إيران باعت ما لا تملك

الأربعاء 22 يوليو 2015 07:07 ص

وافق مجلس الأمن الدولي على الاتفاق النووي الإيراني بين المجموعة السداسية وإيران، ويفترض أن تبدأ إجراءاته التنفيذية بعد 90 يوماً.أي في 20 أكتوبر/تشرين الأول 2015.

وكالة «إرنا» الحكومية الإيرانية كتبت الجمعة الماضي «سيتم إنهاء تجميد مليارات الدولارات من أرصدة إيران عندما يبدأ تطبيق الاتفاق». بما في ذلك العقوبات الأمريكية والأوروبية.وسيرفع الحظر المفروض على التعاون الاقتصادي مع إيران في كل المجالات.

وزير الخارجية الأمريكي جون كيري أعلن أن تنفيذ الاتفاق بعد 90 يوماً سيتم على مراحل.«وسريان بعض البنود سيستغرق 15 عاماً، فيما ستبقى بنود أخرى سارية المفعول لمدة 25 عاماً». لم ينشر نص الاتفاق بعد.

هناك لغط يتعلق برفع العقوبات الاقتصادية والمالية وتلك المتعلقة بالتكنولوجيا وتوريدها إلى إيران.

قبل الدخول في الجانب الاقتصادي للاتفاق، نسجل الملاحظات الآتية:

1 - إيران باعت الغرب سلعة لا تملكها في مقابل عشرات مليارات الدولارات المجمدة في المصارف الدولية. وإلغاء كل القيود على الاستثمارات والنفط والغاز وإنتاجهما وتصديرهما.

فضلاً عن القيود المالية على المصرف المركزي الإيراني وعلى مصارفها المعزولة عن نظام التحويلات المالية والمصرفية الدولي «سويفت». وإلى آخر السلسلة. وإلى حين إيضاح التفاصيل المتصلة بالعقوبات، وبافتراض سيناريو رفعها تدرجاً تبعاً لأجندة تنفيذ الاتفاق، يعني ذلك بلغة التجارة والمال دفعة على الحساب (down payment) في مقابل سلع لم يتسلم منها الشاري شيئاً.

2 - الرئيس الأمريكي باراك أوباما يقول إن «البنية التحتية النووية لإيران باقية. والاتفاق لا يقوم على الثقة، بل على التحقق الميداني». التحقق من مّاذا؟ هذا ليس اتفاقاً لنزع الأسلحة. يبقى التحقق من نيات إيران.

وهي زعمت أو قالت صدقاً إنها لن تنتج الطاقة النووية لاستخدامات عسكرية. فلماذا لا تبيع منتجاً غير موجود لقاء انتشال اقتصادها من هوته، وتثبت «صدق نياتها وحسن الطوية» في وقت واحد!

3 - بدت الدولة العظمى منزوعة السلاح بنوعيه في المفاوضات على الملف النووي مع إيران. أوباما أعلن أن الولايات المتحدة لن تقاتل في الخارج.وسحب قواته من دول في المنطقة.وأبدى استعداده لنزع السلاح الثاني الأشد إيلاماً وهو العقوبات الاقتصادية والمالية. فانفتح الباب واسعاً أمام إيران للذهاب بعيداً في مفاوضاتها. فباعت منتجاً غير موجود.واحتفظت بقاعدتها الصناعية النووية. هل ربحت إيران الجولة في ملفها النووي؟ من الوجهة الاقتصادية قد يبدو الأمر كذلك.

وفي الحد الأدنى أوقفت خسائرها (Stop Losses) بلغة المضاربين في أسواق المال! هل خسرت مجموعة الدول الست؟ وماذا يعني الاتفاق للاستقرار في المنطقة من عدمه؟ هذا في ثنايا ملاحق الاتفاق السياسية إذا وجدت، لتتوقف إيران عن طموحاتها في المنطقة وزعزعة استقرارها. الأمر الذي بات يترك تداعياته على اقتصادات المنطقة وتنميتها ورفاهية شعوبها.

في اعتقادي أن اتفاقاً بهذه الأهمية لم تعرف كل تفاصيله بعد، يحتمل الكثير من اللغط والتأويل خصوصاً فيما يتصل بإلغاء العقوبات الاقتصادية.

الرجل المقرب من حاكم إيران الفعلي ومرشد الجمهورية الإسلامية محمد كاظم أنبار لوي اعتبر في مقال كتبه لصحيفة «رسالت» الإيرانية «أن هناك خلافات كبيرة بين وثيقة الحقائق الإيرانية عن الاتفاق التي أصدرتها وزارة الخارجية الإيرانية وبين ما ذكره الرئيس الأمريكي في تصريحاته».

فالعبارات والكلمات المستخدمة في النص تحفل بالمصطلحات الغامضة التي يمكن تأويلها بأكثر من معنى. سيتهافت وزراء الخارجية والاقتصاد في الدول الصناعية إلى إيران للحصول على حصة من كعكة رفع العقوبات. الألماني والفرنسي والبريطاني. روسيا والصين تعتبران نفسيهما شريكين مضاربين في مشاريع الاستثمار والسوق الإيرانية.

لكن ثمة اختناقات عويصة في هيكل إيران الاقتصادي، قد تشكل كوابح للتعاطي المجزي مع رفع العقوبات. البعض يعود إلى الإدارة السياسية، وبعضها الآخر إلى الإدارة الاقتصادية نفسها ومدى أهلية إيران وجهوزها لهذه المرحلة. الحرس الثوري الإيراني يسيطر على كل مرافق الاقتصاد الحيوية. يشرف مباشرة على موارد النفط والغاز. ويتدخل في مشاريع التنمية، والاستثمارات في استكشاف النفط واستخراجه، وفي قطاع الاتصالات وقطاع المال والمصارف والتكنولوجيا. وهي مجالات تنافسية للدول الصناعية. الاتفاق النووي لم يسقط الحرس الثوري من لائحة إرهاب تلك الدول. ويستحيل عليها التعاون مع الحرس الثوري.

في الإدارة الاقتصادية يغيب جهاز تنسيق السياسات الاقتصادية الكلية المفترض أن المصرف المركزي الإيراني ركن أساسي فيه. هذا من شأنه خلق مشكلات إدارة السيولة في مرحلة الدفق النقدي المفترضة لاستيعاب مليارات من الاستثمارات المباشرة. ومن نحو 140 مليار دولار أمريكي ودائع إيرانية قد يفرج عنها. النتائج الاقتصادية للدفق النقدي في الاستثمار المباشر من طبيعة متوسطة المدى وطويلة.

النتائج الفورية تظهر عادة في النقد ونظم المدفوعات ومستوى التضخم وسعر الصرف. وهي خاصرة رخوة لإيران مع تضخم في حدود 20 %، ونحو 32700 ريال في مقابل الدولار الأمريكي في السوق السوداء.

تنسيق السياسات الاقتصادية الكلية واحتواء الضغوط المناوئة للإنفاق في مراحله الأولى لا يبدو ناجزاً وحاضراً. في المستوى نفسه التخبط في الملف الاجتماعي وإدارته.

تكسب إيران الجولة الثانية إذا كسبت نفسها، وأنفقت على حاجات التنمية، وردمت فجوة الفقر الكبيرة وعادت إلى المنطقة بروح التعاون والاستقرار.

  كلمات مفتاحية

إيران مجلس الأمن الاتفاق النووي جون كيري

طهران: تسلمنا 12 مليار دولار إثر اتفاق جنيف المؤقت

مسؤول إيراني: سنعود لسوق الخام بكامل طاقتنا فور رفع العقوبات

ألمانيا تسعى لتعزيز التعاون الاقتصادي مع إيران بعد رفع العقوبات عنها

«فاينانشيال تايمز»: دبي تستعد لتكون نقطة عبور للإيرانيين بعد رفع العقوبات

إيران تسعى لمضاعفة صادراتها النفطية في شهرين لدى رفع العقوبات