رايتس ووتش: قمع وقتل.. ثمن باهظ لإصلاحات بن سلمان

الثلاثاء 5 نوفمبر 2019 01:10 ص

قالت منظمة "هيومن رايتس ووتش"، الإثنين، إنه على الرغم من التقدم الذي أحرزته السعودية في مجال تمكين المرأة والإصلاح الاقتصادي، فإن الممارسات التعسفية والمسيئة المستمرة من السلطات ضد المعارضين والناشطين، على اختلاف أطيافهم، منذ 2017، تشير إلى أن سيادة القانون في المملكة "لا تزال ضعيفة"، ويمكن أن تقوضها إرادة القيادة السياسية في البلاد.

وأضافت المنظمة، في تقرير مطول نشرته عبر موقعها الرسمي تحت عنوان "تكلفة مرتفعة للتغيير"، وترجمه "الخليج الجديد"، أن وصول ولي العهد الحالي، الأمير "محمد بن سلمان" إلى السلطة في المملكة، رافقته محاولات منه لإحداث تغيير اجتماعي واقتصادي، بعد أن كان الاقتصاد السعودي يعاني بعد وفاة الملك السابق "عبدالله" في يناير/كانون الثاني 2015، بسبب اعتماده بشكل كلي على النفط.

وتكثفت تلك المحاولات من "بن سلمان" عقب تصعيده إلى منصب ولي العهد، ليكون الرجل الأقوى في المملكة، حيث عمل على إحداث تغييرات إيجابية في أوضاع النساء، وجاول دفع الاستثمار الأجنبي المباشر في السعودية، بالإضافة إلى قيادة حملة علاقات عاملة لتلميع صورته خارجيا، وهو الأمر الذي تم بنجاح نسبي خلال زياراته إلى بريطانيا والولايات المتحدة في مارس/آذار 2018، والإشادات التي تلقاها هناك من مسؤولين ومشاهير ورجال أعمال.

لكن، وحسب التقرير، فإن تلك المحاولات يكمن خلفها واقع شديد القتامة، حيث تحركت السلطات السعودية لتهميش أي شخص في المملكة يمكنه أن يقف في طريق صعود "بن سلمان" السياسي، ففي صيف 2017، وبالتزامن مع ترقية "بن سلمان" إلى منصبه الجديد، شنت السلطات حملة إقالات في صفوف مسؤولين بأجهزة الأمن والاستخبارات والنيابة، وهي الأجهزة التي تحكم البلاد، وتم وضع تلك الأجهزة مباشرة تحت إشراف الديوان الملكي.

وسرد التقرير ما تم بعد ذلك مباشرة، حيث شرعت السلطات في تدشين حملة اعتقالات مروعة، بداية من سبتمبر/أيلول 2017 طالت رجال دين ومفكرين وحقوقيين وأكاديميين، وفي نوفمبر/تشرين الثاني من نفس العام تم اعتقال عدد من رجال الأعمال والاقتصاد والأمراء والوزراء السابقين واتهامهم بالفساد، وفي مايو/أيار 2018، امتدت يد الاعتقالات لتطال أبرز المدافعين عن حقوق المرأة.

وصاحبت موجات الاعتقالات، غالبا، حملات تشهير وافتراء ضد المعتقلين في وسائل الإعلام الموالية للحكومة.

وترى "هيومن رايتس ووتش"، أنه ليس احتجاز المواطنين بسبب انتقادهم السلمي لسياسات الحكومة أو مناصرة حقوق الإنسان ظاهرة جديدة في السعودية، لكن ما جعل موجات الاعتقال بعد عام 2017 بارزة ومختلفة، هو ذلك العدد الهائل من الأفراد المعتقلين، ومدى استهداف كافة الأصوات المعارضة أو التي قد يحتمل أن تكون معارضة خلال فترة قصيرة، وكذلك إدخال ممارسات قمعية جديدة لم تشهدها السعودية سابقا.

وأشار التقرير إلى اتهامات التعذيب التي قيل إن السلطات مارستها ضد المعتقلين في أماكن احتجاز غير رسمية، في معظمها، وبعضها بدا غريبا كفندق "الريتز كارلتون" الفاخر بالرياض، واستراحات ودور ضيافة.

على سبيل المثال، في 12 مارس/آذار 2018 ، ذكرت صحيفة "نيويورك تايمز" أن 17 من معتقلي فندق "الريتز كارلتون" نقلوا إلى المستشفى بسبب سوء المعاملة الجسدية، بما في ذلك رجل توفي لاحقًا في الحجز.

بالإضافة إلى ذلك، قالت "هيومن رايتس ووتش" إنها تلقت في أواخر عام 2018 معلومات موثوقة من مصادر مطلعة، تفيد بأن السلطات عذبت 4 ناشطات سعوديات بارزات أثناء وجودهن في مركز احتجاز غير رسمي، بما في ذلك استخدام الصدمات الكهربائية، وضرب النساء على أفخاذهن ومناطق حساسة أخرى، ومحاولة معانقتهن وتقبيلهن بشكل قسري "تحرش جنسي".

وشملت الممارسات التعسفية الاعتقال التعسفي الطويل الأجل، لأكثر من عامين، دون تهمة أو محاكمة أو أي عملية قانونية واضحة.

ووفقا للتقرير، ما زال بعض المعتقلين المزعومين بالفساد الذين اعتقلوا في أواخر عام 2017 قيد الاحتجاز دون تهمة أو محاكمة، بمن فيهم "تركي بن ​​عبدالله"، نجل الملك الراحل "عبدالله بن عبدالعزيز"، والوزير السابق "عادل فقيه"، وقطب المقاولات والبناء "بكر بن لادن".

وأشار التقرير إلى استهداف السلطات لعائلات المعارضين أيضا عن طريق التهديد بالاعتقال أو المنع الفعلي من السفر، والاحتجاز الفعلي للضغط على ذويهم من المعارضين الذين يعيشون خارج المملكة.

وشملت الممارسات التعسفية الأخرى الاستيلاء على الأصول المالية للمحتجزين مقابل إطلاق سراحهم خارج أي عملية قانونية، والسعي إلى تنفيذ عقوبة الإعدام ضد المحتجزين على أفعال لا تشبه الجرائم المعروفة التي تستحق تلك العقوبة في المملكة، مثل رجل الدين "سلمان العودة" والمفكر الإصلاحي "حسن فرحان" وغيرهم.

ومع ذلك، يقول التقرير، إن الممارسات القمعية لـ"بن سلمان" لم تحظ بتدقيق دولي متناسب معها، حتى صدم العالم بجريمة قتل الصحفي السعودي والكاتب بصحيفة "واشنطن بوست"، "جمال خاشقجي"، بشكل بشع، داخل القنصلية السعودية بإسطنبول التركية، في أكتوبر/تشرين الأول 2018.

وبعد التغطية الإعلامية الواسعة للجريمة، والتي أحرجت الرياض واضطرتها إلى الاعتراف بما حدث، وتسببت في انسحاب عشرات من رجال الأعمال والمستثمرين من مؤتمر "دافوس الصحراء" بالرياض أواخر نوفمبر/تشرين الثاني 2018، فوجئ الكثيرين بقادة العالم الكبار يصرون على دعم "بن سلمان"، وأبرزهم الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب".

وفي منتصف 2019، بينما بقي عشرات المعارضين قيد المحاكمة والسجن، ودون مساءلة واضحة عن مزاعم تعذيب المعتقلين أو مقتل "خاشقجي"، استأنفت السلطات السعودية جهودها لتحسين سمعة البلاد وتحويل الرواية الدولية بعيداً عن مقتل الصحفي السعودي جزئياً عن طريق الإعلان عن إصلاحات رئيسية لحقوق المرأة، بعدما قرار منحها حق قيادة السيارات، في يونيو/حزيران 2018، وهو القرار الذي تم اتخاذه بعد أسابيه قليلة من اعتقال الناشطات المطالبات بحقوق المرأة.

وفي أواخر يوليو/تموز 2019 ، أعلنت السعودية أن النساء السعوديات اللائي تتجاوز أعمارهن 21 عامًا سيتمكنن من الحصول على جوازات سفر دون موافقة أحد أقاربهن الذكور، وتسجيل المواليد لأطفالهن، والاستفادة من وسائل الحماية الجديدة ضد التمييز في العمل.

وفي أوائل أغسطس/آب 2019، أعلنت المملكة عن مزيد من التغييرات في اللوائح التي تسمح للنساء فوق 21 عاما بالسفر إلى الخارج بحرية دون إذن ولي الأمر.

واختتم التقرير بالقول إن السعودية تريد أن تقول إنها تعمل على إصلاح حقيقي، ولكن لإثبات ذلك يجب على الملك "سلمان"، وولي عهده "بن سلمان" إدخال إصلاحات جديدة لضمان تمتع المواطنين السعوديين بحقوق الإنسان الأساسية، بما في ذلك حريات التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع السلمي، فضلا عن قضاء مستقل وسيادة حقيقية للقانون.

وتابع: "يمكن للسلطات أيضا أن تشير إلى هذا الالتزام فورا عن طريق الإفراج عن جميع المعتقلين المحتجزين تعسفيًا أو بتهم بناءً على أفكارهم السلمية أو تعبيرهم السلمي، وإسقاط جميع التهم الغريبة التي يُحاكمون وفقا لها، وفتح تحقيق ضد مرتكبي الانتهاكات مثل التعذيب أو العقوبات التعسفية".

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

هيومن رايتس ووتش القمع في السعودية حقوق الإنسان في السعودية

الإذاعة الألمانية: دول عربية حولت وسائل التواصل الاجتماعي لآلية مراقبة

الدين في بلاط الحكم السعودي.. القصة الكاملة لأوهام الإصلاح الديني في المملكة

رايتس ووتش: إصلاحات السعودية شوهتها اعتقالات المعارضين