على الطريقة المصرية: عدوى قمع الاحتجاجات السلمية تنتقل إلى الكويت

الأربعاء 25 مارس 2015 09:03 ص

خلال يومي الاثنين 9، 16 مارس/أذار الجاري تجمع مئات الكويتيين في ساحة الإرادة أمام مقر البرلمان الكويتي تعبيرا عن احتجاجهم على الحكم بالسجن سنتين على المعارض الشهير «مسلم البراك» بعد إدانته بإهانة أمير البلاد، حيث اكتفت أجهزة الأمن بمراقبة المحتجين حتى انصرفوا. ولكن حين تجمعوا للأسبوع الثالث على التوالي الاثنين 23 مارس/آذار في نفس الساحة ورفعوا نفس الشعارات تعاملت معهم الشرطة والقوات الخاصة الكويتية بوحشية وعنف مفرط لم يسلم منه معاق علي كرسي متحرك، وتم توجيه الألفاظ النابية للنساء اللاتي تعرضن للضرب والسحل على الأرض، وتم اعتقال  19شخصا منهم بينهم النائب« محمد الكندري».

ما الذي تغير في الاثنين الثالث من «اثنينيات» الكويت الشهيرة التي بدأت تعقد منذ الغزو العراقي للكويت؟ وما الذي جعل السلطات تتعامل بمثل هذه الغلظة والعنف مع تجمع سلمي؟ ولماذا لم تكتف السلطات بمطالبة المتجمعين بالتفرق بهدوء بدلا من إطلاق القوات الخاصة تضربهم بالهراوات وتطلق عليهم الغازات المسيلة وتسلحهم في الشوارع، وتوجه الاهانات والألفاظ الفظة لهم ولنسائهم؟

يبدو من سياق الأحداث التي شهدتها الكويت مؤخرا، والمنطقة ككل أن هناك عوامل محفزة لسلوك السلطات الكويتية ضد المعارضة، وأن هذا الاعتداء العنيف كان مخططا وليس عفويا، وأنه حلقة من سلسلة حلقات تضيق على مظاهر الحريات والديمقراطية في الكويت ضمن عملية سحق موجات الربيع العربي في البلدان العربية المختلفة.

ويبدو أن ما شهدته دول الربيع العربي من انتكاسات متتالية، وثورات مضادة، كانت محفزا للسلطات الكويتية علي القيام بهذه الخطوة، لنقل رسالة مباشرة للمعارضة أن عهد السماح بالتجمع والتظاهر أنتهي وأنه سيجري التعامل، علي الطريقة المصرية، مع التجمعات بمنطق أنها لم تحصل علي تصريح أمني وبالتالي ستتعرض لبطش وعنف الشرطة.

فقد جاء هذا التصعيد في وتيرة العنف ضد المواطنين الكويتيين والقوي السياسية المعارضة مكملا لسلسلة من التحركات الحكومية تصب كلها في اتجاه تشديد القبضة على الحياة العامة ومنها:

أولا: اعتقال عدد من نواب البرلمان وتوجيه تهم لبعضهم بإهانة رموز سياسية في السعودية أو الامارات، منهم «مسلم البراك» الذي ينتمي للتكتل الشعبي المعارض وهو من أكثر المنتقدين للسلطة وكبار المسؤولين فيها، بعدما وجه «البراك» خطابه مباشرة لأمير الكويت منتصف الشهر الماضي في سابقة هي الأولى من نوعها في الحياة السياسية الكويتية مثلت خرقاً لسقف طالما حاولت المعارضة والسلطة المحافظة عليه.

كما جري اعتقال النائب السابق «وليد الطبطبائي» في المطار، واعتقال النائب «محمد حسن الكندري» من ساحة الإرادة، وإحالة النائب العام الإماراتي البرلماني الكويتي السابق «مبارك الدويلة»، إلى المحكمة الاتحادية العليا، على خلفية اتهامه لولي عهد أبو ظبي«محمد بن زايد» بمعاداته لمذهب الإسلام السني.

كذلك جري اعتقال عدد من المدونين وخمسة من نشطاء الإنترنت بحجة كتابة تعليقات اعتُبرت مسيئة لملك السعودية الراحل «عبد الله بن عبد العزيز»، إضافة إلى الاستمرار في اعتقال آخرين على خلفيات متصلة بالتعبير عن الرأي، وتوجيه اتهامات فضفاضة لهم كـ«إهانة أمير الكويت أو الإخلال بالنظام في الدولة»، كما حكمت على بعضهم بأحكام قاسية، بحسب «المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان».

ثانيا: قررت النيابة العامة الكويتية، حفظ القضية المعروفة إعلامية باسم «بلاغ الكويت» الذي اتهم فيه «أحمد الفهد الأحمد الصباح» نائب رئيس الوزراء السابق كلا من رئيسي البرلمان والحكومة السابقين، «جاسم الخرافي»، و«ناصر محمد الأحمد الصباح»، بتهمة «التآمر لقلب نظام الحكم والتخابر مع دولة أجنبية وشبهة غسل الأموال والاعتداء على الأموال العامة»، ما دعا «الفهد» للقول على حسابه على «تويتر»: «إن نية الحفظ كانت مبيتة، وأن المبلغ ضدهم يمتلكون حظوة خاصة تجعلهم يحسون أنهم فوق المساءلة القانونية، بل تجدهم يستقبلون استقبال الفاتحين ومن خلال بوابة القضاء أثناء التحقيق معهم».

وأصدر النائب العام الكويتي بيانا أعلن فيه التحفظ على القضية باعتبار التسجيلات غير أصلية، وبالتالي براءة «المحمد» و«الخرافي» من التهم الموجهة إليهما.

ثالثا: أن الحكومة الكويتية، أعلنت شروعها في تنفيذ عملية «إقصاء واسعة» تستهدف بها المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين داخل الوزارات والمؤسسات الرسمية، والذين يشغلون مواقع قيادية من الوكلاء والوكلاء المساعدين والمدراء ورؤساء الأقسام.

وقيل إن هذا الاقصاء يشمل المنتمين للإخوان في المراكز القيادية من الصف الثاني والثالث والرابع، والذين اتهمتم الحكومة في بيانها بالعمل على «تنفيذ أجندات التنظيم الدولي لمصالحهم على حساب مصلحة الكويت ومستقبل أجيالها».

وهذه السياسة الجديدة التي بدأ العمل بها وتطبيقها في عدد من المؤسسات والأجهزة الحكومية قيل إنها تأتي «تنفيذا لقرار خليجي»، تم التوصل إليه والاتفاق عليه خلال اجتماع ضم مسؤولين رفيعي المستوى في دول مجلس التعاون الخليجي سابقا، يقضي بإبعاد رموز وأعضاء الجماعة عن المواقع القيادية والمناصب ذات الطابع الحيوي في المؤسسات والأجهزة الحكومية في الدول الست.

رابعا: كان من الواضح أن هناك قلق حكومي كويتي من تكتل القوي التي دعت لثالث أسبوع في ساحة الإرادة، ليس فقط لأن الدعوة للتجمع جاءت من ستة قوي معارضة كبيرة هي: حركة العمل الشعبي (حشد) وأمينها العام «مسلم البراك» (محبوس)، والحركة الديمقراطية المدنية (حدم)، والحركة الدستورية الإسلامية (القريبة من الإخوان المسلمين) وحزب الأمة (تأسس 2005 وغير مرخص)، والتيار التقدمي الكويتي (ليبرالي تأسس في 2012)، ومظلة العمل الكويتي (معك) التي تأسست في 2007، ولا لأن هذه القوي طرحت في بيان خمسة مطالب هامة تتعلق برحيل الحكومة ومحاكمة الفاسدين منها وإطلاق المعتقلين السياسيين، ولكن لأن السلطات تخوفت أيضا من تحول (ساحة الإرادة) لميدان ثورة في الكويت علي غرار ميدان التحرير في مصر.

بيانات استنكار وإدانة

التعامل العنيف مع المعارضة زاد من وتيرة وسخونة حركة المعارضة وأثار قمع السلطات الكويتية للمتظاهرين الاثنين في ساحة الإرادة غضب العشرات من النشطاء والقوى السياسية والتجمعات الطلاب التي بدورها أصدرت بيانات تندد بما أقدمت علية قوات الأمن من اعتداءات واعتقالات للمتظاهرين.

وصدرت بيانات من جمعية المحامين والجمعية الكويتية لحقوق الإنسان، وتم عقد مؤتمر صحفي للتضامن مع آخر النواب المعتقلين، «د. محمد الكندري» والمواطنين المحتجزين إثر اعتداء الأمن على ساحة الإرادة، وقرر الطلاب القيام باعتصام صامت.

وكانت حركة العمل الشعبي الكويتية قد دعت القوى السياسية لاجتماع عاجل مساء الثلاثاء، وقالت: «تابعت حركة العمل الشعبي مزيد من الألم والمرارة ما جرى من تعد آثم من قبل قوات وزارة الداخلية القمعية عندما اقتحمت ساحة الإرادة على أبناء وبنات الكويت المعتصمين اعتصاما سلميا وهو ما يؤكد بما لا يدع مجالا للشك حالة الهوس البشع الذي تعيشه السلطة ضد مواطنيها ضاربة بكل نصوص الدستور والقانون عرض الحائط».

كما أصدر التيار العروبي الكويتي الديمقراطي بيانا حول الأحداث الاخيرة في ساحة الإرادة قائلا أن التيار العروبي الديمقراطي تابع الأحداث الاخيرة في ساحة الإرادة بقلق بالغ، ويشجب القمع الذي مارسته وزارة الداخلية ضد المواطنين المجتمعين سلمياً في ساحة الإرادة بما يشكل انتهاكا جديداً لـ«حقوق الانسان» وخرق جديد لـ «حرية التعبير» المنصوص عليها في الدستور.

كما أصدر الاتحاد الوطني لطلبة الكويت فرع الولايات المتحدة الأمريكية، بيانا حول الأحداث الأخيرة في الكويت، قال فيه أن «ساحة الإرادة بعد أن كانت ساحة للتظاهر السلمي وساحة للمطالبات السلمية أصبحت ساحة للضرب والاعتقالات التعسفية».

وقالت إن «السجون اليوم تكتظ بأبناء الشعب الكويتي الذين آمنوا بمبدأ الشعب مصدر السلطات»، و«إن التهديدات المستمرة للحرية التي ينعم بها المواطن الكويتي زادت عن حدها، فالسجون اليوم تمتلئ بمعتقلي الرأي الذين ضحوا بأنفسهم لنقل رسالتهم الواضحة عن الإصلاح وتفعيل دور المؤسسات في البلد».

  كلمات مفتاحية

الكويت مسلم البراك قمع الاحتجاجات ساحة الإرادة

بالصور: الأمن الكويتي يفض بالقوة تجمعا للمعارضة بـ”ساحة الإرادة“ وأنباء عن اعتقال ناشطين

البراك يتهم الداخلية الكويتية بممارسة عمليات البلطجة

"ساحة الإرادة" تجبر الصُباح على التحقيق فى فضيحة "كويت غيت"

"كويت غيت" ... وثائق مسربة تكشف فساد مسؤولين وقضاة في الكويت

البراك من ساحة الإرادة: الشعب مقتنع بعجزكم عن إدارة الدولة

نشطاء ومغردون: الاعتداء على معتصمي «الإرادة» صدمة للحريات في الكويت

احتقان عام في الكويت: فساد مالي وتربص أمني وتراجع الديمقراطية الدستورية

استقلالية القضاء الكويتي غاية مستحيلة.. وهذه هي الأسباب!