نهاية «أوبك»؟

الخميس 18 يونيو 2015 04:06 ص

لم تعد سوق النفط كما كانت قبل عقد من الزمان، ليس فقط من باب توجه الاعتماد على مصادر الطاقة النظيفة (غير الوقود الأحفوري) ولكن تحديداً فيما يتعلق باللاعبين الأساسيين فيها، خاصة منظمة الدول المصدرة للبترول (أوبك). وبعدما قررت المنظمة في اجتماعها الدوري الأسبق في نهاية نوفمبر من العام الماضي عدم تغيير سقف إنتاجها أمام هبوط أسعار النفط بنحو النصف ، بدأ كثيرون يتحدثون عن «نهاية أوبك».

وفي اجتماعها الدوري التالي مطلع يونيو/ حزيران لم تتخذ أوبك أي قرارات «ثورية» فيما يتعلق بالإنتاج باستثناء الكلام حول الالتزام بسقف الإنتاج عند 30 مليون برميل يومياً والتعهد بوقف التجاوزات (تنتج دول أوبك أكثر من مليون برميل زيادة عن سقف الإنتاج). كما أن السوق مطمئنة إلى أن الإنتاج من المنصات الأمريكية لن يتراجع بشدة كما كان التحسب بشأن النفط الصخري ومن ثم لا تغيير كبيراً في منحى الأسعار التي لم تتحسن كثيراً منذ يونيو/حزيران العام الماضي. لذا لم تشهد سوق النفط أي تأثير يذكر لاجتماعي أوبك الأخيرين، وإنما تتحرك الأسعار على أساس أساسيات السوق والعوامل الحقيقية والمتوقعة المتعلقة بها.

لكن، هل هي فعلاً نهاية أوبك كمنظمة تماماً، أم المسألة نهاية دور أوبك كما يتذكره البعض منذ عام 1973 كمؤثر رئيسي في السوق والأسعار؟ الأرجح أنه التقدير الأخير، والذي بدأت بشائره منذ مدة طويلة وأصبح شبه واقع مع زيادة إنتاج النفط والغاز الصخري خاصة في أمريكا الشمالية. وقبل ذلك خروج العراق تقريباً من حسابات أوبك منذ نحو عقدين، تخللهما انسحاب عدد من الدول غير العربية من المنظمة. ولم يعد في المنظمة من خارج منطقة الشرق الوسط سوى نيجيريا وفنزويلا، ولو انسحب البلدان لأصبحت المنظمة شرق أوسطية تماما.

ومع زيادة إنتاج الدول من خارج أوبك، خاصة روسيا والولايات المتحدة، تراجع نصيب أوبك من سوق الإنتاج والتصدير في السنوات الأخيرة، فبعدما كان يزيد على 75% قبل ثلاثة عقود أصبح الآن أقل من 60%. وبالتالي لم تعد اجتماعات المنظمة محط ترقب متوتر من الأسواق والصحفيين كما كانت حتى قبل عشر سنوات.

تبقى أوبك باعتبارها شكلاً من أشكال مراكز البحوث الداعمة لاتخاذ القرارات، فاقدة تلك الهيبة الاقتصادية/ السياسية التي ميزتها منذ إطلاقها في العاصمة العراقية بغداد عام 1960.

ومنذ الحرب على العراق، وبعد ذلك دمار البلاد حتى من قبل سقوط بغداد وقت الغزو والاحتلال الأمريكي/ البريطاني عام 2003 لم تعد أوبك كما كانت. وإن بقيت السعودية، ليس فقط كأكبر أعضاء أوبك إنتاجاً وتصديراً بل ربما الأكبر في العالم تقريبا، تضفي على المنظمة بعض الهيبة.

وظلت قرارات تغيير سقف الإنتاج تؤثر بقدر ما في السوق، لكن الأسعار في الآونة الأخيرة أصبحت تتحرك استناداً إلى عوامل أخرى أهمها أساسيات السوق من عرض وطلب وما يؤثر فيهما من عوامل جيوسياسية، إضافة طبعاً إلى حجم المخزونات الاستراتيجية والتجارية لدى الدول المستوردة والصناعية الكبرى.

وإذا نظرنا إلى انخفاض أسعار الخام من أكثر من 100 دولار في يونيو 2014 إلى ما يزيد قليلاً على 50 دولاراً حتى الآن لوجدنا أن أهم عامل يؤثر في أساسيات سوق الطاقة هو النمو الاقتصادي العالمي الضعيف. فلم يعد الطلب على الطاقة بتلك القوة التي كان بها وقتما كان الاقتصاد العالمي ينمو بشكل سليم، حتى الاقتصادات الصاعدة مثل الصين والهند لم تعد شهيتها لاستيراد النفط كما كانت قبل عامين مع ضعف الناتج الصناعي في تلك الدول. في الوقت الذي تزيد فيه الدول المصدرة إنتاجها، فبالنسبة للأوبك ما زالت الدول الأعضاء تنتج أكثر من مليون برميل يومياً فوق سقف الإنتاج الذي لم يتغير منذ مدة عند 30 مليون برميل يومياً. ورغم غياب القدر الأكبر من النفط الليبي بسبب الاضطرابات السياسية في البلاد، فإن احتمالات عودة النفط الإيراني للسوق بعد رفع العقوبات تعوض ذلك وأكثر. هذا إلى جانب زيادة إنتاج الدول الرئيسية من خارج أوبك مثل روسيا وأمريكا.

لا يمكن أيضا إغفال التوجهات الجديدة في قطاع الطاقة عالمياً، وأهمها اللجوء إلى مصادر الطاقة النظيفة واستثمار دول كثيرة في تلك المصادر من المفاعلات النووية إلى الرياح مروراً بالطاقة الشمسية ومنها دولة الإمارات العربية المتحدة. صحيح أن العالم لن يمكنه التخلي عن النفط كمحرك أساسي لعجلة الاقتصاد، رغم تطوير مصادر طاقة جديدة من الوقود الحيوي والطاقة النووية والشمسية والرياح (أو ما تسمى الطاقة النظيفة)، على الأقل لعدة عقود مقبلة، لكن أوبك لم تعد ذلك الكيان المؤثر وحده في السوق والمحدد لأسعار النفط.

  كلمات مفتاحية

النفط أوبك أسعار النفط الحصة السوقية النفط الصخري سقف الإنتاج العرض الطلب

«أوبك».. سقف الإنتاج في مهب الريح

دفاع «أوبك» عن حصتها في الأسواق

إيران تسعى لإحياء حصص صادرات أوبك

«أوبك» تتوقع انحسار تخمة المعروض بسوق النفط وترفع إنتاجها مجددا

ضعف منظمة «أوبك» هو التحقق من الواقع بالنسبة للسعودية

بفضل العراق والسعودية.. إنتاج «أوبك» يرتفع لأعلى مستوى في 3 سنوات

النفط بعد «أوبك»

هل انتهت «أوبك»؟