أميركا اللاتينية ونهاية الرأسمالية!

الثلاثاء 10 مارس 2015 06:03 ص

نُقل عن «خوسيه موخيكا»، رئيس أوروجواي المنتهية ولايته، أنه قال في الآونة الأخيرة إن الرأسمالية تحتضر. والمحزن بشدة في قوله هذا ليس أنه جاء في وقت بلغت فيه بورصة نيويورك ذروة عالية، بل إن الفكرة نفسها تتردد بسهولة على ألسنة كثير من رؤساء أميركا اللاتينية كما لو كانت حقيقة لا جدال فيها. ولا يكاد يمر يوم واحد إلا ويعلن فيه الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو ونظراؤه في الأرجنتين وإكوادور وبوليفيا ونيكاراجوا وعدد من الدول الأخرى نهاية الرأسمالية، أو أنها توشك على أن تلفظ أنفاسها الأخيرة. وقبل ذلك ومنذ بداية الستينيات والزعيم الكوبي فيدل كاسترو يعلن «الأفول الذي لا مفر منه للرأسمالية».

وقد نقلت وكالة «برينسا لاتينا» الكوبية الرسمية للأنباء عن «موخيكا» قوله لصحيفة «لو جورنادا» المكسيكية اليومية، إن «الرأسمالية منهكة»، ونص تصريحه الفعلي للصحيفة في 22 فبراير هو أن الرأسمالية «تبدو كما لو أنها قدمت كل ما لديها» ويرجح إحلال «الديمقراطية الاشتراكية» محلها. والمشكلة أنه بينما توشك الرأسمالية الأميركية الطراز على أن تبلغ ذروة القوة والعنفوان، يجلس كثير من رؤساء أميركا اللاتينية دون أن يحركوا ساكناً وهم ينتظرون موتها. بينما تحقق الصين والهند وفيتنام وكل دول آسيا تقريباً نمواً وتقلص الفقر بمعدلات قياسية وقد نجحت في ذلك تحديداً منذ اتبعت النهج الرأسمالي في ثمانينيات القرن الماضي.

وربما يجب وضع الخبر الخاص بقيمة شركة «آبل» في السوق في الآونة الأخيرة داخل لوحة بإطار مُبرْوز وتقديمها لزعماء أميركا اللاتينية. ويجب على هؤلاء الرؤساء تعليقها على جدران مكاتبهم ليذكروا أنفسهم دوماً بما يدور في العالم من حولهم. فقد أشارت قصة إخبارية يوم 11 فبراير أن شركة «آبل» حققت قيمة قياسية في السوق بلغت 710 مليارات دولار. وبناء على بيانات للبنك الدولي، فإن قيمة «آبل» في السوق أكبر من الإنتاج المحلي الإجمالي للأرجنتين البالغ 610 مليارات دولار، وفنزويلا 483 مليار دولار، وكولومبيا ويبلغ 378 مليار دولار، وتشيلي 277 مليار دولار، وبيرو ويبلغ 203 مليارات دولار.

ورؤساء الإكوادور وأوروجواي وبوليفيا يجب أن يكونوا هم أول من يعلق قصاصات هذه القصة الإخبارية على جدران مكاتبهم. فـ«آبل» وحدها تساوي سبعة أمثال الإنتاج المحلي الإجمالي للإكوادور البالغ 94 مليار دولار، و12 مثلًا للإنتاج المحلي الإجمالي لأوروجواي البالغ 55 مليار دولار، و23 مثلًا للإنتاج المحلي الإجمالي لبوليفيا الذي يبلغ 30 مليار دولار. وما «آبل» في النهاية إلا شركة رأسمالية واحدة. وإذا لم يكن هذا كافياً لإقناعهم بأننا نعيش في عالم مختلف أصبح فيه التقدم التكنولوجي يتزايد ربحية بينما تتناقص أسعار المواد الخام وسلع التصنيع الأساسية لأميركا اللاتينية، فهناك الكثير من الأمثلة التي يمكن أن نتعلم منها أيضاً.

فلدينا مثال شركة «آبر» التي عمرها أربعة أعوام فقط والتي ابتكرت برنامجاً تطبيقياً للهواتف الذكية خاص بخدمة سيارات الأجرة وصلت قيمتها في السوق 41,2 مليار دولار وهو مبلغ أكبر من إجمالي العائدات السنوية للصادرات السنوية للنفط المكسيكي. وبرنامج «واتس آب» لتبادل الرسائل على الهواتف الذكية الذي دشنه شابان في العشرينات من عمرهما بيع العام الماضي مقابل 19 مليار دولار. وعلى رغم هذا ما زالت معظم دول أميركا اللاتينية تعتمد على صادراتها من المواد الخام وبضائع التصنيع الأساسية، ولم تستثمر في الابتكار والبحث والتطوير، بل تنتظر فحسب النهاية المحتومة للرأسمالية.

وتستثمر دول أميركا اللاتينية 0,8 في المئة فقط من الإنتاج المحلي الإجمالي في البحث وتطوير منتجات جديدة مقارنة مع المتوسط الدولي البالغ 2,1 في المئة بحسب بيانات للبنك الدولي. ولا عجب أن تنخفض نسبة صادراتها من البضائع المتقدمة تكنولوجياً من 20 في المئة عام 2000 إلى 10 في المئة حالياً من إجمالي الصادرات.

ويعتقد كاتب هذه السطور أن الرأسمالية أيضاً فيها الكثير من الأخطاء التي يجب تصحيحها ولكن على رؤساء أميركا اللاتينية التوقف عن الهراء الخاص بالحديث عن الموت الوشيك للرأسمالية، وأن يحذوا حذو الدول الآسيوية حتى يصبحوا أكثر تنافسية في الاقتصاد العالمي. ومع انخفاض أسعار المواد التي تصدرها أميركا اللاتينية حالياً، على الرؤساء الاهتمام بتحسين التعليم والابتكار والعلم والتكنولوجيا لتصدير بضائع أكثر تقدماً إلى أسواق العالم. فحديثهم الحالي عن انهيار الرأسمالية لا يساعد إلا في بث روح الدعة والخمول وبطء النمو الاقتصادي وزيادة معدل الفقر.

* أندريس أوبنهايمر، كاتب أرجنتيني متخصص في شؤون أميركا اللاتينية

  كلمات مفتاحية

أميركا اللاتينية نهاية الرأسمالية فنزويلا مادورو أسواق العالم النمو الاقتصادي الفقر

أميركا اللاتينية.. وظاهرة القروض الصينية

الرأسمالية والديمقراطية ليستا نهاية التاريخ

آفاق الاقتصاد العالمي في 2015

أميركا اللاتينية وتحديات 2015

ضحايا ”المغالطة“ الرأسمالية: معاناة سائقي سيارات الأجرة في الكويت

مافيا الاتحاد الأوروبي

الملك «سلمان»: نسعي إلى تنسيق مشترك في مواجهة خطر الإرهاب

أمير قطر يبدأ الأحد جولة في 3 دول بأمريكا اللاتينية

أمير قطر يبدأ من كوبا جولة في 3 دول بأمريكا اللاتينية

رئيس كوستاريكا يستقبل وزير الخارجية الإماراتي

التنمية والاستقلال الوطني

لماذا التفاهة؟

عجزة الرأسمالية أقوى من لوبياتها وشبابها

هل يتصدع الغرب الرأسمالي ويتفكك؟

أمير قطر يصل إلى الأرجنتين بعد زيارة لكولومبيا شهدت توقيع عدة اتفاقيات

أمير قطر ورئيس الأرجنتين يبحثان قضايا الشرق الأوسط ويشهدان توقيع مذكرات تفاهم