«رويترز»: إرضاء الجميع .. سياسة باكستان المحفوفة بالمخاطر

الثلاثاء 26 مايو 2015 06:05 ص

على الرغم من أن إسلام آباد لم تنته بعد من الإرهاب المحلي الذي خرج من المدارس والمساجد والأسواق، أو ميّز أعمال العدائية مع الهند المجاورة، فقد شرعت في سياسة خارجية معقدة. إنها تسعى لحل مشاكلها الاقتصادية والسياسية والأمنية المتعددة، وتحاول باكستان في وقت واحد كسب أربعة رعاة أغنياء وأقوياء، الصين والمملكة العربية السعودية وإيران والولايات المتحدة.

وهذه مهمة صعبة للغاية، لأن علاقات هذه الحكومات مع بعضها البعض تميزها سياسة عالمية لها أبعادها. جهود إسلام آباد لمحاولة توفيق مطالبهم المتنافسة وهمية بما فيه الكفاية. سعيها لجعل الكل يعمل لما فيه صالح باكستان هو أمر طموح، لكنه يمكن أن يأتي بنتائج عكسية بكل سهولة.

سعت باكستان للحماية الأجنبية والتمويل منذ استقلالها قبل حوالي 70 عاما. وانضمت إلى التحالفات الغربية في الخمسينيات من القرن الماضي. وسمحت باكستان للولايات المتحدة باستخدام أراضيها كموطئ قدم في جنوب وجنوب غرب ووسط آسيا خلال الحرب الباردة والحروب الأفغانية والحروب بين باكستان والهند، وانفتاح واشنطن على الصين، وصعود سياسات الإرهاب والتوجه الأخير نحو آسيا.

لقد كسبت واشنطن وإسلام أباد وخسرا، فالتحالفات دائما هكذا.

لكن باكستان ربطت منذ فترة طويلة حكمها المحلي بارتباطات سياستها الخارجية. ففي ظل تحالفاتها العسكرية المختلفة، ازدهر جهاز أمن الدولة، الذي تسبب بلا شك في تضاؤل قدرتها على الديمقراطية. واليوم إسلام آباد صورة من صور الديكتاتورية التي تحاول بين الحين والآخر التسربل بلباس الحكومات المنتخبة. فعلى الرغم من أن البرلمان حرر دستور البلاد، إلا إن هناك محاكمات لمدنيين أمام محاكمات عسكرية، على الرغم من أن المتهمين بالإرهاب لا صلة لهم بالسلك العسكري.

وهكذا تقدم غزوات السياسة الخارجية الباكستانية الأخيرة رسائل مختلطة لشعبها والعالم أجمع. للمرة الأولى منذ فترة طويلة؛ تحاول باكستان التوفيق بين دبلوماسيتها واحتياجاتها المحلية الملحة. إنها تأمل إدارة العلاقات الخارجية، بعضها بالغ الخطورة وبعضها بناء، لكسب الوقت لتسوية مشاكل الحكم العميقة الخاصة بها. إنها مقامرة كبيرة في محاولة لتحقيق التوازن بين علاقاتها مع المملكة العربية السعودية وإيران والصين والولايات المتحدة، وبطبيعة الحال الهند وأفغانستان، من أجل تأمين اقتصادها وخلق الاستقرار الداخلي الملح.

دعونا نبدأ مع اليمن. ففي إبريل / نيسان طلبت المملكة العربية السعودية من باكستان المساهمة في التحالف المسلح لقتال مليشيات الحوثي. واتفق رئيس الوزراء «نواز شريف»، الذي استفاد ماليا كثيرا من المملكة، على ذلك، حيث وافق في بداية الأمر.

ورغم الاتفاق والموافقة، وفي استعراض نادر للاستقلال السياسي رفض البرلمان الباكستاني المشاركة العسكرية. وقال إن القتال في اليمن لا يعني باكستان في شيء، وأن المملكة العربية السعودية علها ألا تفترض أن كل طلباتها من باكستان ستلبى سمعا وطاعة. فعلى الرغم من التعويض المالي، فإن دعم المملكة العربية السعودية لطالبان كلف باكستان بشكل رهيب لا يمكن حصره.

واحتجاجا بالتوترات الطائفية الخاصة به (هناك أقلية شيعية كبيرة في باكستان كانت تحت هجمة شرسة لسنوات كما أن هناك أقليات دينية أخرى)، رفض البرلمان صراحة أن يختار بين المملكة العربية السعودية وايران في حرب إقليمية أخرى بالوكالة. عرض إسلام آباد للمساعدة في التوسط تم تجاهله بأدب من قبل جميع الأطراف.

اعتراض إسلام آباد غير المتوقع على طلب المملكة العربية السعودية يضعها على مسار دبلوماسي مختلف. باكستان فقيرة ماديا، وتحتاج للاستثمارات بشراهة، كما أن احتياجها للطاقة بالغ. وقدمت المملكة العربية السعودية 1.5 مليار دولار لباكستان لبناء مشاريع الصرف الأجنبي والطاقة العام الماضي، وتراهن باكستان أيضا على علاقتها المستقبلية مع إيران، والتي تشترك معها في حدود طويلة وحاسمة مع أفغانستان.

باكستان بحاجة ماسة إلى الغاز الطبيعي الإيراني وتأمل أن صفقة بين الولايات المتحدة وإيران تمهد الطريق لاستيراد الوقود. وقد أطلق على خط أنابيب محتمل من إيران إلى باكستان والصين اسم «خط أنابيب السلام». وتحتاج إسلام آباد أيضا إلى تأمين حدودها الغربية مع إيران وأفغانستان المضطربة لتحقيق التوازن مع حدودها الشرقية المضطربة مع الهند.

وفي الوقت نفسه؛ تعزز باكستان علاقاتها مع الصين  مرة أخرى، من خلال تداول الطاقة للحصول على الدعم الدبلوماسي. وانتهت بكين مؤخرا من بناء ميناء رئيسي في جوادر على ساحل بحر العرب في باكستان، وقد وقعت اتفاقا لإدارته لمدة 40 عاما.

لم تمر عشرة أيام على رفض المشاركة في اليمن، حيث استضافت باكستان الرئيس الصينى «شى جين بينج»؛ لتأسيس الصين وباكستان الممر الاقتصادي الذي سيتم تشغيله من الميناء الجديد إلى كاشغر في إقليم شينجيانج. وينتظر أن يتم ضخ 50 مليار دولار لباكستان. وفي المقابل، فقد وعدت إسلام آباد بالحماية العسكرية لعمال البناء الصينيين. وفي الوقت نفسه، سوف تحقق الحكومة والشركات الصينية أرباحا كبيرة من دون شك.

وأصبح الطموح الصيني الواسع في آسيا أكثر وضوحا من أي وقت مضى. وزار رئيس الوزراء الهندي «ناريندرا مودي» الرئيس الصيني الأسبوع الماضي لتأمين الشراكة الأمنية المتطورة. في حين أن الصين لا يمكن أن تفترض أن دبلوماسيتها الخاصة سوف تقلل من التوتر بين باكستان والهند، فمن الواضح أن المال ، والطاقة  هي محادثات الجنوب الأسيوي المفتقر إلى المال. فوائد باكستان أشبه بما يحدث في حالة الاستعمار، بمعنى تأجير البلد نفسها لمتبرع أجنبي لكونا فقيرة جدا ومحكومة بالقدر الكافي لتطوير مواردها الخاصة.

هذه نعمة النقدية المحتملة التي تترك باكستان مع الخيارات السياسية المحلية والأجنبية الحاسمة. هناك بالفعل نزاع حول مسار الممر الاقتصادي الصيني في باكستان، حيث يفضل «شريف» تجنب المحافظات المضطربة أمثال بلوشستان وخيبر بختونخوا لصالح مسقط رأسه في ولاية البنجاب.

واستمر هذا النمط من الاستثمار غير المتوازن الذي ساهم في التنمية غير المتوازنة في البلاد، ما يشبه استثمارا ماليا في الاستقرار باعتباره صفعة في وجه المتمردين البلوش. لقد أمضوا عقودا يقاتلون من أجل صوت في السياسة الوطنية، وما يثير السخرية من أجل حصة في موارد الطاقة التي تنشأ في محافظتهم.

وكان رد إسلام آباد وحشيا، وتم ترهيب البلوش بالسجن تارة والإخفاء تارة والقتل تارات منذ حقبة السبعينيات. ويعتقد معظم المراقبين أن سعر ممارسة الأعمال التجارية مع الصين سيكون خنق البلوش، وفرض سلام مزيف بينما هناك تقييد نطاق واسع الحريات المدنية.

التكلفة عالية للغاية، وفي الغالب ليست ضرورية. وأمام باكستان فرصة الآن للتعامل مع اثنين من القضايا التي أبطأت تطورها منذ الاستقلال. أولا: رفضها لتوفير حقوق المواطنة المتساوية للجميع أدى إلى زيادة التوترات الوطنية والطائفية المسببة للتآكل. وتوتر العلاقات بين هذه المحافظات، وتعطيل صنع القرار الاقتصادي وتعزيز نزعة الدفاع عن الذات لحل المشاكل السياسية باستخدام العنف من قبل الدولة.

لا يمكن لأي قدر من المال إصلاح هذه الصعوبات. ولكن المناقشات العامة الخطيرة تساعد في تصحيح أخطاء الماضي، والأهم من ذلك، تنظيم المسؤولية في المستقبل يمكن أن يساعد في سياسات حرفية تعالج هذه الصدوع السياسية العميقة.

ثانيا: خيارات باكستان الاقتصادية، في كثير من الأحيان مريحة للأغنياء ومدمرة دائما للفقراء، وتركت ثقوبا عميقة في ميزانياتها والتمويل والاستثمار. ونتج النقص في الطاقة نتيجة لسنوات من الاستهلاك المفرط وسوء الاستخدام والديون الدائرية والاستثمارات السيئة التي ترك الآن أجزاء من البلاد من دون كهرباء لمدة 10 إلى 20 ساعة يوميا.

بناء الطرق من باكستان إلى الصين باستخدام العمالة الصينية  لن يحل الفقر، كما أن غياب الحقوق في قلب الأزمات الاقتصادية في باكستان. إلا أن سياسات أفضل، بدءا من احترام القوى العاملة غير المنظمة إلى حد كبير في باكستان وحماية الحقوق الحرجة للجمهور بكله، يمكنها البدء بضمان أن النقدية في الصين يمكن أن تتحول إلى استثمار لجميع باكستان.

عبء التوفيق بين هذه المطالب المتنافسة هو الآن على كاهل إسلام آباد. فالتحديات حاسمة. ولا يمكن لباكستان أن تسقط أسلاكها العالية. ولا يمكن للدبلوماسية أن تصلح إدارتها، ولكن حتى بعض التحسينات الأولية ستكون خطوة كبيرة نحو ضمان دبلوماسيتها.

  كلمات مفتاحية

باكستان السعودية إيران عاصفة الحزم الصين أفغانستان العلاقات السعودية الباكستانية

«ناشيونال إنترست»: لماذا اختارت باكستان أن تنأى بنفسها عن التدخل في اليمن؟

«ظريف» في باكستان لمناقشة الأوضاع في اليمن

«ستراتفور»: تركيا وباكستان لا ترغبان في تحول «عاصفة الحزم» إلى صراع طائفي

«ديبكا»: باكستان تستعد لنقل قوات كبيرة لحماية حدود السعودية اليمنية

«ستراتفور»: لماذا نتوقع نمو التعاون العسكري بين السعودية وباكستان؟

من أجل الخليج.. «إسلام آباد» تطلب إلغاء حظر صيد «الحبارى»

الإمارات تدرس خفض عدد الباكستانيين ردا على حظر صيد «الحبارى»

اختتام تدريب عسكري بين السعودية وباكستان

«محمد بن سلمان» يبحث التعاون العسكري مع قائد الجيش الباكستاني

العاهل السعودي يبحث في الرياض العلاقات الثنائية مع قائد الجيش الباكستاني

باكستان ترفض طلبا أمريكيا لتقليص برنامجها النووي