خطة ترامب للسلام تدفع الأردن للمناورة والبحث عن حلفاء جدد

الأحد 2 فبراير 2020 11:00 ص

من خلال وضع أهداف (إسرائيل) الاستراتيجية أولاً، حصرت الولايات المتحدة حليفها الآخر الأردن في بقعة ضيقة، إذ تشير خطة السلام في الشرق الأوسط التي كشفت عنها واشنطن مؤخراً إلى أن الدولة الفلسطينية التي تصورها الكثير من الأردنيين لن تتحقق.

ستجبر المخاوف من رد الفعل الداخلي الأردن على إدانة الضم الإسرائيلي للضفة الغربية، ولكن، سيتعين على الأردن السير بتؤدة، بالنظر إلى سجل الولايات المتحدة في التسليح القوي للحلفاء لدعم أهداف سياستها الخارجية.

ومع كون مليارات الدولارات من الصادرات الأمريكية والمساعدات المالية والدعم العسكري على المحك؛ فإن تصرفات الأردن ضد (إسرائيل) ستظل على الأرجح أكثر رمزية.

ولكن، حتى لو كان الأردن قادراً على تجنب الانتقام الأمريكي، فقد أوضحت خطة السلام الجديدة أن تمكين (إسرائيل) قدر المستطاع أصبح الآن إحدى أولويات واشنطن الرئيسية.

وهذا الواقع سيدفع الأردن في النهاية إلى اتباع خطوات حلفاء الولايات المتحدة الآخرين، مثل تركيا وقطر، الذين بدؤوا في تنويع علاقاتهم الخارجية للتحرر من سياسة إقليمية أمريكية يشعرون بأنها لم تعد تعطي الأولوية لمخاوفهم.

القوميون على الجانبين

على النحو المبين في معاهدة السلام التاريخية بين البلدين لعام 1994، فإن العلاقة الأردنية الإسرائيلية تقوم على رغبة متبادلة لتجنب الصراع، والحفاظ على العلاقات الودية مع الولايات المتحدة، وبناء العلاقات التجارية المتبادلة.

لكن العلاقات بين الأردن و(إسرائيل) تدهورت في السنوات الأخيرة تحت وطأة القوى السياسية المتناقضة في كل دولة. ففي (إسرائيل)؛ دفعت حركة قومية متنامية إلى توسيع السيطرة على الضفة الغربية، بما في ذلك ضم وادي نهر الأردن.

أصبح هؤلاء القوميون أصواتَا مؤثرة على نحو أوسع في الصناديق، وهو الأمر الذي جعل المتنافسين على السلطة في (إسرائيل) يغازلون مصالحهم بكثافة في الانتخابات المتكررة في البلاد.

وفي الواقع، وعد كل من رئيس الوزراء "بنيامين نتنياهو" ومنافسه السياسي الرئيسي "بيني جانتس"، الآن بضم وادي نهر الأردن لتعزيز فرصهم قبل الانتخابات الثالثة في (إسرائيل) في أقل من عام يوم 2 مارس/آذار المقبل.

ومع ذلك، فإن سيطرة (إسرائيل) على الوادي ستجعل أي دولة فلسطينية مستقبلية تعتمد كليًا على (إسرائيل) في التجارة وأمن الحدود، مما يضعف سيادتها.

كما أن ضم المزيد من الأراضي داخل الضفة الغربية من شأنه أن يعقد الحركة الحرة للبضائع والأفراد في جميع أنحاء الدولة الفلسطينية ويجعلها غير قابلة للحماية عمليًا من الغارات الإسرائيلية.

في الأردن، لا يحظى هذا الاحتمال بشعبية كبيرة بين المواطنين العاديين، وعلى وجه الخصوص، القاعدة السياسية الوطنية الفلسطينية والعربية القوية في البلاد، والتي تريد أن ترى الضفة الغربية تتحول في النهاية إلى دولة مستقلة.

هؤلاء القوميون معادون للسياسات الإسرائيلية التي تجعل هذه التطلعات أقل احتمالًا، ويتوقعون عادة أن يدافع النظام الملكي للبلاد عن قضيتهم.

وبما أن الاقتصاد الأردني يمر بمرحلة انتقالية صعبة، فقد أصبح دعم هؤلاء القوميين أكثر أهمية بالنسبة لشرعية الملكية مقارنة بالسنوات السابقة.

محنة الأردن السياسية

وضع الضم المحتمل لوادي الأردن -إلى جانب خطة السلام الأمريكية الجديدة- قادة الأردن في موقف صعب.

فمن ناحية؛ تريد المملكة الحفاظ على العلاقات مع (إسرائيل) لأسباب أمنية واقتصادية ودبلوماسية عملية. لكن في الوقت نفسه، يجب عليها أيضًا ضمان عدم وصول المقاومة القومية العربية داخل الأردن إلى مستوى يمكن أن يهدد استقرار الملكية أو شرعيتها.

ضمن هذا السياق، من المرجح أن يتبع الأردن سياسة محسوبة إزاء (إسرائيل) تهدف إلى إظهار استيائه من الضم الإسرائيلي، فيما يظل بعيدًا عن تقويض معاهدة السلام لعام 1994 بين البلدين.

على وجه التحديد، قد يختار الأردن مزيدًا من خفض علاقاته بـ(إسرائيل) من خلال مجموعة من المناورات الدبلوماسية والاقتصادية الرمزية.

قد يشمل ذلك طرد السفير الإسرائيلي (سحب الأردن بالفعل سفيره لدى إسرائيل بسبب اعتقال اثنين من الأردنيين في عام 2019)؛ وتقديم المزيد من الاحتجاجات الدبلوماسية لدى جامعة الدول العربية والأمم المتحدة نيابة عن الفلسطينيين؛ بالإضافة إلى تشديد القيود على المعابر الحدودية لإبطاء التجارة والتدخل في السياحة (أحد الاعتبارات الرئيسية لإسرائيل)؛ وتصعيد خطابها المعادي لـ(إسرائيل) في العلن؛ أو تجديد إظهار علامات علنية للعداء.

لكن أي إجراء يقرر الأردن اتخاذه سيواجه تحالفًا وثيقًا جدًا بين الولايات المتحدة و(إسرائيل)، وهو تحالف يرى فيه كل من الرئيس "دونالد ترامب" و"نتنياهو" قيمة سياسية محلية قوية في الدفاع عن العديد من سياسات الطرف الآخر.

مواجهة غضب واشنطن

إذا اتخذ الأردن إجراء لخفض علاقاته مع (إسرائيل)، فستنظر الولايات المتحدة في ردها، مما يزيد من مخاطر اتخاذ المسؤولين الأمريكييين لقرار أقوى مما يحتمله الأردن.

أنشأت الولايات المتحدة بالفعل نمطًا ثابتًا لاستغلال مساعداتها الاقتصادية الكبيرة لجعل الحلفاء يتماشون مع أهداف الولايات المتحدة.

فقد شهدت السلطة الفلسطينية مثلًا مؤخرًا، تجميد حوالي 4 مليارات دولار من المساعدات الخارجية الأمريكية في محاولة لإجبارها على دعم خطة السلام الجديدة لواشنطن (لكن هذا الضغط فشل حتى الآن).

وفي أواخر العام الماضي أيضًا، جمدت الولايات المتحدة المساعدات الأمنية للبنان، وفرضت عقوبات غير مسبوقة على بعض البنوك اللبنانية، في محاولة الضغط على قوات حزب الله المتحالفة مع إيران في البلاد.

وفيما يتعلق بالأردن، فإن الولايات المتحدة لديها أدوات اقتصادية متعددة تحت تصرفها للانتقام من استفزازات عَمان ضد (إسرائيل).

ففي عام 2017، أرسلت الولايات المتحدة حوالي 1.3 مليار دولار كمساعدة ثنائية للأردن، بالإضافة إلى 1.1 مليار دولار أخرى لمساعدة الأردن على إدارة العبء الاقتصادي لعدد كبير من اللاجئين السوريين، ويمكن تعليق هذه المساعدات أو تأخيرها أو حتى إلغاؤها للضغط على عمان لتغيير موقفها.

ساعدت الولايات المتحدة الأردن على الوصول إلى القروض في الفترة الأخيرة بين 2013 و2014، وبما أن الأردن يعيد هيكلة اقتصاده لتحسين فرص العمل وخفض الإنفاق الحكومي لتقليل مخاطره الاقتصادية، ففقد تكون هناك حاجة إلى مثل هذه المساعدة مرة أخرى، مما يتيح للولايات المتحدة فرصة تؤذي بها الاقتصاد الأردني مرة أخرى.

قد تصبح العلاقات التجارية المهمة بين الأردن والولايات المتحدة أيضًا مهددة، إذا قرر البيت الأبيض زيادة الضغط.

يمكن لواشنطن أن تفرض على الأردن تعريفة أعلى في الولايات المتحدة، أو قد تهدد بالانسحاب من اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين الموقعة في عام 2000.

من شأن هذه العقوبات التجارية أن تضرب الصادرات الأردنية بشدة، حيث تمثل الولايات المتحدة نحو 22% من بضائع البلاد، والإقصاء من سوق الملابس الأمريكية الضخم من شأنه أن يؤثر سلبًا على صناعة النسيج الكبيرة في الأردن على وجه الخصوص.

بالإضافة إلى التهديدات الاقتصادية؛ يمكن للولايات المتحدة أيضًا استغلال اعتماد الأردن على العديد من الجوانب المختلفة للدعم العسكري الأمريكي.

على وجه التحديد، يمكن لواشنطن وقف أو تغيير المساعدات العسكرية للأردن، التي بلغ مجموعها حوالي 1 مليار دولار منذ عام 2015 (تمثل حوالي 40% من ميزانية الأردن العسكرية لعام 2015).

وقد يؤدي ذلك أيضًا إلى تأخير أو رفض أو تغيير التدريب العسكري والأسلحة والمعدات الدفاعية التي تتلقاها القوات المسلحة الأردنية بموجب برنامج التمويل العسكري الأجنبي الأمريكي.

الأردن أيضًا شريك استخباراتي وعسكري رئيسي يستضيف عددًا من القوات الأمريكية كجزء من مكافحة تنظيم "الدولة الإسلامية"، لكن قد يكون هذا التعاون في خطر إذا قررت الولايات المتحدة جعل الأردن يتماشى مع سياستها تجاه (إسرائيل).

البحث عن خطة ب

لا تزال الولايات المتحدة مهتمة بالحفاظ على الأردن كشريك إقليمي قوي. لكن الاعتبارات السياسية المحلية -خاصة مع الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر/تشرين الثاني- سوف تغري البيت الأبيض بالانتقام، إذا ظهر أن إجراءات الأردن ضد (إسرائيل) قوية للغاية.

لكن حتى لو لم تحفز الإجراءات التي يتخذها الأردن ضد (إسرائيل) على انتقام أمريكي، فإن المأزق الذي وضع فيه الأردن قد أوضح مدى اعتماد الأردن على واشنطن في الكثير من قضايا أمنها الاقتصادي والمادي.

على المدى الطويل، سوف يدفع هذا الواقع عَمان إلى التفكير في تنويع علاقاتها الدفاعية والاقتصادية لضمان أن تصبح أقل هشاشة أمام مثل هذه التكتيكات الأمريكية في المستقبل.

سوف تتطلع المستعمرة البريطانية السابقة إلى مستعمرتها السابقة؛ المملكة المتحدة، وكذلك روسيا ودول الخليج العربية، لإيجاد دعم احتياطي بديل للمساعدات الأمريكية في حال قررت واشنطن أن الاستقرار الأردني لم يعد بالغ الأهمية كما كان في الماضي .

ولن تحل هذه البدائبل قريبًا محل المستوى الأمريكي الهائل من دعم الأردن، ومع ذلك، ستضطر عَمان للانضمام إلى تركيا والسعودية وقطر والإمارات في القائمة المتزايدة من الحلفاء الإقليميين للولايات المتحدة الذين يبحثون عن شركاء اقتصاديين وعسكريين جدد لبناء استقلالهم.

المصدر | ريان بول - ستراتفور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

صفقة القرن العلاقات الأردنية الأمريكية الضفة الغربية

أوراسيا ريفيو: صفقة القرن تمنح روسيا فرصة تاريخية

أوراسيا ريفيو: صفقة القرن تتعثر في شباك التذاكر

الأردن يتسلم أوراق اعتماد أول سفير أمريكي في عهد ترامب