الكويت تواجه تحديات الخلل والانفلات المالي

الجمعة 3 أبريل 2015 05:04 ص

على الرغم من تراجع ايرادات الكويت النفطية متأثرة بانخفاض الأسعار منذ يوليو/ تموز 2014، فقد تجاوزت العجز المالي في موازنة 2014 ـ 2015 والمقدر بنحو 7.48 مليار دينار (25.3 مليار دولار)، وسجلت فائضاً بمبلغ 4.13 مليار دينار (13.95 مليار دولار) خلال فترة 11 شهراً، من أبريل/ نيسان 2014 إلى نهاية فبراير/ شباط 2015، أي قبل شهر واحد من السنة المالية التي انتهت بنهاية مارس/ اذار الماضي.

ولكن خسارة الكويت برزت في تراجع فائض ميزانيتها 60% مقارنة مع الفائض المتحقق في الفترة نفسها من العام السابق (2013 ـ 2014) والبالغ 10.4 مليار دينار (نحو 35.1 مليار دولار)، وذلك نتيجة تراجع الإيرادات بنسبة 20% لتصل إلى 23.2 مليار دينار (78.4 مليار دولار) خلال فترة 11 شهر، مقارنة مع 28.93 مليار دينار (97.8 مليار دولار) في الفترة نفسها من العام السابق، ولكنها سجلت زيادة بمقدار 4.8 مليار دينار عن التقديرات الأولية للموازنة والبالغة 18.4 مليار دينار كويتي.

ولوحظ في مجال المقارنة، أنه مع تراجع ايرادات النفط وبالتالي تراجع حصتها في اجمالي الايرادات من 94 في المئة في السنة المالية (2013 ـ2014) إلى 91% في السنة المالية (2014 ـ2015)، فقد قفزت الايرادات غير النفطية بنسبة 73% لتصل إلى 2.01 مليار دينار، نتيجة ارتفاع حصيلة الايرادات والرسوم المتنوعة بما فيها رسوم الخدمات (كهرباء وماء) والضرائب والرسوم على التجارة والجمارك.

وهو مؤشر ايجابي يأتي في إطار جهود الحكومة الكويتية لتنويع مصادر الدخل، والتي ينتظر أن تشمل فرض ضرائب على الشركات المحلية بنسبة لا تقل عن 15% من الأرباح أسوة بالشركات الأجنبية، وذلك في ضوء توصيات صندوق النقد الدولي الذي يعد حالياً دراسة مفصلة عن آلية التنفيذ، بتكليف من حكومة الكويت، وينتظر انجازها خلال فترة 18 شهراً.

ووفق احصاءات وزارة التجارة والصناعة، يبلغ عدد الشركات المساهمة العامة والمغلقة التي يتوقع أن يستهدفها قانون الضريبة المرتقب نحو 2620 شركة، منها 206 شركات مدرجة في بورصة الكويت.

أما بالنسبة لموازنة السنة المالية الجديدة التي بدأت اليوم الأربعاء الأول من أبريل/ نيسان، فهي تحمل عجزاً بقيمة 24 مليار دولار، على الرغم من خفض الانفاق بنسبة 17.8% إلى 65.1 مليار دولار.

ضرائب ورسوم

لقد قدمت الحكومة إلى مجلس الأمة خطتها لتطوير المالية العامة وتنويع الايرادات، على الشكل الاتي:

ـ مراجعة آليات تسعير السلع والخدمات العامة، والتي يقدم معظمها مجاناً أو بأسعار تقل بنسبة كبيرة عن تكلفتها الحقيقية، على أن يتم تسعيرها بشكل يعكس تكلفتها الحقيقية من جانب، ويعزز الايرادات غير النفطية من جانب اخر.

ـ مراجعة شاملة للرسوم التي تتقاضاها الدولة مقابل الخدمات التي تقدمها والأراضي التي تؤجرها، بهدف تعزيز الايرادات غير الضريبية وتنويع مصادر دخل الخزانة العامة للدولة.

ـ إدخال الضرائب على أرباح الشركات التي يقتصر تطبيقها حالياّ على الشركات الأجنبية، لتمتد ايضا إلى الشركات الوطنية، مساهمة منها في تحمل تكلفة ما يقدم إليها من سلع وخدمات مدعومة بشكل كبير مثل الماء والكهرباء والبنى التحتية.

ـ ربط معدلات الضريبة على أرباح الشركات بمدى النجاح في اعادة تخصيص الاستثمارات الخاصة لصالح الأنشطة غير النفطية، وبشكل يسمح بزيادة عدد الشركات العاملة في هذا النوع من الأنشطة، ويمكن صانع السياسة من استخدام الضريبة على الأرباح كأداة لتوجيه النشاط الاقتصادي نحو المجالات التي يسعى الى تنشيطها.

ـ فرض بعض أشكال الضرائب غير المباشرة على الاستهلاك أو المبيعات، خصوصاً بالنسبة للسلع غير الضرورية وسلع الاستهلاك التفاخري التي تسهم في تشكيل أنماط استهلاكية ضارة بالفرد والمجتمع، وتؤثر سلباً على ميل الافراد نحو الادخار، وتعزز قيم الاستهلاك غير الضروري وعاداته، وتنشر دافع المحاكاة والتقليد بين المواطنين بما يؤدي إلى ارهاق كاهل الاسر بالإنفاق غير الرشيد ووقوع الكثير منهم في مصيدة الديون.

ـ وضع رسوم على استخدام بعض الطرق الرئيسية تتم حمايتها الكترونياً على النحو المعمول به في دبي أو بلدان أخرى من العالم، وتستخدم حصيلتها في صيانة الطرق وإنشاء المزيد منها، وتوسيع شبكتها ورفع كفاءتها، بما يعزز البنى التحتية في الدولة.

وقد لاقت هذه المقترحات معارضه شديدة لدى عدد كبير من النواب وخبراء المال والاقتصاد، ووصفوها بأنها وضعت بشكل خاص لتضيف اعباء جديدة على المواطنين، وهي تبتعد عن جوهر عملية تنويع مصادر الدخل القائمة عل خلق قطاعات اقتصادية جديدة تدر دخلاً على البلاد.

أما بالنسبة لفرض ضرائب على الشركات المحلية، فإن أي أموال إضافية ستتحملها الشركات، ستدفعها إلى زيادة أسعار السلع والخدمات التي تقدمها، وبالتالي سيتحملها المواطن.

وأجمع خبراء الاقتصاد على أن التقرير الذي اعدته وزارة المالية يكشف بوضوح عجز الحكومة وفشلها الكبير في خلق قطاعات اقتصادية مرادفه للقطاع النفطي تدر دخلاً على البلاد، وذلك كما فعلت دول نفطيه أخرى مثل المملكة العربية السعودية التي سجلت نجاحاً كبيراً في تنويع مصادر الدخل.

وحققت معدلات نمو متميزة في الناتج المحلي الاجمالي الحقيقي بفضل النشاط الصناعي الذي نما بنسبة 6.5%، ليصبح ثاني أقوى الأنشطة الاقتصادية أداءً في المملكة خلال عام 2014، حتى إنها تخطط لرفع نسبة مساهمة القطاع الصناعي في الناتج القومي إلى 20 في المئة، ارتفاعاً من 11 في المئة التي تم تسجيلها في العام الماضي.

كذلك الأداء القوي للقطاع الخاص الذي سجل نمواً نسبته 5.7%، وله دور كبير في دفع نمو الناتج المحلي، والمثال الآخر دولة الامارات العربية المتحدة التي نجحت خلال سنوات في أن تكون نموذجاً يحتذى به في تنويع مصادر الدخل والاستفادة من النمو في القطاعات غير النفطية، وكذلك دولة قطر التي بلغت ايرادات القطاع غير النفطي فيها نسبة 18% من اجمالي الايرادات، وحصلت السياحة على حصة مؤثرة منها، مع الأخذ بالاعتبار تشابه الظروف المناخية والاجتماعية بين الكويت وكل من قطر والامارات.

تنويع الاقتصاد

منذ ستينات القرن العشرين، والحكومة الكويتية تطرح خططها المتتالية لتنويع القاعدة الاقتصادية وتوفير موارد مساندة لإيرادات النفط والاعتماد بشكل أفضل على القطاع الخاص وتخفيف الاعتماد على العمال الوافدين، ولكن طوال السنوات الماضية لم يتحقق شيئاً من هذه الاهداف، بل تحقق عكسها.

فقد ارتفعت مساهمة الدولة في مختلف المؤسسات وتنامى دور العمال الوافدين وظلت الخزينة تعتمد بنسبة لا تقل عن 92% من ايرادات النفط، وبقيت حصة القطاع الخاص من الناتج المحلي الاجمالي دون 25%، في ظل التعطيل المستمر لبرامج التخصيص، كذلك بقيت مساهمة الكويتيين في سوق العمل كما كانت عليه عام 2010، وهي لا تتجاوز 17% من إجمالي قوة العمل، ولا تزال الكويت تعاني اختلال التركيبة السكانية، حيث يمثل غير الكويتيين 68% من مجموع السكان البالغ نحو أربعة ملايين نسمه، ولا تتجاوز نسبة الكويتيين 32%، ولذلك يتعين على المخططين البحث عن أفضل الآليات لتطوير امكانات الأجيال المقبلة وتمكينها من المساهمة الجادة في النشاط الاقتصادي.

لقد سبق لحكومة الكويت أن وضعت في العام 2010 خطة تنمية لأربع سنوات تنتهي عام 2014، وبكلفة 32 مليار دينار (اكثر من 108 مليارات دولار)، ولكن تبين بنهايتها أن الحكومة لم تنفق سوى 13 مليار دينار، أي ما يعادل نحو 40% من مخصصات الخطة، ما يدل على إهمال الحكومة وعجز مؤسساتها عن تنفيذ المشاريع، وتؤكد تقارير متخصصة صادرة عن مؤسسات دوليه ذات الصلة، أن تنفيذ الاعمال في الكويت يعد عملية بطيئة، حتى اصبحت في درجات متأخرة عن المقاييس الدولية.

لا شك في ان الاهداف الطموحة للإنفاق الرأسمالي قد ساهمت في انعاش الاستثمار الكلي، ومن المفترض أن تستمر في توفير الدعم للاستثمار خلال العامين 2015 -2016، إذ أن موافقة مجلس الأمة مؤخراً على كل من خطة الحكومة الاستثمارية للفترة 2015 -2020، وميزانية الانفاق الرأسمالي للسنة المالية الجديدة تعكس التزام الحكومة برغبتها الجادة في انعاش الانفاق على مشاريع البنية التحتية.

وتهدف الخطة الجديدة إلى توظيف رأسمالي خلال السنوات الخمس المقبلة بمعدل 11.8 مليار دينار(نحو 40 مليار دولار) سنوياً، وتطرح الحكومة مساهمة القطاع العام بـ 6.3 مليار دينار (21.3 مليار دولار) سنوياً، على أن يستثمر القطاع الخاص المبلغ المتبقي لتوسيع أعماله، وهو تطور ايجابي لكي يصبح للقطاع الخاص دور محوري في الخطة.

ترشيد الانفاق

استفادت الكويت من فوائض متراكمه من عائدات النفط طوال السنوات المالية الـ 15 الماضية، لكن الانفاق العام الكبير ساهم في هدرها خصوصاً في ظل استمرار حركة الانفلات المالي، وقد ارتفع الانفاق من 13 مليار دولار الى 77 ملياراً، ومعظمه انفق على الرواتب ودعم الاسعار، ولوحظ أن نفقات الرواتب والدعم الاجتماعي قد التهمت نحو 87% من الايرادات النفطية، ونحو 75% من إجمالي النفقات في الموازنة العامة للدولة للسنة المالية 2014 – 2015.

وفي هذا المجال حذر المجلس الاعلى للتخطيط في تقرير رسمي من مستقبل مرعب، مشيراً إلى أن الانفلات المالي سينعكس حتماً على الاستقرار السياسي، مما يستوجب ضرورة تصحيح المسار، مؤكداَ على ضرورة مراجعة وترشيد أوجه الدعم ووقف الموافقات غير المبررة على الكوادر والامتيازات المالية للعاملين.

وعلى الرغم من وجود بعض المؤشرات للوفرة المالية، فإن الواقع الاقتصادي في البلاد في المرحلة الحالية يتجه في مسار منحدر وبشكل حاد، وينطوي على تحديات ضخمة ومخاطر فادحة التكاليف إذا ما استمر تنامي الانفاق وما لم يتم تدارك هذا الانفلات المالي أو الحد منه. سيؤدي ذلك حتما لاتخاذ اجراءات قاسية على الاقتصاد قد يكون لها تداعيات اجتماعية وسياسية لا قدر الله.

وهنا يتوجب التأكيد على ضرورة وأهمية تصحيح مسار الموازنة وتفعيل دور القطاع الخاص في تحمل مسؤوليته ومشاركة الحكومة في أعبائها من خلال عمل وطني يشارك فيه الجميع، تقوده وتشرف عليه الحكومة باعتبارها المهيمن على مصالح الدولة ورسم السياسة العامة وفقاً للمادة (123) من الدستور.

وتجدر الإشارة إلى أن تقرير وزير المالية إلى مجلس الأمة تتضمن عدة مقترحات لترشيد الانفاق العام للدولة، ولكن المهم تنفيذ المناسب منها بأسرع ما يمكن لتجنب التدهور المالي والاقتصادي لدولة الكويت.

  كلمات مفتاحية

الكويت تحديات الخلل الانفلات المالي ضرائب رسوم تنويع الاقتصاد ترشيد الإنفاق

صادرات النفط الخام الكويتي إلى الصين تقفز إلي 3 أضعافها خلال فبراير الماضي

8.5 مليار دولار حوافز حكومية للعاملين بالقطاع الخاص في الكويت

الكويت تدرس فرض ضرائب ”غير معتادة“ لمواجهة انخفاض أسعار النفط

وزير النفط الكويتي: تراجع انتاج النفط الصخري ساهم في تعافي الأسعار

الكويت تتجه إلى الاقتراض لتمويل مشروع الوقود البيئي

احتقان عام في الكويت: فساد مالي وتربص أمني وتراجع الديمقراطية الدستورية

تخفيض 80% من مخصصات الصحف والدوريات الكويتية