المناورة المصرية السعودية… أبعد من الحرب

الجمعة 17 أبريل 2015 02:04 ص

لم يكن مفاجئا الإعلان عن تحرك بري مصري سعودي مشترك، خاصة بعد الاجتماع الماراثوني للمجلس العسكري الأعلى في مصر الأسبوع الماضي، والذي أكد في نهايته الرئيس «عبد الفتاح السيسي» على «الوقوف بجانب كافة الأشقاء»، وان كان قد شدد على الطبيعة الدفاعية لأي عمل تقوم به مصر. 

وتأتي «المناورة الاستراتيجية الكبرى» مثقلة بالأهداف والرسائل الاستراتيجية التي تتجاوز مجرد الاستعداد للحرب أو التغطية على بدء دخولها، وقد لا يكون من المبالغة الذهاب إلى أنها تضع محددات جديدة لموازين القوى والصراعات الملتبسة في الإقليم. 

وجاء اختيار عنوان «المناورة» كأفضل صياغة لحقيقة ما يحدث على الأرض: عشرات الآلاف من الجنود المصريين من قوات النخبة والتدخل السريع بدأوا (حسب تقارير وصور انتشرت على الانترنت) أو يستعدون للذهاب إلى السعودية للعمل على دعم «المواقع الأقل قوة» في منظومة الدفاع هناك، إلى جانب إجراء التدريبات الضرورية على القتال في المناطق الجبلية، تحسبا لإمكانية أن يصبح ضروريا فرض شريط أمني على الحدود المشتركة مع اليمن لمنع الهجمات غير المنتظمة التي تتعرض لها حاليا، والتي أعلن حلفاء للحوثيين «توقعهم» بأن تتوسع إلى العمق السعودي.  

وحيث إنها ستكون القوة الرئيسية على الأرض، فمن المهم أن تكون أهدافها واضحة من البداية، وكذلك أن تكون قابلة للتحقيق، خاصة أن ثمة غموضا أصبح يكتنف أهداف عملية «عاصفة الحزم» نفسها، إذ ليس من الواضح إن كانت تسعى إلى مجرد إعادة حكم الرئيس اليمني، وهو ما ينبغي ان تكون قادرة عليه اليوم بعد سبعة وعشرين يوما من القصف الجوي خاصة أنها تصر على أن الغارات حققت نجاحا واسعا، أم أنها تهدف إلى إجبار الحوثيين على الاستسلام، وهو ما يشكك كثيرون في واقعيته، أو إمكانية أن يكون أساسا صالحا لتسوية قابلة للحياة في اليمن على أي حال.

أما بالنسبة للقوات المصرية، فإن أقصى ما يمكن أن يتحمله الرأي العام في مصر سيكون الانخراط في جهد جمعي للدفاع عن السعودية ضد هجوم خارجي، وهو ما يمكن تبريره ليس فقط في إطار معاهدة الدفاع العربي المشترك، ولكن الدفاع عن الأمن القومي والمصالح العليا للبلاد، بالنظر إلى وجود أكثر من مليون مصري يعملون هناك. 

أما إرسالها لتغرق في المستنقع اليمني بدون استراتيجية واضحة للخروج، فسيكون مخاطرة حقيقية بأن يصبح اليمن أو ربما السعودية نقطة تحول في العلاقة بين «السيسي» والشارع المصري الذي يجد صعوبة بالغة في التعايش مع الحجم الحالي لضحايا العمليات الإرهابية، وهو ما لا يمكن مقارنته بما قد يتعرض له الجنود المصريون في اليمن من مجازر.

إذ لن يتعين عليهم مواجهة الحوثيين فحسب، بل سيكون مطلوبا منهم أن يحموا ظهورهم أولا من هجمات انتقامية محتملة من جماعة القاعدة الإرهابية، بل وقبائل مؤيدة لجماعة «الإخوان». ناهيك عن العدو الرئيسي المتمثل في الطبيعة الجغرافية الصعبة، التي تصب في مصلحة الخصوم على اختلافهم. 

ولعل ذكرى أكثر من خمسة آلاف مصري استشهدوا في اليمن في الستينيات «دفاعا عن الثورة» ستكون حاضرة في مخيلة الجميع، وكيف أن قرار الرئيس الراحل «جمال عبد الناصر» حينئذ، بالقاء قوات نظامية في هاوية حرب عصابات باليمن لم تتدرب عليها أصلا، كان كارثيا بكل ما تعنيه الكلمة، بالنسبة إلى مصر بل والعرب جميعا بالنظر إلى آثار الهزيمة في العام 1967. 

أما على الجانب الاستراتيجي، فلا يمكن إنكار أهمية أن تكون مصر القوة الاقليمية الوحيدة التي تستطيع وتقرر إرسال قوات على الأرض لحماية أمن السعودية الذي لا يمكن فصله عن أمن باقي دول الخليج. اذ بالإضافة إلى إعادة الاعتبار للدور المصري اقليميا، فإن المناورة تعيد الحياة نفسها إلى مفهوم «الأمن العربي المشترك». وفي علم الاستراتيجية، قد يكون التلويح بالقوة أهم من استخدام القوة ذاتها. وفي هذه الحالة فإن الرمزية التي تثقل «المناورة العربية» قد تكون أهم في تأثيرها من كافة الأسلحة التي يمكن أن تستخدمها.  

وهذه عوامل بدأت تؤتي ثمارها على الأرض فعلا مع جنوح إيران إلى الخيار السلمي بإعلانها لأول مرة أنها قادرة على استخدام نفوذها في اليمن لتأمين اتفاق سياسي، وهو خيط ينبغي أن يلتقطه العرب مع الاستمرار في إجراء المناورة، إذ أن اتفاقا سياسيا فقط يمكن أن يضمن انتصارا عربيا في هذه المواجهة الاستراتيجة الكبرى، ناهيك عن الوضع اليمني السوريالي في تعقيداته والمأساوي في مخاطره.

 

٭ خالد الشامي كاتب مصري

 

  كلمات مفتاحية

اليمن مصر السعودية عاصفة الحزم

«السيسي»: نشارك بقوات جوية وبحرية فقط في«عاصفة الحزم»

«مصر» و«السعودية» تتفقان على مناورة «كبرى» بمشاركة دول خليجية

وزير الدفاع السعودي يعقد مباحثات مع «السيسي» ونظيره المصري في القاهرة

السقوط في مستنقع اليمن: لماذا ينبغي على «السيسي» أن يعي دروس التاريخ؟

«السيسي»: مصر لن تتخلي عن أشقائها وحماية «باب المندب» أمن قومي

خمسة مؤشرات حول ضغوط دولية لإنهاء «عاصفة الحزم» والوصول إلى حل سياسي