«فورين بوليسي»: هل يُنهي ”النفط الرخيص“ عصر ”الطاقة الرخيصة“ في الشرق الأوسط؟

السبت 14 مارس 2015 10:03 ص

يبدو أن انخفاض أسعار النفط يُقدّم فرصة ذهبية لدول الشرق الأوسط للتخلص من دعم الطاقة المحلية المُكلِف دون المخاطرة بمواجهة غضب شعبي. ويمكن لذلك أن يحقق الكثير من الفوائد على الفور عن طريق حشد ميزانيات مُتفاوتة على المدى الطويل من خلال المساعدة في توفير موارد الطاقة المُخصصة للتصدير.

ولكن في المنطقة، حيث لا يزال سخاء الحكومة أحد الجزرات القليلة الملموسة التي تستخدمها العديد من الأنظمة، فقد يكون هناك مجال مناورة أقل بكثير مما قد يعتقده المصرفيون الدوليون ومحللو الائتمان. وعانت مصر والأردن من احتجاجات عامة في السنوات الأخيرة عندما بدأت عملية تراجع دعم الطاقة. وخلال هذا الأسبوع؛ عادت مشكلة نقص الوقود لتطفو مُجددًا على السطح في مصر، وأرجع مسؤولون حكوميون الطوابير الطويلة والغضب المحدود في محطات الوقود إلى انتشار شائعات تتعلق بارتفاع أسعار الوقود. وتعاني الإمارات العربية المتحدة بالفعل من زيادة معدل التضخم بعد أن رفعت أبوظبي أسعار الطاقة.

وهذا يعني أن الحكومات في المنطقة تحتاج إلى التعامل بحذر؛ لأنها تعمل على تقليص الإعانات التي يصل إجماليها إلى مئات المليارات من الدولارات كل عام.

وربما لا يزال هناك متسع من الوقت المناسب أمام الأنظمة لتحاول. وتراجعت أسعار النفط الخام نحو 50% منذ الصيف الماضي، وتستقر الآن حول معدل 50 دولارا للبرميل في الولايات المتحدة و60 دولارا للبرميل في لندن. ويسمح ذلك لكل من الدول المصدرة للنفط مثل السعودية والمستوردة له مثل مصر وقف الدعم المُكلِف دون استثارة الغضب الشعبي على شاكلة احتجاجات الخريف الماضي التي ساعدت في الإطاحة بحكومة اليمن. ويبقى إزالة بعض الدعم أكثر سهولة وأخف وطأة على المستهلكين في حالة أن أسعار الطاقة رخيصة عالميًا. ومن السهل إقناع الحكومات أن تتصرف عندما تكون ميزانياتها الخاصة تحت حصار انخفاض الأسعار.

«سوف تؤدي زيادة وتيرة عدم السيطرة على العبء المالي لدعم الطاقة في السنوات الأخيرة إلى حتمية الإصلاحات بشكل ملحوظ في عدد كبير من اقتصادات دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا»؛ بحسب ورقة نشرتها «لورا الكثيري» و«بسام فتوح» من معهد أوكسفورد لدراسات الطاقة في بريطانيا الشهر الماضي. وأشارت وكالة موديز للتصنيف إلى أن انخفاض سعر النفط يقدم فرصة للعديد من الحكومات في المنطقة لتغيير خطط الدعم عالي التكلفة.

وفي الواقع؛ هناك محاولات من بلدان عدّة لتقليص الدعم بالفعل. ولقد اتخذت دول الخليج العربي خطوات لرفع أسعار الكهرباء (الإمارات العربية المتحدة)، ووقود الديزل (قطر والكويت)، والغاز الطبيعي (عمان والبحرين). وقامت «إيران» فقط بزيادة أسعار الوقود المحلي مرة أخرى. ورفعت مصر أسعار الوقود خلال الصيف الماضي. وتبذل الأردن جهودًا لزيادة أسعار الوقود والكهرباء. كما تضاعف دول في شمال إفريقيا - مثل المغرب وتونس - أيضا خطوات جعل المستهلكين يدفعون شيئًا أقرب إلى أسعار السوق مقابل الحصول على الطاقة.

وتتشكل الآن القوة الدافعة للإصلاح؛ لأن تكلفة الدعم ضخمة للغاية. ويتكلف البنزين في محطات التعبئة حوالي 0.60 دولارا للجالون في المملكة العربية السعودية، و0.80 دولارا للجالون في الكويت، وفي دول أخرى في الخليج حوالي دولار واحد للجالون. متوسط أسعار الكهرباء في المملكة العربية السعودية هو جزء بسيط مما تتكلفه الطاقة في أوروبا أو الولايات المتحدة. ويقدر صندوق النقد الدولي أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تدعم الطاقة بأكثر من 8% من الناتج المحلي الإجمالي الإقليمي في السنة، أو أكثر من 230 مليار دولار في 2011. وتسبب انخفاض السعر بالفعل في خفض فاتورة الدعم نوعًا ما محققًا حوالي 200 مليار دولار سنويًا.

لقد بات إصلاح الدعم المستمر أمرا مُلحا بالنسبة للدول التي تستورد الوقود، وكذلك تلك التي تصدره. قبل ارتفاع أسعار الوقود بقوة في الصيف الماضي، ذهب ما يقرب من ثلث ميزانية مصر إلى دعم الوقود والطاقة. وهذا يجعل من الصعب الاستثمار في أشياء مثل البنية التحتية والتعليم.

وبالنسبة للبلدان المصدرة للنفط - والتي تضررت ميزانياتها بشدة من انخفاض أسعار النفط الخام – فإن كبح جماح الدعم عالي التكلفة يُعدّ أحد وسائل تجنب عجز أكبر. وحث مسؤولو صندوق النقد الدولي في عمان خلال الأسبوع الماضي الحكومة على تكثيف عملياتها لإصلاح دعم الطاقة لوقف النزيف المالي. وخفضت الكويت فقط الإنفاق المُحدد في الميزانية المقبلة بنسبة 18%، إلا إنها لا تزال تواجه عجزًا واسع النطاق.

وبالنسبة للبلدان المصدرة للطاقة، فإن انخفاض الأسعار بمثابة طريقة أخرى للحد من استهلاك الطاقة المحلية، ما يهدد بالتهام موارد القيمة التي يمكن تصديرها بدلاً من ذلك.

وعلى الرغم من كل هذا، فإنه من الصعب إجراء إصلاح الدعم بنجاح؛ ويرجع السبب في ذلك إلى مجموعة من العوامل: منها أن الطاقة الرخيصة تُعتبر واحدة من عدد قليل من الفوائد الحكومية التي تتمتع بها المجتمعات في جميع أنحاء المنطقة، والعديد من المواطنين ينظرون إليها كحق من حقوقهم الطبيعية. ولأن الأفضل حالاً (من يستهلك المزيد من الطاقة) يستفيد عامة أكثر من الفقراء، فإن الكثير من أصحاب المصالح الخاصة يحاربون الإصلاح.

وعندما يرى المواطن العادي أن أحد الجزارت القليلة سُلبت منه، فإن الغضب ستتصاعد وتيرته بسرعة. وكان أبرز وأحدث تلك الحالات ما حدث في اليمن؛ حيث انهارت الحكومة بسبب مسارعتها لتبني جهود فاشلة لكبح جماح دعم الطاقة فجأة وبدون سابق إنذار أو مقدمات. ونجح الحوثيون في الاستفادة من الاحتجاجات واسعة النطاق التي اندلعت ضد إصلاح الدعم الحكومي خلال أشهر الخريف الماضي، ومع وصول تلك الاحتجاجات إلى ذروتها سقطت الحكومة اليمنية.

وفي الواقع؛ فإنه بعد مرور أربع سنوات على اندلاع الاحتجاجات الشعبية التي أدت إلى الربيع العربي، فإن البلدان في المنطقة لا تزال تسعى لنزع أي فتيل مُحتمل للاضطرابات. وعلى الرغم من المخاوف بشأن تأثير النفط الرخيص على الميزانية الوطنية، فقد أمطر الملك الجديد في المملكة العربية السعودية مليارات الدولارات على موظفي الخدمة المدنية فور جلوسه على العرش؛ على سبيل المثال. وتبذل البحرين أقصى جهدها مرة أخرى للتصدي للاحتجاجات.

ومن جانبه، وصف «كريستوفر ديفيدسون» - خبير في شئون الشرق الأوسط في جامعة دورهام في المملكة المتحدة العقود الاجتماعية المعمول بها في العديد من هذه الدول بأنها «أحد ركائز الأنظمة الأساسية لإحكام السيطرة على السلطة في البلاد».

وحتى في الأماكن التي تترسخ فيها الديمقراطية، فإن الضغط للتخلص من برامج قائمة منذ عقود تحت مسمى ميزانيات صحية ليس في الموضع الصحيح. ففي تونس - حيث بدأ الربيع العربي - تخطط الحكومة لاسترضاء صندوق النقد الدولي عن طريق زيادة الضرائب وإصلاح قطاع الطاقة، ما أطلق موجة تذمر جديدة في الشوارع. وهذا يعطي القادة الأكثر استبدادًا شيئًا للتفكير فيه.

وقال «ديفيدسون»: «أتوقع أن نسمع الكثير من الأحاديث الصاخبة حول ضرورة الاستجابة لتحذيرات صندوق النقد الدولي والإصلاح، ولكننا لن نرى أي إجراء حقيقي من نُخبٍ مترددة بشكل صريح. إن الأنظمة لا تملك أي مساحة حقيقية كبيرة للمناورة».

  كلمات مفتاحية

انخفاض أسعار النفط دعم الطاقة النفط

«بلومبيرج»: دول الخليج أضاعت فرصة ذهبية لإنهاء اعتمادها على النفط

«فاينانشيال تايمز»: انخفاض أسعار النفط يترك دول الخليج أمام خيارات إصلاح صعبة

الذهب الأسود والبجعة السوداء

وول ستريت جورنال: أسواق الخليج تتعرض لهزة عنيفة بسبب تراجع أسعار النفط

«فورين بوليسي»: انخفاض أسعار النفط يضر الخليج وصناديق الثروة السيادية هي الحل

الطاقة الشمسية تسطع في سوق الطاقة العالمية