قطر وإسرائيل.. علاقة محكومة بميزان حساس

الثلاثاء 24 سبتمبر 2019 09:30 ص

في حوار له خلال إحدى جلسات مؤتمر ميونخ للأمن، في فبراير/شباط الماضي، قال وزير الخارجية القطري "محمد بن عبدالرحمن آل ثاني" إن القضية الفسطينية هي أساس العلاقة بين بلاده و(إسرائيل)، وأن الدوحة ترى أنه يجب حل النزاع الفلسطيني الإسرائيلي "لكن بشكل عادل يأتي بحقوق الفلسطينيين".

حاول المسؤول القطري بتلك التصريحات وضع إطار يمكن أن يعتبر شاملا يساعد على قراءة تموضع الدوحة الحالي بين مفردات التصور الجديد لعلاقة يراد لها أن تكون كاملة وبلا شروط بين دول الخليج و(إسرائيل) بضغوط أمريكية وافقت هوى إسرائيلي وعدم ممانعة سعودية، وهي الظروف التي مثلت حصارا سياسيا إضافيا على قطر، يضاف إلى حالة الحصار الشامل الذي لا تزال تعيشه من الرباعي العربي "السعودية والإمارات والبحرين ومصر"، منذ يونيو/حزيران 2017.

ورغم أن "تبريرات" وزير الخارجية القطري حول أسباب حضوره مؤتمر وارسو، في فبراير/شباط 2019، الذي اعُتبر مهما في مسيرة التطبيع الخليجي الإسرائيلي، تكاد تكون نسخة من تبريرات ساقها مسؤولون آخرون بعد المؤتمر أيضا، إلا أن لقطر خصوصية قد تجعل تبريرها أكثر قبولا ومنطقية من غيرها.

((1))

ووفقا لمتابعين، فإن التعاطي القطري مع (إسرائيل) كان منصبا على الإفادة من المكانة القطرية بين مختلف أطياف الفصائل الفلسطينية، والسلطة في رام الله أيضا، وقد تكون الدوحة أحد أكثر الأطراف قبولا بين هؤلاء وهؤلاء، قبل أن تبدأ تلك المكانة في الاهتزاز مؤخرا بفعل الضغط السعودي والإماراتي والمصري على رام الله لمحاولة إخراج قطر من هذه الدائرة برمتها، ضمن محاولات قصقصة ريش الدوحة السياسي بالمنطقة.

ويبدو أن قطر منزعجة، هذه الأيام، من محاولة الإدارة الأمريكية بدعم سعودي تغيير منطلقات العلاقة التي تسعى لصياغتها بين دول الخليج و(إسرائيل) لتكون منفصلة عن مسألة حقوق الفلسطينيين وما اعتُبرت ثوابت للقضية الفلسطينية التزم بها العرب معنويا خلال العقود الماضية، وهو الأمر الذي يجعل التطبيع بين الخليج و(تل أبيب) غاية في حد ذاته، وليس وسيلة لحل النزاع العربي الإسرائيلي الذي بات مختزلا خلال الفترة الماضية في الحديث السياسي والإعلامي العربي، ليخرج العرب من التزاماتهم المعنوية الثابتة حيال تلك القضية بشكل سلس يمهد لما بعده.

وقد انعكس هذا الانزعاج القطري على تصريحات رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري السابق، "حمد بن جاسم آل ثاني" بعد مؤتمر وارسو؛ حيث وصف المؤتمر بأنه "عرس لإضاعة الحق الفلسطيني يحضره شهود ملك". (طالع المزيد).

((2))

وكان "بن جاسم" صريحا ومباشرا عندما قال إنه ليس ضد التطبيع أو إقامة علاقة مع (إسرائيل)، مشترطا أن تكون تلك العلاقة متكافئة وليست على حساب الحقوق الفلسطينية.

تصريح "بن جاسم" -كمسؤول قطري سابق له وزنه واعتباره السياسي حتى الآن داخل قصر الحكم الأميري في الدوحة- قد يتم التعامل معه على أنه رأي رسمي للدولة القطرية، في مقابل تصريحات سابقة، مثلا، لولي العهد السعودي "محمد بن سلمان" أطلقها أمام وسائل إعلام أمريكية والتي رأى فيها أنه "على الفلسطينيين أن يخرسوا ويكفوا عن الشكوى ويجلسوا للتفاوض"، وأن "السعودية بات لديها قضايا أكثر إلحاحا من القضية الفلسطينية، مثل مواجهة النفوذ الإيراني في المنطقة".

من هنا يمكن القول أن قطر لديها بالفعل سجل سابق في التعامل العلني والسري مع (إسرائيل) خلال الفترة الماضية، كان مستندا في الأساس على قيامها بدور الوسيط في محاولة فك تعقيدات في العلاقات بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهي أدوار جاءت معظمها بطلب من الإسرائيليين أنفسهم، ولا تزال مستمرة في غزة مثلا.

يقابل ذلك سعي سعودي حالي لخلق علاقة "جديدة" مع تل أبيب تستهدف منح الرياض قوة سياسية في الملف الفلسطيني على غرار القوة القطرية، لكنها قائمة على أساس عدم الممانعة في تجاوز كافة الثوابت والمطالب الفلسطينية مقابل التطبيع كغاية في حد ذاته، ووسيلة لتقوية ولي العهد السعودي كحاكم مستقبلي للمملكة، يهمه الحصول على دعم واشنطن عبر البوابة الإسرائيلية.

  • تاريخ العلاقات

وعند الحديث عن سجل العلاقات بين قطر و(إسرائيل) تاريخيا، نجد أن مسارها بدأ متأخرا وكان تجاريا أكثر منه دبلوماسيا، لكنه جاء قويا؛ حيث انطلقت الدوحة في غزل علاقاتها مع (إسرائيل) بعد مؤتمر مدريد عام 1991، وظلت العلاقة حينها في وضع الخمول.

لكن في 1996، ذهب رئيس الوزراء الإسرائيلي، آنذاك، "شمعون بيريز" إلى الدوحة لافتتاح مكتب تجاري إسرائيلي هناك، والتفاوض على شراء (إسرائيل) للغاز القطري، ومن هنا بدأت العلاقات تأخذ طابعا تجاريا.

وتوازى الحراك القطري مع آخر عماني لفتح علاقات تجارية مع (إسرائيل)، لكن مع اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 2000، أغلقت الدوحة المكتب التجاري الإسرائيلي لديها رسميا.

ومثل تنامي العلاقات القطرية الإسرائيلية وانتظام إيقاعها بين السر والعلن خلال تلك الفترة سببا من أسباب التوتر الذي شاب علاقة القاهرة بالدوحة، خلال هذه الفترة، وترك آثاره حتى الآن؛ حيث رأت القاهرة أن علاقات الدوحة مع تل أبيب وانخراط الأولى في عمليات وساطة سياسية خاصة بالملف الفلسطيني تشكل تهديدا على مكانة مصر السياسية، والمستمدة بشكل كبير من تأثير القاهرة داخل الملف الفلسطيني، علاوة على مخاوف تجارية من فوز قطر بصفقة تصدير غاز مستديمة لـ(إسرائيل)، وهو ما كانت مصر تسعى إليه في عهد الرئيس السابق "حسني مبارك" بشكل جدي.

((3))

ولعبت قطر أدوارا جدية للوساطة بين (إسرائيل) والفصائل الفلسطينية، كانت أبرزها في صفقة الجندي الإسرائيلي "جلعاد شاليط"، الذي كان محتجزا لدى حركة "حماس" بغزة عقب حرب 2008، وجاء التدخل القطري بطلب من تل أبيب، ومثلت تلك الصفقة أحد أبرز النجاحات القطرية داخل الملف الفلسطيني، لدرجة خروج تقارير بـ"ويكيلكس" على لسان الرئيس المصري السابق "حسني مبارك" يقول فيها إن الدوحة دفعت ملايين الدولارات لـ"حماس"، من أجل استمرار احتجاز "شاليط"، ودفعت ملايين أخرى لدفعها إلى إطلاق سراحه.

ووفقا لتصريحات أطلقها رئيس اللجنة القطرية لإعادة اعمار قطاع غزة "محمد العمادي"، في ديسمبر/كانون الأول 2018، فإن (إسرائيل) طلبت من قطر مجددا التدخل لدى "حماس" لإعادة الجنود الإسرائيليين الأسرى (أو رفاتهم) منذ حرب 2014، لكن الدوحة اشترطت موافقتها بتعهد كتابي إسرائيلي بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين ممن أعيد اعتقالهم بعد تحررهم في صفقة "شاليط".

ويضيف "العمادي" أن (إسرائيل) رفضت الالتزام بهذا الأمر، وتوجهت إلى مصر مباشرة لمحاولة حل هذا الملف، مشيرا إلى أن تلك الواقعة تشير إلى أن التدخل القطري في الشأن الفلسطيني يكون جادا وملتزما بالمصداقية لصالح الفلسطينيين أولا.

((4))

وعلى هذا المنوال، حرصت (إسرائيل) على استمرار نسج علاقة، ولو ضعيفة، مع قطر، رغم الحملة السعودية الإماراتية الأخيرة على الدوحة، والتي ترجمت إلى حصار كامل في يونيو/حزيران 2017، وذلك باعتبار أن قطر لا تزال تملك نفوذا لدى حركات المقاومة الفلسطينية، لاسيما في غزة.

وحرصت (إسرائيل) على استمرار منح قطر صلاحيات التدخل اقتصاديا لمنع انزلاق قطاع غزة نحو انهيار كامل لا تريده تل أبيب حاليا لأسباب أمنية وسياسية، فكان التدخل القطري بتحويل الأموال لصالح القطاع، بموافقة وإشراف إسرائيلي، وهو الأمر الذي ظل موضع ضيق من مصر، ومؤخرا من السعودية والإمارات، اللتان ضغطتا على رئيس السلطة الفلسطينية "محمود عباس" لمحاولة عرقلته.

وحسب تقديرات إسرائيلية، حولت قطر إلى غزة أكثر من مليار و100 مليون دولار، منذ 2012 وحتى الآن، منها 200 مليون دولار فقط العام الماضي، 2018، لتغطية أثمان الوقود الذي دخل لتشغيل محطة الكهرباء بالقطاع، ودفع رواتب الموظفين الفلسطينيين بعد أزمة منعها من قبل سلطة رام الله، كما تعهدت بتحويل مئات ملايين الدولارات عن طريق منظمات وآليات تابعة للأمم المتحدة.

ولا تزال (إسرائيل) ترفض التجاوب تماما مع الضغوط المصرية والسعودية والإماراتية بمنع دخول هذه الأموال القطرية؛ التي تؤدي وظيفة بالغة الأهمية لـ(تل أبيب) تتمثل في تبريد الوضع بالقطاع، ولا يستبعد أن يكون الإسرائيليون طلبوا من السعوديين والإماراتيين تمويلا بديلا للقطاع بعد قطر، لكن تلك الدول ترفض إدخال أموال لغزة، طالما استمرت حركة "حماس" في حكمها، حيث تصنفها الرياض وأبوظبي "إرهابية"..

  • بوابة الرياضة

وفقا لمراقبين، فإن بوابة الرياضة ستكون مصدر إزعاج للحالمين بموقف قطري واضح ضد التطبيع مع (إسرائيل)، وشكلت موافقة الدوحة على استضافة فريق إسرائيلي ببطولة العالم للجمباز الفني، التي استضافتها في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، صدمة للرأي العام الشعبي الذي يرى في قطر نموذجا لتأييد طموحات الشعوب العربية وتطلعاتها، واستدعى ذلك التطور رفضا واستنكارا من ناشطين قطريين وعرب.

وستمثل استضافة قطر المنتظرة لكأس العالم لكرة القدم 2022 عبئا إضافيا في هذا الملف؛ نظرا لأن الدوحة ستكون مطالبة بعدم رفض دخول المشجعين الإسرائيليين الراغبين بحضور مباريات المونديال، على سبيل المثال، وهو الأمر الذي سيكون محل مراقبة من الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا).

  • القدس و"صفقة القرن"

كانت قطر من أبرز الدول التي عبرت عن رفضها للقرار الأمريكي بنقل سفارة واشنطن إلى القدس؛ حيث بادر أمير البلاد "تميم بن حمد" بالاتصال بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب وتحذيره من تداعيات القرار، واعتبرت الدوحة أن القرار الأمريكي هو "حكم بالإعدام" على مساعي السلام.

أما عن صفقة القرن، فإن طريق قطر للانخراط بها كان ولا يزال محاطا بالعديد من الصعوبات، أبرزها أن الواقع الجديد الذي أفرز هذه الصفقة لا يتماشى مع المصالح القطرية، ويقصد هنا تحديدا الدور الذي تلعبه السعودية والإمارات بشكل علني وسري لدعم تلك الصفقة، كليا أو جزئيا.

وتعد الأزمة الخليجية الحالية إحدى أبرز أسباب عدم حماس الدوحة إزاء هذه الصفقة.

القطريون، وكما تدل تصريحاتهم على المستويين الرسمي وغير الرسمي، يرون "صفقة القرن" حاليا كصيغة مشروع يمثل مصالح خاصة لأنظمة السعودية والإمارات ومصر لكسب ود الإدارة الأمريكية الحالية، مقابل إضفاء شرعية تحتاجها هذه الأنظمة أمام مواقف عصيبة تواجهها أمام الرأي العام المحلي لديها والإقليمي، وبالتالي فإن قطر لا ترى أنها في نفس الاحتياج لذلك الأمر.

وظل الاحتياج القطري مهتما فقط بالحفاظ على علاقة استراتيجية بواشنطن، وهو أمر له محدداته وأطره، التي ليس بالضرورة أن يكون من بينها خيار التطبيع مع (إسرائيل) بالمجان، وهو الخيار الذي تستند عليه "صفقة القرن" الأمريكية، باعتبار التطبيع غاية في حد ذاته، وليس وسيلة.

الصفقة التي رعتها واشنطن، بدت قطر مضطرة للمشاركة في ورشة البحرين المعنية بالشق الاقتصادي لها، إلا أن مشاركتها جاءت خجولة وبعيدة عن عيون وسائل الإعلام.

ولا تزال قطر تمتلك أوراقا سياسية مهمة على المستوى الإقليمي والدولي، مثل علاقاتها السياسية بحركة "طالبان" في أفغانستان، بطلب أمريكي، والتي ترجمت إلى رعاية الدوحة لمفاوضات جادة بين واشنطن والحركة مؤخرا تبلورت عن نتائج جدية، وعلاقات قطر أيضا التي لا تزال قوية بالفصائل الفلسطينية، وتحالفها المحوري مع تركيا التي تمتلك بدورها علاقة لا تزال متينة مع واشنطن.

  • العلاقة مع إيران

وفي الوقت الذي مثل فيه القلق السعودي والإماراتي من إيران وتحركاتها الإقليمية سببا مهما للانخراط في تطبيع بشروط ميسرة مع (إسرائيل)، فإن قطر حرصت على نسج علاقة متوازنة مع الإيرانيين، وصلت إلى أوجها بعد الأزمة الخليجية ومبادرة طهران في التواصل مع الدوحة تجاريا وسياسيا، وقد كان هذا التواصل أحد أسباب تجاوز الأخيرة لحصارها، وتعاطيها بإيجابية أكبر مع إيران، مؤخرا.

وفي هذا الوضع الحالي، من المتصور أن تحرص إيران بدورها على عدم تعكير هذه العلاقة، لا سيما أن التحالف القطري التركي يضيف زخما لموقف الدوحة وتموضعها الجديد، بعد الأزمة الخليجية.

كل ما سبق يجعل قطر تتعامل مع ملف التطبيع بأريحية، على الأقل كونها لا تزال غير مضطرة للهرولة إلى (إسرائيل) ضد إيران، إلا بالقدر الذي يجعلها غير منفصلة عن الخط الخليجي والمدعوم أمريكيا في هذا الإطار، وهو ما تشترك فيه قطر مع الكويت وسلطنة عمان حاليا (رغم التسارع المفاجئ في حركة مسقط مؤخرا نحو التطبيع لأسباب أخرى).

نظريا، فالتوتر الحاصل في المنطقة من المفترض أن يدفع قطر بعيدا عن قطار التطبيع بقيادته الحالية، أما عمليا، فإن كل الاحتمالات تبقى مفتوحة في منطقة لم تعد قابلة للتوقعات.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قطر تطبيع إسرائيل وساطة صفقة القرن

"سنكون آخر المطبعين".. هل تحتاج الكويت إلى إسرائيل؟

تطبيع عُمان وإسرائيل.. لماذا تخلت سويسرا الخليج عن حيادها؟

الإمارات وإسرائيل.. تعاون استراتيجي نسجته مخاوف مشتركة

السعودية وإسرائيل.. دبلوماسية الباب الخلفي

البحرين.. قاطرة التطبيع الخليجي مع إسرائيل

خارجية الاحتلال تنشر صورة لوفد إسرائيلي زار قطر (شاهد)