«علي مطهري» .. الرجل الذي وقف في وجه «خامنئي»

الاثنين 6 يوليو 2015 10:07 ص

ليست القضية الأكثر حساسية في قلب طهران الآن هي الاتفاق النووي التي تشغل بال الصحافة العالمية والإقليمية، إنما استمرار احتجاز قائد الحركة الخضراء والبرلماني الذي يقف أمام المتشددين الإيرانيين من أجل معرفة مصائرهم.

في بادئ الأمر أصابت قطعة من زجاج مكسور وجهه، ثم جاءت طوبة في كتفه، ثم يُختم الهجوم بقذفه بالطماطم الفاسدة والتي عبرت إليه من خلال النوافذ المحطمة لسيارته، لقد نجا العضو البرلماني البارز «علي مطهري»، والذي يبلغ من العمر 57 عاما من الهجوم الذي استهدفه في جنوب غرب مدينة شيراز ليتدفق الدم من رأسه إثر جروح وكدمات أصابتها وأصابت باقي جسده، لكن الأمر كان من الممكن أن يصبح أسوأ.

كانت هناك بعض العلامات التحذيرية، بضعة رجال كانوا ينتظرون وصول «مطهري» من شيراز، والمعروفة بأنها مسقط رأس الشاعر الأكثر شهرة في إيران «حافظ الشيرازي» والذي عرف بأنه كان مدونا للحب والخمر، كما أنه كان يستهين بالنفاق الديني، وكان ينتظره ما يقرب من 50 من مهاجميه على ظهر دراجات بخارية من أجل منعه من إلقاء خطابه للطلاب الإصلاحيين في جامعة شيراز وبمجرد أن غادر البرلماني المطار في تاكسي أجرة انقضوا عليه.

وبعد انتظار دام 3 ساعات في مركز للشرطة، فضل الضباط عدم إلقاء القبض على بعض من المهاجمين ليفلتوا من العقاب، ويعود «مطهري» إلى طهران وينتصر المهاجمون في الوصول لهدفهم بعدم إلقاء «مطهري» لخطابه، وصف الرئيس الإيراني «حسن روحاني» الهجوم الذي تعرض له مطهري في 9 مارس/أذار أنه «صادم ومؤسف»، و«مطهري» هو ابن أحد أشهر رجال الدين الإيرانيين وعضو مؤسس للجمهورية الإسلامية، إلا أن ذلك لم يمنع «روحاني» من قولها صراحة بأن «مهاجميه كانوا ينوون قتله أو تشويهه».

تجاوز الحدود

وترجع ممارسة هذا العنف في الحقيقة إلى تجرؤ «مطهري» على الاقتراب من السياج الثلاثي لحدود السياسية الإيرانية الحساسة، والتي قد تكون أكثر أهمية من المحادثات حول الملف النووي الإيراني؛ ألا وهي قضية الانتخابات الرئاسية لعام 2009 والمتنازع عليها، وبعد الإعلان عن إعادة انتخاب «محمود أحمدي نجاد» عام 2009 امتلأت الشوارع بالمحتجين الرافضين للنتيجة، ولتصر إيران أن المحتجين تم دعمهم من أمريكا و«إسرائيل» والدول الغربية للنيل من زعماء إيران، وقد تحمل رجلان وطأة غضب النظام، هما «مير حسين موسوي» و«مهدي كروبي»، وهما المرشحان الإصلاحيان واللذان زعما أن الانتخابات قد جرى تزويرها ليتم وضعهما بعد ذلك تحت الإقامة الجبرية وذلك منذ 4 سنوات، وقد خلف هذا العنف الدموي، والذي مارسته مليشيا النظام «الباسيج» تجاه المتظاهرين وسحقت به الحركة الخضراء الوليدة، جرحا لم يضمد بعد.

وكانت الحصيلة الرسمية للقتلى إثر تلك الاضطرابات التي ضربت البلاد في عام 2009 قد أعلنتها الحكومة بـ 36 شخصا، إلا أن العديد من المعارضين أكدوا أنهم بالمئات، في حين طالب الآلاف من الإيرانيين العاديين وعدد من شخصيات المؤسسة الدينية بإعدام «موسوي» و«كروبي» بتهمة الخيانة.

وقد لا يتم الاعتراف  بتزوير انتخابات 2009 رغم أنه يبدو واضحا، ويكمن في جذور النظام الحالي، وقد ألقى ذلك بظلاله على المحادثات التي تجري مع الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى بشأن الملف النووي، إن الاحتجاجات في نظر ملايين الإيرانيين والحركة الإصلاحية قد خلفت أضرارا لشرعية السياسة الإيرانية، بعد أن أصبحت بلدا سرق فيه صوتك والذي هو أعظم حقوقك، وكان الرئيس «روحاني» قد تعهد بحل قضية احتجاز «موسوي» و«كروبي» قبيل انتخابه إلا أنه تراجع الآن مستشعرا الخطر.

«علي مطهري» هو العضو الوحيد من النخبة السياسية في إيران الذي تجرأ على مواجهة المرشد الأعلى «آية الله على خامنئي» بشأن تلك القضية. و رغم أن النائب البرلماني يبدو أنه من أبرز المعارضين الذين أفرزتهم إيران، إلا أنه متشدد في القضايا الثقافية، فهو معارض بقوة للجهود التي تطالب بالسماح للنساء بدخول الملاعب الرياضية لمشاهدة الرياضيين الذكور، كما أنه أدان اقتراح تخفيف القوانين التي تجبر ارتداء الحجاب منذ ثورة عام 1979.

وكان «موسوي» و«كروبي» أصحاب مناصب بارزة في النظام في السابق، كان «موسوي» رئيسا للوزراء عام 1981 حتى 1989، في حين شغل «كروبي» منصب رئيس البرلمان لمرتين، وتم اعتقال الرجلين بموجب مرسوم صادر عن «خامنئي» نفسه ولأسباب تتعلق بالأمن القومي، وقد رفض المرشد الأعلى نداءات بالإفراج عنهما قائلا إن جرائمهما خطيرة جدا والحكومة تتعامل معهم «بلطف»، وهو ما دفع «مطهري» للتفوه بما هو غير مسموح به.

في وجه «خامنئي»

في العام الماضي؛ صرح «مطهري» بأن «خامنئي» قد تجاوز صلاحياته في احتجاز قادة الحركة الخضراء، حتى إنه قال إن والده الفيلسوف الإسلامي وأحد مؤسسي الثورة الإسلامية «آية الله مرتضى مطهري» إذا لم يكن قد قتل على يد أعداء ومعارضي الثورة بعد شهور من قيام النظام الإيراني، فما كان لـ«خامنئي» أن يكون على رأس السلطة في إيران.

وقبل أن يتعرض «مطهري» للهجوم في شيراز،  كانت خطاباته تتعرض لما يخشى غيره من التعرض له، لقد صرح في خطاب في جامعة فردوسي في مدينة مشهد في نوفمبر/تشرين الثاني «يرى الزعيم أن جريمتهما خطيرة، وفي حال ملاحقتهما قضائيا فإن عقوبتهما ستكون شديدة، والآن يطلب أن نتعامل معهم بلطف، نبي الإسلام نفسه لا يستطيع أن يقول أن عقوبة الشخص ستكون شديدة دون أن يعطى حق الدفاع عن نفسه، لن يصدر أي حكم دون ادعاء ودفاع، وأنا ما زلت أصر أن الأمر بالإقامة الجبرية دون أمر قضائي هو قرار قمعي ظالم».

الطلاب المنصتون إلى «مطهري» أيدوا كلامه مظهرين ذلك بالتصفيق، وهو ما لم يحدث من قبل، فلم يعارض أحد «خامنئي» بهذه العلنية منذ عام 2009.

كما أن ذلك علامة على تعقيد هيكل السلطة في إيران، والنفوذ الذي بيد عدد قليل من العائلات هناك، وقد ناقش «مطهري» تلك المسألة علانية، ويملك «مطهري» الدليل الواضح على ذلك؛ حيث إنه بعيدا عن وضع والده البطولي، ووضعه في البرلمان فهو يمثل طهران منذ 2008، كما أن أخته متزوجة من المتحدث باسم البرلمان «علي لاريجاني»، والذي هو نفسه ينحدر من أقوى وأعرق العائلات في إيران.

ويعتقد الكثيرون أنه إن لم يكن «مطهري» ابنا لرجل وصفه «الخميني» بأنه «قرة عينه»، فإنه كان سيواجه العديد من المتاعب، وفي مشهد لا يصدق يوم 11 يناير/كانون الثاني تلقى «مطهري» تهديدا علنيا بأنه قد يحاكم بتهمة الخيانة، وفي خطاب له أمام البرلمان ناقش فيه أن قرار الإقامة الجبرية لـ«موسوي» و«كروبي» يتعارض مع الدستور، ليتم الاعتداء عليه وجذبه من قبل 3 نواب كانوا أعضاء سابقين في الحرس الإسلامي ومنظمة النخبة العسكرية التي شكلها «الخميني» لحماية الجمهورية الإسلامية من التهديدات الداخلية والخارجية، لقد تم جره وجذبه من فوق المنصة، كما ردد معارضو «مطهري» عبارة «الموت لمثيري الشغب»، بينما قطع التلفزيون الحكومي بثه المباشر عن البرلمان وقتها.

ولم يصمت «مطهري» بسهولة، ففي 3 مايو/أيار، أي بعد مهاجمته وقبل أيام من عودته للمشهد حيث نطق بتصريحاته الملتهبة في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أصدر قائد طلاب الباسيج أو«قوات التعبئة» تهديدا نشرته وكالات الأنباء الإيرانية.

وجاء في البيان التهديدي «أنت ابن العزيز مرتضى، لم أتوقع منك أن تقدم ما يخدم مثيري الشغب والمقاتلين ضد الإسلام.. ننصحك بإلغاء رحلتك، وإذا كررت أفعالك السابقة فلن يبق طلاب مشهد الثوريين هادئين ولن يقفوا مكتوفي الأيدي».

ولم يفت ذلك في عضد «مطهري»، ولم يرهبه، فقد سافر وتحدث دون انقطاع.

وبدلا من التراجع أقدم «مطهري» على خطوة جديدة تجاه النظام بعد أحداث 2009، وتم إبعاد «محمد خاتمي» آخر الرؤساء الإصلاحيين في إيران عن الحياة العامة لتأييده الحركة الخضراء قبل 6 سنوات، لقد أصبح «خاتمي» منبوذا، ومنع المدعي العام الإيراني وسائل الإعلام من استخدام صورته.

وفي 16 يونيو/حزيران أرسل «مطهري» خطابا يسأل المدعي العام عن التكييف القانوني لتبرير ذلك إلا أنه لم يتلق أي رد حتى الآن.

والسبب في هذا الحظر رغم عدم إعلانه هو الانتخابات البرلمانية المزمع عقدها خلال العام المقبل، وتخشى المؤسسة الأمنية الإيرانية، رغم سحقها للحركة الإصلاحية في عام 2009، من التصويت لفلول الحركة الخضراء، والذين أنشأوا حزبين قد يصبحا منبرا للدعوة إلى التغيير، وذلك في ظل الاتفاق النووي،  وإذا ما تم فتح الباب أمام الاستثمار الأجنبي في إيران، فإن هذا سيشجع بعض الإصلاحات الثقافية المحدودة كما يعتقد بعض المحللين، على الرغم من مقاومة المتشددين لحدوث هذا الاحتمال.

قيود على الرئيس

وتشمل الحملة ضد «مطهري» ومحاولات إسكاته أيضا تحذير محتمل من قرب الاتفاق النووي مع طهران، حيث يرى منتقدو الاتفاق أن تدخل القضاء والأعضاء السابقين للحرس الثوري لن يفضي إلى أي اتفاق يمكن الاعتماد عليه، فبينما ناقش «روحاني» المزيد من الحرية الشخصية بما في ذلك إزالة الرقابة على الإنترنت إلا إن جهوده قوبلت بازدراء من قبل المتشددين. ورغم أن «روحاني» صار هو الرئيس، لكنه لا يستطيع السيطرة على إعجاب أو تأييد أمثال الحرس الثوري، والذين يقدمون تقاريرهم مباشرة إلى «خامنئي»، والذي بدوره يدعم  الجماعة في مقابل الرؤساء، وظهر ذلك في السابق عندما سُحقت الاحتجاجات الطلابية عام 1999، وهو ما كان يعارضه ويتصدى له بقوة «خاتمي».

وكما دفعت حكومة «روحاني» للسماح للنساء بحضور مباريات الكرة الطائرة للرجال، لكن مسؤولي الأمن منعوهن من الحضور مجددا، وهو ما يوضح بشكل جلي أن تلك الواقعة ربما تتكرر بصورة أكبر عندما يتعلق الأمر بالتحقق من سلمية أنشطة إيران النووية، فببساطة قد توافق الجمهورية الإسلامية على السماح لمفتشي الأمم المتحدة بزيارة مواقع نووية أو حتى عسكرية، لكن الحرس الثوري الإيراني يستطيع أن يمنع أي شخص من دخول تلك القواعد. وقد مارست إيران مثل تلك اللعبة من قبل، ففي مايو/أيار 2003 تم السماح لمفتشي وكالة الطاقة الذرية الدخول لأحد المواقع لكنهم رفضوا السماح لهم بأخذ عينات.

ويرى بعض المراقبين أيضا أن مكائد القضاء والحرس الثوري السياسية هي التي أودت بـ«جيسون ريزنين»، مراسل صحافي لواشنطن بوست يحمل الجنسية الأمريكية الإيرانية، إلى السجن لمدة تقارب العام ويحاكم في إيران بشكل سري، وهو ما يشكل إحراجا لـ«روحاني» عندما يسأله الصحافيون عنه، وكانت آخر مرة في 13 يونيو/حزيران.

وتوضح تلك الأمثلة القيود التي تم فرضها على «روحاني» في وقت ينظر فيه إلى الغرب للاستثمار، وتعاون مستقبلي محتمل في حال توقيع اتفاق نووي، وهو ما يشعر معه المتشددون بالفزع، حيث يستطيعون حشد القوات للنزول إلى الشارع لمعارضته أو استخدام الغطاء القانوني للقضاء، وهو ما قد يؤدي به إلى السجن أو التهميش إذا رأوا أنه أصبح خطرا على الثورة الإيرانية.

وقد يكون «مرتضى مطهري» هو الضحية الأولى للمتشددين، كما أن استمرار حبس «موسوي» و«كروبي» ربما ينبئ بأن أي دعوات أثناء الجولة الانتخابية القادمة تطالب بتحريرهم أو تقديمهم للمحاكمة يدفع نحو حملة أمنية أخرى.

وسوف يقدم الاقتراع في فبراير/شباط أيضا لمنتقدي ومهاجمي «مطهري» فرصة لإسكاته: جميع المرشحين يجب أن تتم الموافقة عليهم من قبل مجلس صيانة الدستور الإيراني في عملية الفحص المستخدمة لتنقية من ينظر إليهم على أنهم غير موثوق بهم. وربما يكون «مطهري» مستهدف لاستبعاده، وما يزال مهاجموه ومنتقدوه، في الوقت نفسه، مجهولي الهوية.

  كلمات مفتاحية

إيران علي خمانئي حسن روحاني علي مطهري الحرس الثوري الباسيج

«ذي إيكونوميست»: مصير الاتفاق النووي معلق بقرار رجل ثمانيني مصاب بالسرطان

ممثل «خامنئي»: المرشد يتواصل مع المصدر الإلهي من خلال الوحي وعلم الغيب

فيلم وثائقي يكشف «خفايا حياة خامنئي».. وجه آخر من البذخ والرفاهية

تحليل من الصحافة العبرية: خامنئي ... ممَ يخاف؟

من سيخلف «خامنئي»؟ السيناريوهات المحتملة وأهم المرشحين

«راند»: من المستفيد من رفع العقويات على إيران؟

الديمقراطية عقدة إيران مع الربيع العربي

إيــران تختــرق أم تحتــرق

إيران.. هل بدأت معركة خلافة «خامنئي»؟

مسرح الصراع على السلطة في إيران