«بلومبيرج»: دول الخليج أضاعت فرصة ذهبية لإنهاء اعتمادها على النفط

الخميس 12 مارس 2015 12:03 ص

يُشبّه «سالم بن ناصر العوفي» - وكيل وزارة النفط والغاز في سلطنة عُمان - محاولات خفض الاعتماد على النفط خلال تراجع السعر بالعمل «وكأن مسدسًا مُوجهًا صوب رأسك».

وأضاف «العوفي» - خلال حلقة نقاشية عُقدت في مسقط يوم الثالث من مارس الجاري حول تأثير صدمة النفط - إنه في حالة اضطرارك لاتخاذ قرارات تحت ضغط «فمن المحتمل أن تكون القرارات المُتخذة خاطئة بدرجة كبيرة». وتابع مُشيرًا إلى أن سلطنة عُمان اعتمدت كثيرًا على العائدات من صادرات النفط الخام عندما كانت الأسعار عالية.

وليست عمان هي الوحيدة في هذا السياق، فمعظم الدول العربية الخليجية الصغيرة لم تقم سوى بجهد محدود لخلق مصادر بديلة للدخل خلال فورة الإنفاق على مدار عقود طويلة ملأت مدنهم بالأبراج المُتلألئة بالأنوار ومشروعات النصب التذكاري مثل الجزر الصناعية. لقد فاتتهم فرصة أفضل سنحت لهم للخروج من فخ التبعية؛ كما فعلت ماليزيا والمكسيك.

لقد جمعت الملكيات في المنطقة تريليونات الدولارات في صورة احتياطيات وصناديق ثروة سيادية، واستحوذت على حصص في شركات من بنك «باركليز» وحتى شركة «جنرال إلكتريك». وسوف يُؤدي الانخفاض طويل الأمد في الأسعار إلى تآكل المخزونات المالية، وربما يجبرهم على تغيير استراتيجيات الإنفاق؛ وفقًا لما ذكرته «موديز» لخدمات المُستثمرين و«إتش إس بي سي» القابضة. الحكام الذين يسعون لدرء أي تكرار للاضطرابات التي أطاحت بعدة أنظمة عربية في عام 2011 سوف يكون لديهم عائدات أقل لتوزيعها بين السكان الذين ينمو عددهم بسرعة.

عجز مُوازنة

«عند سعر 60 دولارًا للبرميل، فإن النموذج القديم لتوليد نمو اقتصادي من خلال مستويات أعلى من الإنفاق العام لا يمكن أن يكون أمرًا مستديمًا»؛ بحسب «سايمون وليامز» - كبير الاقتصاديين في وسط وشرق أوروبا والشرق الأوسط في إتش إس بي سي - في مقابلة عبر الهاتف. وتابع: «العجز سيرتفع، وسيتراجع نمو الإنفاق، وستُصاب الاقتصادات بالبطء». وتراجعت أسعار خام برنت ما يقرب من 50% منذ يونيو إلى أقل من 60 دولارًا للبرميل يوم الأربعاء.

وسوف تعلن دول مجلس التعاون الخليجي الست عجز ميزانية مُشترك بأكثر من 6%  من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، مقارنة مع فائض تجاوز 10% في السنوات الأخيرة؛ بحسب ما أظهرته بيانات صندوق النقد الدولي. وسيتباطأ معدل النمو إلى 3.4% مقابل 3.7% في عام 2014.

وتجعل الاضطرابات في الشرق الأوسط التغييرات الكاسحة في السياسة الاقتصادية أكثر صعوبة. وتكافح دول مجلس التعاون الخليجي - الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة - لاحتواء نفوذ إيران، ومواجهة التهديدات الجديدة من صعود الدولة الإسلامية في سوريا والعراق.

«وتميل أنظمة مثل هذه إلى عكس المخاطرة، لكن البيئة السياسية الإقليمية من المحتمل أن تكون مصدر خوف وقلق بالغ للحكومات من اتخاذ إجراءات عاجلة» بحسب «كريسبين هاويس» - العضو المنتدب لشركة أبحاث تينيو إنتلجنس في لندن – والذي تابع «إن البيئة ليست مستقرة بما فيه الكفاية للسماح بإصلاحات هيكلية عميقة».

اضطراب إقليمي

واستجابت الحكومات للربيع العربي بزيادة الإنفاق على الأجور في القطاع العام والإعانات والدفاع. وركزت الاستثمارات على البنية التحتية، ومعظمها لم تخلق مصادر بديلة للعملة الأجنبية؛ وفقًا لدراسة صندوق النقد الدولي في ديسمبر. ولا يزال النفط يمثل ما يقرب من 90% من العائدات في المملكة العربية السعودية؛ أكبر مُصدّر للنفط في العالم.

وقال صندوق النقد الدولي إن خفض الاعتماد على النفط «أمرٌ صعب للغاية»، ويعتمد عادة على السياسات المُطبقَة التي وضعت محل التنفيذ قبل أن يتعرض الدخل لصدمة الأسعار. وأشار الصندوق أن ماليزيا وإندونيسيا والمكسيك من بين البلدان التي حققت نجاحًا.

وتشمل الاستثناءات دُبي - موطن أكبر شركة طيران في المنطقة فضلاً عن كونها مركز مالي – على الرغم من أن نموذجها قد يكون من الصعب على دول الخليج الأخرى تكراره. وبالنسبة لمستثمري الأسهم؛ فإن النتيجة هي تحول الأسواق الخليجية لما يشبه كونها وكيلاً للنفط منذ عملية الركود.

إنه «تحول ملحوظ»؛ بحسب وجهة نظر «سايمون كيتشن» المحلل الاستراتيجي لدى المجموعة المالية هيرميس في القاهرة.

وعي أكثر

وأضاف «كيتشن» عبر الهاتف إن المستثمرين «أكثر وعيًا بكثير الآن بأسعار النفط بشكل ملحوظ عن ذي قبل. قبل التراجع بهذه الوتيرة السريعة كان الارتباط بين هذه الأسواق وأسعار النفط سلبيًا، ما أثار توقعات بأن هناك عملية تراجع للنفط تتشكل في الخلفية».

لقد صعدت الآن إلى المقدمة وباتت على السطح. وفي الربع الأخير من عام 2014م؛ انخفض مؤشر «بلومبيرج لدول مجلس التعاون الخليجي 200» بنسبة 18%، وهو أكبر انخفاض فصلي منذ عام 2008، وتقريبًا أربعة أضعاف الانخفاض في مؤشر «إم إس سي آي» للأسواق الناشئة خلال نفس الفترة.

وخفّض «ستاندرد أند بورز» الشهر الماضي التصنيف الائتماني لسلطنة عمان والبحرين. كما غيّر التوقعات بالنسبة للمملكة العربية السعودية إلى سلبية، وقال إن المملكة قد تفقد تصنيف «AA» الخاص بها - إذا حدث هناك انخفاض في «الأصول السائلة» في البلاد.

استثناء رئيسي

وتشير دول الخليج إلى التوسع في الاقتصادات غير النفطية على مدى العقد الماضي. واعترفت دراسة أجراها صندوق النقد الدولي بهذا النمو كما جذبت الانتباه أيضًا إلى حدوده.

وأضاف الصندوق: «لقد زادت حصتها من الناتج غير النفطي في الناتج المحلي الإجمالي بشكل مطرد، ولكنه يرتبط ارتباطًا وثيقًا بأسعار النفط. التقدم مع تنويع الصادرات يد هو العنصر الأساسي لتحقيق النمو المستدام، وهو أمر لا يزال محدودًا».

وقال صندوق النقد الدولي إن الاستثناء الرئيسي يوجد في دولة الإمارات العربية المتحدة؛ حيث خالفت دبي هذا الاتجاه من خلال تطوير صادرات الخدمات، وزيادة التصنيع خارج صناعة المواد الكيميائية، والتحول إلى اقتصاد حديث.

ولا يمكن أن يكون نجاح دبي نموذجًا مُباشرًا لأقرانها في الخليج؛ وذلك لأن هناك مجال لمحور إقليمي واحد في المجالات التي تتفوق فيها؛ بحسب ما ذكره «جيم كرين»؛ الزميل بمعهد بيكر للسياسة العامة بجامعة رايس بالولايات المتحدة، ومؤلف كتاب «مدينة الذهب، دبي وحلم الرأسمالية».

المحرك الأول

وتحدث «كرين» بأن «دُبي استفادت من المحرك الأول في السوق في شركات الطيران والخدمات المالية والشحن وحتى الصناعات الخفيفة»، في حين أن حكومات أخرى «اضطرت للعثور على قطاع لم تسعَ إليه دبي بالفعل».

ويوصي صندوق النقد الدولي بخطوات لتشجيع الصادرات والصناعة التحويلية، ودعم الطاقة، وخفض الوظائف الحكومية التي تعمل كرادع لريادة الأعمال. وهذا لن يكون سهلاً بالمرة. فلقد رفعت الكويت تكلفة الديزل والكيروسين في يناير فقط لتخفض بعض الزيادة في وقت لاحق بعد شهر من المعارضة الداخلية. وقال وزير المالية «أنس الصالح» إنه من المتوقع أن يكون هناك رد فعل عنيف. وأضاف «نحن نفعل ذلك بطريقة حكيمة». ولم تتحرك المملكة العربية السعودية نحو تبني خطوة مماثلة إلى الآن.

«ويمكن للشركات السعودية أن تتكيف مع أسعار طاقة معقولة داخل المملكة، ولكنها ستضطر إلى  خفض تكاليف التشغيل - مثل العمالة - وأن تصبح أكثر كفاءة»؛ بحسب «مطلق المريشد» رئيس المكتب التنفيذي لشركة التصنيع الوطنية التي تبلغ قيمتها السوقية حوالي 18 مليار ريال (ما يعادل 4.8 مليار دولار) والذي التقت به بلومبيرج في مكتبه.

ويمكن لانتعاش أسعار النفط أن ينقذ اقتصادات الخليج من المأزق. وتأتي بعض إيرادات الطاقة أيضًا من عقود طويلة الأجل، ما يجعل دول مثل قطر - أكبر مُصدّر للغاز الطبيعي المسال في العالم - أقل عرضة للمخاطر.

وقال «حاتم الشنفري» - عضو بمجلس محافظي البنك المركزي العماني – خلال مقابلة معه في مسقط إن أسعار النفط حينما كانت مرتفعة فإنها كانت «نعمة ونقمة» في آنٍ واحد. وأردف مُبينًا «لقد حققنا الكثير من التقدم في المؤشرات الاجتماعية بسبب الإنفاق النفطي؛ وهذا هو الجانب الإيجابي. أما الجانب السلبي فإننا وصلنا لمرحلة إدمان، ومن ثمّ فإننا لم نبتعد عن الحالة التي بدأنا من عندها قبل عقود عديدة، وها نحن لم نتحرك كثيرًا إلى الأمام».

  كلمات مفتاحية

انخفاض أسعار النفط النفط التعاون الخليجي أزمة النفط أسعارالنفط

خبراء: مشروعات الطاقة في الخليج لن تتأثر بهبوط أسعار النفط

في أسباب وتجليات انخفاض سعر النفط

«مجلس العلاقات الخارجية»: خمسة دروس نتعلمها من تهاوي أسعار النفط

أسواق النفط الحالية لا تعكس الواقع الحقيقي

الأزمات الاقتصادية وإيرادات النفط

«فورين بوليسي»: ثورة النفط الصخري تحطم قواعد اللعبة

«واشنطن بوست»: هل تدفع هزة النفط الأخيرة السعودية إلى تنويع اقتصادها؟

محلل إسرائيلي: «ربيع النفط» سيضع نهاية لنفوذ دول الخليج بعد انهيار الأسعار

«فورين بوليسي»: هل يُنهي ”النفط الرخيص“ عصر ”الطاقة الرخيصة“ في الشرق الأوسط؟