ورشة البحرين.. صفقة القرن ستار أكبر للتطبيع الخليجي الإسرائيلي

الثلاثاء 24 سبتمبر 2019 09:31 ص

"تجار يروجون لسعر البيع دون عرض البضاعة".. هكذا وصف رئيس المجموعة العراقية للدراسات الاستراتيجية "واثق سالم الهاشمي" ما اعتبره فسادا واضحا لمنهجية المشاركين بورشة البحرين الاقتصادية، التي عقدت بالمنامة، وما ترتب عليها من نتائج، في أولى خطوات خطة السلام الأمريكية بالشرق الأوسط، المعروفة إعلاميا بـ"صفقة القرن".

فـ"جاريد كوشنر"، صهر الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب" ومستشاره، ركز خلال مشاركاته بالورشة التي عقدت يومي 25 و26 يونيو/حزيران الماضي، على رقم الـ50 مليار دولار، التي ستساهم دول عربية خليجية بالقسط الأوفر منه، وما يمكن أن يمثله من نقلة نوعية في مستوى الفلسطينيين المعيشي، دون إعلان "مقابله السياسي"، بدعوى أن هذا المقابل سيجرى الحديث عنه "في حينه".

وبهذا المفهوم، لا يمكن اعتبار ما يجري "صفقة" بأي حال، حسبما قال "الهاشمي" في تعليقه على نتائج الورشة بقناة "الميادين"، مضيفا: "هي محاولة لعقلنة ما يحدث.. لأن ما يحدث غير معقول"، في إشارة إلى هدف آخر يكمن وراء ورشة البحرين، لا تمثل القضية الفلسطينية سوى "ستار" له، ولا بد من رفعه، حسب تعبيره.

((1))

الخروج بتطبيع العلاقات الخليجية الإسرائيلية من كواليس المخابرات والغرف المغلقة، أو حتى تصريحات الدبلوماسية المعلنة، إلى مساحة غير مسبوقة من العلانية والعملانية هو الهدف الحقيقي من الورشة، حسب رأي "الهاشمي"، بما يؤول في المحصلة إلى دعم "تكتل إقليمي" يجمع بين دول الخليج ودولة الاحتلال الإسرائيلي ضد إيران.

ولما كانت القضية الفلسطينية أهم عقبات "شرعنة" هكذا تكتل، جاءت خطة "كوشنر" معتمدة بالأساس على سخاء الدعم المالي الخليجي للضغط على الفلسطينيين من أجل قبول تنازلات تاريخية عن القدس وحق عودة اللاجئين وإزالة المستوطنات اليهودية من الأراضي المحتلة عام 1967، وغيرها من البنود التي أوردتها صحف غربية باعتبارها تفاصيل لـ"صفقة القرن" المنتظرة.

  • نجاح أم فشل؟

الحكم على نتائج الورشة إذن يرتبط بتقدير الهدف منها؛ فهي -حسب مراقبين- فاشلة تماما إذا كان التقدير مرتبطا بتحقيق الرضوخ الفلسطيني لبنود "صفقة القرن" المزعومة، وناجحة بامتياز إذا كان التقدير مرتبطا بترقية مستوى التطبيع العربي والخليجي مع الاحتلال الإسرائيلي.

ويتبنى زاوية التقدير الأولى المحلل السياسي "إبراهيم أبراش"، الذي يرى أن "الغياب الفلسطيني" عن الورشة دفع باتجاه حضور عربي ودولي هزيل، وبمستويات تمثيلية متدنية للغاية، مشيرا إلى أن "أي دولة لن تدفع أموالا دون أن يكون هناك موافقة فلسطينية أو وضوح للرؤية السياسية"، وفقا لما نقله موقع "عربي 21".

وبينما شاركت السعودية والبحرين بحماس كبير في الورشة، وروجتا لأهدافها، جاءت مشاركة مصر والأردن خجولة وباهتة؛ إذ دفعهما الظرف الاقتصادي الضاغط نحو المشاركة للاستفادة بما يمكن تحصيله من امتيازات مالية، حيث بدت القناعة السياسية لكليهما بمضمون النقاشات المتوقعة بورشة البحرين وبنود صفقة القرن ضعيفة، خاصة فيما يتعلق بـ"تبادل أراض" تابعة لمصر والأردن مقابل حوافز اقتصادية وتخلي الفلسطينيين عن حق عودة اللاجئين إلى الأراضي المحتلة.

((2))

وفيما بدا موقف المغرب مقاربا لنظيريه، المصري والأردني، اعتمدت الإمارات مستوى مشاركة أكبر، وإن لم يصل إلى مستوى الدعم السعودي والبحريني.

وفي المقابل، تبنت الكويت موقف المقاطعة للورشة، لتواصل بذلك رفضها المبدئي للتطبيع مع الاحتلال لإسرائيلي، وهو ذات الموقف الذي تبنته لبنان والعراق وتركيا والصين وروسيا.

ولما كان التعاطي الفلسطيني مع خطة السلام الأمريكية منعدما، والرؤية السياسية غير واضحة حتى الآن، توقع "أبراش" أن تماطل الولايات المتحدة في خطواتها القادمة، وتبتعد عن عقد أي فعالية أخرى ضمن صفقة القرن "لحين اتضاح المشهد السياسي الإسرائيلي".

  • ملف هامشي

أما الصحافة الإسرائيلية، فجاءت أغلب تقاريرها من زاوية التقدير الثانية، وأكدت بوضوح على "هامشية" الملف الفلسطيني بالنسبة لورشة البحرين، ونجاحها الكبير في أهدافها التطبيعية.

وفي هذا الإطار، نوهت صحيفة "إسرائيل اليوم" على أن حضور الورشة "استمتعوا بالعرس" بغض النظر عن "حضور العروس"، في إشارة منها لغياب المسؤولين الفلسطينيين.

وذكرت الصحيفة العبرية أن "خلاصة القول أمام العالم أجمع، أن الإسرائيليين دخلوا بجوازات سفرهم الزرقاء إلى دولة عربية، ليست لها علاقات دبلوماسية مع (إسرائيل)"، مرجحة أن تكون البحرين من أوائل من سيقيمون علاقات رسمية مع دولة الاحتلال.

((3))

بل إن وزير الاقتصاد الإسرائيلي "إيلي كوهين" يؤكد أن مشاركة الوفود العربية في الورشة لم تستهدف القضية الفلسطينية بالأساس، وإنما جاءت لـ"إبرام صفقات تجارية مع (إسرائيل) وتعزيز التكتل ضد إيران كخصم مشترك"، وفقا لما نقلته وكالة "رويترز".

وذهب الوزير الإسرائيلي إلى حد التصريح بأن ورشة البحرين أغلقت الباب أمام مزيدٍ من الدبلوماسية بشأن الفلسطينيين، بعكس ما تم ترويجه إعلاميا، بحسب ما أورده تلفزيون "ريشيت 13" العبري.

  • سر علني

ولا تعبر تصريحات "كوهين" عن موقف شخصي، إذ عبر حساب "إسرائيل بالعربية"، التابع لوزارة الخارجية الإسرائيلية على "تويتر" عن ترحيب دولة الاحتلال بإجراء وزير الخارجية البحريني "خالد بن أحمد آل خليفة" الحوارات علانية مع صحفيين إسرائيليين، واعتبر ذلك باعثا على "الأمل في توثيق العلاقات الثنائية".

​وأجرى الوزير البحريني، على هامش الورشة، لقاء تلفزيونيا مع قناة "13" العبرية، أكد فيه أن بلاده تريد التحدث مباشرة مع الشعب الإسرائيلي، باعتبار أن (إسرائيل) جزء من تراث المنطقة، حسب تعبيره.

كما أجرى "آل خليفة" مقابلة مع صحيفة "تايمز أوف إسرائيل"، وقد تدخل "كوشنر" من أجل السماح لـ6 وسائل إعلام عبرية بتغطية الورشة، بحسب ما أشارت صحيفة "هآرتس".

((4))

وذكرت الصحيفة العبرية أن الورشة كشفت ما وصفته بـ"السر العلني" للشرق الأوسط، الممتد منذ سنوات، والذي يتمثل في طبيعة العلاقات بين (إسرائيل) وعدد من الدول الخليجية، على رأسها البحرين، مشيرة إلى أن توثيق حديث شخصيات رفيعة من هذه الدول مع رجال أعمال ومراسلين من (إسرائيل) في أروقة بالمنامة، حطم علنا المحرمات الإقليمية القديمة.

كما نشرت وسائل إعلام عبرية تسجيل فيديو يظهر فيه حاخامات ورجال أعمال ومسؤولين إسرائيليين من المشاركين بورشة البحرين، وهم يؤدون شعائر تلمودية، ويرددون عبارات تمجّد (إسرائيل) منها: "شعب إسرائيل حي"، و"تعيش دولة إسرائيل"، وسط أجواء احتفالية، شارك بها المبعوث الأمريكي للسلام في الشرق الأوسط "جيسون غرينبلات".

 

وفي إشارة واضحة على انتهاء المهمة الأولى لصفقة القرن، أعلن الرئيس الأمريكى، دونالد ترامب، في السابع من سبتمبر/أيلول وبعد أكثر من شهرين على انتهاء ما عُرفت بـ"روشة التطبيع، استقالة مبعوثه للسلام فى الشرق الأوسط، جيسون جرينبلات، الذى يعد أحد أبرز المسؤولين عن صياغة الصفقة، وعرف بأنه مهندسها.

خلاصة الورشة ليست في نتائجها الخاصة بالقضية الفلسطينية، حسب وجهة النظر الإسرائيلية، بل فيما عبر عنه وزير الخارجية البحريني بوضوح في لقائه التلفزيوني الأول مع قناة عبرية، قائلا: "إيران تشكل تهديدا كبيرا لأمن واستقرار المنطقة، وتزيد من حدة الصراع العربي الإسرائيلي من خلال تحويل الأموال والأسلحة إلى وكلائها في المنطقة (..) و(إسرائيل) لها كل الحق في التصرف عسكريا ضد القوات الإيرانية للدفاع عن نفسها".

وفي حين طهرت حكومات دول التطبيع أقرب ما تكون من (إسرائيل) بعد ورشة المنامة، انطلقت ما بدى أنها خطة مدروسة لتسويق التطبيع على مجتمعاتهم، فنفذ صحفيون وناشطون عرباً يقودهم السعودي محمد سعود زيارة إلى دولة الاحتلال، التقى فيها برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ونجله، إلا أن محاولتهم تلك واجهها الفلسطينيون بالأحذية والحجارة في باحات المسجد الأقصى الذي منعوا الصلاة فيها، وانتهى مشهد متداول لطردهم بلقطة طفل فلسطيني أطلق ما سماه مغردون "بصقة التطبيع" على وجه قائد فريق المطبّعين.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

ورشة البحرين صفقة القرن التطبيع مع إسرائيل

صفقة القرن.. طريق وعر عبده ترامب والمطبعون العرب

البحرين.. قاطرة التطبيع الخليجي مع إسرائيل

كيف يهيئ الذباب الإلكتروني شعوب الخليج للتطبيع مع إسرائيل؟

هكذا يعمل غلاة التطبيع على تسميم الوعي الخليجي

ماذا حققت "إسرائيل" بعد أقل من عام على مؤتمر وارسو؟

مسؤولون بحرينيون يبحثون مع قيادات إيباك علاقات التعاون

أوامر عليا تقطع بث ندوة مناهضة للتطبيع في البحرين

ليست الإمارات فقط.. البحرين وسلطنة عمان في أحضان إسرائيل قريبا