"جون ماكين".. جنرال السياسة الأمريكية المتمرد بلا جيش

الأحد 26 أغسطس 2018 03:08 ص

لم يكن لـ"جون سيدني ماكين الثالث" إلا ربّ عمل واحد على مدى مسيرته المهنية البارزة والمضطربة بالولايات المتحدة الأمريكية، ويبدو أنه تقليد عائلي إذ إن "ماكين" هو سليل مباشر كما يقول لقائد في جيش جورج واشنطن خلال حرب الاستقلال الأمريكية.

وعلى غرار والده وجدّه قبله، وهما أدميرالان بأربعة نجوم يحملان كذلك اسم "جون ماكين"، عاش في خدمة بلاده كطيار حربي في البحرية الأمريكية ومن ثم كنائب في الكونغرس حتى وفاته السبت عن عمر 81 عاما بعدما تم تشخيصه بسرطان الدماغ في صيف العام 2017.

وكان ليصبح هو كذلك أدميرالا لو أن صاروخ أرض-جو سوفياتي الصنع لم يضرب طائرته من طراز "إيه-4 سكاي هوك" أثناء تحليقه فوق هانوي في 26 تشرين الأول/أكتوبر 1967.

ونجا "ماكين" بنفسه حيث هبط بمظلة في بحيرة صغيرة وسط المدينة لتستقبله عصابة غاضبة كانت على وشك قتله. وتعرض ذراعاه وركبته اليمنى إلى كسور شديدة.

ونظراً لكون والده قائد جميع القوات الأمريكية في المحيط الهادئ، بقي "ماكين" أسير حرب لأكثر من خمس سنوات.

وأطلق سراحه عام 1973 بعد اتفاقية باريس للسلام، لكن العواقب الجسدية للكسور التي لم تُعالج بشكل جيد عن قصد خلال أسره والتعذيب الذي تعرض له، كلفته مسيرته المهنية كطيار.

وقال في مقابلة من العام 1989 "لسبب ما لم تكن تلك الفترة هي فترتي، وأعتقد أنه لهذا السبب، كان مقدر لي أن أفعل شيئا ما".

هزائم السياسة

واتضح لاحقا أن هذا الشيء هو السياسة؛ فبعد عدة سنوات من عمله كمنسق خاص للبحرية في مجلس الشيوخ، انتقل "ماكين" إلى أريزونا، التي تنتمي إليها زوجته الثانية، ليفوز بمقعد في مجلس النواب الأمريكي عام 1982.

وكبرت طموحاته منذ ذلك الحين فصعد سريعا إلى مجلس الشيوخ؛ الهيئة التي تملك أعلى سلطة في الولايات المتحدة، ليمكث فيه 30 عاما.

ولطالما برز "ماكين" بصورة الجمهوري المتمرد حيث تحدى حزبه بشأن قضايا تتراوح من إصلاح تمويل الحملات الانتخابية إلى الهجرة.

ولم يؤمن كثيرا بالانضباط الحزبي، وهو موقف عززته خبراته السابقة في التمرد كطالب عنيد في الأكاديمية البحرية الأمريكية أو كسجين متهور يستفز سجانيه الفيتناميين.

وفي مذكرات تعود للعام 1999 تحت عنوان "عقيدة آبائي"، كتب ماكين "عزز نجاتي من الأسر الذي تعرضت له ثقتي بنفسي. وعلمني رفضي للإفراج المبكر عني أن أثق بأحكامي".

وكان "ماكين" غير التقليدي والمزدري للسلطة والمتعجرف أحيانا هو ذاته الذي قرر خوض انتخابات العام 2000 الرئاسية.

ومقدما نفسه على أنه مرشح يتحدث بشكل "صريح"، عرض على الأمريكيين رؤيته اليمينية المعتدلة مبتعداً عن المسيحيين المحافظين الذين نجح خصمه "جورج بوش الابن" آنذاك في جذبهم.

وفشل "ماكين" عندها إلا أنه استعاد صلابته وانتزع في النهاية الشعلة الجمهورية من "بوش" الذي تراجعت شعبيته بشكل كبير.

وفي العام 2008، تصالح مع المؤسسة الحزبية وفاز أخيرا بالترشح للرئاسة.

ومع اقترابه من البيت الأبيض، اتخذ قرارا عفويا ومثيرا للجدل، فلن يغفر له الكثير من شركائه اختياره حاكمة ألاسكا التي لم يكن يعرف عنها الكثير "ساره بالين" كنائب رئيس خلال الانتخابات.

وسمح القرار ببروز "حزب الشاي (تي بارتي)" وصعود الشعبوية التي تجسدت لاحقا بالرئيس الحالي "دونالد ترامب".

وهيمن الديموقراطي "باراك أوباما" آنذاك على المشهد في الانتخابات ليخسر "ماكين" للمرة الثانية.

الغضب على "ترامب"

وامتلك "ماكين" قدرة على تحريك الحشود. وفي واشنطن، اجتمع الصحفيون حوله في قاعات الكونغرس حيث بدا حاد اللسان وقليل الصبر.

وفي إحدى المرات، قال لأحد الصحافيين "هذا سؤال غبي"، وفي حالات أخرى، تحولت نبرته النزقة إلى انتقاص من الذات حيث قال في إحدى المرات "لا أعتقد أنني شخص ذكي جدا".

وقد يكون كذلك سريع الانفعال خاصة عندما يتعلق الأمر بقضايا تعني له الكثير على غرار القوات المسلحة والاستثناء الأمريكي. وفي سنوات لاحقة قضية التهديد الذي يشكله الرئيس الروسي "فلاديمير بوتين" الذي وصفه ماكين بأنه "قاتل ومجرم".

ولطالما سخر الجمهوريون من مواقف "ماكين" المؤيدة للتدخل العسكري حيث أشاروا إلى أنه لا يقول لا إطلاقا على الحرب.

وحتى النهاية، بقي "ماكين" على قناعة بضرورة مشاركة القيم الأمريكية والدفاع عنها حول العالم. وكان كثيرا ما يتوجه إلى بغداد أو كابول أو تايبيه أو كييف أثناء انتفاضتها، ليحظى باستقبال رئيس أكثر منه كنائب.

وبعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، أدرجت موسكو اسمه على قائمة سوداء أعدتها للرد على العقوبات التي قادتها الولايات المتحدة، وعلق هو على ذلك بالقول "أعتقد أن هذا يعني أنني لن أتمكن من قضاء عطلة الربيع في صربيا".

وعلا صوت "ماكين" عندما تعلق الأمر بروسيا وسوريا، لكنه كان في الواقع جنرالا لا يملك جيشا.

وبدا أن انتخاب "ترامب" ضرب عرض الحائط بكفاح ومبادئ السناتور الجمهوري المخضرم الذي لم يخف استياءه من نزعة رجل الأعمال الملياردير القومية والحمائية إلى جانب مغازلته لـ"بوتين" واستخفافه الجلي بكرامة منصب الرئاسة.

وعلق كذلك على استفادة "ترامب" أيام حرب فيتنام من تأجيلات متتالية أعفته من الخدمة في الجيش بسبب "نتوء عظمي" في كاحله.

لكن لم يدفع أي من ذلك "ماكين" إلى التقاعد؛ فلربما كان يفكر في جدّه الذي توفي بعد أيام فقط من عودته إلى الولايات المتحدة عقب استسلام اليابان في الحرب العالمية الثانية، فسعى ماكين إلى البقاء في مجلس الشيوخ لأطول فترة ممكنة حتى عندما تم تشخيصه بنوع من سرطان الدماغ شديد الخطورة.

لكنه ابتعد منذ كانون الأول/ديسمبر عن مجلس الشيوخ حيث كان يتلقى العلاج في أريزونا بينما استقبل في مزرعته الأصدقاء والزملاء الذين قدموا لوداعه بعيدا عن أنظار وسائل الإعلام.

وليلة وفاته، أعلنت عائلته أنه قرر التوقف عن العلاج.

وفي مذكراته التي نشرت في أيار/مايو تحت عنوان "الموجة التي لا تهدأ"، أكد أنه يرغب بأن بتم دفنه في ماريلاند قرب صديقه القديم من البحرية "تشاك لارسون".

ولدى "ماكين" سبعة أطفال، أربعة منهم من زوجته الحالية سيندي وثلاثة من زواج سابق.

  كلمات مفتاحية

جون ماكين جمهوري دونالد ترامب فلاديمير بوتين أدميرال طيار

رؤساء سابقون وسياسيون ينعون "ماكين".. و"ترامب" يكتفي بعزاء بروتوكولي

سيناتور أمريكي يحذر "ترامب" من إهانة "ماكين"

"خاشقجي": عدم مبالاة "ترامب" بوفاة "ماكين" أكبر خطيئة له

"أوباما" يسخر من "ترامب" ويثير الضحك بتأبين "ماكين" (فيديو)

تداول واسع لفيديو دفاع ماكين عن أوباما.. والسبب: أنصار ترامب