أسواق النفط الحالية لا تعكس الواقع الحقيقي

الأحد 22 فبراير 2015 06:02 ص

غالباً ما تتم مقارنة أزمة النفط القائمة حالياً مع أزمة فائض المعروض لأعوام الثمانينات من القرن الماضي. إلا أن العرض والطلب بات أكثر توازناً مما كان عليه خلال سنوات العقد الماضي عندما كانت أسعار الخام أعلى. وبالمقارنة مع كميات الخام التي تدفقت على الأسواق خلال عام 1985 لا تعدو إمدادات اليوم كونها موجات على سطح بحر.

والعالم اليوم متعطش للنفط. ويقدر كبار المحللين أن طلب العالم عليه بين اليوم وعام 2020 سوف يرتفع بنسبة 10% على الأقل.

ويراقب كبار التنفيذيين في شركات النفط تراجع أسعار الخام وتتصف ردة فعلهم المتمثلة في خفض الاستثمار في مشاريع جديدة بشيء من التسرع. وتقدر شركة "ماكنزي" حجم التراجع في الاستثمار بمشاريع نفطية في مختلف أنحاء العالم بنحو 100 مليار دولار عام 2015. وقد استغنت شركات خدمات حقول النفط عن آلاف الموظفين العام الماضي ما يعني تراجعاً حاداً في الطلب على خدماتها. وهذا يعني أن العرض سوف يتقلص ليعيد التوازن إلى أسواق النفط العالمية في أقل من عام.

وكان الاستثمار في حقل نفط عام 1985 مجدياً في حال بيع البرميل بسعر يتراوح بين 20 و30 دولاراً. أما اليوم فقسم كبير من النفط الذي يرد إلى الأسواق مستخرج من حقول عالية التكلفة لا يقل السعر المجدي فيها للبرميل عن 60 دولاراً وحتى مئة دولار.

ولو تأملنا مكونات السوق الأساسية لوجدنا أن الأسعار سوف ترتد قريباً إلى ما بين 60 و80 دولاراً ما يجعل الاستثمار في الحقول مجدياً. أما إذا تعرضت الأسواق للتخريب وطال أمد الارتداد أكثر مما ينبغي فسوف تكف الكثير من الشركات الحالية عن العمل وبالتالي يقفز سعر البرميل إلى 90 دولاراً أو 110 دولارات وأكثر.

وفي أسواق النفط العالمية المشوهة حالياً لا تعكس الأسعار الواقع الحقيقي. فهذه الأسواق تحركها أنشطة المضاربة المالية التي تتجاوز حجم التداول الفعلي في عمليات العرض والطلب اليومية. وغالباً ما تنشئ أسواق المال فقاعات اقتصادية لا تنفك أن تنفجر. وقد شهدنا سابقاً انفجار فقاعة الدوت كوم وفقاعة الرهن العقاري. أضف إلى ذلك أن تلك الأسواق عرضة للتلاعب المستمر. ولم يغب عن ذهننا تلاعب مجموعة البنوك العالمية بمعدلات أسعار الفائدة بين بنوك لندن "ليبور" وتلاعبها بأسعار الذهب.

وقد يكون الحل في تشديد القيود على الأسواق. ولجأت الولايات المتحدة إلى حظر تصدير النفط الخام على مدى أربعة عقود ما منح شركات التكرير الأمريكية ميزة تنافسية أمام منافساتها الأوروبيات. كما خرب نظام الضريبة في الاتحاد الأوروبي الذي يفرض ضرائب على المنتجات ذات الصلة بمشتقات النفط، أسواق استهلاك النفط. وفي الوقت نفسه أثر فرض العقوبات على إيران في توازن العرض والطلب في الأسواق العالمية.

وعلى المدى البعيد يلحق فرض العقوبات على روسيا الضرر بإمدادات الطاقة في أوروبا. وتتغير معادلات تداول وتجارة النفط تبعاً للأنظمة الضريبية المفروضة بين هذا البلد أو ذاك ولعل هذا ما يفسر الفوارق بين هيكلية السوق الأمريكي ونظيره الأوروبي.

إذاً يبقى سوق النفط العالمي، إن كان هناك سوق عالمي أصلاً، رهناً بتقلبات تلك العوامل سواء منها الفقاعات المالية أو احتكار السوق والتلاعب به أو القوانين الناظمة لعمله والتي تختلف من منطقة لأخرى. وهناك ما يشبه السوق : لدينا مشترون وباعة وأسعار لكنهم يؤدون مشهداً استعراضياً.

ما الذي ينبغي عمله؟ أولاً يجب ألا يمنح اللاعبون الماليون فرصة التأثير القوي في اسعار النفط. وقد دعا اثنان من أعضاء الكونغرس الأمريكي إلى وضع قوانين لضبط التلاعب بالأسواق. لكن متى يتم وضع تلك القوانين وإلى أي مدى يمكن تطبيقها تبقى في علم الغيب.

وفي العديد من الحالات ينبغي على السلطات المختصة أن تلعب دوراً أكبر كي تضمن وجود نسبة 10 إلى 15% من النفط المتعاقد عليه مادة خام موجودة في السوق. أما اليوم فكل عقود النفط في العالم تتم بين مضاربين مالياً لا يتداولون أي شيء سوى عقود تنظم إلكترونياً أو أسعار ترسم على الورق.

نحن أيضاً بحاجة إلى تحرك دولي يفرض مزيداً من الشفافية على البورصات لمنع التلاعب بالأسعار، شبيه بتلك الإجراءات التي تم اتخاذها لضبط التلاعب بالليبور.

ولا شك في أن تشارك معلومات السوق مثل حجم الإنتاج والاستهلاك وشروط التسعير والتعاقد، سوف يجعل من الصعب على المتلاعبين التحكم بالأسواق. لا بد من التأكد من عدم وجود تضارب في المصالح بين المحللين الذي يوجهون مصارف الاستثمار العالمية.

بقي أن سوق النفط النموذجي هو المكان الذي تعكس فيه الأسعار حجم العرض والطلب وهو الذي يضمن مصالح المنتجين والمستهلكين على السواء. وعليهم العمل معاً لبناء هذا السوق.

* إيغور سيشين رئيس شركة "روس نفط" الروسية. 

  كلمات مفتاحية

سوق النفط النموذجي المنتجون المستهلكون العرض الطلب أزمة النفط الخام سعر الجدوى حقول عالية التكلفة

بريتش بتروليوم: «أوبك» تستعيد مكانتها بحلول 2030 مع تباطؤ النفط الصخري الأمريكي

الأزمات الاقتصادية وإيرادات النفط

«فورين بوليسي»: ثورة النفط الصخري تحطم قواعد اللعبة

تضارب المصالح بين مجموعتين من دول النفط وراء انخفاض الأسعار

كيف أثرت منافسات الجغرافيا السياسية على أسعار النفط؟

عصر النفط الرخيص .. الخليج يريد تركيع أميركا 

توقعات بنمو اقتصاد دول منظمة التعاون الإسلامي بمعدل 5.4% خلال 4 سنوات

«بلومبيرج»: دول الخليج أضاعت فرصة ذهبية لإنهاء اعتمادها على النفط

أسواق النفط إلى أين؟

مسؤول سعودي: أسواق النفط العالمية بحاجة لقيادة واضحة