أوراسيا ريفيو: صفقة القرن تتعثر في شباك التذاكر

الجمعة 31 يناير 2020 10:17 م

بعد 3 أعوام من العمل بقيادة صهر الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، مستشاره البارز "جاريد كوشنر"، تم الكشف عن خطة الإدارة للتسوية بين (إسرائيل) وفلسطين، المعروفة إعلاميا باسم "صفقة القرن".

جاء ذلك في مؤتمر صحفي في واشنطن يوم 28 يناير/كانون الثاني، بحضور رئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتنياهو"، الذي يستعد لخوض ثالث انتخابات عامة في عام واحد، رغم اتهامه بقضايا فساد خطيرة.

ولم تكن فلسطين ممثلة في المؤتمر. وربما استعرض الساخر "كارل شارو" الوضع باقتدار، حيث قال مازحا: "إن خطط السلام في الشرق الأوسط هي النوع المفضل لدي من الفانتازيا الغربية".

وقبل استعراضه "صفقة القرن"، أطلع "ترامب" على الخطة كل من "نتنياهو" و"بيني جانتس"، معارض الأول في الانتخابات والمرشح لشغل منصب رئيس الوزراء، وكلاهما يؤيد الخطة على أمل أن يستخدمها لكسب الأصوات المحافظة.

وفي حين أن "جانتس" لا يشبه "نتنياهو" فيما يتعلق بالأيديولوجية، إلا أنه يسعى لاستغلال كل ما يلزم لكسب الناخبين في محاولة للاستفادة من السخط المتزايد ضد القيادة الحالية. وقال الرجلان إنهما سينفذان الخطة.

ووفقا للوثيقة والخريطة الموضحة لها، تبدو فلسطين تقريبا غير موجودة فيما طرحه "ترامب"؛ لذا فإن الفلسطينيين يرفضون أي صفقة من هذا القبيل.

وتنحاز الصفقة بشكل كبير إلى الجانب الإسرائيلي، حيث تحصل (إسرائيل) على القدس كاملة، فضلا عن أجزاء من الضفة الغربية التي تقع ضمن الأراضي الفلسطينية الحالية، كجزء من صفقة الدولتين التي أصبحت الآن، بموجب الوثيقة الحالية والخرائط المصاحبة لها، بمثابة حل "دولة واحدة" مع منح الفلسطينيين بعض الفوائد.

ويوضح التعمق أكثر في الوثيقة نفسها، الهيكل المؤسسي للعرض الذي تقدمه الخطة، حيث تمتلئ بمشاريع البناء التي تتلخص في الخطط الاقتصادية، وخريطة توضح الأراضي الفلسطينية الجديدة، التي ربما تكون أصغر من ملاعب الجولف التي يملكها "ترامب"، ليسكن بها نحو 5 ملايين شخص.

وتشمل الفوائد بناء الفنادق والمنتجعات، واتفاقية تجارة حرة، وموانئ، ومطار، وحملات تسويق عالمية للثقافة والهوية الفلسطينية، ونظام إقراض يختص بالرهن العقاري، وما إلى ذلك.

وتُبرز الخطة "سنغافورة" كمثال ونموذج للتنمية والازدهار، وهي مقارنة ساذجة بشكل هزلي؛ نظرا لعمق الأزمة الفلسطينية وتاريخها.

ويعد عرض "ترامب" أكثر من مجرد محاولة لتصحيح المغالطات التاريخية والدينية والإقليمية في الشرق الأوسط بشأن قضية فلسطين، وتدخلات السياسة الخارجية الأمريكية نفسها منذ عام 1948، وتشكيل "دولة إسرائيل" في المقام الأول؛ حيث يرتبط أكثر بالسياسة الإسرائيلية، وبالعلاقة بين (إسرائيل) والولايات المتحدة.

وفي الواقع، يشبه تصميم الخطة أكثر من أي شيء آخر تكرارا لإعلان "بلفور" عام 1917، الذي أصدره رئيس الوزراء البريطاني آنذاك "آرثر بلفور"، الذي دعم إنشاء وطن قومي للشعب اليهودي في فلسطين؛ ما يطرح تساؤلا حول كيفية أن تُخفي نسخة جديدة من إعادة التنظيم السياسي للشرق الأوسط، المشاكل التي واجهت دائما القوى الغربية في القضية الفلسطينية. 

وفي عطلة نهاية الأسبوع المقبلة، من المتوقع أن تبدأ (إسرائيل) ضم المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية وأجزاء من وادي الأردن، بدعم من البيت الأبيض. وسوف تحافظ (إسرائيل) أيضا على سيطرتها الأمنية في هذه المنطقة، الأمر الذي قد يزيد أيضا من حدة التوترات بين (إسرائيل) والأردن، وكلاهما حلفاء للولايات المتحدة.

وكانت إحدى النقاط المفاجئة التي يجب ملاحظتها خلال المؤتمر الصحفي للإعلان عن الصفقة، وجود سفراء سلطنة عمان والبحرين والإمارات العربية المتحدة، وأشاد "ترامب" بوجودهم.

وحتى الآن، لا تعترف الدول الـ 3 بـ (إسرائيل) كدولة شرعية، ومع ذلك، فقد تغيرت الأمور على نطاق واسع في العلاقات العربية الإسرائيلية.

وتسير الإمارات في طريقها نحو إنشاء أول معبد يهودي عام 2022، وسمحت البحرين في يونيو/حزيران من العام الماضي لأول مرة رسميا للصحفيين الإسرائيليين بالمشاركة في مؤتمر.

وفي أكتوبر/تشرين الأول 2018، زار "نتنياهو" سلطنة عمان، وهي دولة عربية تلعب دور سويسرا في الشرق الأوسط، وتمشي في خط الحياد في النزاعات الإقليمية. وكانت هذه أول رحلة يقوم بها رئيس وزراء إسرائيلي إلى عُمان منذ عام 1996، ومن هنا يبدو أن التقارب العربي الإسرائيلي مستمر.

وقد نشأ المزيج الجيوسياسي الحالي في الشرق الأوسط، والجسر المستمر بناؤه بين العالم العربي و(إسرائيل)، بسبب عامل التهديد المشترك المتمثل في إيران ونجاحاتها الملحوظة خلال الأعوام القليلة الماضية في توسيع نفوذها عبر سوريا والعراق، الذي ربما يطغى على القضية الفلسطينية كأولوية قديمة.

ويعد هذا أيضا وقتا مناسبا لتسليط الضوء على حقيقة أن الدول العربية نفسها قد دعمت القضية الفلسطينية وفقا لسردية السياسة الداخلية و/أو الخارجية الخاصة بها، وقد تكون الدول العربية متخوفة الآن من قيادة إيران لحرب غير متكافئة مجددا، عبر جهات مثل "حزب الله" و"حماس"، المدعومين من إيران.

وتضيف الانقسامات في مجلس التعاون الخليجي، بين الإمارات والسعودية والبحرين من جهة، وقطر من جهة أخرى، بعدا مثيرا للاهتمام، حيث زادت الدوحة من وصولها إلى فلسطين من خلال تخصيص 480 مليون دولار لتنميتها، في حين سعت إلى توفير ملاذ آمن من خلال الاقتراب أكثر من إيران وتركيا، في مواجهة الحصار الذي قادته الرياض وأبوظبي.

وعلى الرغم من أن الخطة انحازت لـ (إسرائيل)، إلا أن العواصم العربية الكبرى وضعت ثقلها وراءها، بما في ذلك مصر، التي قالت إنها تقدر الجهود الأمريكية المستمرة لإحلال السلام في المنطقة.

وقام مهندس الصفقة "جاريد كوشنر"، بتسويق الخطة باعتبارها أفضل فرصة للفلسطينيين للحصول على تسوية جيدة، ولكن في الغالب بشروط أمريكية وإسرائيلية. وقد وصف الرئيس الفلسطيني "محمود عباس"، الدعم العربي الإقليمي للصفقة بأنه "مؤامرة".

ولكن بعد يوم واحد من عرض "ترامب"، اختفى الموضوع بالفعل من الأخبار العالمية. وبالنظر إلى حجم المشكلة وكون الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في لب المعارك الإقليمية، ربما يعني ذلك أن الخطة قد تعثرت بالفعل بمجرد إعلانها.

لم ترتبط الخطة بقضية فلسطين، ولا تعدو "صفقة القرن" كونها مجرد مسرحية لصنع إرث لـ "ترامب". وقد رأينا من قبل كيف فشلت محاولات "ترامب" السابقة لمعالجة معضلات السياسة الخارجية الأمريكية الكبيرة الأخرى في كوريا الشمالية وإيران.

وقال "ترامب": "لا أعمل على حل المشاكل الصغيرة". ومع ذلك، في عام الانتخابات الأمريكية والإسرائيلية، حتى التسوية غير المجدية والسطحية التي تأتي في ثوب "صفقة القرن" قد تجذب الكثير من الناخبين لـ "ترامب" في الداخل، إلى جانب حلفاء الشرق الأوسط الذين يحاولون حماية غطائهم الأمني الأمريكي. وهنا، تجد فلسطين نفسها، كما هو الحال دائما، مجرد ورقة رابحة في لعبة المنطقة.

المصدر | كبير تانيجا / أوراسيا ريفيو - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

صفقة القرن دونالد ترامب القضية الفلسطينية

كارتر يعتبر صفقة القرن انتهاكا للقانون الدولي

الفلسطينيون يخوضون معركة صعبة في مواجهة صفقة القرن

أوراسيا ريفيو: صفقة القرن تمنح روسيا فرصة تاريخية

خطة ترامب للسلام تدفع الأردن للمناورة والبحث عن حلفاء جدد