«فورين بوليسي»: مستقبل العلاقات التركية الإيرانية

الاثنين 13 أبريل 2015 08:04 ص

كان الزعيم التركي قد شرع في إنشاء علاقة وطيدة مع إيران، إلا أنه الآن، ورغم مصافحة الأيدي والابتسامات فإنه يجد نفسه في مواجهة الجمهورية الإسلامية في حرب إقليمية.

لم يدر بخلد رئيس تركيا «رجب طيب أردوغان» خلال زيارته للعاصمة الإيرانية عقب توقيع اتفاقية إطار بخصوص الملف النووي الإيراني أن العنوان الرئيسي لإحدى الصحف الإيرانية سيكون: «دون كيشوت العثماني في طهران»، في إشارة إلى شخصية روائية تظن نفسها بطلا وهي واهمة، ولكن هذا هو الترحيب الذي حظي به «أردوغان» خلال زيارة رسمية هذا الأسبوع إلى طهران.

فرغم كل شيء تبقى حقيقة أن تركيا كانت في مطلع الدول التي حاولت التوسط لعقد اتفاق بين إيران والقوى العالمية بخصوص برنامج طهران النووي، وبعد عقود من العلاقات المتوترة بين البلدين قامت حكومة «أردوغان» بالسعي لمصالحة مع إيران عام 2010 عندما قامت أنقرة والبرازيل بالتوسط لعقد اتفاق يتم بمقتضاه إرسال احتياطي إيران من اليورانيوم إلى تركيا ومقايضته بالوقود النووي، ومن ثم تحجيم مخزون طهران من اليورانيوم المخصب الذي تخشى الدول الغربية من احتمالية استخدامه في صنع قنبلة نووية، ولكن الاتفاق قوبل بالرفض من الولايات المتحدة وباء بالفشل في نهاية المطاف.

 ثم بعد عدة أسابيع قامت تركيا بصفتها عضو غير دائم في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة حينها بالتصويت ضد قرار اقترحته واشنطن بفرض عقوبات إضافية على برنامج إيران النووي، الأمر الذي دفع الدول الغربية بالإضافة إلى إسرائيل والسعودية باتهام تركيا بالتخلي عن حلفائها التقليدين في سبيل كسب ود التيار الإسلامي الشرقي.

الآن توجه الانتقادات إلى حكومة حزب العدالة والتنمية لكونها انضمت لدول «المحور السني» ضد إيران، وتحالفت مع السعودية ودول الخليج الأخرى ضد الأطراف التي تدعمها إيران في سوريا واليمن. وببنما تعطي هذه المخاوف الكثير من الاهتمام حول دور الأيديولوجيا في صنع السياسة الخارجية التركية، نجد أن التوترات بين تركيا وإيران بسبب الصراعات التي صدعت نسيج الشرق الأوسط هي أمر واقع جدا، بل قد يعزى إليها مستوى الترحاب الفاتر الذي لاقاه «أردوغان» هذا الأسبوع في طهران.

وخلف مراسم الترحيب الحارة، حيث تشابكت أيدى «أردوغان» والرئيس الإيرانى «حسن روحانى»، حاول كلا الجانبين تسوية أى خلافات بين البلادين.

ليست رؤية طائفية

وقال «أردوغان» فى مؤتمر صحفى مشترك على الهواء مباشرة على شاشات التليفزيون «إن المنطقة تشتعل، وأنا لا أنظر وفق رؤية طائفية، ولايهمنى سواء الشيعة أو السنة، ما يهمنى هم المسلمون، ويجب علينا التوحد ومنع القتل وسفك الدماء».

وأشار «روحانى» إلى أن الزعيمين قد تحدثا عن العراق وسوريا وفلسطين وكانت هناك «مناقشة شاملة» بشأن اليمن، وأيضا لشائر النقاط المشتركة، على حسب قوله، وقال أيضا «يجب علينا أن نشهد نهاية الحرب وسفك الدماء فى اليمن فى أقرب وقت ممكن».

فى الواقع، فإن إيران وتركيا على خلاف بشأن الصراعات المحادة فى المنطقة. فى طريقه إلى العودة من طهران تحدث «أردوغان» عن السياسة الطائفية لإيران كمصدر للمشاكل فى المنطقة، مسلطا الضوء على الجرائم التى ترتكب فى العراق وسوريا، قائلًا «أكبر مخاوفى هو التعصب الطائفى».

وفى الوقت نفسه، يبدو أن كلا الطرفين متعبين من عدم الإتفاق بشأن تلك القضايا، وقبل أسبوع من زيارته إلى طهران لم يتمكن «أردوغان» من السيطرة على تصريحاته عندما دعم الحملة العسكرية فى اليمن، ووصف جهود إيران للهيمنة على الشرق الأوسط بالتي «لا تطاق»، وطالب طهران بـ«سحب أى قوات لها بما فى ذلك انسحاب الحوثيين في اليمن ، وكذلك فى سوريا والعراق واحترام سلامة أراضيهما».

وجاء الرد سريعا من إيران حيث دعا أكثر من 60 نائبا فى البرلمان الإيرانى لإلغاء زيارة «أردوغان»، في حين طالب «محمد حسن أصفر»، عضو لجنة الأمن والسياسة الخارجية فى البرلمان الإيرانى وزارة الخارخية بطرد السفير التركى، وقال «منصور حقيقت بور»، نائب رئيس اللجنة البرلمانية ذاتها، أن «رجب باشا»، معطيا الرئيس التركى لقب التشريف العثماني الضمني لتسليط الضوء على طموحاته الاستعمارية المفترضة، لا ينبغى له أن يسمح له بزيارة إيران بعد تعليقاته، واتهام الرئيس التركى لإيران «بالمشاركة فى مجزرة  130 ألفا من الأبرياء فى سوريا».

وأكد أحد مستشارى «أردوغان» أن هذه الحرب الكلامية تسببت فى نظر إمكانية إلغاء الزيارة تماما من الجانب التركى، وقال المستشار خلال الزيارة إلى طهران أن «خيارات الرئيس كانت كلها فى الإعتبار، ومع ذلك، كان الجانب الإيرانى مصرا على إتمام الزيارة، وألحوا علينا عدم إلغاء الرحلة».

ولم يكن الإيرانيون وحدهم هم من يرغبون بإتمام تلك الزيارة، فإيران إحدى شركاء تركيا التجاريين المربحين، حيث وصل حجم التبادل التجاري بين الدولتين 14.6 مليار دولار أمريكي عام 2013، بينما تعد تركيا أكبر مستهلك للغاز الطبيعي الإيراني حيث تشتري ما يزيد عن 90% من صادرات الغاز الطبيعي الإيراني كل عام. وتتوق أنقرة إلى تعزيز تلك العلاقات التجارية أكثر وتؤمل في أن اتفاقا دوليا لتخفيف العقوبات عن إيران ستنتج عنه فرصا واعدة لصالح المستثمرين الأتراك، وقد تم توقيع ثمانية اتفاقيات بين وزراء من الدولتين خلال زيارة «أردوغان» في شتى المجالات بدءا من التعاون في مجال الطاقة والاستثمار الصحي وحتى التعاون الثقافي، وعلى الرغم من ازدهار الأعمال إلا أن السياسة الخارجية الجافة بين البلدين تؤثر شيئا فشيئا على العلاقات بينهما.

وكان مسئول رفيع من وزارة الخارجية التركية قد صرح قبيل الوصول إلى طهران بأنه «لا يتوقع أن نصل إلى تفاهم مع إيران بشأن الملفات الإقليمية»، وأضاف «إننا سوف نعبر عن مخاوفنا والتي سمعوها من قبل في العديد من المرات»، ولكن حتى هذه اللحظة لا توجد أي قرائن على محاولة التوصل إلى تفاهم عام بخصوص المنطقة، وكتب «إبراهيم قالين» المتحدث باسم الرئاسة التركية قبيل زيارة طهران أنه على إيران إعادة تقييم علاقاتها مع الدول العربية والمسلمة و«العمل على تغيير الصورة المنطبعة عن سياساتها على أنها طائفية وتهدف إلى الفرقة والتوسع»، وفي رده على ما إذا كان هناك فرصة للوصول إلى خارطة طريق مشتركة ملموسة وصالحة للتنفيذ بين الطرفين فيما يخص الخلافات الإقليمية أجاب «قالين» بأنها «مسألة تفاوض دائم».

الملف النووي

ورغم كل تلك القضايا الإقليمية إلا أنها لم تثن تركيا عن عزمها على التوصل إلى حل للملف النووي، وخلافا  لدول الخليج، تستبشر أنقرة باتفاقية الإطار التي تم التوصل إليها في لوزان بسويسرا، ففكرة طهران الخالية من السلاح النووي والمعفاة من أية عقوبات دولية تمثل لها موقفا مرضيا للطرفين، ورغم ذلك فتركيا لم تتخل عن مخاوفها من الآثار الجانبية لمثل هذا الاتفاق الذي قد يعني أن يقوم المجتمع الدولي بغض الطرف عن ممارسات إيران الطائفية والتوسعية العدائية في الشرق الأوسط.

وبعد أن انتهى الأمر إلى أن وجدت إيران وتركيا أنفسهما على طرفي نقيض فيما يخص الحرب في سوريا وفي اليمن، فإن العلاقة بين القوتين الإقليميتين يتوقع لها أن تكون معقدة في المستقبل، ولكن بعض الآراء في الدوائر التركية لازالت تعقد آمالها على أن يمهد الاتفاق النووي الطريق لتفاهم أكبر بينهم وبين منافسيهم وشركائهم التجاريين في الشرق، ووفقا لمسؤول تركي بارز بوزارة الخارجية التركية، أكد أنه يعبر عن رأيه الشخصي، فإن هذا «قد يكون تفكيرا مبني على الأماني وحدها، إلا أنه قد يوجد بالفعل تأثيرا اجتماعيا وسياسيا على المدى البعيد مترتب على الاتفاق النووي في إيران»،وأضاف بأن «اندماج إيران في الاقتصاد الدولي وظهور طبقة متوسطة ديناميكية يمكن أن يحد من بعض الممارسات المتطرفة للسياسيات الإيرانية». 

  كلمات مفتاحية

أردوغان روحاني تركيا إيران عاصة الحزم اليمن الاتفاق النووي العلاقات التركية الإيرانية

«أردوغان» من طهران: لابد من وضع حد للمجازر المرتكبة باستمرار في سوريا

ماذا حمل «محمد بن نايف» من «إغراءات» لـ«أردوغان» قبل ساعات من زيارته لطهران؟

«أردوغان» يؤكد استعداد بلاده تقديم دعم لوجستي واستخباراتي لعمليات «عاصفة الحزم»

إيران تستدعي القائم بالأعمال التركي احتجاجا على تصريحات «أردوغان»

«أردوغان» يوسع المواجهة: قد ندعم «عاصفة الحزم» لوجيستيا .. وعلى إيران الانسحاب من المنطقة

روسيا وإيران والعراق: مجموعة «أوبك» المصغرة الناشئة للغاز الطبيعي

إيران تعين سفيرا استثنائيا رفيع المستوى في أنقرة

«داود أوغلو»: نسعى لرفع التبادل التجاري مع ⁧‫طهران‬⁩ إلى 30 مليار دولار

‏مستشار لـ«خامنئي» يدعو إلى «مراجعة» العلاقات مع تركيا ‏

إيران توقع اتفاقا مع شركات تركية لبناء محطة كهرباء بـ3 مليارات دولار ⁦

تركيا توقع صفقة بأكثر من 4 مليارات دولار لبناء محطات كهرباء في إيران