الإعلام السعودي والإعلام المصري.. كلاهما على خطى الآخر وليس أفضل منه

الاثنين 4 مايو 2015 08:05 ص

هناك أزمة في العلاقات السعودية المصرية، والزيارة الخاطفة التي قام بها الرئيس المصري «عبدالفتاح السيسي» إلى الرياض يوم أمس واستغرقت ساعة وربع الساعة فقط، هي خطوة على طريق حلها، لكن ما زال من المبكر الإغراق في التفاؤل في هذه الصدد، وهذا ليس موضوعنا على أي حال.

الإعلام المصري بأشكاله كافة هو «الترمومتر» الذي يمكن من خلاله معرفة ملامح علاقات مصر مع الدول المختلفة، وليس وزارة الخارجية وسفاراتها، فإذا شن هذا الإعلام، أو معظمه، هجوما على «بلد ما» فإن هذا يعني أن هناك أزمة، وإذا امتدحها وقيادتها، فهذا يعني أن العلاقات معها على ما يرام، ويتساوى في هذا المضمار العلامين الحكومي والخاص، أو معظم الأول وبعض الثاني.

السيد «أحمد قطان» السفير السعودي في القاهرة يدرك هذه الحقيقة جيدا، مثلما يدركها كل زملائه الذين احتلوا هذا المنصب طوال الستين عاما الماضية إن لم يكن أكثر، فالرؤوساء يتغيرون في مصر، ولكن وظيفة الإعلام وهويته لا تتغير، فهو وأسلوبه «الثابت الوحيد».

لا نتورع عن الاعتراف بأننا نتفق مع السفير قطان فيما قاله في مقابلة تلفزيونية منتقدا الإعلام المصري والإساءات التي يوجهها هذه الأيام إلى المملكة العربية السعودية ورموزها، مؤكدا انه جرى الاحتجاج رسميا على هذه الاحتجاجات والمظاهرات، وقال «يجب أن نقر بأنه منذ ثورة يناير حدث انفلات إعلامي تعاني منه مصر وتتضرر منه كدولة، حتى يومنا هذا».

الإعلام المصري يعيش حالة من الفلتان، مثلما قال السفير السعودي، ويفتقد بعضه إلى الكثير من المصداقية والمهنية، مثلما نؤكد نحن، ولكن السؤال الذي نتمنى على السيد السفير أن يجيب عليه وهو: هل الإعلام السعودي أو معظمه، في حال أفضل؟ لنا راي مختلف سنطرحه لاحقا.

قبل أن ننتقل إلى الإعلام السعودي، أو معظمه، نود التأكيد بأن جميع الصفات والتوصيفات التي تنتقد الإعلام المصري أو بعضه، ليست جديدة، الأمر الذي جعل هذا الإعلام، أو بعضه، (ونصر على كلمة بعضه حتى لا نتهم بالتعميم) محدود التأثير في المحيطين العربي، وبدرجة اقل في محيطه المصري، بحكم التكرار وزيادة جرعة الصراخ، وغياب الرأي الآخر، وما تراجع شعبية «التوك شو» على القنوات المصرية في الأشهر الأخيرة إلا أحد الأمثلة.

ربما تكون الحكومات المصرية السابقة حققت نجاحات كبيرة في العديد من المجالات، ولكنها ومنذ وفاة الرئيس الراحل جمال عبد الناصر لم تنجح مطلقا في البناء على «سابقته» الإعلامية في إحكام سيطرتها، وعبر وسائل الإعلام، على الرأي العام العربي، وكل المشاريع الإعلامية التي أطلقها الرئيس الذي خلفه «محمد أنور السادات»، والرئيس «حسني مبارك» من بعده لإصلاح هذا الخلل، من خلال إطلاق مجلات مثل «أكتوبر» ومحطات تلفزيونية لمنافسة «الجزيرة» مثل «النيل» لم يكتب لها النجاح، وإذا نجح بعضها فان نجاحها كان محدودا جدا.

الإعلام الخليجي، والسعودي منه على وجه الخصوص، كان أكثر نجاحا وتأثيرا، لأنه كان، وما زال، إعلاما عابرا للحدود، وبهوية عربية جامعة، ولنا في صحف مثل «الشرق الأوسط» و«الحياة» ومحطات تلفزيونية مثل «إم بي سي» و«العربية» والعديد من المحطات «الإسلامية» مثل «اقرأ» خير الأمثلة في هذا الصدد.

الإعلام السعودي، أو «بعضه» بدأ يسير على نهج الإعلام المصري، ويلجأ إلى لغة التشائم والتشهير والقذف في كل من يختلف معه أو حكومته وسياساتها، وبشكل مباشر، بعد أن كانت السلطات السعودية في الماضي «تتعفف» عن هذا المنحدر، وتلجأ إلى استخدام «منابر عربية» للقيام بهذه المهمة نيابة عن إعلامها، وفي حدود ضيقة جدا، ولكن دوام الحال من المحال.

الأسلوب الآخر الذي اتبعته الحكومات السعودية إعلاميا هوتحصين نفسها من أي هجمات أو المعاملة بالمثل، بـ«إرهاب» إعلام الدول الأخرى من خلال «إرهاب» حكوماتها، وتملك أدوات كثيرة مؤثرة في هذا الصدد، وهو سلاح المساعدات المالية، وتأشيرات الحج والعمرة والعمل وغيرها، ففي الأردن على سبيل المثال لا الحصر، تستطيع أن تنتقد الحكومة ووزراءها، بل والعاهل الأردني نفسه، ولكنك لا تستطيع أن تنتقد السفير السعودي ناهيك عن حكومته ولو برفق شديد جدا، وبكلمات ناعمة، والآن امتد الشيء نفسه إلى معظم دول الخليج، وما اعتقال السيد «زكي بني ارشيد» أحد قادة الإخوان المسلمين لانتقاده دولة الإمارات، إلا احد الأدلة في هذا الصدد.

المشكلة أن هذه «الهيمنة» السعودية تكرست، من خلال الوحدة «شبه الاندماجية» التي تمت مؤخرا بين الامبراطورية الإعلامية السعودية، وإمبراطوريتين خليجيتين، هما قطر (الجزيرة) والإماراتية على أرضية «عاصفة الحزم» والتصدي للنفوذ الإيراني واذرعه.

المشهد الإعلامي العربي يتغير بوتيرة متسارعة، فهناك أكثر من خمسة منتديات إعلامية كبرى خليجية بامتياز لا يحصل على جوائزها في معظم الأحيان، أو يشارك فيه إلا المرضي عنهم خليجيا، وسعوديا بالذات، حتى أن احد المنتديات الإعلامية العربية اغفل في دورته الأخيرة منطقة الاتحاد المغاربي كليا، رغم أن هذه المنطقة تشكل نصف العرب من حيث المساحة وعدد السكان، وتملك مخزونا إعلاميا وثقافيا متقدما للغاية في مهنيته ومصداقيته، ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داوود.

السلطات السعودية وضعت قوانين تعاقب بالسجن حوالي عشر سنوات لكل من يتطرق بالنقد لنظام الحكم، أو يطالب بالإصلاحات، أو يقذف في حق المسؤولين، ولكنها تشجع وبكلمات بذيئة، وأوصاف غير أخلاقية، ومستويات هابطة، لكل من ينتقد وبأدب جم المملكة.

وأي متابعة لأنشطة «الجيش الالكتروني السعودي» على مواقع التواصل الاجتماعي تؤكد ما نقول، ومن المؤسف أن دولا خليجية أخرى تتبع النهج نفسه، وإذا أراد احدهم أن يلجـأ إلى القضاء السعودي لمقاضاة هؤلاء، مثلما هدد السفير السعودي في القاهرة الصحف والمحطات المصرية، فانك تجد الأبواب مغلقة بإحكام.

حتى لا تتهم هذه الصحيفة بعدم دعم أقوالها بالأدلة، نقول إننا صدمنا بوصف مذيع كبير في محطة «الإخبارية» السعودية الرسمية السيد «حسن نصرالله» بـ«أبي زمارة»، ووصف الإيرانيين «المجوس» وهذه الألفاظ لا تليق بمحطة تمثل رسميا ارض الحرمين، وتبث من ارض الوحي والنبوة، أما عن «المجوس» فنحمد الله أننا كعرب اهدينا هؤلاء «المجوس» رسالة الإسلام، أي لم يعودوا مجوسا، «عبدة النار»، وربما يفيد تذكير هؤلاء في الإعلام السعودي وغيره، أن أئمة هؤلاء الاثني عشر هم من العرب وآل البيت، فهل هؤلاء من «المجوس» أيضا؟

اكرهوا إيران وتحسسوا من خطرها، لكن قلب الحقائق مرفوض ومذموم، والارتقاء بالخطابين الديني والسياسي هو من شيمة الحكماء، ولا نملك إلا أن ندعو لهؤلاء، الذين يهبطون بمستوى خطابهم بالهداية، والتمسك بأخلاق الإسلام وقيمه ورسوله.

نريد من الذين ينتقدون الإعلام المصري، الذي كنا وما زلنا من أبرز منتقديه وقبلهم بعقود، نريد منهم أن لا يقعوا في أخطائه، ويتبنون نهجه، وان يقدموا النموذج النقيض في المهنية وأدب الحوار، واحترام «الرأي الآخر»، والردود السعودية على هذا الإعلام المصري، والهجوم الذي شنه الإعلام السعودي على مذيعين ومقدمي برامج مصريين انتقدوا المملكة، ومن قبل كبار الكتاب في بعض الأحيان لا يوحي بذلك، ونكتفي بهذا القدر.

  كلمات مفتاحية

الإعلام المصري الإعلام السعودي المجوس قناة الجزيرة قناة العربية حسن نصر الله إيران

«خاشقجي»: الإعلام المصري يُدار بالتليفون وأدعم الحوار مع الإخوان

2014: سنة الرقص والجن في الإعلام المصري!

الإعلام المصري: قطر حبيبتي؟!

العلاقات المصرية السعودية: غيوم لا قطيعة

إعلام السلطة يبيع الإنجازات الوهمية للمصريين

ماذا وراء هجوم الفضائيات المصرية على السعودية؟

«ويكليكس»: كيف تعاملت السعودية مع انتقادات الإعلام المصري بعد ثورة يناير؟

كاتب مصري: مليار دولار من السعودية للسيطرة على عقولنا

إعلامي مصري يحذر «السيسي» من «جفاف» المال السعودي والمنح الخليجية

حيتان الميديا العرب

الملك «سلمان» للمثقفين والإعلاميين: المملكة منطلق العرب والكتاب والسنة

«عبدالله المفلح» يتهم وسائل إعلام سعودية بـ«نشر العهر ومناصرة الصهيونية»

إعلاميون سعوديون ينسحبون من حفل تكريم اتحاد المنتجين العرب في القاهرة