ستراتفور: كيف يؤثر كورونا على الاقتصاد العالمي؟

السبت 1 فبراير 2020 08:27 ص

يواجه العالم تداعيات كبيرة بسبب تفشي "فيروس كورونا" الجديد. وانتشرت حالات الإصابة بالفيروس انطلاقا من ووهان الصينية إلى جميع أنحاء العالم؛ ما أجبر الحكومات على اتخاذ تدابير لفحص المسافرين أو حتى تقييد الوصول، على أمل منع تفشي المرض.

واعتبارا من 29 يناير/كانون الثاني، أبلغت 16 دولة، إلى جانب الصين، عن حالات إصابة بالفيروس. وكانت جميع الإصابات بالفيروس تقريبا في الصين، لكن حالات انتقال العدوى من إنسان إلى آخر حدثت عدة مرات خارج الصين. وفي حين أن العديد من البلدان مجهزة لمنع تفشي المرض على أراضيها، فإن الطبيعة المعقدة لمكافحة الأمراض تعني أن كل حالة جديدة تزيد من مخاطر تفشي المرض خارج الصين.

ولا تقتصر الآثار، بطبيعة الحال، على الصحة العامة فقط. فقد تسبب الفيروس بالفعل في حدوث اضطراب كبير في الصين، مع تراجع الاستهلاك بالتوازي مع احتفالات رأس السنة القمرية الجديدة، التي كان من المفترض أن تكون أكثر أوقات التسوق ازدحاما في البلاد.

علاوة على ذلك، فإن أي تراجع في النمو الاقتصادي والسياحة الخارجية الصينية سيكون له آثار مضاعفة في البلدان التي تعتمد على التجارة مع الصين. وأدى التباطؤ الاقتصادي العالمي الحالي، قبل اندلاع المرض، إلى الإضرار بعدد من الاقتصادات. لكن احتمال انخفاض أعداد السياح الصينيين، أو أي ضربة للنمو الاقتصادي الصيني، قد يضعف عائدات السياحة في جميع أنحاء العالم، لا سيما في شرق وجنوب شرق آسيا.

وستكون المرحلة التالية من تفشي المرض حاسمة لتحديد نجاح التدخلات لوقف انتشار الفيروس والحد من آثاره خارج الصين. لكن حتى في السيناريو المتفائل، فستستمر آثار الفيروس لأسابيع؛ مما يزيد من احتمال حدوث اضطرابات مستمرة وطويلة، تصل لعدة أشهر، في البلدان المرتبطة بالاقتصاد الصيني.

وإليكم كيف يمكن لفيروس كورونا الجديد أن يؤثر على الاقتصادات في جميع أنحاء العالم.

  • كوريا الجنوبية واليابان

رغم أن البلدين مجهزان تجهيزا جيدا للكشف عن انتشار الفيروس ووقفه، إلا أن كوريا الجنوبية واليابان ستواجهان بعض الصعوبات الاقتصادية بسبب تراجع السياحة، فضلا عن الاضطرابات في الواردات وسلاسل التوريد الصينية. ومع ذلك، ستكون كوريا الجنوبية أكثر تأثرا من اليابان؛ لأن اقتصادها يعانى بالفعل وسط تباطؤ التجارة العالمية الحالي.

وبالفعل، تسبب تفشي المرض في الصين في تعطيل تدفق المسافرين، حيث منعت بكين السياح الصينيين من القيام بجولات جماعية خارجية، والتي تمثل 44% من السياحة الخارجية للبلاد. وقد يؤدي تفشي المرض المستمر إلى وقف تدفق المسافرين الصينيين إلى كوريا الجنوبية واليابان، في حين أن انتشار الفيروس داخل أي من الدولتين سيكون له بطبيعة الحال تأثير مدمر على السياحة بشكل عام.

وتتمتع كوريا الجنوبية واليابان باقتصادات متنوعة على نطاق واسع، إلا أن انخفاض إيرادات السياحة من الصين من شأنه أن يشكل ضربة لبعض المناطق. وفي عام 2019، زار 7.4 ملايين سائح صيني اليابان، بينما ذهب 5.5 ملايين سائح صيني إلى كوريا الجنوبية. وفي اليابان ككل، شكل السياح الصينيون 30.3% من إجمالي السياح، وأنفقوا 16.2 مليار دولار في 2019.

ويقدر معهد بحوث "نومورا" الياباني أن الإصابة بالالتهاب الرئوي الحاد المكتسب "سارس"، في الفترة 2002-2003، كلف اقتصاد البلاد 7.1 مليارات دولار. والأكثر من ذلك، كان نمو السياحة الصينية في عام 2019 عاملا أساسيا في مساعدة المناطق الريفية التي تعتمد على السياحة والمناطق اليابانية صاحبة الاقتصاد الأصغر على تعويض المقاطعة الكورية الجنوبية الناجمة عن الأزمة التجارية بين سيول وطوكيو.

ويتمتع قطاع السياحة في كوريا الجنوبية، أيضا، بتدفق أكبر للسياح الصينيين، الذين ساهموا بنسبة 34% من إجمالي السياح في البلاد في عام 2019، وشكلوا جزءا كبيرا من إجمالي إيرادات السياحة المقدرة بـ21.6 مليار دولار في عام 2019، وهي عائدات مهمة للاقتصاد الكوري الجنوبي المعتمد على التصدير، في وقت يتراجع فيه التصدير في مواجهة الرياح المعاكسة للتجارة العالمية.

وتعرف سيول جيدا ما الذي يمكن أن يعنيه انخفاض عدد السائحين الوافدين بالنسبة للاقتصاد. وفي 2017-2018، منعت بكين المواطنين الصينيين من السفر إلى كوريا الجنوبية في جولات جماعية، ردا على نشر سيول، آنذاك، نظاما دفاعيا صاروخيا أمريكيا، وهو ما كلف سيول نحو 6.82 مليارات دولار من الإيرادات.

وإلى جانب السياح الصينيين، تشعر كوريا الجنوبية بالقلق بشكل خاص من خطر انتشار فيروس كورونا الجديد داخل البلاد؛ نظرا لتجربتها مع متلازمة الشرق الأوسط التنفسية "ميرس" في 2015. وأدى تفشي المرض في كوريا الجنوبية إلى إبعاد السياح؛ مما كلف اقتصاد البلاد خسائر في النهاية وصلت إلى 3.6 مليارات دولار، أو 0.2% من الناتج المحلي الإجمالي. وسيأتي أي انخفاض في إيرادات السياحة في وقت محفوف بالمخاطر بشكل خاص لاقتصاد كوريا الجنوبية، الذي يعاني من الركود بسبب انخفاض الطلب العالمي والتوترات التجارية مع اليابان. ومع ذلك، فإن الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لسيول هو أن المصدرين الكوريين الجنوبيين معرضون للتأثيرات الاقتصادية الناجمة عن انتشار المرض في الصين.

وبالفعل، واجهت أسواق كوريا الجنوبية مخاوف من أن يثبط فيروس كورونا الجديد الاستهلاك الصيني ويضر بسلاسل التوريد. وتمثل الصين نحو 24% من إجمالي تجارة كوريا الجنوبية، بما في ذلك 36% من صادرات الإلكترونيات، و28% من صادرات الآلات، وأكثر من نصف صادرات المواد الكيميائية العضوية.

وسيصيب التباطؤ الصيني المرتبط بالفيروس بشكل خاص صانعي الرقاقات في كوريا الجنوبية، ومصنعي شاشات العرض الأساسية في سلاسل الإنتاج الصينية، وكذلك تجار التجزئة الكوريين الجنوبيين الذين يبيعون إلى السوق الصينية. ومع معاناة اقتصاد كوريا الجنوبية بالفعل في بيئة عالمية صعبة، فإن هذا سيكون مقلقا للغاية.

  • جنوب شرق آسيا

تعد منطقة جنوب شرق آسيا معرضة بالتساوي للتأثير الصحي والاقتصادي للفيروس بالنظر إلى الأعداد الكبيرة من السياح الصينيين الذين يزورون المنطقة، وكذلك الروابط العميقة للمنطقة بالاقتصاد الصيني. وتجعل المستويات المتفاوتة للرعاية الصحية والقدرة على الفحص بين هذه الدول الوضع أكثر خطورة.

وسجلت كل من تايلاند وكمبوديا وسنغافورة وماليزيا وفيتنام حالات إصابة بفيروس كورونا الجديد، وبينما لم تقم "ميانمار" و"لاوس" بالإبلاغ عن حالات، فإن تدفقات السياحة الصينية العالية، والحدود التي يسهل اختراقها مع الصين، تعرضها لخطر الإصابة بالأمراض المعدية.

وفي المنطقة، تواجه تايلاند الحال الأسوأ. ويأتي أكثر من 21% من الناتج المحلي الإجمالي في تايلاند من السياحة والإنفاق ذي الصلة بالصين، في حين أن مدنها أيضا تعد وجهات رئيسية للمسافرين الصينيين.

واعتبارا من 28 يناير/كانون الثاني، سجلت تايلاند 14 حالة إصابة بالفيروس، وهو أعلى رقم خارج الصين.

علاوة على ذلك، فإن الخوف من الفيروس قد يردع السياحة الحيوية من جميع البلدان إلى تايلاند. لكن البلاد قد تعاني من انخفاض دائم في عدد الوافدين الصينيين، الذين بلغ عددهم 10.5 ملايين شخص في 2019، بمستوى إنفاق بلغ 17 مليار دولار. ووفقا لتقديرات هيئة السياحة في تايلاند، قد يؤدي الفيروس إلى انخفاض يقدر بـ2 مليون سائح صيني في 2020، وهي ضربة كبيرة تأتي في مقدمة المشاكل الناجمة عن تعزيز "البات" (عملة تايلاند) والمنافسة مع فيتنام على السائحين والسلسلة العالية من حوادث العبارات التي أحبطت الزوار الصينيين.

ويهدد تفشي المرض تدفق الإيرادات في وقت مقلق بالنسبة لبانكوك، التي تحاول دعم النمو وسط هشاشة سياسية، وضعف الطلب العالمي على قطاع الإلكترونيات والسيارات، فضلا عن الاستهلاك المحلي المتضائل.

وتعتمد فيتنام أيضا على الصين في عدد كبير من السياح يمثل ثلث إجمالي عدد السياح. ومع ذلك، فإن اقتصادها لا يعتمد بشكل مفرط على السياحة؛ لأنها كانت المستفيد الرئيسي من المصنعين الفارين من الصين بسبب الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين.

لكن كما هو الحال مع معظم دول جنوب شرق آسيا، فإن اعتماد فيتنام العميق على سلاسل الإمداد الصينية يعرضها لخطر التداعيات الاقتصادية إذا أدى تفشي مستمر للفيروس إلى إعاقة النمو الاقتصادي للصين.

  • أفريقيا والشرق الأوسط

وفي حين أن أفريقيا بعيدة عن الصين، إلا أن التدفق المتزايد للمواطنين الصينيين إلى القارة في الأعوام الأخيرة يعرضها للخطر. ومع ذلك، فلن تكون أية اضطرابات في الاقتصادات الأفريقية ناجمة عن انخفاض حاد في عدد الوافدين الصينيين، أو بسبب تباطؤ في الاقتصاد الصيني، بل الخوف من تفشي المرض في البلدان نفسها، خاصة أن العديد من الدول تفتقر إلى بنية تحتية مناسبة للرعاية الصحية أو إجراءات فحص قوية.

وفي 28 يناير/كانون الثاني، ذكرت أثيوبيا أنها فرضت الحجر الصحي على 4 طلاب عادوا مؤخرا من ووهان بعد ظهور أعراض الفيروس عليهم.

وتعد أثيوبيا في وضع جيد نسبيا للسيطرة على أي تفشٍ للمرض، لكن الدول الأخرى ممن لها روابط مهمة مع الصين ليست كذلك.

على سبيل المثال، قد ينتشر الفيروس بسرعة أكبر في بلد مثل زيمبابوي، التي تواجه حاليا أزمة اقتصادية وغذائية حادة. وفي الوقت نفسه، فإن العديد من المدن الكبرى في أفريقيا، وخاصة أديس أبابا والقاهرة وجوهانسبرغ والدار البيضاء، كلها وجهات للمسافرين الصينيين والطلاب ورجال الأعمال.

  • أوروبا والأمريكتين

وفي الأمريكتين، تعد كندا والولايات المتحدة الدولتين الوحيدتين اللتين أبلغتا عن حالات حتى الآن، وكلاهما مجهز جيدا لمراقبة التهديد ومعالجته. ويزور عدد أقل من المسافرين الصينيين أمريكا اللاتينية، وهي أيضا أقل عرضة؛ لأن العديد من الرحلات الجوية من الصين إلى المنطقة تمر أولا عبر الولايات المتحدة أو كندا، مما قد يمنع وصول أي شخص يعاني من الفيروس.

وخلال أزمة وباء "سارس" في الفترة مبين 2002-2003، على سبيل المثال، انتشر الفيروس بمعدل أقل بكثير في أمريكا اللاتينية من أي مكان آخر؛ حيث سجلت كل من البرازيل وكولومبيا حالة واحدة مؤكدة فقط، على عكس 250 في كندا، و75 في الولايات المتحدة.

ومع ذلك، فإن الاضطرابات في الاقتصاد الصيني، ستظل لها آثار غير مباشرة على بلدان أمريكا اللاتينية، التي أجرت 307.4 مليارات دولار من التجارة الثنائية مع الصين في 2019.

ومن شأن التفشي طويل الأمد للفيروس أن يعرض صادرات الموارد الزراعية والطبيعية للخطر، وخاصة بالنسبة لشيلي، التي ترسل أكثر من نصف صادراتها الحيوية من النحاس إلى الصين، والبرازيل التي تعتمد على الصادرات الزراعية إلى الصين.

  • باقي آسيا

تتسبب الحدود البرية العديدة للصين مع شمال شرق آسيا ووسطها في تعريض بلدان أخرى لخطر الفيروس؛ مما دفع منغوليا وكازاخستان إلى فرض قيود صارمة على الحركة من الصين. ومع ذلك، يتعين على معظم البلدان الموازنة بين الحاجة إلى حماية سكانها والتداعيات الاقتصادية والسياسية لقطع الروابط مع الصين.

وبشكل خاص تشعر بالقلق كوريا الشمالية، التي حظرت وصول السياح الصينيين، وأنشأت منطقة للحجر الصحي على حدودها. وفي حين أن النظام الاستبدادي الكوري الشمالي الصارم يبدو أنه ساعد في التغلب على كل من اندلاع "سارس" في الفترة 2002-2003، وتفشي فيروس "كورونا" عام 2015، فإن الفيروس الجديد يعرض البلاد لمعضلة أكبر؛ حيث أصبح السياح الصينيون، الذين بلغ عددهم 350 ألفا العام الماضي وحده، مصدرا حاسما للدخل بالنسبة لاقتصاد البلد الذي يكافح تحت وطأة العقوبات.

ومصدر الخطر الآخر لبيونج يانج هو العمال الكوريين الشماليين في الصين، الذين يقدر عددهم بـ50 ألف عامل. وكان من المفترض أن يعود العمال إلى كوريا الشمالية في أواخر الشهر الماضي وفقا للعقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة، لكن العديد منهم لم يعودوا بسبب التنفيذ العشوائي للتدابير.

ومع ذلك، فمنذ ذلك الحين، ربما عاد البعض إلى ديارهم قبل أن تنفذ بيونج يانج إجراءات الحجر الصحي، خاصة في الفترة التي سبقت بداية العام القمري الجديد.

  • النتيجة

يعد تفشي الفيروس الجديد في الصين وضعا ضبابيا يتطور بسرعة. وما يحدث الآن غير مؤكد بدرجة كبيرة. والأمر أسوأ من ذلك بالنسبة للبلدان التي تحاول احتواء انتشار الفيروس داخل حدودها.

وإذا أدت استجابة الصين الداخلية إلى حل مشكلة الفيروس في مهده، فقد يبلغ عدد الحالات ذروته في الأسابيع المقبلة، مما يؤدي إلى تخفيف القيود خلال الشهرين المقبلين.

لكن إذا ثبت أن التدابير غير فعالة، وانتشر الفيروس، أو أصبح أكثر فتكا، فإن فترة الحضانة والعدوى الطويلة قد تعني استمرار ظهور الحالات على المستوى الدولي لبعض الوقت.

وفي مثل هذا السيناريو، لن ترفع السلطات في الصين وخارجها القيود في أي وقت قريب؛ مما يبشر بعام صعب على صناعة السياحة العالمية.

المصدر | إيفان ريس/ستراتفور - ترجمة وتحرير الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

فيروس كورونا حجر صحي الاقتصاد العالمي

علماء: الخفافيش هي سبب انتشار فيروس كورونا

الفلبين تسجل أول وفاة بكورونا خارج الصين

أبل تنضم لستاربكس وماكدونالدز بإغلاق متاجرها في الصين

توقعات: 160 مليار دولار خسائر الاقتصاد العالمي بسبب كورونا

الصين تخصص 173 مليار دولار لمكافحة كورونا

النفط وكورونا يضعان الاقتصاد العماني في مأزق

29.3 مليار دولار خسائر شركات الطيران بسبب كورونا

مجموعة العشرين تبحث تداعيات كورونا في اجتماع بالسعودية

تراجع تاريخي للنشاط الصناعي في الصين بسبب كورونا

فولكس فاجن تعلق إنتاجها مؤقتا بسبب كورونا