راغبين في دخول الحشد الشعبيّ لمساعدتنا في حربنا ضدّ (داعش)، ولكن إذا كانت هناك عمليّات انتقاميّة أو بعض الاستفزازات من قبل الحشد الشعبيّ، عندها سيتسبّب ذلك بمشاكل إضافيّة نحن في غنى عنها".
وألمح الفهداوي، في حديث لـ«المونيتور»، إلى وجود «حذر من الحشد الشعبي»، مشيراً إلى أنّ "هناك رغبة أكبر من الحذر للتخلّص من (داعش) في المحافظة"، وقال: "إنّ الأمر يحتاج إلى توصيات لجعل الحشد الشعبيّ تحت إمرة قيادة عمليّات الأنبار، وعندها سندعمهم بكلّ ما يحتاجون".
ووفقاً للفهداوي، فإنّ "الكفّة في الأنبار تميل للمرحّبين بالحشد الشعبيّ بين مقاتلي العشائر على المعارضين لدخوله إلى المحافظة"، مشيراً إلى أنّ "هناك تنسيقاً بين العشائر والحشد، وتوجّه وفد من شيوخ الأنبار، والتقى قيادات من الحشد الشعبيّ، وكانت هناك غرفة عمل بهذا الشأن".
ولفت الفهداوي إلى أنّ "تحرّكات الحشد الشعبيّ ليست مفتوحة في المحافظة، فهناك محاور محدّدة، خصوصاً في مناطق السجاريّة والحوز والجزيرة في الرماديّ والجسر اليابانيّ من جهة الصقلاويّة في شمال الفلوجة لأنّها أكثر المناطق سخونة وخطورة".
ولا يشذّ نعيم الكعود، وهو أحد شيوخ عشيرة البو نمر الّتي تقاتل بجانب القوّات الأمنيّة العراقيّة، عن موقف الفهداوي، إذ أكّد "عدم وجود مشاكل مع الحشد الشعبيّ في الأنبار".
وقال الكعود، الّذي قُتل من أبناء عشيرته نحو 500 مقاتل على يدّ "داعش": "إنّ ما حصل في بعض المناطق من مشاكل يمكن أن تكون من بعض العناصر الخارجة عن الحشد الشعبيّ".
ولفت إلى "أنّ هناك تنسيقاً بين قوّات الحشد الشعبيّ وأبناء العشائر"، إلاّ أنّه وصفه بـ"المستوى غير المطلوب"، وقال في حديث إلى "المونيتور": "في الأنبار هناك رجال قادرون على تطهيرها، فأنا لست هنا ضدّ الحشد، وإنّما هناك رجال في الأنبار متطوّعون وقادرون على تحريرها من داعش لكنّهم في حاجة إلى التّسليح".
والحال، فإنّ المرحبين بـ"الحشد الشعبيّ" في الأنبار ليست لديهم خيارات أخرى في مقابل تمدّد تنظيم "داعش" على مساحة المحافظة، فضلاً عن محاولاته المستمرّة للسيطرة على مدينة الرماديّ، وهي مركز محافظة الأنبار ويتركّز فيها وجود الحكومة المحليّة.
وسأل الكعود: "لماذا لا تقوم الحكومة بتسليح أبناء العشائر؟"، وقال: "يعتقد البعض أنّ جهات معيّنة تريد الحشد الشعبيّ فقط أن يشارك في تطهير المحافظة، والقسم الآخر يعتقد أنّ هناك جهات تريد أن تبقى المحافظة تحت سيطرة داعش".
وبات مطلب تسليح أبناء العشائر لطرد "داعش" من الأنبار ملحّاً، لا سيما أنّ أغلب الواجهات القبليّة تؤكد أنّها تعاني نقصاً في السلاح والذخيرة مقابل أسلحة "داعش" الثقيلة الّتي "غنمها" من الجيش العراقيّ بعد تركه لنقاط عدّة كان يسيطر عليها.
وفي بيان علّق على حدث مقتل الرجلين من عشائر الأنبار، قال رئيس مجلس محافظة الأنبار صباح كرحوت: "إنّ المجلس لم يطالب بدخول قوّات الحشد الشعبيّ إلى الأنبار، ولكن طالب الحكومة المركزيّة والقيادة المركزيّة بدعم المحافظة للخلاص من هذه الفتنة ومن تنظيم داعش الإرهابيّ".
ودعا كرحوت، في بيان، وزارة الدفاع إلى "أن تكون أيّ قوى تأتي إلى الانبار تحت الغطاء الحكوميّ والقوّات الأمنيّة في محافظة الأنبار"، مشدّداً على أنّ "هناك ثورة من الأنبار وعشائرها لمواجهة (داعش)، ولكن هذه الثورة في حاجة إلى مقوّمات"، وقال: "إنّ أي تدهور أمنيّ يحصل في الأنبار تتحمّله الحكومة المركزيّة بسبب عدم وجود أسلحة كافية لأبناء العشائر والقوّات الأمنيّة". وشدّد على ضرورة "زيادة حصّة الأنبار من الدّعم بالأسلحة والعتاد لمواجهة خطر التّنظيم الإرهابيّ".