استطلاع رأي

أي من هذه الدول تمارس الدور الأكثر إيجابية في حرب غزة؟

السعودية

مصر

قطر

إيران

تركيا

أهم الموضوعات

طبقات اليمين الإسرائيلي وبصيرة دا سيلفا

عن أوهام التفاؤل الأميركي

أزمة اقتصاد مصر وانتظار الفرج من الخارج

نحو وقف الحرب على غزة

سيناريو اليوم التالي للحرب

جدار تونس العازل .. مرفوض !

الأحد 19 يوليو 2015 03:07 ص

حين تبدأ تونس فعلا ببناء الجدار العازل بينها وبين ليبيا فسيكون الأول من نوعه في العالم العربي، والثاني في الشرق الأوسط. وسيضيف مصداقا آخر لتفتت الأمة وانعزال أجزائها عن بعضها. فعندما قام الكيان الاسرائيلي ببناء الجدار العازل في الضفة الغربية ارتفعت الصيحات ضده نظرا لما يمثله من تراجع للقيم الانسانية وما يرمز إليه من تمييز واضطهاد. فلقد استبشر العالم عندما هرع المواطنون الألمان في العام 1989 لهدم جدار برلين الذي بني في 1961 في ذروة الحرب الباردة بين الاتحاد السوفياتي والولايات المتحدة الأمريكية.

يومها كانت ألمانيا مقسمة بين شطرين: شرقي شيوعي وغربي رأسمالي. كان ذلك الجدار يمثل للكثيرين مدى ما يمكن أن يصل إليه الخلاف الأيديولوجي بين الامم، وكيف أن الشعوب الواحدة تنقسم على نفسها بسبب الخلافات الأيديولوجية بين حكامها، وتشيد جدرانا عازلة في ما بينها لأسباب ليست من صنعها. ففي لحظة تاريخية ضاغطة يرى السياسيون أنفسهم مدفوعين لبناء الجدران بين شعوبهم، ولكن سرعان ما تصبح رمزيتها بعبعا مرعبا ومقززا للشعوب نفسها. فالحرية تحتاج لفضاءات واسعة تتجول فيها النفس البشرية وتكره ما يفرض عليها العيش بين الحيطان التي تحاصر البشر والقيم الإنسانية.

الجدار المزمع بناؤه في تونس له هو الآخر رمزيته المقززة. فلا شك أن هناك ظروفا قاهرة اضطرت أصحاب القرار وعلى رأسهم رئيس الوزراء التونسي، «الحبيب الصيد»، لاتخاذه في إثر تصاعد التهديدات الارهابية من المجموعات المسلحة وآخرها الاعتداء على فندق «امبريال مرحبا» بمدينة سوسة، الذي أدى لقتل قرابة 40 شخصا.

واذا كان الجدار الإسرائيلي يهدف لعزل الفلسطينيين ومحاصرتهم ضمن المناطق الخارجة عن أيدي الاحتلال، فإن جدار تونس سيكون عازلا بين شعبين شقيقين عاشا في وئام منذ القدم. فما الذي أدى بالأمة للوصول إلى هذا المستوى من التباعد بين مكوناتها؟ قد يصاب الكثيرون بالإحباط من هذا القرار نظرا لرمزيته المرعبة، ولكن من المهم أن تطرح التساؤلات عن الظروف التي أوصلت الأمور إلى هذا المستوى من الانحدار. وباستقراء تلك الظروف يمكن القول أن جدرانا أخرى سيتم تشييدها في بلدان عربية عديدة كمصر، وربما العراق وسوريا. بل إن اليمن نفسه قد لا يسلم من ظاهرة تصاعد الرغبة في عزل مكوناته عن بعضها. ولا يبدو أن قرار تشييد جدران على غرار الجدار التونسي سيفاجىء الكثيرين بعد أن تم تشييد جدران أخطر بين الشعوب، تمثلت بغرس الحقد بين أبناء الأمة الواحدة وفق خطوط التمايز الديني والمذهبي.

وسوف يسجل التاريخ أن دولا ومجموعات ساهمت بشكل عمد لتفريق أمتي العرب والمسلمين لأهداف سياسية رخيصة، وبذلت الأموال وسخرت الإعلام لتحقيق ذلك. المصيبة الكبرى لم تعد منحصرة بالقتل العبثي الذي تئن شعوب الامة تحت وطأته، ذلك القتل الذي تتوفر إمكاناته البشرية بدون انقطاع، بل بالقبول العام لآلة القتل هذه، وقدرتها على استدراج الكثير من علماء الامة ومفكريها.

فعلى مدى أربع سنوات تواصل النفخ في البالونات الطائفية حتى خيل لمن يجهل تاريخ الامة أن الإسلام لم يأت للبشرية إلا بثقافة الموت والتكفير والإقصاء. فما أخطر هذا الاستنتاج وأبشعه. فالدين الذي صنع للإنسانية أكبر حضارة إنسانية تواصلت أربعة عشر قرنا، هل يختصر تاريخه اليوم بما تقدمه مجموعات التطرف والقتل والتكفير من أمثلة سيئة في الإقصاء والعبثية والجهل والتطرف؟

المشهد قبل عام كان مختلفا تماما عما هو عليه اليوم. ففي مثل هذه الايام من السنة الماضية لم تخف قطاعات واسعة من أبناء الأمة فرحها بتوسع نفوذ المجموعات المسلحة في العراق، واحتلالها مدينة الموصل بدوافع وأوهام صنعتها مخيلة أعداء حرية شعوب المسلمين واستقلالها ووحدتها. من خلال تفصيلات العملية الارهابية التي استهدفت المصلين بمسجد «الإمام الصادق» بالكويت الشهر الماضي اتضح بعض خيوط شبكة العلاقات بين المجموعات الانتحارية. وهذا أمر جيد، ولكن كيف تم ذلك؟ المسألة هنا أصبحت مصدر قلق كبير لحكومات دول مجلس التعاون.

فهذه الحكومات تعرف أن وجود المجموعات المسلحة ضمن حدودها سيؤدي إلى تكرر ما حدث في الكويت. صحيح أن الحادثة وقعت ضمن المخطط الطائفي هذه المرة، ولكن من يضمن أن العمليات المستقبلية لن تطال بقية مكونات المجتمع؟ أليس هذا الوباء كالنار التي تصل إلى كافة انحاء المنزل خصوصا إذا كان بناؤه هشا، ما لم يتم احتواؤها حال اندلاعها؟ 

اليوم توسعت مصاديق العزل بين مكونات أمة العرب والمسلمين. كانت ظاهرة التكفير محصورة في إطارها بالمكونات المذهبية لهذه الامة، ولكن أضيف لها الإرهاب الذي لا يعترف بدين أو مذهب أو عرق، فإذا به يعبر الحدود كالنار ويصل إلى نيجيريا وتونس والجزائر والمغرب ومصر غربا، وسوريا والعراق والمنطقة الشرقية من الجزيرة العربية وباكستان وأفغانستان شرقا، بل إن ماليزيا التي شرعت في السنوات الاخيرة قوانين تحظر الانتماء للمذهب الشيعي، أصبحت تشكو من وصول عناصر إرهابية إلى اراضيها. إن كل ظاهرة منافية للقيم الجوهرية للإنسانية والدين مصدر للمزيد من الأزمات والأمراض.

هذه حقيقة كان جديرا بالعقلاء إدراكها. فاذا لم يتم استيعابها تحولت لخطر على داعميها. فالوباء لا يمكن حصر دوائره وحدوده، والنار لا يمكن حصرها بدائرة ضيقة مع وجود النفخ المتواصل فيها. ومن كان يضخ روح التطرف والإرهاب والتكفير في جسد الأمة المنهك، يتحمل مسؤولية ما بلغت إليه الأمور، ولا يمكن تبرئته من بروز ظاهرة بناء الجدران العازلة التي أصبحت المصداق المنظور لتمزق الأمة وتفتتها وضعفها.

من يمارس القتل خارج القانون تجاه من يختلف معه دينا أو مذهبا أو فكرا لن يتردد عن مواجهة الحكومات التي ساهمت في دعمه وتشجيعه. بعد هذا فهل هناك عبر من التجربة التونسية الأخيرة؟ الحقيقة التي برزت، إلى جانب خطر التطرف والإرهاب والتكفير، أن بالإمكان اقتلاع هذه الظواهر إذا كانت لدى الأنظمة السياسية إرادات قوية. فبعد ما جرى في تونس من تصاعد أعمال العنف وتفجير فندق سوسة كثفت الحكومة جهودها ضد تلك المجموعات، وأعلنت مؤخرا أنها تمكنت من القضاء عليها. فالتونسيون يعرفون أن الإرهاب الذي ضرب بلدهم سيضرب واحدا من أهم مصادر الدخل القومي.

وتكرر استهداف السياح وجه ضربة موجعة لقطاع السياحة. وبعد مقتل ثلاثين من السياح البريطانيين أعلنت حكومتهم وقف السياحة إلى ذلك البلد، واتخذت بقية الدول الغربية إجراءات مماثلة. وأدرك التونسيون أنهم يدفعون ضريبة التحول الديمقراطي برغم نجاح قوى الثورة المضادة في تحجيم ذلك التحول وإقصاء التيار الاسلامي ممثلا بحركة النهضة عن الحكم. ومن المؤكد أن تلك الخطوات كانت محاولات لاحتواء التجربة الوحيدة التي احتفظت بشيء من إنجازات الثورة.

إن سياسة بناء الجدران تجسيد عملي مؤلم لثقافة الاقصاء والتقسيم التي تروج بعناوين وذرائع مختلفة. والأمة التي تقبل بغرس مشاعر العداء والتوتر بين أبنائها لا تستطيع النهوض. تتميز أمة كهذه بغياب حكم القانون وسيادة ثقافة الاستئصال بدلا من سياسات الاحتضان والتضامن والوئام ضمن المنطق الإنساني والإسلامي الداعي للحوار والتفاهم والتعارف والتعاون على ما فيه خير الأمة. وبرغم مخاطر الإرهاب إلا أن تشييد الجدران العازلة لا يمثل حلا، بل يكرس الظواهر السلبية التي تعمق الفرقة وتقضي على وحدة الشعوب وتجانسها، وتستبدل قيم الحب والتضامن بمشاعر العداء والتباين وتلغي مقولات الأمة الواحدة والمصير المشترك، فهل هذا ما تريده أمة العرب والمسلمين؟

٭ د. سعيد الشهابي كاتب وصحافي بحريني يقيم في لندن

 

  كلمات مفتاحية

تونس ليبيا جدار عازل سياسة بناء الجدران ثقافة الإقصاء التقسيم

تونس: القضاء على 90% من كتبية «عقبة بن نافع» ولا وجود لـ«الدولة الإسلامية» على أراضينا

وزير الدفاع التونسي: إضافة 40 كلم من الخندق لحماية الحدود مع ليبيا

مجلس ثوار ليبيا يحذر تونس من الاستمرار في بناء الجدار الحدودي

في جلسة استثنائية.. برلمان تونس يؤيد إعلان حالة الطوارئ

الجيش الجزائري يرفع درجة تأهبه وينشر 12 ألف عسكري على حدود تونس

تركيا تعتزم بناء جدار عازل بطول حدودها مع سوريا لمنع تسلل «الإرهابيين»

لماذا تونس ليست مصر؟