الحرب على «الدولة الإسلامية» ... هل تدور حول النفط؟!

الأحد 26 يوليو 2015 08:07 ص

إن التدخل العلني ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» يرينا أن النفط لا يوجه السياسة الخارجية الأمريكية فقط بل يقيد طريقة التفكير في هذا المجال.

قد توصل الباحث «فينزينيو بوف»  في دراسة حديثة أجراها في جامعة «وور ويك»،  والتي نشرت في  (Journal of Conflict Resolution) أن التدخل الأجنبي يكون أكثر بمائة مرة فيما لو كان هناك احتياطي نفط في دولة من تلك الدول التي تشهد حروبا أهلية.

يقول «بوف» إنه قبل وصول قوات «تنظيم الدولة» للمناطق الكردية الغنية بالنفط شمال العراق، كانت «داعش» بالكاد تذكر في نشرات الأخبار، ولكن عند وصولها للحقول الغنية بالنفط أصبح حصار كوباني في سوريا العنوان الأبرز في نشرات الأخبار وحينها أرسلت أمريكا طائرات بدون طيار لقصف أهداف تابعة لـ«ـتنظيم الدولة».

ما ذكره «بوف» لم يكن شيئا جديدا، إذ اشتهر مصطلح القرن الأمريكي من قبل «هنري لويس» منذ عام 1941 حيث استحوذت الولايات المتحدة الأمريكية على النفط من عام 1920 وحتى عام 1970. هذا وتنتج الولايات المتحدة ثلثي النفط الخام في العالم وتحتوي على خمسة من أصل سبعة شركات رئيسة (أي تدير شركات فرعية أخرى) لتجميع /تصنيع النفط، والتي تهيمن على صناعة النفط عالميا.

لو كانت المؤسسة العسكرية الأمريكية تعتمد في هيمنتها على النفط الخام فلقد أثبتت أنها أشبه ما تكون بـ«أخيل»، (وهذا مثل إغريقي حيث يعود أصل مصطلح كعب أخيل إلى الميثولوجيا الإغريقية، حيث إنهنه عندما كان «أخيل» طفلا، تنبئ له بأنه سوف يموت في معركة، ومن أجل منع موته قامت أمه «ثيتس» بتغطيسه في نهر ستيكس الذي يعرف عنه بأنه يمنح قوة عدم القهر. لكن بما أن «ثيتس» كانت تحمل أخيل من كعب قدمه أثناء غسله في النهر، فلم يصل الماء السحري إلى كعبه. وهكذا كبر أخيل ليصبح أحد الرجال الأقوياء الذين صمدوا في الكثير من المعارك، إلا أنه في أحد الأيام أصاب سهم مسموم كعبه متسببا في مقتله بعد فترة قصيرة)، بمعنى أن النفط ربما يكون مصدرا لقوة أمريكا اليوم لكنه لن يدوم.

في الواقع أصبح عدونا الجديد، أي «تنظيم الدولة»، يعتمد في تمويله على النفط من خلال توسعه داخل العراق وسيطرته على مناطق صغيرة لتنقيب النفط. في عالم الهيمنة الأمريكية النفط لا يرسم فقط السياسة الخارجية بل يقيد طرق التفكير حيال هذا الموضوع.

 التحكم في النفط العراقي

لقد تغير وضع الجيش الأمريكي في العراق بعد استيلاء «تنظيم الدولة» على تكريت ومحاصرته لحقول النفط في بعد سقوط الموصل الصيف المنصرم.

هذا وقد طلب الرئيس الأمريكي «أوباما» بعد تسعة أشهر بشكل رسمي من الكونغرس  التدخل عسكريا ضد «تنظيم الدولة»، على كل حال فقد نشرت الولايات المتحدة عناصرها في المناطق التي تتواجد فيها «داعش» منذ 15 يونيو/حزيران 2014 أي بعد أربع أيام من سقوط تكريت تزامنا مع سيطرة جزئية على النفط العراقي. وأشارت التقارير الإخبارية أنه بحلول شهر يوليو/تموز فقد جنت «داعش» مليون دولار يوميا من خلال سيطرتها على بعض مناطق تنقيب النفط. بينما حذرت وكالة الأنباء CNN من أن «تنظيم الدولة» يجني قرابة ال 3 ملايين دولار، وسرعان ما أصبح موضوع النفط الشغل الشاغل لوسائل الإعلام في الحديث عن «داعش».

لقد دار جدال كبير حول تدخل الرئيس الأمريكي ضد «تنظيم الدولة» واستمرار الحرب ضد الإرهاب، إذ تراوحت بين أسباب إنسانية أو كسب الحرب الأيدولوجية ضد «تنظيم الدولة».

وبهذا أضحى كل فريق يبرر تصرفاته على أساس إنساني  هذا ما  أشار  إليه الكاتب «نعوم تشومسكي» في كتابه  الهيمنة أم البقاء.  تركز الرواية الأولى على اقتراب وقوع كارثة إنسانية عندما قامت قوات «تنظيم الدولة» بمحاصرة ما يقرب من 35 ألفا إلى 50 ألف يزيدي وهم من الأقلية الدينية في جبل السنجار في أغسطس/آب 2014.  وقام الرئيس الأمريكي بالرد من خلال الإعلان عن ضربات جوية ضد «تنظيم الدولة» متعهدا بعدم انجرار بلاده لخوض حرب أخرى في العراق . يأتي هذا الرد بحجة حماية المدنيين اليزيديين  . ولكن منذ 10 سبتمبر/أيلول أخذت الحرب منحى مختلف إذ أصبح الهدف منها تدمير «تنظيم الدولة» بشكل كلي .

يبدو أن هذا التغيير لم يكن فقط لأهداف عسكرية، بل تأكيدا من الولايات المتحدة على مصالحها في النفط في منطقة الشرق الأوسط. يقول أستاذ الطاقة والأمن «روجر ستيرن» العامل في جامعة تسلا أن الولايات المتحدة أنفقت حوالي 7.3 تريليون دولار على الجيش لتأمين الوصول للنفط في المنطقة.  ويضيف «ستيف كول» من  جريدة  نيويوركر  الأمريكية أن الحرب لم تكن يوما لحماية اليزيديين  ولكن لحماية أربيل  عاصمة حكومة الإقليم الكردي الغنية بالنفط، والتي تشمل 10 شركات أمريكية رئيسية  مثل إكسون موبل وشيفرون، والتي تحتوي على حقول لإنتاج النفط.

السبب الثاني للحرب المزعومة كان لحماية المواطنين الأمريكيين من خطر التهديدات الخارجية،  حيث  أشار «أوباما» في تصريح له بأن هذه التهديدات، وإن بدت أقل تطرفا من السابق فـ«الإرهاب واحد».

هذه التبريرات لشن الحرب ضد «تنظيم الدولة» لم تخل من المشاكل، فمن المعلوم جيدا أن أمريكا هي من كانت تقدم الدعم والتدريب والتمويل لمجاهدي الأفغان لمحاربة الاتحاد السوفييتي في الثمانينات مما يعكس انتكاس السياسة الأمريكية في المنطقة. فقد استخدمت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية لتمويل إعداد كتب لتشويه صورة الجيش السوفييتي. العلاقة بين هذا التشويه الديني والإرهاب كان قويا في أفغانستان فقدمت أمريكا لها الدعم. ولا حاجة للقول أن «الإرهاب الاسلامي» كان وما زال أحد منتجات للحرب الباردة.

ومع ذلك تبقى الحرب القائمة حاليا على الإرهاب بحد ذاتها مشكلة، فقد علم مسؤولو البنتاغون جيدا  أنه قبل إطلاق «تنظيم الدولة» حملته، قام الناتو بتدريب أفراد الجيش الحر( المعتدلين) الذين انضموا لاحقا لتنظيم الدولة والقاعدة لمحاربة «الأسد». ومع ذلك فما زالت أمريكا تمولهم . كذلك الأمر في تركيا حليفة الولايات المتحدة التي تقدم المعدات العسكرية والطبية لتنظيم «داعش»، ومع ذلك تشارك في تدريب 15.000 من ثوار سوريا بالمشاركة مع الولايات المتحدة.

من المفارقة أن الولايات المتحدة التي لا تألو جهدا في محاربة «الإرهاب الاسلامي»، وهي من تخلق إرهابا متزايدا يوما بعد يوم.

التقاء النفط والإنسانية

يرى الرئيس «أوباما» أن مصلحة الولايات المتحدة في الحصول على النفط والجهود الإنسانية المبذولة هما أمر واحد. كما تؤمن واشنطن بأن كبح جماح «تنظيم الدولة» في الوصول للنفط يقلل من حجم هذا التنظيم  مما يزيد من فرصة وصول الولايات المتحدة للوصول للنفط،  و بهذا تزيد قوة الشركات الأمريكية وتأثيرها على صنع القرار وبالتالي يزيد حصة الجميع من الكعكة الاقتصادية.

هذا النصف الثاني من هذه الاستراتيجية تم تطبيقه خلال حرب العراق عندما قامت شركة «Kbr»، وهي شركة مساعدة أو فرع  تابع لشركة «Halliburton»،  شركة تنقيب النفط والتي عمل بها القيادي السابق «ديك تشيني» كمدير تنفيذي، إذ حصل على 39.5 بليون دولار من خلال توقيع عقد فيدرالي لإعادة تكرير النفط وإنتاجه وتوزيعه. ويرى صانعو السياسة الأمريكية أن النفط الخاص سيعيد بناء العراق ويحقق الأهداف المرجوة لإرساء الديمقراطية والسلام المنشود. وبحسب السياسة الأمريكية الخارجية فإن منع  «تنظيم الدولة» من الوصول للنفط هو هدف مساوي لهدف حماية المدنيين.

على كل حال كان القتال من أجل النفط هو السبب وراء التدخل العسكري السابق في العراق و إراقة الدماء والحرب الأهلية التي نشبت بعد ذلك،  حيث تستهلك أمريكا حوالي  18.6 مليون برميل من النفط يوميا.

وقد ناقشت لجنة الطاقة والموارد في مجلس الشيوخ الأمريكي مشكلة مبيعات النفط لـ«تنظيم الدولة»  محاولين الحصول على إجابة لسؤال: كيف يمول النفط أعداءنا ومن يشتريه ولماذا؟؟ ولماذا خلق النفط حالة من الضغط الشديد وعدم الاستقرار في المنطقة، هذا سؤال يجب أن يجيب عنه أي حليف ينافس من أجل القوة.

يعتبر النفط عاملا أساسيا في الولايات المتحدة الأمريكية  هذه الدولة الرأسمالية  التي يرسم النفط سياستها الخارجية بل ويبني الأمة داخليا وخارجيا. رغم أن النفط هو المحرك الرئيسى وراء استخدام القوة العسكرية.

حاليا تسخر أمريكا كل قواها لمنع وصول «داعش» للنفط وهذا لا يحل المشكلة بل القتال من أجل الوصول للنفط هو الذي خلق حالة اجتماعية  وسياسية أنجبت «داعش»، والتاريخ يعيد نفسه بشكل متناسق.

 

  كلمات مفتاحية

الولايات المتحدة الدولة الإسلامية حروب النفط

مسؤول أمريكي: «الدولة الإسلامية» يسيطر على 80% من مصفاة بيجي وخسائر الجيش فادحة

«الدولة الإسلامية» يتمكن من السيطرة على كبرى مصافي النفط في العراق

تقارير: إيران تسرق النفط العراقي لتمويل مصالحها في سوريا والعراق

مجلس الأمن يتجه لإصدار قرار لتجفيف منابع تمويل «الدولة الإسلامية»

«الدولة الإسلامية» فكك العشرات من أكبر مصانع النفط في العراق ونقلها إلى الرقة بسوريا

ليست مجرد «نظرية مؤامرة»: النفط هو المحرك الرئيسي للغرب في الشرق الأوسط

200 مليار دولار انخفاض في استثمارات مشاريع النفط عالميا

أكاديمي مصري: أكذوبة كبرى وراء الأخبار المتداولة عن «الدولة الإسلامية»

مسؤول روسي: مسلحون من 100 دولة يقاتلون مع «الدولة الإسلامية»