احتقان عام في الكويت: فساد مالي وتربص أمني وتراجع الديمقراطية الدستورية

الأربعاء 27 مايو 2015 08:05 ص

موجات غريبة من الاحتقان بشكل عام، وخاصة السياسي، لا تكاد تتوقف في الساحة الكويتية بكل أطرافها وأركانها، واحدة تلو الأخرى، فلا تهدأ الأمور سوى لأيام قليلة إلا وتهب بعدها موجة جديدة من هذا الاحتقان التي تبدو مظاهره في مواقف وأحداث ومشاهد غريبة.

وتقف العديد من الأسباب وراء هذه الحالة من الاحتقان، منها التضييق على الحريات والاعتقالات التي شملت كثير من المعارضين ومن بينهم شخصيات عامة معروفة وبرلمانيين، والملاحقات وأحكام السجن التي طالت عدد غير قليل من المغردين والنشطاء السياسيين على شبكة الانترنت، بسبب انتقادهم لأمير البلاد أو للحكومة في ظل حالة من التربص الأمني، بل وارتفاع وتيرة القمع من جانب السلطات الحاكمة في الكويت إلى حد سحب الجنسية من بعض المعارضين للأسرة الحاكمة ولسياسة الأمير.

فمنذ أيام قلائل شهدت جلسة مجلس الأمة الكويتي، شجارًا بين النائب «حمد سيف الهرشاني»، والنائب «عبد الحميد دشتي»، أثناء جلسة استجواب، بناء على طلب «الدشتي»، لنائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية الشيخ «صباح خالد الصباح»، حول اشتراك الكويت في عملية «عاصفة الحزم».

كان المجلس قد صوّت على تحويل جلسة مناقشة الاستجواب إلى جلسة سرية، فاعترض «دشتي» على تحويلها وانسحب، واستهجن عدد من نواب المجلس تصرف «دشتي»، إلا أن النائب «الهرشاني» عبّر عن ذلك برفع «عقالة» الاعتداء على «دشتي» بالضرب.

وقبل انسحاب «دشتي»، كان المجلس قد  شطب المحور الأول من الاستجواب المتعلق بمشاركة الكويت في تحالف «عاصفة الحزم» الذي تقوده السعودية، ويشن غارات على مواقع الحوثيين في اليمن.

وتداول مغردون كويتيون هاشتاج «#الهرشاني_يضرب_دشتي_بالعقال»، تناقلوا فيه صورًا تظهر «الهرشاني» وهو يحاول ضرب «دشتي» بالعقال، وعُرف «دشتي» بمعارضته للعملية العسكرية ضد الحوثيين في اليمن، وانتشرت تصريحات له انتقد فيها السعودية.

وفي ملتقى يفترض أنه اقتصادي وبعيد عن المشاحنات والتوترات، شهدت الجمعية العمومية للشركة الأهلية القابضة مؤخراً مشادات وتبادل اتهامات أدت إلى تأجيل انعقادها، حيث بدأت الخلافات وتطورت بسرعة منذ فترة تسجيل البطاقات وحدثت عمليات شد وجذب تطورت إلى «ضرب عقال» وإلقاء كراسي ما تطلب وجود تعزيزات أمنية حيث وصل إلى الفندق عدد من ضباط وأفراد الشرطة لتنظيم عملية تسجيل البطاقات، إلى أن انتهى الأمر بعدم اكتمال النصاب اللازم لعقد العمومية.

وحول أسباب الشد والجذب الذي حدث ، قال رئيس مجلس الشركة «عبدالله العوضي»: «إن الخلاف لا يفسد للود قضية، فمن لديه كلمة يقولها، ولكن استخدام اليد وعلو الصوت ليسا دلالة على قوة الحجة، لأن الحجة دائما تتسم بالعقلانية، لافتا إلى أن الحضور كله أغلبه من الشباب وقد يكونون مشحونين إثر سماع أي أمر».

توغل الفساد

وتعتبر مظاهر وقضايا الفساد التي تكشف عن إهدار مئات الملايين من الدينارات من المال العام  أحد أسباب حالة الاحتقان العام في الكويت، وكان من بينها أشهر قضية فساد في مؤسسة التأمينات الاجتماعية، التي تعد من أكبر المؤسسات الحكومية، والتي كشفت عن إهدار نحو 390 مليون دولار، يتهم مدير سابق للمؤسسة باختلاسها.

وتتشعب خيوط القضية المثيرة للجدل لتصل إلى خارج الكويت، في عدد من البنوك السويسرية والبريطانية، فيما تأمل الحكومة الكويتية أن تسهم إعادة الأموال المختلسة في تعزيز صورتها بمكافحة الفساد والتي تشكل أكثر انتقادات المعارضة.

ويقول مراقبون إن نجاح الكويت في قضية التأمينات الاجتماعية، والتي يتابعها أمير البلاد شخصياً، الشيخ «صباح الأحمد الجابر الصباح»، سيخفف الاحتقان السياسي في البلد الخليجي، ويسهم في استعادة ثقة الكويتيين الغير راضين عن أداء حكومتهم.

حالة عدم الاستقرار السياسي أصبحت ظاهرة من أكثر الظواهر تأثيراً في حياة المواطن الكويتي وحاضره ومستقبله، وقد كانت لهذه الظاهرة تأثيرات لا يمكن إخفاؤها على الاقتصاد الوطني الكويتي، حيث أنها عرقلت المشاريع التنموية، وفرملت عجلة الاقتصاد والنمو، وهذا ما أشار إليه وزير الإسكان «ياسر أبل»، الذي أرجع أسباب توقف المشاريع التنموية في البلاد إلى حالة عدم الاستقرار السياسي، ما جعل كثيرين يتساءلون عن المتسبب فيها.، بحسب تحليل للكاتب «ياسر أبو الريش» في صحيفة (الوطن) الكويتية.

وجاء التقرير الأخير، الصادر عن المجلس الأعلى للتخطيط والتنمية، ليلقي جزءاً كبيراً من المسؤولية، بشأن غياب الاستقرار السياسي في البلاد، على ما وصفه بالممارسات السياسية الخاطئة، التي أدَّت إلى تعثر مسيرة العمل الوطني وتلاشي الإنجاز المنشود، وقد تمثلت هذه السلبيات في التفرغ للمساجلات والمشاحنات، وتسجيل المواقف السياسية بأي طريقة، وهو أمر، كان ولا يزال، محل استياء شعبي عارم، لافتا إلى أن ما يحدث يشكّل تجاوزاً، ولا يخدم المصلحة الوطنية.

وأشار التقرير إلى أن القلق البالغ حول تماسك المجتمع وتنميته يظهر بوضوح الصلة الوثيقة بين السلوك غير المسؤول من بعض القيادات التنفيذية والسياسية، والثقة في المستقبل، فما يترتب على عدم التعاون بين السلطات الرسمية من عدم استقرار ينعكس سلبا على مختلف نواحي الحياة العادية لمختلف قطاعات المجتمع، كما يؤثر في سلوك الأفراد، ويساعد على ظهور أنماط سلوك أكثر تدميراً، وخصوصاً في أوساط الفئات الشابة من المجتمع.

تراجع الديمقراطية

من جانبهم، عزا آخرون حالة عدم الاستقرار السياسي في البلاد إلى التراجع عن بناء الدولة الكويتية الحديثة وفق الدستور، إضافة إلى غياب المعارضة الفاعلة، وزيادة نفوذ مراكز بعض القوى عن طريق نواب محسوبين عليها وينفذون مخططاتها، مؤكدين أنه خلال السنوات الست الأخيرة، تم حل مجلس الأمة خمس مرات، وتمت إقالة الحكومة سبع مرات، بسبب الصراع القائم بين السلطتين التشريعية والتنفيذية.

وبحسب «أبو الريش»: «ومع تأكيد بعض المحللين السياسيين بلوغ الديمقراطية الكويتية سن النضج، إلا أن المتابعين للوضع أكدوا أن الشواهد تدلل على أن البلاد لا تزال تعاني مراهقة سياسية، هي أبعد ما تكون عن النضج، وأقرب ما تكون إلى العبث، الذي لا علاقة له من قريب أو بعيد بالممارسة السياسية الصحيحة، التي تراعي في المقام الأول مصلحة الوطن، وتقدمه على أي اعتبار آخر، لافتين إلى أن الحياة السياسية لا تستقيم في وطن إلا عندما يؤدي كل طرف دوره، وتتكامل الأدوار لما فيه المصلحة العامة، كما يؤكد كثيرون، وهو ما يتطلب جهداً متواصلاً لتطوير الحياة السياسية نحو مسار ديمقراطي، جوهره الاعتراف بالمواطن بصفته شريكاً حقيقياً وبنوابه باعتبارهم ممثلين له».

أما المقال الذي أثار جدلا واسعا فكان مقال الكاتب الكويتي «غنيم الزعبي» في صحيفة العرب، والذي جاء تحت عنوان «علاج الاحتقان السياسي في الكويت هو البر»، حيث طرح الكاتب علاجاً لحالة الاحتقان العام والسخط والغضب السياسي، وهذا العلاج من وجهة نظره هو الخروج إلى البر والتخييم!.

 وقال الكاتب: «شيء غريب يحدث لنفسيات وأخلاق الكويتيين الذين تعودوا على التذمر، فترى الصدور اتسعت والأخلاق تبدلت للأفضل، كل هذا فقط لأنهم (دجوا) في البر، ووجدوا فيه شيئا يشغلهم عن السياسة والحكومة».

ووصف الكاتب بني وطنه بأنهم أكثر شعب مسيّس في العالم، بحيث لا تكاد تثير موضوعا عن الشأن العام في ديوانية أو مكان عمل أو حتى يوم جمعة، حتى يثور الحماس وتنتفخ الأوداج وتعلو الأصوات.

ومضى يقول: «شعب “قاعد للحكومة قعدة” (كما يقال) ويعلق على كل صغيرة وكبيرة تقوم بها، ومع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، زادت محنة الحكومة وأصبحت فضيحتها بـ”جلاجل” إن هي (أو أحد الهيئات التابعة لها) تعثرت بأحد المشاريع أو أخفقت فيه، سيتم جلدها ليلا نهارا وستنتشر النكات والشماتة، هذا عدا الانتقادات التي تصل في كثير من الأحيان إلى السب والشتم».

واختتم الكاتب الكويتي مقاله قائلاً: «نقطة أخيرة: “الناس مخنوقة” من الاحتقان السياسي الشديد في البلد، فدعوهم ينتشرون في الصحراء لتهدأ النفوس وتتعدل الأمزجة».

  كلمات مفتاحية

الكويت الفساد القمع الأمني الشيخ صباح الصباح الفساد في الكويت

الكويت: مكافحة الفساد .. خطوة للأمام .. و10 خطوات للخلف

«هاني حسين»: تزاوج السلطة والمال في الكويت

«واشنطن بوست»: الكويت يهددها الاستبداد والسلطوية .. ولا خوف من التوترات الطائفية

الكويت تواجه تحديات الخلل والانفلات المالي

على الطريقة المصرية: عدوى قمع الاحتجاجات السلمية تنتقل إلى الكويت

التنمية وعقباتها في الكويت

الفساد يضع الكويت في أسفل الركب بعد أن كانت جوهرة الخليج في الستينيات

فشل القيود في خفض «أسواق المال الوهمية»

ديمقراطية القيمة المضافة!

نائب كويتي سابق يصف مشروع المترو في البلاد بـ«سرقة العصر»