مشغل أشرف مروان بالموساد يتحدث لأول مرة: كان عميلا لنا

الجمعة 17 يناير 2020 12:49 ص

حجر جديد، تلقيه صحيفة "هآرتس" العبرية، في ملف "أشرف مروان"، صهر الرئيس المصري الراحل "جمال عبدالناصر"، والذي تقول تقارير إسرائيلية إنه كان عميلا لـ(تل أبيب)، بينما ينفي مسؤولون مصريون هذه الرواية، فيما يرى آخرون أنه كان "عميلا مزدوجا".

الحجر هذه المرة تمثل في حوار مطول مع من تقول الصحيفة العبرية إنه "مشغل مروان" والذي أشرف على عمله مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي "الموساد"، واسمه الرمزي "دوبي"، ويبلغ من العمر الآن 86 عاما.

وأكدت الصحيفة أن "دوبي" الذي أشرف على عمل "مروان" مع الموساد، تحدث علنا عن تلك الفترة لأول مرة عن العميل المصري، مؤكدا أنه أمد (إسرائيل) بكنز معلوماتي استراتيجي، وصل إلى إبلاغها بموعد حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 بدقة.

"دوبي" حكى خلال المقابلة عن تاريخه الممتد (المفترض) لمدة 28 عاما مع "مروان"، منذ أول مقابلة بينهما بلندن في ديسمبر/كانون الأول 1970.

وقال "دوبي"، إنه التقى "مروان"، الذي سيصبح فيما بعد "أحد أهم العملاء الإسرائيليين"، بعد حوالي ثلاثة أشهر من وفاة "عبدالناصر".

وحسب "دوبي"، فقد التقى الإثنان في فندق "رويال لانسكتر" بلندن، حيث تحدث "دوبي" معه بالعربية، ثم صعدا إلى غرفة في الفندق، وفي الغرفة استمرت المقابلة نحو ساعتين، قدم خلالها "مروان" لعميل الموساد المعلومات التي بحوزته عن الجيش المصري.

قال "دوبي" إن "مروان" قرأ من وثائق كانت بحوزته، أعداد جميع الوحدات في الجيش المصري، كالفرق والألوية والكتائب، وأبلغه بأسماء القادة.

وفوجئ "دوبي" بهذه المعلومات، حسب الصحيفة، فهذا الكم الهائل من المعلومات "كان بمثابة حلم لأي ضابط استخبارات".

وتقول التقارير الإسرائيلية، إن "مروان" لعب دورا كبيرا فى إمداد (إسرائيل) بمعلومات استراتيجية عن الجيش المصرى، لاسيما قبيل حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، بالنظر إلى أنه عمل مستشارا أمنيا وسياسيا للرئيس الراحل "أنور السادات".

وحسب "هآرتس"، كان لدى (إسرائيل) اهتمام بمعرفة قدرات الجيش المصري "الكيماوية" في ذلك الوقت، وهو ما تم التطرق إليه خلال المقابلة الأولى، لكنه لم يكن يمتلك معلومات حينها، لكنه وعد بإمدادهم بمعلومات في المقابلة التالية، وبالفعل أبلغ "دوبي" بكل ما بحوزته من تفاصيل استطاع الحصول عليها.

وقالت الصحيفة، إن "دوبي" التقى "مروان" حوالي 100 مرة على مدى نحو ربع قرن، في الفنادق وفي أماكن أخرى آمنة.

وكان المكان الرئيسي للمقابلات هو لندن، لكنهما التقيا أحيانا في روما وباريس.

وقال "دوبي"، إنه درب "مروان" على استعمال أجهزة الاتصالات السرية، وأعطاه جهازا لاستخدامه في القاهرة، لكنه لم يستعمله أبدا خشية أن يتم اكتشاف أمره.

  • موعد الحرب

وأشار "دوبي" إلى أنه في يوم 4 أكتوبر/تشرين الأول 1973، أي قبل اندلاع الحرب بيومين، أجرى "مروان" مكالمة هاتفية معه، في منزل امرأة يهودية بريطانية في لندن، كانت حلقة الوصل بينهما، أبلغه بواسطة "شفرة سرية" أن الحرب "وشيكة".

اتفق الإثنان أن يلتقيا في اليوم الثاني (الخامس من أكتوبر/تشرين الأول) في لندن، في مقابلة حضرها رئيس الموساد، في ذلك الوقت "تسفي زامير" شخصيا.

وخلال المقابلة لم يهتم "زامير" بسؤاله احتمالية نشوب حرب، رغم ما دار في المكالمة السابقة والتقارير الاستخباراتية في ذلك الوقت، لأنه لم يصدق أن ذلك ممكنا، فبدلا من ذلك، سأله عن قضايا أخرى مثل الاتحاد بين مصر وسوريا.

لكن "مروان" أصر على الاهتمام بالقضية الأساسية، وقال: "دعونا نتحدث عن الحرب"، وأبلغ الحاضرين في الاجتماع أن هناك احتمالا بنسبة 99% أن تندلع الحرب في اليوم الثاني (السادس من أكتوبر/تشرين الأول)، فقال له "زامير": "لماذا يوم السبت؟"، فرد لأنه: "هذا ما تقرر.. إنه يوم عطلة في بلادكم (في إشارة إلى يوم الغفران)".

وقال "دوبي" إن "مروان" أبلغهم أيضا بأن الحرب ستنطلق بشكل متزامن من سوريا ومصر، وعن التوقيت، قال: "عند غروب الشمس".

أبلغ "مروان" (إسرائيل) أن الإعداد للحرب استمر نحو 6 أشهر، وأن "السادات" حدد الموعد النهائي في يوم 25 سبتمبر/أيلول 1973، من دون أن يعلم أي شخص بهذا الموعد.

وقال "مروان" أيضا، إن "الجيش المصري بأكمله كان على الجبهة بحلول هذا التاريخ".

وكانت الخطة المصرية تتمثل في خرق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه في نهاية حرب الاستنزاف 1970، وذلك بإطلاق نيران المدفعية وشن غارات جوية، ثم عبور القناة بواسطة جسور.

وكانت الفكرة في المرحلة الأولى هي الاستيلاء على أراض في سيناء لا يزيد عمقها عن 10 كيلومترات، وبعد ذلك، إذا ظهرت إمكانية، التقدم مسافة 35 كيلومترا أخرى.

وفي الشمال، كان على السوريين فرض سيطرتهم على أكبر قدر ممكن من مرتفعات الجولان.

وبعد انتهاء المقابلة، شعر رئيس الموساد "زامير"، هل يبلغ القيادة السياسية (إسرائيل) باحتمالية وقوع حرب أم لا، بالنظر إلى أن فشل توقعات سابقة، لكنه قرر أخيرا الاتصال بمدير مكتبه في (إسرائيل) وأبلغه بأن حربا ستندلع عند غروب شمس يوم السادس، وهو الذي قام بدوره بإبلاغ رئيسة الوزراء "جولدا مائير".

((4))

  • بداية تعامل

وروى "دوبي" للصحيفة عن بدايات تعيين "مروان" عميلا للموساد، مشيرا إلى أن الملحق العسكري في السفارة الإسرائيلية في لندن، أبلغ مدير عمليات الموساد في أوروبا "شموئيل جورين"، أنه كان يتلقى مكالمات عديدة "مزعجة" من شخص يدعى "أشرف مروان" في هواتف مكتبه وفي منزله.

النقطة الفارقة هنا، هي أن "جورين" قرر أن يلتقي بهذا الشخص، رغم أنه لم يأخذ الاحتياطات الكافية للتحقق من خلفيته، والتأكد من أنه غير مراقب، ورغم ذلك رتب المقابلة الأولى التي تمت مع "دوبي" في لندن.

وقال "دوبي"، إن "مروان" حاول الاتصال بالإسرائيليين حتى خلال حياة "عبدالناصر".

ففي أبريل/نيسان من العام 1970، أي قبل وفاة "عبدالناصر" بحوالي 4 أشهر، اتصل "مروان" بالملحق العسكري في السفارة في لندن، لكنه لم يتلق ردا منه، لكنه لم ييأس واتصل مرة أخرى، بعد ذلك، ونجح في تلك المرة بفضل غورين.

وأضاف "دوبي" إنه كان يتصل بـ(إسرائيل) عن طريق الملحقين العسكريين لأنه كان هناك اعتقادا وسط المسؤولين المصريين أنهم في الواقع عملاء للموساد.

وأشار إلى أن دافع "مروان" الأساسي في تقديم خدماته كان الحصول على المال.

((5))

وبالفعل حصل العميل الجديد في بداية عمله مع الموساد على بضعة آلاف من الدولارات، لكن ذلك لم يكن كافيا بالنظر إلى "المعلومات الهامة" التي كان يقدمها لـ(إسرائيل)، فطلب 20 ألف دولار، وهو ما يساوي حاليا نحو 100 ألف دولار، حسب "دوبي".

وكان هناك رفض من قبل "جورين" وكبار موظفي الموساد لدفع هذا المبلغ الكبير، لكن "دوبي" أوصى بتلبية طلبه، وهو ما قوبل بالموافقة.

هذا المبلغ تضاعف بمرور الوقت، حتى وصلت قيمة أتعابه بأرقام اليوم إلى حوالي مليون دولار، وكانت المبالغ تعطى له نقدا وفي حقائب، "تماما مثل الأفلام"، حسب "دوبي".

أما السبب الثاني لتعاون "مروان"، في اعتقاد "دوبي"، فكان تقديره وإعجابة بالموساد الذي استطاع رسم صورة قوية عنه بعد حرب 1967 بينما اهتزت صورة "عبدالناصر".

ويرى "دوبي" أن "مروان" أراد الانتقام من "عبدالناصر" بسبب العداء الذي كان بينهما، ورغبة "عبدالناصر" في تطليق ابنته منه.

وعلى الرغم من أن "مروان" كان مقربا من "السادات"، إلا أن علاقته به لم تكن جيدة ولا بزوجته وأولاده، وكان مستاء من فكرة أنه كان مثل "خادم العائلة"، فقد كان يكلفه "السادات" بمرافقة عائلته في الرحلات.

((6))

نهاية علاقة

يقول التقرير إن "مروان"، بعد انتهاء الحرب، وبعد أن جمع ثروة من صفقات السلاح، أبلغ الموساد أنه لم يعد بحاجة للمال، وطلب منهم التوقف عن دفع أتعاب له نظير خدماته، مع وعد باستمرار العمل بشكل ودي، "ومن منطلق الصداقة".

وبالفعل، يقول "دوبي"، إنه واصل إمداد الموساد بالمعلومات مجانا.

وأشار إلى أن "مروان" كان أيضا على اتصال بأجهزة استخبارات دول أخرى مثل إيطاليا والمملكة المتحدة، لكن الموساد كان الجهاز الوحيد الذي دفع له المال.

أهمية "مروان" كانت بالغة الأهمية خلال حرب أكتوبر/تشرين الاول واتفاقيات فصل القوات في سيناء، وخلال معاهدة السلام الإسرائيلية المصرية في عام 1979، لكن بعد ذلك تراجعت مكانته بالنسبة لـ"السادات" وقام بتكريس معظم وقته لأعماله التجارية، لذا تقلصت مساهمته الاستخباراتية لـ(إسرائيل).

وقالت "هآرتس": "كانت المعلومات التي واصل تقديمها عن مصر في عصر السلام والعلاقات في العالم العربي مهمة، ولكن كان من الواضح لجميع المعنيين أنها لم تكن بنفس المستوى في وقت الحرب".

((7))

  • كشف الاسم

قال "دوبي" إن مدير الموساد، في ذلك الوقت، "تسيف زامير" اتهم "إيلي زيرا"، الذي كان على رأس الاستخبارات العسكرية خلال الحرب، بالمسؤولية المباشرة عن وفاة "مروان"، زاعما أنه "عمل بلا كلل" على كشف اسمه للعلن، وهو ما حدث بالفعل عام 2002 عندما تم تسريب اسمه لصحيفة "الأهرام" المصرية.

وأشارت الصحيفة إلى أن "زيرا" رأى في تقييمه يوم 6 أكتوبر/تشرين الأول، أن قيام حرب احتمال "ضعيف"، وبعد اندلاع الحرب، اتهمت لجنة تحقيق خاصة "زيرا" بالمسؤولية عن الفشل الاستخباراتي واضطر إلى الاستقالة.

ومنذ 25 عاما، حاول "زيرا"، "إصلاح سمعته، جزئيا من خلال العمل على تحميل الموساد تلك المسؤولية لذلك أشاع فكرة أن مروان كان عميلا مزدوجا، وأن ذلك كان السبب وراء فشل (إسرائيل) في توقع الهجوم العربي في ذلك اليوم".

وفي ديسمبر/كانون الأول عام 2002، تم تسريب اسم "مروان" لصحيفة "الأهرام" عن طريق أستاذ علوم سياسية من أصل إسرائيلي كان يعمل في جامعة كينجز كوليدج في لندن، يدعى "أحرون بريجمان"، الذي أبلغ الصحيفة أن "مروان" كان "عميلا مزدوجا".

وقال "دوبي" إنه حذر مسؤولي الموساد عدة مرات من تصرفات "زيرا"، حتى وجد "مروان" ميتا في شقته في لندن عام 2007.

وأضاف "دوبي"، إن أحد أهم أسباب تحدثه علنا الآن هو رغبته في دحض فكرة أن "مروان" كان "عميلا مزدوجا"، وهي الفكرة التي روج "زيرا" لها.

وتشير "هآرتس" إلى أنه في عام 2007، وصلت القضية إلى المحاكم الإسرائيلية، عندما نظر قاضي المحكمة العليا السابق "ثيودور أور" في قضايا تشهير متبادلة بين "زامير" و"زيرا".

وأكد "أورا"، في حيثيات حكمه، أن "مروان"، "لم يكن عميلا مزدوجا وأن زيرا قد سرب اسمه إلى الصحفيين والكتاب".

ونظر الادعاء العام في (إسرئيل) أيضا في إطلاق إجراءات جنائية ضد "زيرا"، على أساس قيامه بكشف أسرار للدولة، لكن في عام 2012، أعلن المدعي العام "يهودا وينشتاين" عدم توجيه اتهامات له على الرغم من "خطورة أفعاله" بالنظر إلى سنه حينها (84 عاما) وبالنظر إلى خدماته لـ(إسرائيل).

واختتم "دوبي" مقابلته مع الصحيفة الإسرائيلية،  قائلا عن "مروان": "لقد كان مروان أهم جاسوس لدينا، المعلومات التي قدمها ساهمت في تعزيز أمن (إسرائيل)، لسوء الحظ، في أهم لحظة، في حرب يوم الغفران، فشلت (إسرائيل) لأنها لم تستجب لتحذيراته".

المصدر | الخليج الجديد + متابعات

  كلمات مفتاحية

أشرف مروان الموساد الموساد جهاز الموساد جهاز الموساد حرب أكتوبر 1973

التايمز: معلومات جديدة في قضية الجاسوس أشرف مروان

"مراقب إسرائيل".. حساب على تويتر يسرب معلومات عن ضباط الموساد

أبو الغيط: لهذه الأسباب أستبعد إبلاغ أشرف مروان إسرائيل بموعد حرب أكتوبر

هآرتس: قائد سابق بالمخابرات المصرية يؤكد أن أشرف مروان كان عميلا إسرائيليا

صحفي إسرائيلي ينشر بروتوكول لقاء أشرف مروان برئيس الموساد عشية حرب 73

الجدل حول أشرف مروان يعود إلى الواجهة بعد نشر إسرائيل وثائق جديدة لحرب 1973