بينما يستعد وزراء "منظمة الدول المصدرة للنفط" (أوبك) للإجتماع في فيينا، فإن قصة "الشيوخ مقابل الصخر الزيتي" التي لُخصت بشكل أنيق في مجلة "الإيكونوميست" في ديسمبر/كانون الأول الماضي ما تزال مستمرة، وعلى الرغم من أن أسعار النفط قد ارتفعت قليلا من أدنى مستوياتها في الأسابيع الأخيرة، يبدو أن هناك احتمالا ضئيلا بأن تعود إلى مستويات الـ100 دولار للبرميل التي كانت عليها في أوائل عام 2014.
وحيث تواجه "أوبك" واقع زيادة إنتاج النفط الصخري في الولايات المتحدة، فإن المنظمة بقيادة المملكة العربية السعودية -أكبر مصدّر للنفط في العالم- تسعى على مضض إلى اتباع استراتيجية تهدف إلى الحفاظ على حصتها في السوق، أما البديل - وهو خفض الانتاج على أمل أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار - فمن المرجح أن يُسفر عن تعزيز اقتصاديات الصخر الزيتي الأمريكي بينما يعرّض العائدات المحلية لدول منظمة "أوبك" إلى المزيد من الخطر.
وفي حين قد ترحب السعودية باحتمال خفض العائدات لكبار منتجي النفط الآخرين مثل روسيا ومنافستها الإقليمية إيران، إلا أن انخفاض الأسعار ينطوي أيضا على إشكالية بالنسبة للمملكة، حيث تعتمد ميزانيتها الوطنية على أساس سعر تقديري يزيد عن 100 دولار للبرميل الواحد.
ورغم احتياطياتها المالية المقدرة بأكثر من 700 مليار دولار أمريكي، من المتوقع أن تُصدِر الرياض سندات للمرة الأولى منذ عام 2007 لتخفيف الضغط الهبوطي على احتياطياتها الأجنبية، وفقا لما نُقل عن مسؤول في "صندوق النقد الدولي" مؤخرا، ولم تُظهر المملكة أي علامة على إجراء تخفيضات كبيرة في الميزانية.
وبدلا من ذلك، ذكرت صحيفة "الفايننشل تايمز" في 2 يونيو/حزيران أنه كان من المتوقع أن تزيد السعودية من إنفاقها على الدفاع بنسبة 27% خلال السنوات الخمس المقبلة إلى 62 مليار دولار سنويا، وهو رقم لا تتجاوزه سوى الولايات المتحدة وروسيا والصين.
وتشكل الحرب مع اليمن عبئا مباشرا على الميزانية السعودية الحالية، حيث تقدّم الرياض غالبية القوة النارية والجهد المبذل من بين دول التحالف العربي التي تقاتل المتمردين الحوثيين المدعومين من إيران.
ورغم أن التحالف ما يزال يهدف إلى إعادة سلطة حكومة الرئيس المنفي عبدربه منصور هادي، إلا أن الوضع على أرض "المعركة" يبدو في مأزق، وأن أكثر من نصف سكان البلاد البالغ عددهم 25 مليون نسمة يواجهون مجاعة محتملة هذا الصيف بسبب تأخر وصول المواد الغذائية المستوردة، وترضخ الرياض أيضا تحت عبء دعمها المالي المستمر لمصر والبحرين ومقاتلي المعارضة في سوريا.
وفي الوقت الراهن، يركز وزير النفط السعودي علي النعيمي علنا على تصوير سياسة الحفاظ على شريحة السوق على أنها نجاحة، فقد قال ببلاغة للصحافيين هذا الأسبوع في فيينا، "الطلب يزداد على النفط، وهذا جيد! العرض يتباطأ، أليس كذلك؟ هذا هو الواقع، كما ترى إني لست مجهدا، وأنا سعيد"، بيد أن مزاجه الحقيقي قد يكون مختلفا.
فرجل النفط المخضرم البالغ من العمر تسعة وسبعون عاما، بدا كئيبا في اجتماع مجلس الوزراء السعودي في 1 يونيو/حزيران الجاري، وكان قد واجه وقتا صعبا في الآونة الأخيرة على الصعيد المهني، ففي أبريل/نيسان، فقد منصبه القيادي في شركة النفط الحكومية "أرامكو السعودية"، ومنذ يناير/كانون الثاني وجد نفسه مسؤولا أمام رجل يصغره خمسين عاما وهو ولي ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، الابن المفضل للملك.
وإذا كان التاريخ الحديث أي مؤشر، فإن عناوين الصحف القادمة من فيينا في 5 يونيو/حزيران قد تكون خادعة (على سبيل المثال، القصة التي نشرتها مجلة "الإيكونوميست" في ديسمبر/كانون الأول -التي لم تتوقع تولي الملك سلمان منصب عاهل السعودية كما حدث في يناير/كانون الثاني - كانت قد حددت روسيا ونيجيريا وفنزويلا كدول خاسرة من هزة السوق، في حين توقعت أيضا إجبار المنتجين عالي التكلفة على الخروج من سوق العمل، الأمر الذي لم يحدث بعد)، ويركز بعض المراقبين بالفعل على احتمال أن يكون اجتماع "أوبك" هو الأخير بالنسبة للنعيمي، ولكن يبدو أن القصة الحقيقية هي إلى أي مدى يمكن للمملكة أن تحافظ على دورها القيادي الإقليمي الأكثر حسماً إذا ظلت أسعار النفط منخفضة نسبيا.
* سايمون هندرسون - مدير برنامج الخليج وسياسة الطاقة بمعهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، الذراع البحثي للوبي الإسرائيلي بواشنطن