السودان على خطا الربيع العربي.. يسقط الديكتاتور ويبقى أعوانه

الاثنين 8 يوليو 2019 01:56 م

في اتفاق تاريخي تم التوصل إليه الجمعة، تعهد قادة المعارضة والجيش السودانيان مبدئيا بإجراء انتخابات جديدة خلال ما يزيد قليلا عن 3 أعوام. وبعد أشهر من الاحتجاجات والعنف، قوبل الإعلان بتفاؤل فاتر.

ومع ذلك، يشعر الكثيرون بالقلق من أن مشاركة قادة عسكريين سيئي السمعة في انتقال السودان المخطط له للحكم المدني يشير إلى أن البلاد سوف تتبع قواعد اللعبة التي أفسدت الكثير من الانتفاضات الشعبية العربية عام 2011؛ حيث يسقط المستبد، ويبقى حلفاؤه.

وفي أبريل/نيسان، أجبرت الاحتجاجات المستمرة في الشوارع الرئيس السوداني "عمر البشير" على ترك منصبه، بعد 3 عقود من الحكم. وكان "البشير" زعيما استبداديا قمعت حكومته الحقوق المدنية، وشنت حملات عنيفة ضد الأقليات العرقية.

وكان "البشير" آخر زعيم عربي يتم الإطاحة به من قبل الناشطين المؤيدين للديمقراطية، منذ الربيع العربي الذي شهد سقوط المستبدين في تونس ومصر وليبيا واليمن، ومؤخرا الجزائر. لكن في أعقاب الإطاحة بـ"البشير"، تعلم حلفاؤه العسكريون درسا مهما في فترة ما بعد الربيع العربي.

وفي مصر، تم استبدال الحماس الديمقراطي ما بعد الثورة بحكومة قمعية مدعومة من الجيش. وفي ليبيا واليمن، لا تزال النزاعات تشتعل بين شخصيات النظام السابق. وحتى في تونس، مسقط رأس الربيع العربي، استعادت العناصر التي ارتبطت بالماضي الاستبدادي سيطرتهم السياسية على البلاد.

ويدرك المحتجون السودانيون تلك المخاطر. وفي ذروة الاحتجاجات، حمل البعض لافتات كُتب عليها "لا نريد أن نكون مثل مصر".

ويوم الجمعة، أعلن وسيط للاتحاد الأفريقي أن قادة المعارضة السودانية والجيش قد توصلوا إلى اتفاق لتقاسم السلطة في الفترة الانتقالية. وينص الاتفاق على احتفاظ القادة العسكريين بالسيطرة على مدار الـ21 شهرا القادمة ضمن مجلس سيادي مشترك يتم إنشاؤه مع المدنيين.

بقاء "حميدتي"

وعلى الرغم من أن الاتفاق ينص على أنه لا ينبغي السماح للمتورطين في العنف بالدخول إلى حكومة ما بعد الاتفاق، إلا أنه لا يستبعد أكثر القادة العسكريين وي سمعة سيئة في السودان، وهو الجنرال "محمد حمدان دقلو"، المعروف أيضا باسم "حميدتي".

ويعد "حميدتي" جزءا من مجلس عسكري حاكم ينظر إليه الكثيرون في السودان على أنه امتداد لحكم "البشير". وقام الجيش بقمع الاحتجاجات منذ تنحي الرئيس، بما في ذلك حادثة واحدة قُتل فيها ما لا يقل عن 100 محتج.

وكزعيم لقوات الدعم السريع شبه العسكرية، تم اتهام "حميدتي" بالتورط في بعض من أسوأ أعمال العنف ضد المتظاهرين. وقبل أعوام، في أوج أوقات العنف العرقي في "دارفور"، ترأس "حميدتي" ميليشيا "الجنجويد" سيئة السمعة، التي يُقدّر أنها قتلت الآلاف في حادث تم اعتباره جريمة إبادة جماعية.

وعلى الرغم من أن "حميدتي" كان من قبل منفذا لعمليات "البشير"، إلا أنه يقدم نفسه الآن كمنقذ للسودان. وعلى الرغم من أنه نائب رسمي لرئيس المجلس العسكري الانتقالي، "عبد الفتاح البرهان"، يعتقد الكثيرون أن "حميدتي" هو رأس السلطة الحقيقي.

وقال "خالد مصطفى مدني"، الأستاذ المشارك في جامعة "ماكجيل"، إن اتفاق يوم الجمعة يعد سببا للتفاؤل، بالنظر إلى وحدة المعارضة، والوعد بإجراء تحقيق مستقل في أعمال القتل الجماعي الشهر الماضي، والقلق الحقيقي بشأن "حميدتي" في أوروبا والولايات المتحدة.

ومع ذلك، قال "مدني" إن القلق ينبع من أن شخصيات النظام قد تكون قادرة على استخدام تكتيكات للتأخير أو محاولة تقسيم المعارضة المدنية قبل التسليم المخطط له. وأضاف: "في هذا المنعطف، فإن دور المجتمع الدولي مهم للغاية".

عودة الأنظمة السابقة

وإذا قام القادة العسكريون السودانيون بتأخير الإصلاح، فسوف يتبعون النمط المعمول به في بلدان الربيع العربي الأخرى، حيث تمكن المرتبطون بالنظام القديم من التشبث بالسلطة، وفي بعض الحالات، وقفوا حائلا أمام محاولات الإصلاح الديمقراطي.

وأسفرت الإطاحة بالرئيس المصري "حسني مبارك"، في فبراير/شباط 2011، عن انتخابات حرة ونزيهة عام 2012، أدت إلى تولي "محمد مرسي" من جماعة "الإخوان المسلمون" السلطة. وفي العام التالي، أطاح الجيش بـ "مرسي" في انقلاب عسكري وسجنه. وقد توفي "مرسي" في سجنه في وقت سابق من هذا العام.

وقاد انقلاب الجيش المصري في ذلك الوقت "عبدالفتاح السيسي"، الذي كان يشغل منصب مدير الاستخبارات العسكرية في عهد "مبارك". وأصبح "السيسي" فيما بعد رئيسا لمصر في انتخابات شابها إقصاء خصومه. ويقول النقاد إن نظامه أسوأ من نظام "مبارك".

وفي النزاعات الفوضوية التي أعقبت الربيع العربي في ليبيا واليمن، لا يزال الموالون للنظام يتمتعون بالسلطة، فقد كان اليمني "علي عبدالله صالح" في موقف قوي في الحرب الأهلية التي ألحقت الدمار بالبلاد، حتى اغتياله في ديسمبر/كانون الأول 2017، بينما كان يعارضه نائبه السابق، "عبدربه منصور هادي"، الذي يقوج السلطة المعترف بها دوليا.

وحتى في تونس، التي يتم اعتبارها قصة النجاح الديمقراطي الوحيدة في الربيع العربي، فقد توقفت الجهود المبذولة لإبعاد النظام السابق عن السياسة.

وبعد ثورة 2011 بفترة وجيزة، قامت تونس بحل حزب "التجمع الدستوري الديمقراطي"، حزب الديكتاتور السابق "زين العابدين بن علي".

وأقرت الحكومة المؤقتة قانونا منع أعضاء "التجمع" من الترشح في انتخابات 2011، التي أوصلت حزب "النهشة" الإسلامي التونسي إلى السلطة في حكومة ائتلافية.

وفي الأعوام التي تلت الثورة، صارعت الحكومة التونسية الجديدة من أجل منع أولئك المرتبطين بالنظام السابق من المشاركة في السياسة. ولم يتضمن قانون الانتخابات الذي نظم انتخابات تونس 2014 أحكاما تمنع التابعين للنظام السابق من الترشح.

وكان الرئيس الحالي "الباجي قائد السبسي" عشوا حكومتين استبداديتين متعاقبتين، وأصبح حزبه الجديد، الذي اجتذب العديد من مؤيدي النظام القديم، الكتلة السياسية الرائدة في الحكومة. وارتفعت الأصوات الداعمة لتأسيس حزب منفصل من أنصار النظام القديم قبل الانتخابات الرئاسية والتشريعية المقررة لهذا الخريف، في إشارة إلى تراجع الديمقراطية في تونس.

وقال "إتش إيه هيلير"، وهو زميل مشارك في المجلس الأطلسي في واشنطن، إنه على الرغم من أن العديد من العوامل السياسية والاجتماعية الأساسية التي أشعلت ثورات 2011 لا تزال قائمة، فإن الحركات المؤيدة للديمقراطية غالبا ما تفشل في التقدم بحجة مقنعة حول لماذا يجب أن تشرف بنفسها على الإصلاح.
وقال "هيلير": "من السهل أن نرى السبب في أن المستبدين لهم اليد العليا في الوقت الحالي خاصة وهم يمتلكون القوة. لكن لست متأكدا من أن الحال ستبقى هكذا على المدى الطويل".

المصدر | واشنطن بوست

  كلمات مفتاحية

رئيس الانتقالي الحاكم بالسودان: كنا نريدها عسكرية خالصة

السودان.. لجنة اتفاق الخرطوم تسلمه للعسكري والمعارضة

قوات سودانية انتشرت بحدود ليبيا قبل عزل البشير

الغنوشي: الإسلام لديه الحلول لمشاكل العرب

حصاد 2019.. موجة الثورات العربية الثانية قيد التشكل