من جوليو ريجيني إلى باتريك جورج.. المصير المظلم للباحثين الحقوقيين في مصر

الاثنين 10 فبراير 2020 02:59 م

ربما كانت مفارقة، أن يجري اعتقال وتعذيب طالب الماجستير المصري، العائد من إيطاليا، "باتريك جورج"، بالتزامن مع حلول الذكرى الرابعة لمقتل الباحث الإيطالي "جوليو ريجيني"، الذي عثر عليه مقتولا في مصر 3 فبراير/شباط 2016.

وأعاد اعتقال "جورج" قضية "ريجيني" إلى الواجهة مجددا، وسط مخاوف من أن يلقى المصير ذاته، بعد توجيه اتهامات له بـ"التحريض على قلب نظام الحكم، وترويج المبادئ والأفكار التي ترمي إلى تغيير مبادئ الدستور الأساسية، والترويج لارتكاب جريمة إرهابية والترويج لاستخدام العنف".

ويثير اعتقال "جورج"، التساؤلات حول مصير قضية "ريجيني"، وتراجع حدة الموقف الإيطالي تجاه القاهرة، ومماطلة الجانب المصري في الكشف عن مرتكبي الجريمة، التي قد تتكرر من جديد، لكن هذه المرة بحق باحث مصري يباشر دراسته في إيطاليا.

طالب بولونيا

و"باتريك جورج"، هو طالب دراسات عليا في جامعة بولونيا، شمالي إيطاليا، إضافة إلى كونه ناشطا في الدفاع عن حقوق الإنسان، بـ"المبادرة المصرية للحقوق الشخصية" (منظمة حقوقية مستقلة).

وكان "جورج" في إجازة دراسية من عمله للحصول على درجة الماجستير في إيطاليا، وتم توقيفه قبل أيام وهو عائد إلى القاهرة، والتحقيق معه من قبل جهاز الأمن الوطني (جهة استخباراتية داخلية) في مطار القاهرة، حيث تعرض لإخفاء قسري مدة يومين.

وتقول السلطات المصرية، إنه تم احتجازه بناء على أمر قضائي، صدر في سبتمبر/أيلول الماضي، بعد مغادرته لمتابعة دراسته.

وأحيل "جورج" إلى مكتب المدعي العام في مسقط رأسه بالمنصورة (أحد محافظات الدلتا في مصر)، وتقرر حبسه 15 يومًا على ذمة التحقيقات، وسط اتهامات له بالضلوع في احتجاجات سبتمبر/أيلول الماضي، الداعية لرحيل نظام الرئيس "عبدالفتاح السيسي".

جدل الجنسية

اللافت أن جنسية "باتريك جورج" صارت مثار جدل كبير، بعد الربط بين مصيره، ودراسته في إيطاليا، وبين ما حدث لطالب الدكتوراه الإيطالي "جوليو ريجيني"، في القاهرة قبل 4 سنوات، وسط تأكيدات بتعرضه للضرب والتهديد والتعذيب بالكهرباء، أثناء سؤاله عن عمله ونشاطه.

وإزاء تداول تقارير تفيد بأن "جورج" يحمل الجنسية الإيطالية، سارعت وزارة الداخلية المصرية، لنفي ذلك، في بيان رسمي، قائلة إنه "لا يحمل سوى الجنسية المصرية"، وإن القبض عليه جاء تنفيذا لقرار سابق من النيابة العامة على ذمة التحقيق في "قضايا جنائية".

وقال مصدر أمني مصري، الأحد الماضي، إنه "باتريك" مصري الجنسية واسمه بالكامل "باتريك جورج ميشيل زكى سليمان"، في محاولة لإجهاض أية ضغوط إيطالية أو أوروبية حول مصيره.

وعلى الرغم من النفي المصري لتمتع "جورج" بالجنسية الإيطالية، فإن الصخب انتقل إلى روما، وسط دعوات للتحقيق في الواقعة، وإثارة قضية "ريجيني" من جديد.

تصعيد إيطالي

وقد علق النائب في البرلمان الإيطالي "إيراسمو بالازوتو" على واقعة احتجاز "جورج" على حسابه بـ"تويتر"، بالقول إن "الحكومة الإيطالية لا ينبغي أن تتجاهل هذه الواقعة، بينما تتعامل مع دولة تنتهك حقوق الإنسان".

وتساءل رئيس لجنة التحقيق الإيطالية في قضية "ريجيني" بالبرلمان الإيطالي: "كيف لا نزال نعتبر مصر دولة آمنة؟!"، مضيفا بالقول: "الحكومة الإيطالية يجب أن تطلب الإفراج الفوري عن الباحث باتريك جورج وتطلب توضيحات بشأن ما حدث".

وأعلن وزير التعليم العالي الإيطالي السابق، عن نيته التقدم بطلب تحقيق برلماني على الفور في وقائع تعرض "باتريك" للتعذيب والانتهاكات على يد قوات الأمن المصري.

ودعا  مسؤول بارز بوزارة التعليم في إيطاليا، دول الاتحاد الأوربي إلى الانضمام إلى بلاده، في الضغط على القاهرة من أجل إطلاق سراح الناشط المصري.

وشدد "بيبي دي كريستوفارو"، على أنه "يجب فعل كل شيء من أجل ضمان سلامة جورج وتجنب تكرار المشاهد غير المقبولة من التعذيب".

خلية إرهابية

 ومن وجهة نظر القانون المصري، يواجه "باتريك جورج" اتهامات خطيرة للغاية، حيث تتهمه السلطات بالانضمام إلى "خلية إرهابية تحرض على قلب نظام الحكم، وإدارة واستخدام حساب على الشبكة المعلوماتية بغرض الإخلال بالنظام العام والإضرار بالأمن القومي"، وهي ذات التهم التي دأب النظام المصري على توجيها لمعارضيه منذ الانقلاب العسكري منتصف العام 2013.

وتستند تلك الاتهامات في الغالب، على تحريات أمنية يجريها جهاز الأمن الوطني الذي تصفه تقارير حقوقية بأنه "سيئ السمعة"، ولديه تاريخ طويل من انتهاكات حقوق الإنسان.

ولم يعرف إلى الآن الوضع الصحي لـ"جورج" (27 عاما)، كذلك لم يرد في بيان الداخلية المصرية أي رد بشأن مزاعم تعرضه للتعذيب، أو الأدلة التي لاتهامه في قضية تصل عقوبتها إلى السجن المؤبد (25 عاما).

"ريجيني" جديد

 ووسط مخاوف من ظهور "جوليو ريجيني جديد"، وقع ناشطون على عريضة للمطالبة بالإفراج عن "جورج"، وحظي وسم " #باتريك_جورج_فين"، بتداول واسع عبر مواقع التواصل، ما جدد المطالبات بفك شفرة مقتل "ريجيني" والكشف عن القتلة، قبل ارتكاب جريمة ثانية.

وفي يناير/كانون الثاني الماضي، أعلنت النيابة العامة في مصر، تشكيل فريق تحقيق جديد لـ"دراسة وترتيب أوراق قضية ريجيني" (28 عامًا)، وهي خطوة لم تنل رضا الجانب الإيطالي، واعتبرتها أوساط إعلامية وحقوقية في روما محاولة للمماطلة وتضييع الوقت.

وتستند روما في ضغوطها على النظام المصري إلى شهادة مصدر قال إنه تحدث إلى عضو في جهاز استخبارات مصري حول الشاب الإيطالي، خلال مؤتمر للشرطة بدولة أفريقية، حيث أخبره قائلا: "اعتقدنا أنّه جاسوس بريطاني. أوقفناه وبعدما وضعناه في السيارة قمنا بضربه.. قمت بنفسي بضربه مرارا في وجهه"، بحسب صحيفة "كوريري ديلا سيرا".

وحصل الشاهد الإيطالي الذي تم حجب اسمه على اسم العميل الاستخباراتي المصري، وهو أحد 5 عملاء قالت السلطات الإيطالية إنهم حققوا في قضية مقتل "ريجيني"، الذي اختفى عندما كان في طريقه لاستقلال مترو الأنفاق في 25 يناير/كانون الثاني 2016.

ورغم مرور 4 سنوات على مقتل "ريجيني"، فإن الستار لم ينسدل بعد عن مرتكبيها، ويبدو أن "باتريك جورج" الذي يعيش المأساة ذاتها، سيعطي زخما لقضيته من جديد، وقد يدفع باتجاه تصعيد إيطالي أوروبي لتقديم الجناة للعدالة.

المصدر | الخليج الجديد

  كلمات مفتاحية

قلق أوروبي لاعتقال مصر الباحث باتريك جورج

رايتس ووتش: المدافعون عن حقوق الإنسان بمصر في خطر

عائلة ريجيني تدعو إلى إطلاق سراح الباحث المصري باتريك جورج

رئيس برلمان مصر ينتقد نظيره الأوروبي بسبب باتريك جورج

النيابة المصرية تتهم باتريك جورج بالترويج للتحريض ضد الدولة

بعد انتقادات بسبب ريجيني.. إيطاليا تنفي بيع سفينتين حربيتين لمصر