تأمين وحماية السعودية: كيف يعزز ”المجمع العسكري الأمريكي“ حليفه الأهم بالشرق الأوسط؟

الخميس 18 يونيو 2015 08:06 ص

في 14 مايو/أيار 2011، بلغت درجات الحرارة في العاصمة السعودية الرياض رقما قياسيا وصلت إلى 107 درجة. واستقبل الحرارة اللافحة مديرون تنفيذيون لـ21 شركة دفاع وأمن أمريكية بمجرد أن نزلوا من الطائرة إلى صحراء الشرق الأوسط بعد أشهر فقط من انتشار كرة احتجاجات الربيع العربي الثورية وأعمال الشغب في جميع أنحاء المنطقة. الوفد الذي رأسه وزير الدفاع الأمريكي السابق «وليام كوهين»، كان واحدا من أكبر أفواج المديرين التنفيذيين في مجال الدفاع التي تزور الرياض على الإطلاق.

وأُعطي أعضاء المجموعة، الذين يمثلون شركات مثل «لوكهيد مارتن» و«نورثروب غرومان» و«بوينغ»، مقدمة غامرة عن علاقة النفط مقابل الأمن بين الولايات المتحدة والملكة العربية السعودية، والتي ربطت بين الدولتين برباط يتجاوز عمره 70 عاما. وقاموا بزيارة المصانع التي تنتج الأسلحة المحلية، كما حضروا فعاليات خاصة بالتواصل تعرفوا فيها على شركاء الأعمال العرب المحتملين في الاجتماعات التي عقدتها وزارة التجارة الأمريكية.

وجاءت هذه الزيارة بعد أقل من ستة أشهر من موافقة الكونجرس على أكبر صفقة دفاع أجنبية في تاريخ الولايات المتحدة الأمريكية؛ والتي شملت الموافقة على مبيعات عسكرية أجنبية بقيمة 60 مليار دولار بهدف تحديث وتوسيع القدرة الجوية للقوات المسلحة السعودية بشكل كبير.

وكانت مهمة الصفقة مزدوجة. من خلال تعزيز المملكة العربية السعودية يمكن للجيش الأمريكي أن يقلل بصمته المادية في المنطقة حيث تستغل المجموعات الإرهابية وجود القوات الغربية بوصفها أداة للتوظيف. وفي الوقت نفسه؛ فإن صفقات الأسلحة التي تدعم البناء العسكري للمملكة العربية السعودية إنما تعود بطفرة اقتصادية في الوطن، فقد أجبرت التخفيضات في ميزانية وزارة الدفاع الأمريكية الشركات الدفاعية النظر خارج السوق الأمريكي، والتهديدات الأمنية الناشئة عبر الشرق الأوسط المتدافع بشكل ملحوظ تخلق عملاء جدد مثاليين.

في السنوات الأربع منذ زيارة المجموعة الكبيرة من المديرين التنفيذيين لشركات الدفاع إلى الرياض، يمضي الوضع الأمني ​​في الشرق الأوسط من سيء إلى أسوأ. وهزت الانتفاضات الداخلية استقرار جيران المملكة العربية السعودية، وخلقت أرضية خصبة للجماعات الإرهابية، العديد منها يستخدم التدخل العسكري الغربي كوسيلة وداعم لدعوتهم إلى الجهاد، لتأخذ مكانا في فراغ السلطة الذي يضرب تلك الدول. ووجدت الدراسة التي نشرتها مؤسسة راند لوزارة الدفاع في العام الماضي أن عدد الجماعات الجهادية السلفية قد زاد في جميع أنحاء العالم بنسبة 58% منذ عام 2010. وقد أدى انتشار هذه الجماعات إلى أن تواصل الولايات المتحدة في التركيز على الاستراتيجية الدفاعية في الشرق الأوسط بهدف تعزيز أمن أقوى حليف لها في المنطقة ليظل بعيدًا عن الاضطرابات.

ويمكن أن ينظر إلى النتائج الأكثر وضوحا لهذه الدبلوماسية الدفاعية فقط عبر الحدود الجنوبية للمملكة العربية السعودية، وبمعنى أوضح في اليمن، حيث قادت القوات المسلحة في المملكة تحالفا ضم دول الخليج ودولا أخرى لشن غارات جوية ردا على الإطاحة بالحكومة اليمنية من قبل المتمردين الحوثيين المدعومين من المنافس الخليجي إيران . وفي أقوى عمليات استعراض لقوتها العسكرية منذ سحب الولايات المتحدة قواتها من المملكة في عام 2003، استخدم السعوديون القنابل العنقودية الأمريكية الصنع ومقاتلات من طراز (إف-16) في الحملة الجوية التي أسفرت عن مقتل 1400 شخصا على الأقل، وجرح آلاف آخرين.

وقال «نواف عبيد»، المحلل السياسي السعودي والزميل الزائر في مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية بكلية هارفارد للعلوم الحكومية، إن الحملة في اليمن هي جزء لا يتجزأ من الدور السعودي الجديد كقوة استقرار في منطقة الشرق الأوسط. وأضاف «لقد وصلنا إلى إدراك أن عصر الوجود العسكري الأمريكي واحتدام القتال متجه ببطء إلى نهايته»، في إشارة إلى الانسحاب التدريجي للقوات البرية الأمريكية من العراق وأفغانستان.

التصعيد الأخير للقوة العسكرية في المملكة العربية السعودية هو نتيجة لسلسلة من البعثات التدريبية والاستشارية التي أجرتها حكومة الولايات المتحدة مع المملكة، والتي تعود إلى حقبة الخمسينيات من القرن العشرين، وزيادة حجم ونطاق جهاز الدفاع السعودي خلال ما يقرب من سبعة عقود.

وتم الانتهاء من وضع البرنامج الأخير لتعزيز التعاون الأمني بين البلدين الحليفين في عام 2008، بعد محاولة شن هجوم إرهابي على منشأة حيوية للطاقة في المملكة. وفي 24 فبراير/شباط 2006، قام انتحاريان ينتميان لتنظيم القاعدة بقيادة سيارات تابعة لشركة أرامكو السعودية المملوكة للدولة، وانطلقوا بسرعة عالية متجاوزين المتاريس التي تؤمن أكبر مركز لمعالجة النفط في العالم في أبقيق؛ وهو المجتمع المحاط بالأسوار في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في المملكة العربية السعودية. وأطلقت قوات الأمن النار على السيارات، ما تسبب في اشتعال السيارات، ولقي المهاجمون واثنان من الحراس مصرعهم. وأصيب ثمانية آخرون.

وعندما تعرض مجمع أبقيق للهجوم كانت المنشأة بمنأى عن الهجوم إلى حد كبير، ولكن ما حدث تسبب في قفز سريع لسعر النفط على المستوى العالمي. وفي خلال ثلاثة أشهر فقط، تم تكليف فريق من مسؤولي الحكومة الأمريكية، شمل أفرادا من وزارة الخارجية وممثلين من وكالة الاستخبارات المركزية ومكتب التحقيقات الفدرالي وإدارة ، بتقييم أمان البنية التحتية في المملكة. وبعد فترة وجيزة؛ قام المستشار الاقتصادي في وزارة الخارجية بالمملكة العربية السعودية بالاجتماع مع كبار المستشارين في وزارة الداخلية، وتمت مناقشة عدد من عمليات التطوير السريع للمرافق؛ بما في ذلك زيادة عدد القوات التي تعمل في التأمين إلى 35 ألف بمساعدة أفراد من الجيش الأمريكي.

ووصف «فورد فريكر» سفير الولايات المتحدة لدى المملكة العربية السعودية آنذاك والمكلف بالإشراف على تنفيذ البرنامج ذلك بأنها «ربما تكون أكبر مبادرة في العلاقة بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية»، متوقعا توقيع عقود عسكرية من شأنها أن تفضي إلى صفقة قد تصل إلى عشرات المليارات من الدولارات.

وكانت تلك الشراكة الجديدة في بداية الأمر محدودة للغاية بشكل واضح، في الوقت الذي طلبت فيه الولايات المتحدة تقييم أمن المرافق الحيوية في كل من النفط والطاقة في جميع أنحاء المملكة قبل الشروع في عملية تدريب للقوات الجديدة لتوفير حماية أفضل لهم. لكن السعوديين كانوا يبحثون بالفعل عن توسيع العلاقة إلى ما وراء حماية البنية التحتية الحيوية، منوهين بالحديث عن الحدود والأمن الساحلي وغيرها من المجالات التي يمكن أن تستفيد من دعم الولايات المتحدة على نطاق أوسع.

وتابع« فريكر»، الذي يعمل الآن رئيس مجلس سياسة الشرق الأوسط، «وبعد أن بدأ برنامج التدريب خطواته الأولى ثم تحرك مواصلا عمله بدا أن السعوديين كان لديهم رغبة أكبر. لقد أرادوا أن يصبحوا قادرين على القيام بمجموعة متنوعة من الأشياء الأخرى تحت مظلة هذه العلاقة».

وجعلت قوانين الأمن الوطني البرنامج من الصعب تتبعه، والعديد من العقود في إطار اتفاق انتهت بصفتها مبيعات تجارية مباشرة. وتتم هذه الصفقات مباشرة بين حكومة المملكة العربية السعودية وموردي الدفاع الأمريكي، مع حكومة الولايات المتحدة التي لديها مشاركة مسجلة محدودة.

ومع ذلك؛ فإن عملية تتبع وزارة الخارجية ومراجعة الأسلحة والخدمات للمبيعات التي تباع للمملكة العربية السعودية من قبل «فايس» تظهر زيادة دراماتيكية في المبيعات التجارية المباشرة بعد تأسيس الولايات المتحدة علاقة مع وزارة الداخلية في المملكة في عام 2008. وفي ستة سنوات سبقت تلك الصفقة، بلغت المبيعات إجمالا إلى المملكة العربية السعودية 4.84 مليار دولار، أو إن شئت فقل تجاوزت 800 مليون دولار سنويا. وتخطت الأرقام هذا المستوى بكثير منذ ذلك الحين، مع بيع الشركات في الولايات المتحدة أسلحة ومعدات وخدمات عسكرية مباشرة إلى الرياض تجاوزت قيمة الــ 11.4 مليار دولار بين عامي 2008 و 2014، أي بمعدل 1.9 مليار دولار في العام الواحد تقريبا.

وقد امتد البرنامج بسرعة تجاوزت إلى ما وراء البنية التحتية الحيوية، في خطوة يأمل السعوديون أنها سوف تساعد على بناء دفاعاتهم ضد تهديد معقد ظهر على طول الحدود الشمالية مع العراق.

وعلق «فريكر»: «كنا نشارك بعمق في المحادثات مع السعوديين بشأن أمن حدودهم، وكان ذلك خصيصا لتشديد الحدود الشمالية؛ لكي لا يتمكن الناس من الانتقال بسهولة ذهابا وإيابا».

ومع القيود التي تواجه ميزانية البنتاغون؛ فقد بدأت أكبر شركات الدفاع في الولايات المتحدة تنظر لزيادة التهديدات الإرهابية في منطقة الشرق الأوسط  باعتبارها فرصة للحفاظ على الأرباح. «لقد وضعنا المكون الدولي في موقع جيد لتحقيق هدفنا المعلن بتمديد المبيعات من العملاء الدوليين ليشمل 25٪ من إجمالي مبيعات الشركة في السنوات القليلة المقبلة»؛ على حد قول «مارلين هيوسون»، الرئيسة التنفيذية لشركة لوكهيد مارتن، للمستثمرين في مكالمة خاصة بالأرباح الفصلية في شهر يناير/كانون الثاني الماضي. وأضافت إنها سافرت إلى منطقة الشرق الأوسط في نهاية عام 2014 في محاولة لتوسيع نطاق العلاقات الدولية لشركة الدفاع.

وتابعت: «لقد أكد جميع الأطراف الذين تحدثت إليهم عن رغبتهم القوية لتأمين حلول ومنتجات أساسية للأمن القومي أكثر فعالية».

وتدهور الوضع الأمني كذلك خلال الأشهر الـ18 الماضية ​​في الشرق الأوسط، في الوقت الذي توسعت فيه الجماعة الإرهابية المعروفة باسم «الدولة الإسلامية» بسرعة عبر سوريا والعراق، عاملة على تأمين مدن حيوية في المحافظات الشمالية والغربية من البلاد، ضمن توسعها السريع الذي أشعل وجذب الاهتمام على مستوى دول العالم. في نظرة نادرة إلى جهود التجنيد التي تبذلها المجموعة، فقد عثرت قوات التحالف، عن طريق الصدفة، على كنز من الوثائق في أكتوبر/تشرين الأول عام 2007 تفصل تركيبة «الدولة الإسلامية» من المقاتلين في العراق. لقد كان أكثر من 41% من أصل 595 مقاتل ذكروا في هذه السجلات سعوديين، وأكثر من 50 منهم ذكر مسقط رأسهم على أنه الرياض؛ عاصمة المملكة.

وليس سرا أن المواطنين السعوديين يشكلون جزءا كبيرا من العدو الذي ينفقون مليارات الدولارات من أجل إلقائه خارج حدود المملكة. ويرجع الخبراء انتشار مقاتلين سعوديين في العراق إلى النموذج المتشدد للإسلام الذي يسيطر على النظم التعليمية والقضائية في البلاد. وفي الوقت الذي تبذل فيه جهود لإصلاح النصوص الدينية، وتجريم مغادرة المملكة للقتال في الخارج، فإن الأيديولوجية الراديكالية التي تضرب بجذورها في الدولة السعودية منذ فترة طويلة ربما أغفلت تقييم الجماعات المتطرفة التي تبنت ذلك.

«من وجهة النظر السعودية، فإنها جماعات مارقة»، على حد وصف «غريغوري غوز»، المتخصص في شأن شبه الجزيرة العربية وزميل بارز في معهد بروكينغز في الدوحة. وأردف «أنا لا أعرف إذا قال السعوديون غدا إنهم سيغلقون أبواب كل شيء، فلا أعرف صراحة ماذا سيكون تأثير ذلك وهل سيكون كبيرا أم لا. ولا يسيطر السعوديون على ذلك بأي حال من الأحوال، كلامي مقصود به في المقام الأول تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية».

وقال «نواف عبيد» إن تعدد أوجه التهديد الذي تواجهه المملكة العربية السعودية من كل حدب وصوب جعل السعوديين ينظرون إلى برامج التدريب والاستشارة التي تقودها الولايات المتحدة على أنها فرص لا نهاية لها. مكتب مدير البرنامج، والذي تديره حكومة الولايات المتحدة، هو الخبير الاستشاري، والحكومة السعودية تلعب دور العميل. ويجري هناك الكثير من التدريب، كما تتم عملية كبيرة لنقل المعرفة من جديد. إنها أكثر مما يعتقد الناس».

وفي محاولة لتثقيف الغرب بشأن موقف الدفاع السعودي الجديد، قضى «عبيد» الأشهر القليلة الماضية في تقديم عروض تقديمية خاصة بالعقيدة الدفاعية الجديدة للمملكة العربية السعودية إلى الكونجرس وكبار الضباط العسكريين في الولايات المتحدة وأوروبا. «عبيد»، الذي شغل في السابق منصب مستشار أمني لسفراء المملكة العربية السعودية في كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة في السابق، ركز عروضه على ضرورة زيادة حجم الحرس السعودي الوطني والجيش والبحرية وسلاح الجو بشكل كبير وشراء ما يكفي من معدات لدعمهم.

ويأتي هذا التوسع في الوقت الذي تشعر فيه المملكة العربية السعودية بالتهديد بشكل متزايد من توصل الولايات المتحدة الأمريكية إلى اتفاق مع إيران. وسوف يكون الاتفاق بمثابة أداة لرفع العقوبات عن طهران؛ والتي كانت سببا في إضعاف اقتصادها لسنوات. وإذا ما رفعت هذه العقوبات، فإن السعودية ستعتقد أن إيران لديها مصدر جديد للتمويل، ومن ثم دعم المليشيات بالوكالة في كل من اليمن وسوريا والعراق. وترى العائلة المالكة هذا بمثابة خطوة عدوانية يمكنها أن توسع نطاق النفوذ الإيراني في عقر دارها. ولكن الولايات المتحدة من المرجح أن تقابل هذه المخاوف من الخليج بوعود دفاعية جديدة للمملكة وحلفائها.

وقال «عبيد» عن تقيد المملكة العربية السعودية بالأسلحة والمعدات وبرامج التدريب الأمريكية «هناك الكثير من الناس في العالم يعتمدون على المملكة العربية السعودية في كثير من الأمور، ولا سيما في عالم اليوم، لذلك ليس لدينا خيار. يحصل السعوديون على أفضل تدريب متوفرمن أفضل جيش في العالم. وهذا سوف يحدث لفترة من الوقت».

  كلمات مفتاحية

السعودية الولايات المتحدة مبيعات الأاسلحة إيران الدولة الإسلامية

السعودية تحتل المركز الثالث عالميا في الإنفاق العسكري لعام 2014 بـ80 مليار دولار

الشرق الأوسط أنفق 150 مليار دولار على التسلح عام 2013 .. الإمارات والسعودية تتصدران عربيا

الرياض تعتزم شراء أسلحة أمريكية بـ 1.75 مليار دولار

الإنفاق العسكري السعودي يتجاوز إنفاق الدول الكبرى

اطلبوا وسائل القتل ولو في الصين: السعودية تنضم لسباق التسلح بالطائرات بدون طيار

صفقات السلاح الفرنسي تسلط الضوء على تنامي الإنفاق العسكري السعودي

«ديفينس وان»: السعودية تتجه لاقتناء سفن ومروحيات عسكرية أمريكية لتعزيز أمنها

«ديفينس وان»: استعدوا لانهيار المملكة السعودية

دول الخليج تتصدر سباق التسلح في المنطقة عام 2015 رغم انهيار أسعار النفط